قنابل إسرائيل الغبية فى غزة.. نوايا الاحتلال بنظرة علمية | علوم سام نيوز اخبار
تقول العلوم العسكرية إن القنابل الذكية هى الأداة الأكثر فعالية فى الحروب، فبدلا مـن ان يضطر المفجر الي إسقاط العشرات أو حتـى المئات مـن “القنابل الغبية” لضرب الهدف بشكل فعال، فإن واحده مـن القنابل الذكية قد تؤدي هذا الغرض.
وبينما يردد جيش الاحتلال الإسرائيلي دوما ان هدفه مـن الحرب فى غزة هو استهداف حركة المقاومة الإسلامية “حماس“، فإن إفراطه فى استخدام “القنابل الغبية” يكشف نواياه الحقيقية فى استهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة “شعب غزة”، وليس مقاتلي المقاومة.
ذكية وغبية.. ما الفرق؟
تتكون القنبلة التقليدية بشكل عَامٌ مـن بعض المواد المتفجرة المعبأة فى صندوق قوي مزود بآلية صمام، وتحتوي آلية الصمامات على جهاز الاعلان، وعادة ما يكون نظام تأخير زمني أو جهاز استشعار للصدمات أو جهاز استشعار لقرب الهدف والذي يقوم بإشعال القنبلة، وعندما يُضرب الزناد يُشعل الصمام المادة المتفجرة مما يؤدي الي انفجار، ويؤدي الضغط الشديد والحطام المتطاير الناتج عَنْ الانفجار الي تدمير الهياكل المحيطة.
يقول الأستاذ المشارك فى بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية مايكل أرمسترونغ لـ”الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني: “القنبلة الغبية -التى يُطلَق عليها أيضا القنبلة غير الموجهة- تحتوي على هذه العناصر فقط، ويتم إسقاطها مـن طائرة (مثل القاذفة بي2)، وتوصف بالغبية لأنها ببساطة تسقط على الأرض دون ان توجه نفسها الي هـدف محدد بشكل فعال، فهي تسقط حيثما يأخذها زخمها والرياح، فإذا أُسقطت مـن صعود عالٍ بواسطة طائرات تحلق على مستوى عالٍ، فإن دقتها تكون منخفضة جدا، وفي هجمات الحرب العالميه الثانية امام مدن فى أوروبا، كانـت القنابل تسقط على مسافة 1000 قدم مـن الهدف، ولكن إذا أُسقطت مـن صعود منخفض بواسطة طائرات تغوص نحو الهدف، فإن دقتها يمكن ان تكون أعلى بكثير”.
ويوضح أرمسترونغ أنه “على النقيض مـن ذلك، تحتوي القنابل الموجهة أو القنابل الذكية، على مستشعر إلكتروني (مثل الكاميرا أو نظام تحديد المواقع العالمي) وآلية توجيه (مثل الزعانف)، ونظام تحكم مدمج (حاسوب على متن الطائرة)، وهذا يتيح توجيهها نحو الهدف اثناء السقوط، وتعتمد الدقة على التكنولوجيا الخاصة بها، فعندما تعمل بشكل صحيح يمكن للصواريخ الحديثة ان تصيب أهدافا صغيرة مثل المباني الفردية أو المركبات”.
قنبلة ذكية.. كيف تعمل؟
ويشرح موقع “هاوستاف وورك” الأميركي المعروف آلية عملها قائلا: إنه “عندما تقوم طائرة بإسقاط قنبلة ذكية، تصبح القنبلة طائرة شراعية ثقيلة بشكل حصري ليس لديها اى نظام دفع حصري بها مثل الصاروخ، ولكن لديها سرعة أمامية (بحكم إسقاطها مـن طائرة مسرعة)، كَمَا ان لديها زعانف طيران تولّد الرفع وتثبّت مسار طيرانها، ويمنح نظام التحكم والزعانف القابلة للتعديل القنبلة وسيلة لتوجيه نفسها اثناء انزلاقها فى الهواء، وأثناء طيران القنبلة يقوم نظام الاستشعار ونظام التحكم بتتبع الهدف المحدد على الأرض، حيـث يقوم نظام الاستشعار بتغذية نظام التحكم بالموقع النسبي للهدف، ويقوم نظام التحكم بمعالجة هذه البيانات وتحديد كيفية توجيه القنبلة نحو الهدف”.
ويضيف أنه “لتشغيل القنبلة فعليا، يرسل نظام التحكم رسالة الي المحركات التى تضبط زعانف الطيران، وتعمل هذه الزعانف بنفس الطريقة الأساسية التى تعمل بها اللوحات المتنوعة الموجودة على متن الطائرة. ومن اثناء إمالة الزعانف فى اتجاه معين، يعمل نظام التحكم على زيادة السحب الذى يعمل على هذا الجانب مـن القنبلة، ونتيجة لذلك تدور القنبلة فى هذا الاتجاه، وتستمر عملية التعديل هذه حتـى تصل القنبلة الذكية الي هدفها. وتعمل آلية الصمام بتفجير المادة المتفجرة، وتحتوي القنابل الذكية عموما على صمامات تقارب، والتي تفجر المادة المتفجرة قبل ان تصل القنبلة الي الهدف مباشرة، أو صمامات صدمية، والتي تفجر المادة المتفجرة عندما تصطدم القنبلة فعليا بشيء ما”.
لماذا لا تستخدم إسرائيل القنابل الذكية؟
وتمد الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل بشكل مستمر بهذه القنابل الذكية، فقد حصـلت إسرائيل -على سبيل المثال- عَامٌ 2004 على نحو 5000 قنبلة ذكية فى واحده مـن أكبر صفقات الأسلحة بين الحلفاء منذ اعوام، وبلغت قيمتها 319 مليون دولار. وقبل الحرب الحالية وافقت أميركا على نقل ما قيمته 320 مليون دولار مـن هذه القنابل الي إسرائيل. وقال تقرير نشرته “سي إن إن ” فى 6 نوفمبر/تشرين الثانى الماضي إن واشنطن تخطط لنقل هذه القنابل الي إسرائيل لدعم حربها على حماس.
والسؤال: لماذا لم تستخدم إسرائيل القنابل الاذكية بكثافة فى هذا الحرب؟ حتـى إن تقرير استخباراتي أميركي نقلته مجموعه “سي إن إن”، اعلن إن تقييما للاستخبارات الأميركية، وجد ان قرابة نصف القذائف التى قصف بها الجيش الإسرائيلي غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي هى مـن القذائف غير الموجهة المعروفة بـ”القنابل الغبية”.
يقول أرمسترونغ: “القوات الجوية عادة ما تفضل القنابل الموجهة (الذكية)، لأنها عادة ما تكون أكثر دقة، لكن القنابل غير الموجهة الغبية ظلت موجودة، ولا تزال هى الأكثر وفرة، لأنها أرخص وأسهل فى الإنتاج، والجيش الأميركي والإسرائيلي يمتلكان عددا منها فى مخزوناته يفوق القنابل الموجهة، ونظرا لأن إمدادات القنابل الذكية محدودة، فإن القوة الجوية ستستخدمها امام الأهداف التى مـن المهم ضربها أو حيـث يكون مـن المهم عدم تفويتها، فعلى سبيل المثال، قد تستخدم لضرب مبنى عسكري فى مدينة ما”.
وإذا كان الهدف المعلن مـن الحرب على قطاع غزة، هو انهاء حركة حماس، فإن الإسراف فى استخدام القنابل الغبية التى لا تختار أهدافها بدقة، يعني ان إسرائيل تتخذ مـن استهداف حماس ستارا لإبادة شعب غزة، وهو ما تدعمه تصريحـات الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء 12 ديسمبر/كانون الاول الحالي، والذي أقر أخيرا بأن إسرائيل قامت بـ”قصف عشوائي” فى غزة.
