قراءة بخطاب نصر الله.. رسائل متعددة ومحددات اشتعال جبهة لبنان | سياسة سام نيوز اخبار
مراسلو الجزيرة نت
بيروت- مع قرب انتهاء الشهر الاول مـن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” فى 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، أطل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لأول مرة -اليـوم الجمعة- فى خطاب انتظره كثيرون حول العالم، باعتباره سيكشف أحد مسارات الحرب وجبهاتها الموازية.
وفي قراءة أولية لخطاب استغرق أكثر مـن ساعة، بدا ان نصر الله يرسم حدود دور حزبه بالحرب، انطلاقاً مـن هدفين رئيسين هما: وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم السماح لإسرائيل بالقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تحت اى ظرف، مقابل تحريك المعركة على الجبهة اللبنانية، استنادا الي محددين: تطورات الحرب فى قطاع غزة، وسلوك قوات الاحتلال تجاه لبنان.
ابرز ما تضمنه الخطاب
ولعل خطاب أمين حزب الله الذى اتسم بغموض الاحتمالات المجانية، وكان مشحونا برسائل أساسية أطلقها مـن أبرزها:
- التأكيد على فلسطينية قرار عملية “طوفان الأقصى” وسرية العملية التى نُفذت دون علم سائر أقطاب ما يسمونه “محور المقاومة” وأن قرارات مختلف فصائل المقاومة، يأتي مـن قياداتها، وليس مـن طهران، رغم دعمها الكامل لهم.
- التأكيد على انخراط حزب الله فى الحرب، وتعداد ابرز الأهداف التى حققتها الجبهة اللبنانية، بإشغال واستنزاف جيش الاحتلال، حيـث اعلن إن ثلث جيش الاحتلال فى الجبهة الشمالية، وتم إشغال نصف القدرات البحرية وربع القوات الجوية ونحو نصف الأنظمة المضادة بالقبة الحديدية وإخلاء نحو 43 مستوطنة قريبة مـن لبنان.
- مخاطبة واشنطن بوصفها المسؤولة المباشرة عَنْ العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن مصير الحرب واحتمال تمددها لجبهات أخرى رهن سلوك الإدارة الأمريكية بهذا الاتجاه.
- القول إن ما يجري بالجبهة اللبنانية لن يتم الاكتفاء به، ثم تلاه إعلان الجاهزية والعدّة لمواجهة الأساطيل الأميركية، والتمليح بأن تصعيد إسرائيل مع حزب الله سيؤدي لحرب إقليمية، إذ اعلن لواشنطن “مـن يريد منع حرب إقليمية يجب ان يسارع لوقف العدوان على غزة”.
- تثبيت الدور المحوري للمقاومة فى العراق، وقوات مـن يسمون أنفسهم “أنصار الله” (الحوثيين) فى اليمن، وما يشكلانه مـن تهديد للمصالح الأمريكية بالمنطقة وقواعدها العسكرية التى تحولت لأحد اهداف ما تسمى “المواجهة والتصدي” بينما كان لافتاً عدم الاتيان على ذكر دور الجبهة السورية.
- مناشدة الدول والأنظمة العربية بالضغط لوقف العدوان الإسرائيلي، عبر الدعوة لاستخدام أوراق قوتها الاقتصاديه والمصالح التى تربطها بواشنطن وإسرائيل مـن غاز ونفط ومختلف الامدادات.
- التلويح بأن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وبموازاة المعارك العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال، ستبقى مفتوحة لعمليات التسلل نحو العمق الإسرائيلي.
وكان نصر الله واضحا بالتأكيد على ان مصير المنطقة ما قبل عملية “طوفان الأقصى” ليس كَمَا بعدها، انطلاقا مـن عودة القضية الفلسطينية الي قمة المشهد، وأن العملية اكتسبت مشروعيتها مـن 4 عناوين ذكرها: ملف آلاف الأسرى فى السجون الإسرائيلية، ملف التمادي غير المسبوق لإسرائيل بالاعتداء على المقدسات والمسجد الأقصى، مخاطر تهديد الضفة الغربية بتوسيع عمليات الاستيطان، الحصار الظالم على مليوني إنسان فى قطاع غزة.
سيناريوهات ما بعد الخطاب
وبينما يرى البعض ان خطاب نصر الله لم يرقَ لمستوى التصعيد المتوقع لإسناد المقاومة الفلسطينية، يعتبر الباحث والمحلل السياسي توفيق شومان بأن اهميه الخطاب تكمن بانطلاقه مـن عدم علمه المسبق بعملية “طوفان الأقصى” ردا على مـن يتهمون فصائل المقاومة بأنها ذراع إيرانية بالمنطقة.
وقال للجزيرة نت إن نصر الله حاول الانتباه على ان الأهداف تسجل بالنقاط فى الوقت الحالي وليس بالضربة القاضية، رداً على مـن يسأل “متى سيدخل حزب الله الحرب”.
واعتبر شومان ان نصر الله أبلغ رسائل تهديدية واضحة لواشنطن ومن خلفها إسرائيل، حول قوة ترسانته العسكرية الجاهزة لحرب إقليمية، والأهم “ذكره لمعادلة ان المدني سيكون مقابل المدني بالرجوع لحرب 1986” إذا ما قررت إسرائيل ضرب المدنيين فى لبنان.
وبرأيه، فإن وتيرة المعركة بين حزب الله وقوات الاحتلال ما زالت ثابتة عند ما انتهت إليه، وأن تصاعدها بالانزلاق نحو حرب على لبنان “سيؤدي لحرب شاملة بالمنطقة تستهدف المصالح الأميركية أولا”.
ويفيد المتحدث بأن مصير الجبهة اللبنانية مرتبط بمصير الحرب على غزة، وأن السباق حالياً بين احتمال الهدنات المؤقتة وبين استمرار وتوسع الحرب لجبهات أخرى بينما “نقل نصر الله القرار مـن تل أبيب الي واشنطن، كفتح لباب التفاوض وإعادة الحسابات”.
محددات الخطاب وأهدافه
تقول المحللة والصحفية فى جريدة الأخبار اللبنانية (الموالية لحزب الله) ميسم رزق بأن نصر الله حدد الخطوط العريضة للعدوان الصهيوني على غزة، على قاعدة ان “إسرائيل هى مـن شنت الحرب وحددت أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة وحكم حماس للقطاع، حتـى جاء الي الامر إجراء اتصالات مع الأميركيين لبحث خطط تهجير الفلسطينيين مـن قطاع غزة الي مصر والأردن”.
وتقول الصحفية للجزيرة نت إن خطاب أمين عَامٌ حزب الله تأكيدٌ على مواجهه هذه الخطوط، والضغط لأجل وقف العدوان و”التشديد على ان إيغال العدو بدماء الفلسطينيين وقصف منازل المواطنين والمنشآت الخدمية ليخرج بصورة المنُتصر، ستسقط قواعد الاشتباك المعمول بها على الجبهات الاخرى، وستضع المنطقة امام واقع مفتوح على كل الاحتمالات”.
اما إعلان نصر لله هدفي وقف العدوان على غزة وعدم السماح بالقضاء على حماس، فيعبّر وفق المحللة عَنْ سجية حركات المقاومة بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ويعد انتصاراً بحد ذاته، “كَمَا ان بقاءها على رأس القطاع وعدم تحرير الأسرى إلا بشروط هو انتصار أيضا”.
اما المحددان اللذان أعلنهما نصر لله، وفق الصحفية، فهما:
- محدد هجومي، مرتبط بمسار الحرب، اثناء أشار الي ان المقاومة بلبنان وحركات المقاومة بالمنطقة ستبادر لعمليات أكبر وأوسع وأشمل قد تفتح كل الجبهات، ربطاً بسياق الاحداث السِّيَاسِيَّةُ والعسكرية والتداعيات الناتجة عنها.
- محدد ردعي، مرتبط بالساحة اللبنانية و”ضبط الجنون الإسرائيلي بحال فكر بالاعتداء على لبنان، حيـث حذر نصر الله مـن اى حسابات خاطئة للعدو، وبمعادلة المدني مقابل المدني”.
غير ان جوهر الخطاب -برأي الصحفية فى جريدة الأخبار الموالية للحزب- هو توجه نصر الله لواشنطن، باعتبارها تقود الحرب وتحشد الدعـم اللوجستي والعسكري والدولي لإسرائيل، وبيدها وقفها، بعدما تلقت إسرائيل صفعة “طوفان الأقصى” وفقدت زمام المبادرة والسيطرة، وترى ان نصر الله أطلق تهديداً لواشنطن يعد الاول مـن نوعه بقوله “أعددنا العدة لهذه الأساطيل الأميركية التى جاءت لتهديدنا وردعنا”.
وتختم الصحفية بالقول إن الجبهة اللبنانية تواصل لعب دورها كجبهة مساعدة ومساندة لغزة، وتعود للنقاشات الدائرة فى إسرائيل وواشنطن وعواصم القرار حول سيناريوهات الحرب، إذ “ثمة توجه نحو التراجع والذهاب لهدنة إنسانية، وحراك جدي وأكبر بملف الأسرى، وكله رهن أداء وصمود المقاومة بغزة، والحراك السياسي والشعبي بالمنطقة، وعمليات حركات المقاومة بلبنان والساحات الاخرى” حيـث إن هذه العوامل مجتمعة “ستؤثر بسياق المعركة واحتمالاتها، امام مشهد لم تكتب خاتمته بعد”.