كسوف حلقة النار.. هل ينهي الخلاف بشأن بداية شهر رمضان؟ | علوم سام نيوز اخبار
لم تكن منطقتنا العربية على موعد مع مشاهده كسوف حلقة النار الذى حدث الامس السبت فى أجزاء مـن الولايات المتحدة والمكسيك وأميركا الجنوبية والوسطى، لكن خبراء اعتبروه دليلا على دقة الحسابات الفلكية، وهو ما دعاهم للسؤال: لماذا إذن يحدث الخلاف السنوي بشأن بداية شهر رمضان؟
يحدث كسوف الشمس عندما يمر القمـر بين الأرض والشمس، ثم يحجب صورة الشمس كليا أو جزئيا عَنْ الأرض، ويكون هذا الكسوف حلقيا عندما يكون القطر الظاهري للقمر أصغر مـن قطر الشمس، مما يحجب معظم ضوء الشمس ويتسبب فى ظهورها على شكل دائرة تسمى “حلقة النار”.
العلاقة بين الكسوف وميلاد الهلال
يقول عصام جودة مؤسس الجمعية المصرية لعلوم الفلك والرئيس السابق لها للجزيرة نت إن “كسوف الشمس هو الاقتران أو المحاذاة بين الشمس والقمر والأرض، والتي يمكن ملاحظتها، وهي علامة الدخول الي مرحلة جديدة مـن القمـر، حيـث يولد هلال الشهر الجديـد بعد الكسوف”.
ويضيف جودة ان “معرفتنا بموعد الكسوف الحلقي قبل حدوثه بسنوات هى شهادة على دقة الحسابات الفلكية، لكن هذه الشهادة -التى تأكدت السبت بحدوث الكسوف فى موعده- لن تجدي للأسف بعد شهور مـن الان، وسيحدث اختلاف كل عَامٌ على موعد بداية شهر رمضان”.
ويؤكد ان بعض الدول “لا تزال تشترط رؤية هلال رمضان رغم أنها فى شهور أخرى تسير وفق الحسابات الفلكية، والمشكلة ان الرؤية تكون مرتبطة بعوامل كثيرة، منها الطقس الذى قد يحجب مشاهده الهلال، لذلك فإن الأجدى هو الالتزام بالحسابات الفلكية طالما أنه لم يعد هناك مجال للتشكيك فى دقتها”.
ويؤيد رئيس قسم الفلك فى المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية أشرف شاكر ما ذهب إليه جودة، مشيرا فى تصريحـات هاتفية للجزيرة نت الي ان دار الإفتاء المصرية والجهات المعنية فى دول أخرى أعلنت فى بيـان لها الامس السبت (يـوم حدوث الكسوف الحلقي) ان الاثنين هو أول أيام شهر ربيع الآخر، وهو ما يعني حدوث ميلاد لهلال الشهر الجديـد بعد الكسوف.
وميلاد الهلال هو اللحظة التى يعبر فيها خط الاقتران الواصل بين مركز الشمس والقمر والأرض، حيـث يكون اجتماعها على خط واحد مُقَدَّمَةٌ لميلاده.
ويتساءل متعجبا “لماذا لم تختلف أغلب الدول على تحديد بداية هذا الشهر، لكنها يمكن ان تختلف بعد شهور على تحديد بداية شهر رمضان”.
ويقول إنه مع التقدم العلمي فى الحسابات الفلكية لم يعد هناك مجال للخطأ، ولا بد مـن توحيد بدايات شهر رمضان بناء على تلك الحسابات التى توقعت كسوف السبت الحلقي قبل حدوثه بسنوات.
فوائد الكسوف الحلقي بين العرب والغرب
بدأ كسوف الامس السبت الحلقي للشمس فى ولاية أوريغون الأميركية الساعة 09:13 بالتوقيت المحلي (17:13 “توقيت” غرينتش)، ومر عبر كاليفورنيا ونيفادا ويوتا ونيو مكسيكو، ووصل الي تكساس الساعة 12:03 بالتوقيت المحلي (18:03 “توقيت” غرينتش)، ثم أصبح مرئيا عبر وسـط وشمال أميركا الجنوبية.
ويعد هذا الحدث أول كسوف حلقي للشمس يعبر الولايات المتحدة منذ 20 مايو/أيار 2012، وإذا كانـت استفادة العالم العربي والإسلامي مـن حدوثه -رغم عدم رؤيته- هى فائدة وحيدة تنحصر فى التأكد مـن دقة الحسابات الفلكية الخاصة ببدايات الشهور العربية فإنه كان مفيدا فى الولايات المتحدة والمكسيك وأميركا الجنوبية والوسطى، للاستمتاع برؤيته واختبار بعض الظواهر الطبيعية المصاحبة له، كَمَا تم التخطيط لتجربة علمية تم تنفيذها.
ويقول ماجد أبو زهرة رئيس ومؤسس الجمعية الفلكية بجدة فى بيـان تلقت الجزيرة نت نسخة منه إن “هناك المزيد مما يمكن تجربته اثناء الكسوف الحلقي، مثل التغيرات فى أصوات العصافير والحشرات، فمن المعروف ان الحياة البرية تستجيب لانخفاض ضوء الشمس، ويمكن باستخدام التلسكوبات المزودة بمرشح حصري بالشمس مشاهده حبيبات رائعة مـن ضوء الشمس (خرزات بيلي) تتلألأ عبر الجبال القمرية، خاصة حول القطبين الشمالي والجنوبي للقمر”.
وأوضح أبو زهرة أنه “إضافة الي ذلك تم استغلال الحدث لإجراء تجربة علمية ضوء مسار الكسوف الحلقي فى المنطقة القطبية لدراسة طبقة (الأيونوسفير) فى الغلاف الجوي لكوكبنا باستخدام هوائيات ضوء مجموعه مـن مشغلي الاتصالات اللاسلكية لاختبار قوة وصول إشارات الترددات العالية كمقياس لتحديد تأثير الكسوف على الغلاف الجوي للأرض، لمعرفة مقدار تأثر طبقة الأيونوسفير بكسوف الشمس ومدة بقاء ذلك التأثير ومقارنة النتائج بالكسوفات السابقة والقادمة”.
فوائد أكبر للكسوف الكلي
ورغم هذه الفوائد فإن شاكر يؤكد على ان علماء الفلك يكونون أكثر اهتماما وحماسا بشأن كسوف الشمس الكلي، لانه يمكنهم وقتها رؤية (الهالة الشمسية) بسهولة، لذلك سيكون الكسوف الكلي الذى سوف يحدث فى 8 أبريل/نيسان مـن العام القادم أكثر اهميه مـن الناحية العلمية.
ومنذ العصور القديمة لم يعلمنا كسوف الشمس عَنْ كوكبنا فحسب، بل عَنْ نظامنا الشمسي وطريقة عمل الكون ككل، وقد كان الإغريق والرومان القدماء هم أول مـن بدؤوا فى اكتساب بعض المعرفة العلمية اثناء الكسوف الكلي، حيـث لاحظوا ظواهر مختلفة مثل الهالة الشمسية (الغلاف الجوي الخارجي للشمس)، والذي يظهر بوضوح اثناء الكسوف الكلي.
ويقول شاكر إن “فهم الهالة الشمسية يساعد العلماء على فهم أقرب نجم لنا بشكل افضل، والذي يؤثر على الأرض بطرق متعددة، بدءا مـن طقسنا الي غلافنا الجوي، وحتى طريقة تواصلنا”.
تاريخ مـن الأبحاث والاكتشافات
وأدى تاريخ الملاحظات اثناء الكسوف الشمسي الكلي الي فهم افضل لكيفية تأثير انبعاث الجسيمات مـن الشمس على الأرض، حيـث يمكن لتلك الجسيمات -التى تسمى الانبعاثات الجماعية الإكليلية- ان تشكل تهديدا لرواد الفضاء وتعطل الاتصالات والأقمار الصناعية، بل وتتسبب فى انقطاع التيار الكهربائي كَمَا حدث فى كيبيك بكندا عَامٌ 1989.
كَمَا أدى كسوف الشمس عَامٌ 1868 الي اكتشاف عنصر جديد هو الهيليوم، فعلى الرغم مـن أنه أحد العناصر الأكثر وفرة فى عالمنا فإنه لم يتم العثور عليه على الأرض حتـى عَامٌ 1895.
وخضعت نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين -التى ينص جزء منها على ان الجاذبية يمكنها ثني الضوء- لأول اختبار تجريبي جاء الى الفيزيائي البريطاني آرثر إدينغتون اثناء كسوف كلي للشمس فى 29 مايو/أيار 1919.
ومن اجل إجراء التجربة قام إدينغتون بتصوير وقياس مواقع النجوم المتنوعة فى السماء قبل وبعد كسوف الشمس، بينما فكرته أنه إذا كان أينشتاين على حق فإنه يجب ان تبدو النجوم وكأنها تنحني قليلا عَنْ مكانها الطبيعي فى السماء.
وأثبت إدينغتون صحة نظرية أينشتاين التى أصبحنا الان قادرين على رؤية تأثير أكثر دراماتيكية لها، مع انحناء الضوء مـن المجرات البعيدة.
وسيكون العلماء على موعد بعد شهور مع فوائد علمية جديدة يتم التخطيط لاقتناصها مـن الكسوف الكلي القادم فى 8 أبريل/نيسان 2024، بينما الكسوف الحلقي القادم سيكون فى الثانى مـن أكتوبر/تشرين الاول 2024.