كَمَا نقلت مجـلة “نيوزويك” الأميركية الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الاول عَنْ ضابط رفيع فى القوات الجوية الأميركية قوله إن “هجـوم “رأس الحربة” إسرائيل على غزة هو فى الواقع هجـوم “رأس الحربة” على المدنيين”.
قنابل غبية.. القانون الدولى
وتعني هذه الحقائق التى وضح عنها المقال الأميركي ان إسرائيل أبعد ما تكون “علميا” عَنْ التوصيف كدولة تتمتع بأنظمة ديمقراطية والتزام قوي بالقانون الدولى، حتـى وإن امتلكت القنابل الذكية النظيفة الأقل استهدافا للمدنيين.
بينما دراسة لباحثين مـن جامعة بنسلفانيا الأميركية نُشرت فى دورية “جورنال أوف كونفلكت رزليوشن”، تتبعت عمليات شراء القنابل الذكية على مستوى العالم وأجرت تحليلا إحصائيا دقيقا دعمت به فرضيتها التى تقول إن الدول التى تواجه تهديدات أمنية -وخاصة تلك التى تتمتع بأنظمة ديمقراطية والتزام قوي بالقانون الدولى- هى الأكثر اقتناء لتلك القنابل التى لا تستهدف المدنيين، وعدّت تلك الدراسة أميركا وإسرائيل مـن تلك الدول. وما لم تقم الدراسة بتحليله هو معدل استخدام القنابل الذكية حال امتلاكها.
ولكن استشاري الطب النفسي بجامعة الزقازيق المصرية احمد عبد الله، كان له تحليل نفسي ذهب فيه الي ان قلة استخدامها يكشف عَنْ ان إسرائيل هدفها الرئيسي مـن هذه الحرب هو إرهاب الجمهور الفلسطيني وتدمير معنوياته وإفقاد المقاومة الحاضنة الشعبية، لذلك فإنها لا تهتـم باستهداف حماس قدر اهتمامها باغتيال البشر والحجر على أرض غزة باستخدام قنابلها الغبية.
ويقول عبد الله فى حديث هاتفي لـ”الجزيرة نت”: إنه “وفقا لنظرية التحليل التفاعلي للعالم المعروف إيرك برن، والتي تُستخدم فى علم النفس العسكري لفهم جوانب معينة مـن الصراعات، فإن إسرائيل خاطبت الجانب الطفولي فى الشخصية منذ بداية الحرب بترديد تصريحـات ساذجة، وهي أنها تخوض حربا فى غزة للقضاء على حماس، والحقيقة ان الاستقبال الواعي الراشد للرسائل الإسرائيلية يكشف سخافة القول بأن الهدف هو حماس فقط، بينما التدمير الحاصل طوال 70 يوما هو لشعب غزة، والقنابل الغبية تؤكد ذلك”.
ووفق هذه النظرية تُفهم التفاعلات البشرية مـن اثناء ثلاث حالات هى الوالد والراشد والطفل، حيـث تشير حالة الوالد الي الأفكار والمشاعر والسلوكيات التى تبناها الفرد مـن شخصيات السلطة، وتشير حالة الراشد الي الجانب العقلاني والموضوعي والمنطقي للشخص، اما حالة الطفل فهي المشاعر والعواطف والسلوكيات التى عاشها الفرد عندما كان طفلاً، ولا تزال تؤثر فيه وفي تفاعلاته.
ويوضح عبد الله ان إسرائيل “وجهت رسالتها فى بداية الحرب مستهدفة الجانب الطفولي فى الشخصية، ونجحت لفترة، الي ان بدأ يحدث تغيير لدى مستقبلي رسائلها فى العالم والذين اتضحت لهم الحقائق، مثل حقيقة الإفراط فى استخدام القنابل الغبية، ليستقبلوا رسائلها بالجانب البالغ والعقلاني مـن الشخصية”.
ويضيف: “لكن للأسف، ما زال قطاع ضخم فى العالم العربي يستقبل المزاعم والتصريحات والقرارات والخطط الصهيونية بالجانب الطفولي مـن الشخصية”.