الاخبار العربية والعالمية

لماذا تراجعت حدة المواقف الغربية الداعمة للعدوان على غزة؟ | سياسة سام نيوز اخبار

بدت تصريحـات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين منبهة للنظر كونها الأولى مـن نوعها التى تعترف بتصاعد الضغط الدولى على إسرائيل لوقف الحرب. وقال كوهين، الامس الاثنين، إن الضغط الدولى يزداد على بلاده لإنهاء الحرب فى قطاع غزة بسـبب الوضع الإنساني هناك. وأضاف ان أمامهم اسبوعين الي 3 أسابيع لحسم الحرب قبل ان يصبح الضغط مؤثرا.

وكان الموقف الدولى، وتحديدا الأميركي والأوروبي، قد شهد تحولات على صعيد الموقف الخطابي مـن الحرب بدأ بموقف متشدد وغير مسبوق تبعته تحولات.

ويسعى المقال الحالي لرصد هذه التحولات وقياس مدى تأثير هذه المواقف فى سير العمليات العسكرية فى غزة.

 

طوفان 7 أكتوبر

شكّل نجاح المقاومة الفلسطينية العسكري يـوم السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، صدمة كبيرة لإسرائيل وداعميها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. فلطالما حظيت دَوْلَةٌ الاحتلال بصورة مثالية فى التفوق العسكري والاستخباري إقليميا ودوليا.

وكون إسرائيل ترتبط بتحالفات عسكرية وأمنية قوية وإستراتيجية مع أميركا وعدد مـن الدول الغربية، نظرت هذه الدول الي”طوفان الأقصى” على أنه التحدي الأخطر الذى يقابل حليفهم الرئيس. مما استجلب ردة فعل غير مسبوقة فى دعـم الاحتلال ومنحه الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري المفتوح لشن حرب شاملة على غزة.

وبدت ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن وكأنها تولت زمام المبادرة منذ اللحظات الأولى للمواجهة فى تصليب الموقف الإسرائيلي وتصميم اهداف الحرب. بل وانخرطت واشنطن بمجهودات عسكرية وأمنية فى دعـم مخططات إسرائيل، حيـث أرسلت بحاملات الطائرات الي المنطقة، وفتحت جسرا جويا لإمداد جيش الاحتلال بالذخائر والمعدات العسكرية. رافق ذلك غطاء دبلوماسي أميركي وغربي لم يشهده الصراع فى فلسطين جاء الى بهذا المستوى.

وقد سيطرت مفاهيم التهجير والقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو ما ترجمته دَوْلَةٌ الاحتلال بحملة مـن القصف العنيف على قطاع غزة دون تفريق راح ضحيتها حتـى الان أكثر مـن 11 ألف فلسطيني غالبيتهم مـن الأطفال والنساء، عوضا عَنْ آلاف المفقودين تحت الركام والجرحى والمصابين.

وأوغلت دَوْلَةٌ الاحتلال باستهداف المستشفيات والمرافق الصحية جاعلة منها عناصر للسيادة ومصدرة كونها مراكز للقيادة. وهو الامر الذى أخفقت كل المنظومات الاستخبارية للاحتلال وداعميه، فى إثبات دليل عليه.

وقد أخذ المسؤولون فى الإدارة الأميركية وعدد مـن زعماء ومسؤولي الدول الأوروبية على عاتقهم محاولة تأطير المقاومة الفلسطينية وفق أطر منظمات إرهابية على غرار تنظيم الدولة، والسعي لتشبيه يـوم السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، بأحداث الحادي عشر مـن سبتمبر/أيلول، مستندين فى ذلك لرواية الاحتلال الذى ثبت بعد أيام قليلة عدم صحتها.

انحياز أعمى

وشكلت مجزرة المستشفى المعمداني الاهلي فى غزة لحظة فارقة فى اختبار الموقف الأميركي والغربي فى دعـم وحشية الاحتلال وتسويغ جرائمه. إلا ان الموقف الأميركي فاق التوقعات فى انحيازه الأعمى للاحتلال وجرائمه عبر تبني بايدن لرواية جيش الاحتلال بتحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عَنْ الجريمة.

وبذلت المنظومة الدبلوماسية والإعلامية الأميركية مجهودا كبيرا فى محاولة الإطباق على الموقف الدولى والرأي العام والحيلولة دون توجيه نقد لجرائم الاحتلال أو نشوء ضغوط سياسية وشعبية ضده.

إلا أنه وبكل وضوح، أخفقت الإدارة الأميركية والدعاية الإسرائيلية فى معركة الرَّأْي العام الدولى بإدانة الفلسطينيين وتأطير مقاومته ووصمها بالإرهاب. وقد شهدت العواصم العالميه مـن الشرق والغرب وفي كبرى العواصم الأوروبية والمدن الأميركية مظاهرات مساندة للفلسطينيين ومناهضة لدولة الاحتلال ورافضة لجرائمها بشكل غير مسبوق.

بينما أكبر المظاهرات فى العاصمة البريطانية لندن، التى تراوحت تقديرات عَدَّدَ المشاركين فيها بين 300 و750 ألفا، كَمَا خرجت مظاهرات فى بروكسل وباريس وفيينا وبرلين وكوبنهاغن وميلانو وبرشلونة ونيويورك.

وأوضح رصد لمنظمة مجموعه بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED) ان الأسابيع الثلاثة للحرب شهدت قرابة 4200 احتجاج حول العالم، نحو 90% منها مناصرة للفلسطينيين.

كَمَا عرضت دراسة لمجلة إيكونومست حول سلوك مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ان المنشورات المؤيدة لفلسطين أكثر بمقدار 3.9 مرات مـن المنشورات المؤيدة لإسرائيل. بينما كانـت نسب الدعـم متساوية يـوم 7 أكتوبر/تشرين الاول الفائت.

وشكلت هذه “الانتفاضة الشعبية العالميه” حالة مـن الضغط على المواقف الرسمية للإدارة الأميركية والدول الغربية التى دعمت دَوْلَةٌ الاحتلال، مما دفعها الي إدخال عناصر جديدة لخطابها السياسي المصاحب للحرب على غزة.

وكان استطلاع رأي لوكالة أسوشيتد برس ومركز NORC لأبحاث الامور العامة أشار الي ان 44% فقط مـن الأميركيين يرون إسرائيل حليفا، ويدعم 36% منهم تقديم مساعدة للجيش الإسرائيلي، بينما يرى 40% منهم ان الرد العسكري الإسرائيلي تجاوز الحدود.

ووصف 58% مـن أنصار الحزب الديمقراطي الأميركي الهجوم الإسرائيلي بالمبالغ فيه. كَمَا نشرت صحيفة بوليتكو تقريرا مفصلا حول تأثير الحرب فى البيئة الداخلية للحزب، وأشارت الي ان “اليسار الأميركي عانى مـن انقسام مؤلم حول الحرب بين إسرائيل وحماس. وعلى الرغم مـن ان شريحة واسعة مـن الناخبين الأميركيين كانـت تاريخيا مؤيدة لإسرائيل، فإن هذا الدعـم الشعبي انخفض فى السنوات الاخيره”.

واضطرت الدبلوماسية الأميركية، على سبيل المثال، الي إعادة المطالبة بتجنيب المدنيين القصف والقتل، والمطالبة بإدخال المساعدات. ورغم ان هذه المطالبات التى تسللت بخجل للرواية الرسمية الأميركية، فإنها كانـت مصحوبة بشكل دائم بعبارات الدعـم والتأييد الكامل لدولة الاحتلال لاستكمال حربها على القطاع، بل ورفض الإدارة الأميركية لوقف الاعلان النار.

هبوط الدعـم الشعبي

ومع توسع جرائم الاحتلال وتصاعد الاحتجاجات الشعبية العالميه، بالإضافة للمخاوف الأميركية والغربية باتساع رقعة المواجهة وتحولها لصراع إقليمي، لجأت ادارة بايدن، واستنادا لوجود محتجزين مـن جنسيات متعددة لدى حماس منها أميركية، الي طلبها مـن حلفاء إقليميين بالتوسط لإطلاق سرائح محتجزين مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار. إلا أنها كانـت ايضا حريصة على تأكيد موقفها بضرورة استكمال إسرائيل حربها على القطاع.

وتأتي المطالبات الأميركية بوقف مؤقت لإطلاق النار والسعي للإفراج عَنْ محتجزين أجانب مقابل إدخال مساعدات إنسانية ووقود للمستشفيات، فى ضوء التداعيات السلبية التى بدأت تظهر على المستقبل الانتخابي للديمقراطيين وللرئيس بايدن فى الانتخابات الأميركية القادمة نهاية 2024.

ما يعني ان هذه المساعي والتعبير عنها وما صاحبها مـن تصريحـات تبدو تراجعا عَنْ الموقف المتشدد الذى تبنته ادارة بايدن منذ بداية المواجهة كمعالجة للتداعيات الداخلية، وعلى الصُّورَةُ النمطية التى تسعى الولايات المتحدة تصديرها كونها الدولة الديمقراطية الراعية للحريات وحقوق الإنسان.

وما يدلل على ذلك، ان المواقف الخطابية الأميركية لم تقرن بضغوط حقيقية على دَوْلَةٌ الاحتلال، ولم تنعكس على أدائها فى المعركة التى تمعن فى القتل وتشدد الحصار، بل وتكثف مـن استهداف المستشفيات وتمارس عملية تهجير ممنهجة بقوة النيران وبالتجويع وهدم البيوت على ساكنيها.

كَمَا ان الاحتلال يطور مـن عملياته العسكرية فى القطاع وينتقل بها مـن مرحلة الي أخرى وسـط التصريحات والمواقف الأميركية والغربية التى بدت أقل حدة واحتوت انتقادات ومطالبات خجولة لإسرائيل بضرورة القيام بعمليات عسكرية “أكثر دقة” وتجنب استهداف المدنيين.

وفي السياق نفسه، سارت المواقف الأوربية فى لندن وباريس وغيرها مـن الدول الأوربية، حيـث شهدت مواقف الحكومات انتقادات مـن التيارات السِّيَاسِيَّةُ اليسارية والتقدمية، عرّضت مستقبل هذه الحكومات وشعبيتها لتراجعات ملحوظة.

ففي المملكة المتحدة، يقابل كير ستارمر رئيس حزب العمال البريطاني -الذى فى طريقه ليصبح رئيس الوزراء القادم- أخطر اختبار له حتـى الان وسـط خلافات مريرة دَاخِلٌ حزبه.

الامر نفسه، جرى على الخلافات دَاخِلٌ حزب المحافظين البريطاني الذى أطاح بوزيرة الداخلية سويلا برافرمان، التى انتقدت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، كَمَا انتقدت فى مقال لها نشرته فى مجـلة تايمز تعامل الشرطة مع مظاهرة اليمين المتطرفة، ما وضع الحكومة فى مأزق.

وفي إسبانيا، يسعي بيدرو سانشيز زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني التشبث بالسلطة مـن اثناء تشكيل ائتلاف يميل الي اليسار. وفي هولندا، أدت الحرب الي حالة مـن الفوضى فى حملة التحالف اليساري، قبل الانتخابات المقررة فى وقت لاحق مـن هذا الشهر.

ولا يمكن إغفال حقيقة ان المواقف الأوروبية بالتحديد قد تعرضت لضغوط سياسية وشعبية دفعتها للتراجع عَنْ حدة موقفها الأولي مـن الحرب، وكان آخرها ما قاله مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “إن الاتحاد يدعو الي وقف مؤقت فوري للأعمال “العدائية” وإنشاء ممرات إنسانية فى غزة لإيصال الدعـم الإنساني”.

إلا ان المعطيات التى تقدمها مراكز الرصد لعمليات نقل السلاح وتزويد دَوْلَةٌ الاحتلال بها، تشير الي ان التصريحات التى تركز على تجنب استهداف المدنيين وضرورة إدخال المساعدات لم تنعكس على الصادرات العسكرية المتجهة لإسرائيل.

وذكرت مصادر بالحكومة الألمانية ان الموافقات الخاصة بتصدير أسلحة لإسرائيل هذا العام تضاعفت نحو 10 مرات مقارنة بالعام الماضي، مشيرة الي تعامل برلين مع طلبات تصدير هذه الأسلحة كأولوية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة الشهر الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى