الاخبار العربية والعالمية

كيف وضح العدوان على غزة تناقضات سياسة الخارجية الألمانية النسوية؟ | سياسة سام نيوز اخبار

برلين- طموحات كبيرة تلك التى أعلنتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عندما اعتلت منصبها لأول مرة، وهي السيدة التى كانـت مرشحة مـن حزب الخضر لمنصب رئيسة الوزراء خلفا للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل، قبل ان يحصل الحزب على المركـز الثالث فى الانتخابات.

لكن سياسة ألمانيا الخارجية فى عهد الوزيرة الشابة -وهي أوّل سيدة تتولى حقيبة الخارجية- تثير جدلا كبيرا خصوصا إثر وقوف برلين بشكل حازم بجانب إسرائيل فى عدوانها على قطاع غزة.

BERLIN, GERMANY - MARCH 22:  German Chancellor Olaf Scholz and Foreign Minister Annalena Baerbock talk prior to the weekly government cabinet meeting on March 22, 2023 in Berlin, Germany. High on the morning's agenda is Germany's participation in the ongoing Operation EUNAVFOR MED IRINI, the European Union's military mission in the Mediterranean Sea to implement the current United Nations weapons embargo against Lybia. (Photo by Maja Hitij/Getty Images)
المستشار الألماني أولاف شولتز ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (غيتي)

تناقض

وقبل اشهر أعلنت بيربوك لأول مرة عَنْ “سياسة خارجية نسوية” قوامها “المساواة بين الجنسين ودعم السلام”، حيـث اعلنت فى اجتماعات الأمم المتحدة، فى فبراير/شباط الماضي، إن “حقوق الإنسان هى عالمية. وحياة إنسان هى حياة إنسان، بغض النظر عَنْ الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو التوجه الجنسي، أو المعتقد”.

وتابعت حينها “لهذا السبب سنتحدث علنا فى هذا المجلس عندما تُنتهك حقوق الإنسان سواء فى الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب”. لكنها رغم ان عَدَّدَ ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة يقترب مـن 20 ألف شهيد وآلاف الجرحى وحوالي مليوني إنسان مُهجّرين، لا تزال ترفض بشكل واضح وقفا نهائيا لإطلاق النار.

يقول خبير العلوم السِّيَاسِيَّةُ الألماني ميشيل برونينغ -للجزيرة نت- إنه “يتم تعريف المصالح الألمانية بشكل متزايد على أنها تحديات أخلاقية، ورغم أنه لا حرج فى الدفـاع عَنْ معتقدات المرء، إلا ان أولوية الأخلاق تأتي بثمن باهظ”.

ويضيف “فى الواقع، هذه المسألة عزلت برلين فى قضايا أساسية عدة عَنْ الإجماع العالمي المتزايد، وأحدث مثال على ذلك هى الطريقة الألمانية الخاصة بينما يتعلق بصراع الشرق الأوسط“. واستخدم الباحث مصطلح “Sonderweg” الذى يشير الي نهج ألماني خالص فى تنظير مختلف عَنْ النهج الأوروبي.

ونشطت بيربوك بقوة منذ بدء الحرب على غزة فى دعـم إسرائيل، وقالت فى 23 أكتوبر/تشرين الاول الماضي فى مجلس وزراء خارجية أوروبا، إن وقف الاعلان النار غير ممكن بمبرّر ان “الحرب على الإرهاب ضرورية” وأن “تل أبيب لا تزال تتعرض لإطلاق الصواريخ”.

وكرّرت موقفها فى تصريحـات اعلامية لاحقة، لكن الموقف الألماني لم يصل حد التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة امام وقف الاعلان النار، واكتفت بالامتناع عَنْ التصويت.

فجوة صعبة التقبل

وحاولت بيربوك القيام ببعض التوازن عندما أعلنت ان بلادها سترفع الدعـم الإنساني الموجّه لغزة، علما ان برلين لا تزال تعلّق المساعدات التنموية الموجهة لدعم فرص العمل والمجتمع المدني وإدارة قطاع المياه فى الأراضي الفلسطينية.

وحول ما إذا كانـت ألمانيا غير قادرة على الموازنة بين المصالح وبين ما تعلنه مـن قيم، يقول برونينغ “فى الوقت الذى تروج فيه بيربوك بكل فخر لما يسمى بالسياسة الخارجية النسوية، فإن الفجوة بين الخطاب الأخلاقي والواقع أصبحت صعبة التقبل، خصوصا لدى العديد مـن بلدان الجنوب العالمي”.

وتكتب ليديا بوث، مسؤولة فى فرع مؤسسة “فريدريش إيبرت” الألمانية فى الشرق الأوسط فى مقال لها، “بينما يحذر الخبراء، بمن فيهم النسويات، مـن ان الحكومة الإسرائيلية تقوّض القانون الدولى، فإن مـن يمثلون ما يسمى بالسياسة الألمانية النسوية تواروا عَنْ الأنظار”.

وتضيف “يجب عليهم ان يتذكروا ان المبدأ البسيط والواضح للسياسة الخارجية النسوية هو العمل على تعزيز الحلول السِّيَاسِيَّةُ وليس العسكرية”.

وتوضح ان المبادئ التوجيهية للسياسة النسوية الألمانية، لم يتم تطبيقها عندما راجعت برلين بعد السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، تعاونها مع المجتمع المدني الفلسطيني بشبهة “الارتباط بالإرهاب”، ولا عندما صوّتت بيربوك دَاخِلٌ الاتحاد الأوروبي امام وقف الاعلان النار فى غزة.

وتقول بوث إن سلوك ألمانيا فى الأمم المتحدة خلق حالة مـن “السخط” بين مـن كانوا فى دول الجنوب يتابعون بحماس هذه المبادئ التوجيهية.

وتململ عَدَّدَ مـن المواقف الغربية بعد سقوط الآلاف مـن الضحايا فى غزة، وانتقدت فرنسا استهداف إسرائيل للمدنيين، كَمَا رفعت إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا اللهجة عاليا امام قادة الحرب الإسرائيلية، وخففت المملكة المتحدة دعمها لتل أبيب.

ولكن ألمانيا تبقى الوحيدة بين الدول الأوروبية الكبرى التى ترفض لهجتها فى الحرب على غزة، وأضحت حاليا الداعم الغربي الأكبر لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة.

“لا يوجد تغيير”

ورغم الدعـم التقليدي لإسرائيل، احتفظت السياسة الألمانية الخارجية فى بعض فتراتها بمسافة نقدية أتاحت لها المزيد مـن الهامش، وآخر وزير خارجية جسد هذا الامر هو زيغمار غابرييل، الذى تولى الوزارة 14 شهرا ما بين 2017 و2018.

والتقى خلالها منظمات تنتقد بقوة سياسات تل أبيب، وهو الامر الذى دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الي إلغاء مقابلة معه، لكن جاء بعده هايكو ماس الذى دعـم إسرائيل فى حربها على غزة عَامٌ 2021، ثم الوزيرة الحالية بيربوك.

وبحسب ماركوس بيكل، رئيس قسم الأمن والشؤون الخارجية بموقع “تيبيل ميديا” (Table.Media)، فى حديث مع الجزيرة نت؛ لا يوجد تغيير كثير فى السياسة الخارجية بين حكومتي أنجيلا ميركل والمستشار أولاف شولتز، لكن ما يمـيز أنالينا بيربوك فى نظره، عَنْ سابقيها هو “رفعها الأصبع للحديث عَنْ الوضع السيئ لحقوق الإنسان فى زياراتها لعدد مـن الدول العربية والإسلامية”.

ويضيف “بينما يخصّ إسرائيل، فإن سياسة الحكومة الألمانية ككل تعتمد على النظر لتل أبيب كمصلحة عليا، وهو ما تتقاسمه جميع أحزاب البلاد”، ويقول إن ألمانيا ترى ان تصريحـات الرئيس الفلسطيني محمود عباس -عندما اعلن فى برلين إن “المجازر الإسرائيلية تساوي 50 هولوكستا”- واقعة لم تدعم الموقف الفلسطيني فى ألمانيا.

وفي ظرف شهر واحد، استقبلت ألمانيا ضيفين انتقدا إسرائيل بشكل كثير، وهو ما تسبب لها بإحراج واضطر مستشارها شولتز الي تأكيد وقوفه مع تل أبيب، والأول كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذى اتهم إسرائيل بالتصرف “كدولة إرهابية”، والثاني الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذى اعلن إن ما يجري فى غزة “إبادة جماعية”.

ولا يمكن عزل موقف بيربوك عَنْ موقف شولتز الذى صرّح بشكل غريب، نهاية أكتوبر/تشرين الاول الماضي، بأنه “لا يشك أبدا فى ان الجيش الإسرائيلي، وفي كل ما يفعله، سيراعي القواعد المشتقة مـن القانون الدولى”، حسب تقديره.

ولم يصدر عنه أو حكومته اىّ موقف ناقد للسياسات الإسرائيلية فى غزة، باستثناء قول بيربوك مؤخرا إنه مـن مصلحة إسرائيل إمداد سكان غزة بالطعام حتـى “لا يغذي الجوع الإرهاب”، وفق تعبيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى