اقتصاد

لماذا خفضت “فيتش” الترتيب الائتماني لأميركا.. وماذا يعني؟


خفضت وكالة “فيتش” الترتيب الائتماني للولايات المتحدة الأميركية يـوم الثلاثاء مـن AAA الي AA+، فى خطوة وصفها المزيد مـن المراقبين بالمفاجأة، على الرغم مـن ان الشركة حذرت فى شهر مايو الماضي مـن أنها ستقدم على خفض الترتيب الائتماني لأكبر اقتصاد فى العالم.

وجاءت ردود أفعال السوق سريعة على القرار، حيـث تراجعت أسواق الأسهم العالميه، بداية مـن وول ستريت، الي أوروبا، وحتى الأسهم الآسيوية، وارتفع عائد سندات الخزانة اجل 10 اعوام و30 عاما، بينما ارتفع الدولار الي أعلى مستوى فى 4 أسابيع متجاهلاً قرار “فيتش”.

ولكن ماذا يعني خفض الترتيب الائتماني للولايات المتحدة؟

عادة، عندما تنخفض درجة الائتمان الخاصة بك كمستهلك – أو الترتيب الائتماني لدولة ما – تكون هناك عواقب سلبية. إذ يُنظر إليك على أنك أقل جدارة ائتمانية، وإذا كنت ترغب فى اقتراض المال، فسيتم تحميلك بمعدل فائدة أعلى. وسيؤدي دفع المزيد مـن الفائدة بدوره الي تقييد أموالك فى المستقبل.

ولكن فى حالة الولايات المتحدة، قد يكون الوضع مختلفاً بعض الشيء، إذ بدى وكأنه إجماع بين المحللين ومراقبي السوق وشركات الأبحاث، ان خفض الترتيب الائتماني للولايات المتحدة، قد لا يكون له اى تداعيات سلبية كبيرة دائمة – سواء على الاقتصاد، أو المستهلكين ولا حتـى قدرة الحكومة الأميركية على الاقتراض. وإليك الأسباب:

التخفيض ليس كبيراً

خفضت وكالة فيتش تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة الي AA + مـن ترتيب AAA. فى ذلك الوقت، انضمت فيتش الي منافستها “Standard & Poor’s”، والتي فعلت الشيء نفسه سابقاً فى عَامٌ 2011، عندما كثف المشرعون حقاً سياسة حافة الهاوية بشأن الصراع السياسي الدائم حول ما إذا كان سيتم رفـع الحد القانوني للديون فى البلاد.

كَمَا اعلن خبير الميزانية الفيدرالية لشبكة “CNN” فى ذلك الوقت، “نحن الدولة المتقدمة الوحيدة فى العالم التى تتحدث بصراحة عَنْ التخلف عَنْ السداد”.

استمر هذا النوع مـن سياسة حافة الهاوية المالية فى السنوات التى تلت ذلك.

ومع ذلك، فإن الانخفاض مـن ترتيب AAA الي AA + يشبه خفض جدارة الائتمان الخاصة بك مـن ممتاز الي جيد جداً، كَمَا اعلن مارك جولدوين، نائب الرئيس الاول ومدير السياسات الاول للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة.

وبعبارة أخرى، لا يزال يُنظر الي ترتيب الولايات المتحدة على أنه يتمتع بجدارة ائتمانية عاليه. ولا تزال تعتـبر على نطاق واسع استثماراً آمناً بالنسبة لبقية العالم، وليس مرجحاً ان يتغير ذلك فى اى وقت قريب، وفقاً لما ذكرته “CNN”، واطلعت عليه “العربية.نت”.

مـن جانبه، اعلن كثير الاقتصاديين فى موديز أناليتيكس، مارك زاندي، فى تغريدة يـوم الثلاثاء: “اعتقد ان قرار فيتش كان “مخطئ”.

لماذا قررت “فيتش” خفض ترتيب الولايات المتحدة؟

وفي شرح سبب تخفيض ترتيب الولايات المتحدة، وضحت وكالة فيتش الي “التدهور المالي المتوقع على مدى السنوات الثلاث القادمة، وعبء الدين الحكومي العام المرتفع والمتزايد، وتراجع الحوكمة بالنسبة الي أقرانها المصنفين “AA” و”AAA” على مدى العشرين عاماً الماضية. والمواجهات المتكررة طيلة العقدين الماضيين للحد مـن الديون والتفاوض على المكاسب السِّيَاسِيَّةُ حتـى اللحظة الاخيره”.

رفض الاقتصاديون والمحللون تخفيض ترتيب فيتش الي حد كثير، خاصة أنه يأتي بعد شهرين مـن إبرام صفقة جاء الى المشرعين لرفع حد الديون وتقليل العجز بمقدار 1.5 تريليون دولار على مدى العقد القادم.

مـن جانبه، اعلن ريتشارد فرانسيس المدير البارز فى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إن الوكالة استندت فى قرارها جزئيا الي التدهور الملحوظ فى الحوكمة الأميركية، والذي يقلل مـن الثقة فى قدرة الحكومة على معالجة القضايا المالية والديون، وفقاً لتعليقاتها الأولية التى صدرت بعد نشر القرار.

كان هذا التدهور، بالإضافة الي الاستقطاب المتزايد فى المناخ السياسي للبلاد، واضحاً فى تمرد 6 يناير، والذي سلطت عليه الوكالة الضوء فى اجتماعات مع وزارة الخزانة قبل خفض الترتيب.

وقال: “لقد كان شيئاً أبرزناه لانه مجرد انعكاس للتدهور فى الحكـم، إنه واحد مـن العديد مـن الأسباب”.

وأضاف فرانسيس: “لديك سقف الدين، وتمرد 6 يناير. ومن الواضح، إذا نظرت الي الاستقطاب مع كلا الحزبين … فقد ذهب الديمقراطيون الي أقصى اليسار والجمهوريون الي أقصى اليمين، لذا فإن الوسـط ينهار نوعاً ما بشكل أساسي”.

“فيتش”، المملوكة لمجموعة “هيرست” الإعلامية، هى ثاني وكالة ترتيب كبرى تجرد الولايات المتحدة مـن تصنيفها AAA، بعد ترتيب ستاندرد آند بورز فى عَامٌ 2011.

وأثارت دعوة فيتش يـوم الثلاثاء انتقادات مـن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين التى وصفتها بأنها “عشوائية وتستند الي بيانات قديمة”.

وقال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، جاريد بيرنشتاين، يـوم الأربعاء على قناة “CNBC”، إن توقيت خفض فيتش للتصنيف الائتماني للحكومة الأميركية لا معنى له، ووصف القرار بأنه غريب وتعسفي.

عند سؤاله عَنْ توقيت قرار وكالة فيتش، اعلن فرانسيس إن “فيتش” أرادت قضاء بعض الوقت بعد صفقة الديون الاخيره لتقييم المخاوف القائمة منذ مدة طويلة بشأن الحوكمة وملامح ديون البلاد.

كَمَا أشار فرانسيس الي ان قرار خفض الترتيب الأعلى للبلاد، نتج عَنْ تدهور ملف ديون الولايات المتحدة – على سبيل المثال، النسبة بين دين الحكومة الأميركية العامة والناتج المحلي الإجمالي – والتي حدثت على مدار مدة عدة اعوام.

وأضاف ان أسعار الفائدة المرتفعة مـن المرجح ان تجعل عبء ديون البلاد أثقل مـن حيـث القدرة على تحمله.

اعلن فرانسيس: “اعتقد، مـن الواضح، ان الجدل حول سقف الديون يسلط الضوء على سياسة حافة الهاوية والاستقطاب التى شهدناها، وهي اعلن كل عامين الان منذ عَامٌ 2011، بشكل أو بآخر”.

وأضاف ان التعليق الأخير لسقف الديون، الذى تم الاتفاق عليه فى يونيو، سيستمر حتـى أوائل عَامٌ 2025، حيـث مـن المحتمل ان يكون هناك نقاش سياسي آخر حول حد الاقتراض.

اعلن فرانسيس إنه لكي يتم رفـع ترتيب الولايات المتحدة، يجب ان يكون هناك مجموعه مـن العوامل، مثل استقرار الدين الي الناتج المحلي الإجمالي، وربما تعليق دائم لسقف الديون.

ولم يتصور اتخاذ مزيد مـن الإجراءات على الجانب السلبى بسـبب اى إغلاق حكومي محتمل فى المستقبل القريب.

ديون سيئة واقتصاد جيد

وفي اثناء ان وضع ديون الولايات المتحدة قد يكون غير مستدام وسلبياً للآفاق المستقبلية للولايات المتحدة، فإن الاقتصاد الأميركي – وخاصة بالنسبة للاقتصادات المتقدمة الاخرى – كان يعمل بشكل جيد.

جاء التضخم الي اقل مستوى له منذ ربيع عَامٌ 2021، وكان النمو الاقتصادي، وفقاً لقياس الناتج المحلي الإجمالي، قوياً بنسبة 2.4% على أساس سنوي فى الربع الثانى.

وفي غضون ذلك، خرجت منطقه اليورو مؤخراً فقط مـن الركود الذى بدأ فى الربع الأخير مـن عَامٌ 2022. وبالمقارنة مع دول مجموعه السبع الاخرى، حافظ الاقتصاد الأميركي على أقوى نمو للناتج المحلي الإجمالي حتـى الان.

بينما يرى الاقتصاديون ان وضع الديون غير مستدام على المدى الطويل، فى الوقت الحالي، يعتقدون بشكل متزايد ان الاقتصاد الأميركي سيكون له “هبوط ناعم” – مما يعني أنه لن يدخل فى حالة ركود على الرغم مـن رفـع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة 11 مرة منذ مارس 2022 فى محاولة للحد مـن التضخم.

ديون الولايات المتحدة

وبينما شهدت الأسهم عمليات بيع يـوم الأربعاء ووصلت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 و30 عاماً الي أعلى مستوياتها منذ نوفمبر، كانـت هناك عوامل أخرى الي جانب خفض ترتيب “فيتش”.

وبالنظر الي وضع ديون الولايات المتحدة فإنه لا يمكن تحمله بسـبب مزاحمته بشكل متزايد قدرة البلاد على سداد ما يحتاجه الأميركيون ويريدونه فى السنوات القادمة.

وحتى بالنسبة الي الفائدة على الديون. ونظراً لأن الولايات المتحدة تنفق أكثر مما تتقاضاه مـن الضرائب والرسوم كل عَامٌ، فإنها تقترض لتعويض الفرق حتـى تتمكن مـن دفع جميع فواتيرها، وهو ما تفعله دون ان تفشل. وهذا هو السبب فى أنها تعتـبر مخاطر ائتمانية كبيرة.

فى السنة المالية 2022، دفعت الولايات المتحدة فوائد قدرها 475 مليار دولار – أو 1.9% مـن الناتج المحلي الإجمالي. وسوف يتضاعف هذا المبلغ 3 مرات تقريباً الي 1.4 تريليون دولار بحلول عَامٌ 2033، أو أكثر مـن 3% مـن الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتحليل “CRFB” لتوقعات مكتب الميزانية فى الكونغرس.

علاوة على ذلك، لاحظ CRFB، فى اثناء الطريق المالي الحالي للبلاد، “بحلول عَامٌ 2051، سيكون الإنفاق على الفائدة هو العنصر الأكبر فى الميزانية الفيدرالية، متجاوزاً الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، وجميع بَرَامِجُ الإنفاق الإلزامية والتقديرية الاخرى.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى