الاخبار العربية والعالمية

فى فيلم “الحب المنسي”.. البنت التى أعادت الحياة لأبيها | فن سام نيوز اخبار

تناولت السينما علاقات الحب بمختلف أطيافها، وخاصة الغرام بين الرجل والمرأة، لكن القليل منها تناول العلاقة بين الأب وابنته، ذلك الحب الغائر فى أعماق الروح، الذى تلعب القيم المجتمعية دورا كبيرا فى صياغة تجلياته.

فى مجتمعات الشرق، قد يكون مـن الصعب إظهار هذا الحب إلا فى مناسبات الولادة والزواج والنجاحات الدراسية، حيـث يعبر الأب عَنْ فرحته، وفي مرض الأب أو تعرضه لمكروه، اثناء تعبر الابنة عَنْ حزنها واهتمامها.

فى فيلم “الحب المنسي” (Forgotten Love) الذى يعـرض حاليا على شاشة نتفليكس، يطرح المخرج ميشيل غازدا رؤية لذلك الحب الذى تحول مـن مشاعر تنمو مـن اثناء الحياة اليومية الي مشاعر هائلة تعقل وتتخذ القرارات نيابة عَنْ العقل العاجز والذاكرة المهترئة، لتعيد التئام علاقة بين أب وابنته افترقا أكثر مـن 15 عاما.

 

استطاع المخرج ميشيل غازدا ان يعيد قراءة رواية “البروفيسور ويلكزور” (Profesor Wilczur) للروائي البولندي دوليغا-موستوفيتش، التى نشرت عَامٌ 1939، ليعيد تصوير النص الروائي فى تلك المرحله الزمنية.

استعان المخرج بأكثر مـن 1700 شخص فى التصوير لإعادة أجواء ما قبل منتصف القرن الماضي مـن حيـث المنازل والحانات والشوارع والملابس والحقول، لكن الأهم والأكثر بلاغة فى العمل السينمائي الرائع هو تلك التفاصيل الصغيرة فى حوارات العمل أو مفاصله الدرامية.

نقل العمل أيضا طبيعة الصراع الاجتماعي والقيمي بين طبقات وفئات المجتمع البولندي، كَمَا نقلت بدقة تقاليد تلك المرحله بشكل يكشف الهوة الهائلة بين اللحظة الراهنة وتلك التى عاشها المجتمع البولندي منذ أقل مـن 100 عَامٌ.

تدور الرواية حول قصة الجراح المعروف رافاي ويلكزور -الذى يجسد دوره الممثل ليزيك ليشوتا- الذى اكتشف ذات يـوم ان زوجته غادرت المنزل مع ابنتهما ماريسيا، ويحاول البحث عنها، لكنه يقع ضحية لقطاع الطرق.

بعد تعرضه للضرب المبرح يعاني مـن خسارة الذاكرة، ويتجول فى القرى، ويعمل فى مهن غريبة ليحصل على طعام ومأوى.

يعيش ويلكزور باسم أنتوني كوسيبا، ويبدأ عمله كمعالج دون شهادة علمية أو ترخيص بالعمل كطبيب، وبعد إجراء عملية جراحية ناجحة لشاب مقعد، يكتسب شهرة باعتباره معالجا عظيما.

قرار درامي

يلتقط ميشيل غازدا الخط الدرامي الخاص بالزوجة الهاربة مع ابنتها الطفلة، ليبدأ فى تشكيل نسيج درامي سينمائي، يحتوي على مزيج مـن الإثارة التى يحدثها عمليات بحث الأب والابنة عَنْ بعضها، بينما يلتقيان دون ان يعرف كل منهما الآخر.

يتضمن الميلودراما أيضا التى يحدثها ترصد الابنة لحادث مع اصابه قاتلة، ثم ترصد الأب للسجن، وفي لفتة قاسية، يقوم صاحب الفيلم بتغير الخط الروائي الخاص بالطبيب المنافس الذى لا تربطه علاقة بالبروفيسور ويلكزور فى الرواية، ليكون صديق عمر للبروفيسور، ومرافق دائم له فى العمل السينمائي.

ذلك الصديق الذى استغاث به البروفيسور، فذهب إليه مسرعا، ليجده يتعرض للضرب المبرح، فيخذله ويقف ليشاهده حتـى يسقط بلا حراك، ثم ينصرف، ليؤكد فى المشهد القادم ان الدكتور ويلكزور رئيس الجراحين قد قتل. لم يكن ما ارتكبه الصديق خذلان فقط، ولكنه فعل يرقى لدرجة الخيانة.

وأضافت الدراما التى كتبها كل مـن السيناريست مارسين باكزينسكي وماريوس كوتزيفسكي بعدا جديدا للعمل، فقد أثرى الفيلم على مستوى شحنة المشاعر المتولدة عَنْ الخذلان، وصنع غازدا إيقاعا موسيقيا تصاعديا للأحداث، حتـى جاء الي قمه التعقيد الروائي، حيـث يسلم البروفيسور ويلكزور نفسه للشرطة معترفا بممارسة الطب دون ترخيص فى سلوك نبيل محاولا إبعاد ابنته (التى لم يكن يعرف أنها ابنته حتـى الان)، بينما تهرب الابنة مـن القرية، حماية لأبيها (لم تكن تعرف أنه أبوها أيضا)، بينما يتم إخفاء مكان ماريسيا عَنْ الكونت الذى كان قد ترصد لخطبتها بعد قصة حب قصيرة.

اثناء يصل الفيلم الي هذه المرحله، تبدأ الأزمات فى التحلل، وتظهر الحلول، عبر تحولات فى الشخصيات نفسها، وقد يكتسب الضعيف قوة شخصية تحوله الي حل أو جزء مـن الحل بعد ان كان جزءا مـن الأزمة، وقد يستيقظ ضمير أحدهم، فيعترف وتنقلب الامور، وقد يتذكر شاب ثلاثيني ما حدث مـن الدكتور ويلكزور منذ 20 عاما اثناء أنقذه مـن الموت ويذهب ليقدم شهادة براءته.

وقد حدثت كل تلك التحولات لشخوص العمل، وبعضها مصادفات ضعيفة، لكن أضعف ما فى الدراما إجمالا هى تلك المصادفة التى تجعل مـن شخص فاقد الذاكرة، يعيش متجولا بين القرى يصادف ابنته فى قرية جاءت لتعيش فيها مصادفة أيضا.

ذاكرة القلب

الإنسان فى حقيقته ليس سوى ذاكرة تمشي على الأرض، وفي حال فقدها، يكون أقرب الي جسد بلا هوية، ورغم ان الآخرين قد يتذكرونه جيدا، لكن تظل علاقته بالعالم هشة وغير حقيقية.

ويرى صناع الفيلم ان ثمة ذاكرة للقلب هى التى تسوق الجسد/الشخصية الي مـن يحبهم، ويعرفهم القلب وحده دون الذاكرة العاجزة، ولأن الأبناء قطع مـن القلوب فلا غرابة فى تذكر القلب للابنة.

وقد أجاد الممثل البولندي ليزيك ليشوتا أداء دور الشخص فاقد الذاكرة، خاصة بعينيه اللتين ظلتا فى حالة نظر للاشيء منذ فقد ذاكرته، كَمَا استخدم ملامح وجهه بمهارة شديدة فبدت رغم كل الانفعالات محايدة، كَمَا لو أنها لا تنتمي لعالمها.

وعلى العكس مـن ليشوتا، لم تكن الممثلة ماريا كوالسكا التى قدمت دور الابنة ماريا جولانتا ويلكزور على مستوى الأداء المطلوب، رغم الميلودراما التى شكلت مساحة واسعة كان يمكنها تقديم أداء متميز فيها، لكن ماريا بدت فى حالة أقرب الي البرود.

وقد أثر ذلك الأداء للممثلة الشابة فى المشهد الرئيسي (الماستر سين) بالمحكمة، اثناء تدخل ماريسيا الي قاعة المحكمة لتعيد تعريف نفسها باعتبارها ابنة الدكتور ويلكزور ثم تندفع لتعانقه، فرغم أهميته بدا أقل مـن عادي بسـبب ذلك الأداء الباهت لفتاة تعثر على أبيها الذى فقدته منذ الطفولة وتعرفت عليه بعد ان أنقذها مـن الموت بجراحة دقيقة فى المخ ومغامرة كادت تدخله السجن.

ولعل ديكور وملابس الفيلم هى أكثر ما يمـيز هذا العمل المبهج، إذ استعاد المخرج أجواء الريف البولندي، وملابسه المميزة، وتفاصيل المنازل والحياة اليومية للفقراء وللأغنياء أيضا، كَمَا أخلص المخرج ميشيل غازدا لشخصيات عمله، فلم تظهر اى منها مبتورة أو غير مبنية بشكل جيد، ولعل الامر يعود بالأساس الي كون العمل مأخوذ عَنْ رواية أدبية.

ذاكرة الأب

مـن اثناء مشهد مكبر لعجلة ساقية ومياه جارية بالأسفل، يخبرنا المخرج بمرور الوقت، وهو تعبير بصري بلغة السينما يشير الي دوران الشمس، ويستدعي مقولة “وجرت فى النهر مياه كثيرة”، نجد الدكتور ويلكزور قد تزوج، وهو يحضر الان زواج ابنته.

ظهر البروفيسور ويلكزور الذى استعاد ذاكرته فى المشهد الأخير فى كامل أناقته كَمَا بدا فى الْمُشَاهِدِينَ الأولى للعمل، واحتفل بزواج ابنته مـن الكونت الشاب فى حضور والدة الكونت ووالده، بينما الأم قد حذرت الابنة مـن الاستمرار فى مشروع الزواج مـن ابنها مشيرة الي الفارق الطبقي، فى موقف درامي اقتبسه المخرج وكاتبا السيناريو مـن رواية “غادة الكاميليا” للروائي ألكسندر دوماس.

قدم “الحب المنسي” عاطفة أبوية نبيلة استطاعت كارت الحب -التى لم تكن معروفة نظرا لفقدان الذاكرة- ان تنقذ الابنة مـن الموت بعد ان تخلى عنها الأطباء، واستطاعت ان تعمل كبوصلة لاستعادة الابنة والذاكرة والحياة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى