لسان حال سكان غزة: بأي حال عدت يا رمضان؟ | سياسة سام نيوز اخبار
غزة– أفاقت نادية الدبس صباح اليـوم الأحد على صوت ابنها الصغير البالغ مـن العمر 8 اعوام، طالبا منها إحضار والده الي الخيمة كي يجلب له “فانوس رمضان” الذى اعتاد على إحضاره له كل عَامٌ.
بكت “نادية” كثيرا لأنها تعلم استحالة تنفيذ طلب ابنها، فزوجها يُقيم شمالي قطاع غزة، بينما هى مع أبنائها فى مدينة دير البلح وسـط القطاع المحاصر، فى اثناء منع إسرائيل التواصل بين المنطقتين بشكل كامل.
ومما يزيد مـن ألم الأم ان اقتراب شهر رمضان فى اثناء غياب “الأب” أصاب ابنتها الكُبرى بحالة “اكتئاب” جعلتها ترفض تناول الطعام والشراب.
ونزحتْ الأم الفلسطينية قبل نحو 4 شهور مـن مدينة غزة مع أبنائها الثلاثة، هربا مـن حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، على أمل ان يلحق زوجها بها.
لكن الأب لم يتمكن مـن الالتحاق بأسرته، كونه لا يحمل “كارت هوية شخصية” حسبما تقول زوجته، وهو ما شتت شمل العائلة. وغلبت الدموع “نادية” وهي تشكو قسوة الحياة، خاصة ان اقتراب شهر رمضان أصاب أبناءها بالحزن الشديد لغياب والدهم.
وتضيف للجزيرة نت “ابني الصغير متعلق بوالده كثيرا، ويقول لي: أحضري لي أبي الان، خلّيه يُحضِر لي فانوس رمضان ويأتي الان”. وبعد لحظات مـن البكاء، تضيف “حسبي الله ونعم الوكيل، لا نشعر بأجواء رمضان، لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار”.
الركن المفقود
وكان الأب معتادا على شراء 3 فوانيس، قبيل حلول شهر رمضان وتوزيعها على أبنائه الثلاثة، وهي العادة التى حرمه منها الاحتلال. تتابع الأم “أكبر معاناة فى رمضان ان ينقص فرد مـن الأسرة، وليس اى فرد، بل الركن الاساسى هو المفقود، وهو الأب، حالنا لا يوصف، اى عائلة تفرقت حالها لا يوصف”.
وأسرة “الدبس” هى مثال للكثير مـن العائلات الفلسطينية فى القطاع التى شتت جيش الاحتلال الإسرائيلي شملها، وسيجبرها على قضاء شهر رمضان مقطعة الأوصال.
ولا تعاني “نادية الدبس” فى شهر رمضان، فقط غياب الزوج، بل تفتقد المزيد مـن متطلبات الحياة، حيـث تقيم بخيمة بلا ماء ولا كهرباء، وبدون مطبخ ومرحاض، وتجد صعوبة كبيرة فى الحصول على الطعام.
وبحثا عَنْ ظروف افضل لقضاء شهر رمضان، فى اثناء سياسة التجويع التى تمارسها إسرائيل بحق شمال قطاع غزة، قررت عائلة “نجلاء إنطيز” المغادرة.
ووصلت “نجلاء” برفقة زوجها وأطفالها السبعة، يـوم السبت، مدينة دير البلح (وسـط) قادمة مـن مدينة غزة، عبر ممر باتجاه واحد أنشأه جيش الاحتلال لمغادرة سكان الشمال باتجاه الجنوب، بينما لا يسمح للحركة بالاتجاه المعاكس.
وتقول للجزيرة نت “قضاء رمضان فى (شمال) غزة صيام أكثر مـن اللزوم، والإنسان لا صحة له ان يتحمل الجوع والفقر”. وتذكر “نجلاء” ان “المجاعة” فى غزة دفعت الناس الي ان “تأكل الحشائش الخضراء، إن وجدتها”.
وكشاهدة عيان، تذكر ان أجواء إستقبال شهر رمضان مفقودة تماما شمالي القطاع، وتضيف “وضع أهل غزة صعب جدا وأنا أتكلم باسمهم: الأسواق مُحيت، ولا مأكل ولا مشرب، والمساعدات لا تذهب للناس جميعا.. غزة أصبحت لا تصلح للسكن”.
بهجة رغم الحرب
ورغم أجواء الحزن والخوف السائدة فى قطاع غزة، بفعل العدوان الإسرائيلي، يسعي سعيد أبو النجا إدخال بعض السعادة على نفوس أسرته، عبر تعليق زينة رمضان على زوايا خيمته. وبلغت كلفة الزينة قرابة 50 شيكلا (14 دولارا) دفعها أبو النجا رغم الضائقة الاقتصاديه التى يمر بها.
وبالإضافة للزينة، قرر أبو النجا إقامة “صلاة التراويح” دَاخِلٌ الخيمة بمشاركة العائلة والجيران بهدف الحفاظ على عادات رمضان الدينية. ويشعر أبو النجا بالقلق مـن كيفية توفير الطعام اللازم لوجبات السحور والإفطار اثناء الشهر الفضيل.
ويقول للجزيرة نت إنه لا مناص مـن الاعتماد على الطعام المُعلب الذى توزعه المؤسسات الإغاثية، فى اثناء عدم القدرة على طهي الطعام المعتاد اثناء شهر رمضان.
كَمَا يستبعد أبو النجا قدرة الفلسطينيين بغزة على صلة أرحامهم والتزاور كَمَا المعتاد، نظرا لتقطيع إسرائيل أوصال الناس فى الشمال والجنوب، وخطورة التحرك بين المناطق.
ونظرا لافتقاد “الفوانيس” مـن الأسواق، قررت سندس النميلات (17 عاما) تعلم كيفية صناعته مـن اثناء البحث عبر الإنترنت، ونجحت بالفعل بصناعة عدة نماذج منه باستخدام الورق.
وبينما كانـت تضع اللمسات الاخيره لفانوس ورقي فى خيمة أسرتها بمدينة دير البلح، اعلنت للجزيرة نت “أصنع فانوس رمضان والذي تعلمته مـن الإنترنت كي أفرح الصغار بحلول شهر رمضان المبارك”.
ورغم سعيها لإدخال البهجة على نفوس أسرتها، تشعر “سندس” بالحزن على مستواها الشخصي، لافتقاد أجواء شهر رمضان فى منزلها الذى ترصد للهدم مـن جيش الاحتلال، واضطرارها لقضاء شهر رمضان فى خيمة.
وتضيف “فى السابق كنت أقضي رمضان بالدار، مع تجمع العائلة والفرحة، الان فى الخيمة ولا يتجمع الجميع فيها”.
لا أجواء رمضانية
ولا تسمح ظروف “هبة هنداوي” القاسية لها بالشعور بمباهج قدوم شهر رمضان، حيـث إن زوجها الذى يعاني مـن الشلل النصفي يوجد فى المستشفى، بينما تعيش أسرتها فى حالة مـن الفقر الشديد.
وبينما كانـت تنظف كؤوس الشراب وأواني الطعام عبر خرطوم مياه “عَامٌ” يستخدمه النازحون، اعلنت إن شهر رمضان لهذا العام بلا “فرحة، ولا أجواء ولا طعم ولا بهجة لأن ظروفنا المعيشية صعبة”.
وتضيف للجزيرة نت “كيف سنشعر بأجواء رمضان ونحن نعيش فى خيمة، ولا يوجد مطبخ ولا حمام، ولدينا شهداء ومفقودون ومرضى فى المستشفى وحالات صعبة؟! لا طعم ولا بهجة لرمضان فى غزة”.
وتكمل “أنا سأقضي رمضان فى الخيمة، لا أكل ولا شرب ولا أدوات منزلية ولا (موقد) غاز، نلم الكرتون والحطب لتسخين علبة فاصولياء، ولا خضراوات، والأسعار غالية، وزوجي يعاني مـن الشلل النصفي ونائم فى المستشفى، وبنتي لديها ثقب فى القلب، ولا أحد ينفق عليّ، فكيف سنقضي رمضان؟”.
وختمت حديثها بالقول “الناس تعبانة وحزينة، والشهداء والمفقودون والحزن فى كل بيت، ولا أحد سلِم (مـن العدوان)”.