الاخبار العربية والعالمية

لماذا تبدو السماء مظلمة ليلا رغم عَدَّدَ النجوم الهائل؟ | علوم سام نيوز اخبار

مع تلاشي ضوء النهار عند الغسق، تنكشف لوحة داكنة مرصعة بالنجوم فوق رؤوسنا. لكن هذا التحول الليلي المألوف مـن السماء الزرقاء الساطعة الي السماء السوداء المخملية يثير فضول علماء الفلك والفلاسفة؛ فإذا كان الكون يحتوي على بحر مـن النجوم الممتدة على عَدَّدَ لا نهائى مـن السنوات الضوئية، فلماذا لا تكون سماء الليل مشرقة مثل النهار؟!

الإجابة على هذا السؤال قد يبدو بسيطا لكنه حيّر العلماء. إنها فى الواقع مشكلة كونية مشهورة شغلت العلماء منذ قرنين مـن الزمان، واستغرق الامر وقتا طويلا للعثور على الإجابة الصحيحة التى تعرف اليـوم بمفارقة “أولبر”.

مفارقة “أولبر” تحيّر العلماء

إذا سرت فى بستان صغير مـن الأشجار ونظرت بعيدا، فيمكنك رؤية أجزاء مـن الأفق بين جذوع الأشجار مـن حولك. اما إذا وقفت وسـط غابة كبيرة، فإن الرؤية ستكون بالنسبة لك محجوبة تماما فى جميع الاتجاهات بواسطة العدد الهائل مـن جذوع الأشجار الذى يحيط بك مـن كل جانب وعلى مسافات متفاوتة.

Said سعيد - يتغير شكل السماء من ساعة لساعة ومن فصل إلى فصل – بيكسلز – متاح الاستخدام - لك ولطفلك .. تطبيقات وبرامج مجانية تقدم الظواهر الفلكية ببساطة
أولبر اعتقد ان الكون لانهائي، ولكن تبين أنه ليس ايضا فهو محدود مـن حيـث عمره الذى يبلغ نحو 13.8 مليار سنة (بيكسلز)

وبالمثل، إذا كان الكون كبيرا بما فيه الكفاية، فيجب ان يكون خط رؤيتك محجوبا فى كل اتجاه بواسطة جدار سميك مـن النجوم التى تجعل الليل مضيئا مثل النهار.

تعود بنا قصة مفارقة أولبر الي أوائل القرن التاسع عشر، الي عالم فلك ألماني يُدعى هاينريش أولبر الذى كان أول مـن أذاع هذه المفارقة فى الوسـط العلمي رغم ان علماء سبقوه فى تناولها مثل يوهانس كيبلر وإدموند هالي. وكان تساؤل أولبر يدور حول التناقض الظاهري لسماء الليل المليئة بالنجوم اللانهائية والظلام الذى نلاحظه، فإذا كان الكون لا نهاية له ومليئا بعدد لا نهائى مـن النجوم، فإن كل خط رؤية يجب ان ينتهي فى النهايه عند نجم، مما يجعل السماء ليلا مشرقة بشكل موحد.

ومع ذلك، فإن سماء الليل ليست نسيجا مشرقا مـن النجوم اللانهائية، وتغلب عليها الظلمة الحالّة ولا يتخللها سوى الضوء للنجوم والمجرات البعيدة. ولفهم ذلك، علينا التعمق فى مفاهيم عمر الكون وتوسعه.

كيف حلّ العلماء الإشكال؟

اعتقد أولبر ان الكون لانهائي، ولكن تبين بينما بعد أنه ليس ايضا، فهو محدود مـن حيـث عمره الذى يبلغ نحو 13.8 مليار سنة. وبالتالي فإننا لا نرى الأشياء إلا على مسافة بعيدة بقدر المسافة التى تمكّن الضوء مـن قطعها اثناء هذا الوقت، مما يحد مـن عَدَّدَ النجوم التى يمكن رؤيتها، وبالتالي كمية ضوء النجوم التى تصل إلينا.

اتساع الكون يجعل المزيد مـن ضوء النجوم يتحول مـن الطيف المرئي الي أطوال موجية لا يمكن إبصارها بالعين (شترستوك)

يكمن جزء مـن حل مفارقة أولبر أيضا فى توسع الكون، ففي أوائل القرن العشرين، قام علماء الفلك -بما فى ذلك إدوين هابل- بإجراء عمليات رصد رائدة عرضت ان المجرات الاخرى تبتعد بسرعة عَنْ مجرتنا. ويشير هذا الي ان فضاء الزمكان نفسه يتوسع. وبسبب هذا الاتساع، تتمدد موجات الضوء القادم مـن النجوم البعيدة اثناء انتقاله عبر الفضاء، وكلما ارتفعت رحلة الضوء زاد طول موجته، وهي ظاهرة فيزيائية تُعرف باسم “الانزياح الأحمر”. ويعني هذا الانزياح الأحمر ان المزيد مـن ضوء النجوم خارج المجرة يتحول مـن الطيف المرئي الي أطوال موجية للأشعة تحت الحمراء لا يمكن إبصارها بالعين البشرية.

وظهرت أدلة أخرى على  سبب الظلام الذى يلف الأرض ليلا فى إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذى اكتُشف فى عَامٌ 1964 ويمثل توهج الحرارة المتبقية مـن المراحل الأولى لولادة الكون مـن الانفجار الكبير. فبعد التوسع الانفجاري الأولي بَرد الكون مع استمرار تمدده، مما أدى فى نهاية المطاف الي انفصال الضوء عَنْ المادة، وأصبحت الفوتونات قادرة على التدفق بحرية عبر الفضاء مثل إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذى نلاحظه اليـوم. وإذا نظرنا الي الفضاء فى جزء الموجات الدقيقه مـن الطيف، فسنجده فى الواقع مضاء فى جميع الاتجاهات.

الظلام فى الكون ليس فراغا

هناك مشكلة أخرى فى تفسير سماء الليل المظلمة، تتضمن التمييز بين الكون المرئي والكون بأكمله، فالكون المرئي لا يمثل سوى المنطقة الكروية الصغيرة مـن الفضاء التى تمكّن الضوء مـن الوصول إلينا اثناء حياة الكون.

المادة المظلمة قد تكون مسؤولة عن الثقوب السوداء
المادة المظلمة تخفي مصادر الضوء فى الكون (بيكسابي)

ومن المثير للاهتمام ان الاكتشافات الحديثة فى الفيزياء وعلم الفلك أدت الي تعميق فهم أسباب الظلام فى الكون مـن حولنا أكثر مما كان متوقعا. فقد كشفت عمليات رصد المجرات والمستعرات العظمى عَنْ وجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة التى تشكل أكثر مـن 95٪ مـن الكون.

ويعرّف العلماء المادة المظلمة بكونها كتلة غير مرئية يتم اكتشافها فقط مـن اثناء الجاذبية التى تربط المجرات معا، اما الطاقة المظلمة فهي طاقة غامضة تسرّع التوسع الكوني، وكلاهما يخفي مصادر الضوء دَاخِلٌ الكون.

وعلى الرغم مـن ان سواد سماء الليل يبدو فارغا، فإنه فى الحقيقة يروي تفاصيل دقيقة عَنْ تاريخ الكون المتدثر بالظلمة مـن انفجارٍ الي تبريدٍ وتوسع. وعندما ننظر الي السماء ليلا، فإننا نلمح مسارات التطور الكوني الممتدة عبر الفراغ فى الفضاء السحيق.

________________________________________

مصادر:

  1. Why Is Space Black? Olber’s Paradox and the Cosmic Night Sky
  2. Why does it get dark at night؟
  3. Why is space so dark even though the universe is filled with stars؟
  4. Olbers’ Paradox

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى