الاخبار العربية والعالمية

قانون الهجرة الفرنسي.. “الحل” السهل لظاهرة معقّدة | آراء سام نيوز اخبار

توصّل البرلمان الفرنسي- فى التاسع عشر مـن الشهر الحالي، وبعد جدل ساخن- الي التصويت على قانون الهجرة، حيـث حصل على موافقة 349 مـن النواب، بينما عارضه 186 نائبًا.

وتواصل الجدل بعد التصويت حول التصويت نفسه، فالمعارضون يقولون: إنه بدون 88 مـن أصوات التجمع الوطني (اليمين المتطرف) ما كان يمكن لهذا القانون ان يمر، بينما تقول الأغلبية الحاكمة، ومَن تحالف معها: إنها استطاعت ان تصادق على هذا القانون دون الحاجة الي أصوات الجبهة الوطنيه.

بغض النظر عَنْ جدل الأرقام والزوايا المتنوعة فى النظر اليها؛ باعتبار ان التقنيات الحسابية تعطي أعدادًا مختلفة للأغلبية المطلوبة، فإنّه مـن المؤكد ان الصيغ الأكثر تضييقًا على المهاجرين- والتي أدخلت على النسخه الأصلية- هى التى جعلته يمر بهذه السهولة نسبيًا.

خلافات عميقة

لقد بات مـن المعروف، الان، أنه كلّما اشتدت الأزمة الاقتصاديه فى فرنسا، وتعمّقت الخلافات السِّيَاسِيَّةُ، برزت قضايا الهجرة الي السطح، تحت لافتات متعددة. وهذه المرّة احتدم الخلاف حول ما عُرف بقانون الهجرة.

يتكوّن هذا القانون مـن ستّ وعشرين مادة، وهو القانون العشرون فى اثناء أربعين سنة تقريبًا، ولا أظن انّ مصيره سيكون افضل مـن القوانين التى سبقته فى هذا المجال تحديدًا؛ لأن أسباب ظاهرة الهجرة السرية تتعمّق أكثر، وما دام ان أسبابها الأولى ما زالت قائمة- وأن الغرب ما زال ينهب خيرات الشعوب الاخرى، ويسلط عليها أنظمة مهمتها الأولى رعاية مصالحه- فإن هجرات التضحية بالحياة مـن اجل تأمين شروط الحياة ستستمر وبوتيرة أكبر.

لقد يئست الشعوب مـن تغيير أنظمتها الظالمة؛ لأنها فى كل مرة تجد نفسها قد عادت للمربع الاول، فالنظام الرأسمالي هو المتحكّم حتـى فيمن ثاروا عليه، وبالتالي لم يبقَ أمامهم مـن حلّ غير رحلات الموت الشاقة إليه لانتزاع بعض مـن حقوقهم. فلا يمكن مـن ناحيةٍ فرملة هجرة الإنسان، وفتح الأبواب على مصراعَيها لحركة الأموال والأشياء مـن جانب اخر.

ما مضمون هذا القانون وما اهم المستجدات فيه؟ وما موقف الأحزاب السِّيَاسِيَّةُ منه؟ وما هى الغاية مـن سنّ القانون؟

تناول هذا القانون المسائل الآتية:

إجراءات ترحيل “المنحرفين”، الإعانات الاجتماعية، تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، تحديد نسبه المهاجرين، الحصول على الجنسية الفرنسية، الإقامة الدراسية، إعانة الدولة الصحية.

المواد الأساسية

ترحيل المنحرفين: فى السابق كانـت إجراءات الترحيل تشمل فقط الذين يشكلون خطرًا على أمن الدولة، وخاصةً بعد التوسّع فى تطبيق قانون الإرهاب. فى القانون الجديـد تمتد إجراءات الترحيل لتشمل المحكوم عليهم بعشر اعوامٍ سجنًا أو أكثر فى قضايا إجرامية. يُشترط للتمتّع بالإعانات الاجتماعية: المنحة العائلية ومنحة السكن وغيرها مـن الإعانات، الإقامةُ فى التراب الفرنسيّ لمدة سنة بشكل قانوني. لم يكن هذا الامر مشروطًا لاحقًا.

تجدر الملاحظةُ هنا ان هناك مسارين متوازيين. كلما ازداد عَدَّدَ المتنافسين مـن أصحاب النفوذ على نهب خيرات الشعوب الاخرى، ضعف منسوب النهب، وبالنتيجة تتقلص تدريجيًا إمكانات الدولة، وتعجز عَنْ الإيفاء بالتزاماتها، وتوفير أسباب ما اعتاد عليه مواطنوها مـن حياة الرفاه، فتلجأ -أول ما تلجأ- الي قضم حقوق المهاجرين، وتدريجيًا التلويح بحرمانهم منها كليًا.

3- تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين: كانـت التسوية ممكنة لكل مـن اشتغل بشكل غير قانوني، وكل مـن تحتاج سوق العمل لخدماته. أصبحت التسوية الان مشروطة بأن تمضي على إقامته غير القانونية ثلاثُ اعوام، وعلى العمل اثنَا عشر شهرًا اثناء السنتَين الأخيرتين.

ولكن حتـى مع توفر هذه الشروط، فإن الملفات تُدرس حالة بحالة، ويمكن لاعتبارات تقدّرها الإدارة المعنية ألا تفضي بالضرورة الي منح المترشح إقامة قانونية لمدة سنة واحده قابلة للتجديد.

تحديد عَدَّدَ أقصى للمهاجرين الشرعيين القادمين الي التراب الفرنسي، ما عدا طالبي اللجوء السياسي، اثناء السنوات الثلاث القادمة، فى خطأ واضحة لدستور البلاد.

كان الحصول على الجنسية الفرنسية آليًا لكل مـن وُلد على الأراضي الفرنسية؛ بحكم حقّ الأرض، ولكن قانون الهجرة الجديـد يشترط ان يعبّر المترشّح عَنْ رغبته فى الحصول على الجنسية بطلب يتقدّم به بين سنّ السادسة عشرة، والثامنة عشرة، وطبعًا الطلب سيعرض على لجنة للنظر، ويمكن ان تجد ما يستوجب رفضه.

استحداث ضرورة توفير ضمان مالي لكل طالب يريد الحصول على إقامة دراسية. منحة الدولة المخصصة للمقيمين بصفة شرعية لم تلغَ، ولكن الحصول على “إقامة مهاجر مريض” سيتمتع بها فقط مـن يتعذر معالجتهم فى بلدانهم.

موقف الأحزاب السِّيَاسِيَّةُ

الفكرة المحوريّة التى تحكم هذا القانون هى تقليص حظوظ فـوز التجمع الوطني (اليمين المتطرف) فى الانتخابات الرئاسية القادمة؛ بدعوى ان الاستجابة لمطالبه ورؤيته لموضوع الهجرة، ستسحب البساط مـن تحت قدَميه.

ولكن- فى تقديرنا- هذه مراهنة خاسرة؛ لأن الناخب الفرنسي الذى فقد الثقة فى السياسيين التقليديين، يمكن ان يفكّر فى إعطاء صوته لأصحاب هذه الأفكار الأصليين لا لمن نسخها عَنْ غيره.

ومع ذلك فقد أحدث هذا القانون بلبلة كبيرة فى أوساط الأحزاب السِّيَاسِيَّةُ. كتلة الإحياء (168 نائبًا)- وهي الكتلة المؤيدة للرئيس ماكرون- صوّتت لصالح القانون، ولكن 37 مـن نوابها صوتوا ضده؛ باعتبار انّ النصّ كانـت صيغته النهائيه متناقضة مع المعادلة الأصلية “فى الوقت نفسه”؛ بمعنى التحكم فى الهجرة مع تحسين أوضاع المهاجرين، فى الوقت نفسه.

حزب المودام- وهو تقليديًا مـن أحزاب الوسـط (51 نائبًا)- صوَّت ثلاثون منهم لصالح القانون واعترض خمسة نواب، وتحفَّظ خمسة عشر نائبًا. بينما رأى الجمهوريون – (62 نائبًا)- ان فرنسا بهذا القانون، امتلكت الوسائل لاستعادة قدرتها على التحكم فى سياستها المتعلقة بالهجرة.

أمّا حزب التجمع الوطني- (88 نائبًا)- فقد صوت بـ “نعم”، مع أنه يعتبر ان النص- وإن حَقَّق ترصدًا ملحوظًا- ما زال بعيدًا عَنْ المطلوب. مـن ناحيتها صوتت الأحزاب اليسارية- وفي مقدمتها حزب فرنسا المتمردة (75 نائبًا)- واعتبرت ان قانون الهجرة ضرب فى العمق الحريات والحقوق الأساسية، وأنها ستعمل على الاعتراض عليه بكل الأشكال القانونية.

هذا القانون فى الحقيقة يعكس العجز امام مسألة الهجرة السرّية شديدة التعقيد. ولن تستطيع القوانين معالجتها مهما كانـت صارمة. ما يطلق عليه بالهجرة السرية ظاهرة معقدة، وهي نتيجه لعلاقة الغرب المتمدن نسبيًا مع نفسه والمتوحّش مع غيره.

هى ظاهرة إن لم تعالَج أسبابها المباشرة المتمثلة فى سياسة النهب الممنهج لخيرات الشعوب الاخرى، فلن تفلح القوانين فى الحد منها، وستتواصل موجات الهجرات عبر البر والبحر متحدّية بذلك كل الحواجز التى وضعتْها دول المرور، وكل الترسانة القانونية التى صنعتْها دول اللّجوء المادي والسياسي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى