الاخبار العربية والعالمية

لماذا يدعـم أقدم رئيس فى أفريقيا عدوان إسرائيل على غزة؟ | آراء سام نيوز اخبار

“أعربُ عَنْ خالص التعازي الصادقة لإسرائيل التى وقعت ضحية جماعة حماس الفلسطينية الإسلامية المسلحة.. لقد شعرت بعاطفة حقيقية تجاه الخسائر البشرية الفادحة التى سببها هذا الهجوم”.

هكذا كان نصّ رسالة رئيس الكاميرون بول بيا – صاحب أطول مدة حكـم فى أفريقيا حتـى الان “42 عَامًٌا-، بعد يومين فقط مـن عملية “طوفان الأقصى”، والذي يعلن دعمه الواضح والعلني لإسرائيل و” ضحاياها”، دون اقل إشارة الي آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص جيش الاحتلال.

فلماذا هذا الانحياز الكاميروني لصالح الكيان الصهيوني؟، وهل هو وليد هذه اللحظة، أم أنه يكشف عَنْ علاقة تاريخية ترتبط بحسابات داخلية خاصة به؟

 لم يكتفِ الرجل التسعيني بكونه صاحب أطول مدة حكـم فى أفريقيا، وإنما يريد فى الترشح ليصل الي العام 2032، أو فى أقل تقدير تمكين ابنه فرانك “52 عَامًٌا” مـن مقاليد السلطة. وبالتالي فهو يريد لدعم أميركي بالأساس؛ بعد توتر علاقاته بفرنسا

إسرائيل والكاميرون ومدخل الأمن

لقد كانـت المحاولة الانقلابية الفاشلة التى ترصد لها “بيا” عَامٌ 1984 “- اى بعد عامين فقط مـن توليه الحكـم “-  سببًا رئيسيًا فى ارتمائه فى أحضان إسرائيل، لا سيما فى المجال الأمني، مستفيدًا مـن تجرِبتها مع نَظِيرِه الزائيري، وجاره الشرقي موبوتو سيسي سيكو.

فـ “بيا” لم يعد يثق فى حرسه الرئاسي، أو فى فرنسا الدولة المستعمرة السابقة مع بريطانيا، حيـث اتّهم باريس بالضلوع فى هذه المحاولة الانقلابية، لذا قرر وضع إستراتيجية أمنية جديدة، وتشكيل وحدات حرس حصري، عهِدَ بها الي بعض الضباط الإسرائيليين، وكان ذلك سببًا فى إعادة العلاقات، مع تل أبيب، التى قُطعت بعد حرب أكتوبر 1973.

وبالفعل تولى تشكيل هذه القوات كل مـن مائير ميوهاس، وهو يهودي مصرى، وعقيد لاحق فى الجيش الإسرائيلي، وآفي أبراهام سيفان، وهو الملحق العسكري السابق فى سفارة إسرائيل لدى الكاميرون.

عُرفت هذه القوات، فى البداية، باسم قوات التدخل الخفيف، ثم تغيّر الاسم الي قوات التدخل السريع، وتشكلت مـن 3 آلاف جندي، كانوا بمثابة جيش دَاخِلٌ الجيش، وهي تتبع للرئيس مباشرة، ولا تخضع لإشراف أو مساءلة القوات المسلحة، بل هى أكثر تسليحًا مـن الجيش النظامي بأفرعه الثلاثة: البرية، والبحرية، والجوية.

وبات بيا يعتمد عليها فى حمايته الشخصية، وفي مواجهه محاولات الانفصال لدى جماعة الأنجلوفون غرب البلاد، الراغبة فى إقامة دَوْلَةٌ “أمبازونيا” فى المنطقة ذاتها التى تحمل الاسم ذاته، فضلًا عَنْ مواجهه هجمات جماعة “بوكو حرام” القادمة مـن كل مـن الجارة الغربية نيجيريا، والشرقية ” تشاد”.

هذا التعاون الوثيق لـ “بيا”مع تل أبيب، دفعه لإظهار ولائه لها، فى مناسبات عدة، منها – على سبيل المثال لا الحصر- استضافته عَامٌ 1986 رئيس وزراء إسرائيل فى حينها شيمون بيريز، رغم الضغوط والانتقادات التى ترصد لها مـن بعض الدول والمنظمات الأفريقية والعربية لعدم إتمام هذه الزيارة.

ومنها رفضه فى العام القادم مباشرة – ومع بدء انتفاضة الحجارة فى فلسطين عَامٌ 1987 – تصويـت بلاده لصالح قرار منظمة الوحدة الأفريقية، الذى يدين القمع الإسرائيلي فى الأراضي المحتلة، وفي المقابل قيامه عَامٌ 1991 بالتصويت لصالح قرار الأمم المتحدة الذى يلغي قرارها السابق عَامٌ 1975 بمساواة الصهيونية بالعنصرية.

رئيس الكاميرون بول بيا (غيتي)

لماذا التأييد الحالي لإسرائيل؟

وإذا كان الرجل قد ردّ الجميل لتل أبيب، لدعمها إياه قبل أكثر مـن أربعة عقود، فلماذا يستمر فى تأييدها حتـى هذه اللحظة؟ وما هى المكاسب التى سيحصل عليها؟

يمكن القول بوجود عدة أسباب مـن وجهة نظرنا، تدفعه لذلك:

البيئة الأمنية التى تعيش فيها البلاد داخليًا، وخارجيًا ” دول الجوار”. ففي الداخل، لا يزال الرجل يرفض اىّة تسوية سياسية مع الحركة الأنجلوفونية الراغبة فى الاستقلال، بل يمكن القول؛ إن إستراتيجيته القائمة على سياسة القبضة الأمنية، هى التى أوصلت هذه الحركة للرغبة فى الاستقلال؛ بسـبب عدم مراعاته التنوع الذى تشهده البلاد حتـى قبل استقلالها.

فمن المعلوم ان الوضع السياسي فى الكاميرون، يكاد يشكل حالة فريدة فى القارة، فبعد انتهاء الاحتلال الألماني لها بعد الخسارة فى الحرب العالميه الأولى، خضـعَ 80% مـن البلاد للانتداب الفرنسي، مقابل 20% للانتداب البريطاني.

واستقل الجزء الفرنسي أولًا عَامٌ 1960 بقيادة احمد أهيجو أول رئيس للبلاد، تلاه الجزء البريطاني بعد ذلك بعام واحد، ليتم تشكيل جمهورية الكاميرون الاتحادية.

كَمَا يتّضح مـن الاسم، فإنه يشير الي هذا التنوع الذى حرص أهيجو على التأكيد عليه ثانية مع تغيير اسمها عَامٌ 1972، ليصبح جمهورية الكاميرون المتحدة، لكن وبعد محاولة الانقلاب التى ترصد لها خلفه بيا عَامٌ 1984، قام بتغيير اسم البلاد ليصبح الكاميرون فقط، مع هيمنة واضحة للفرانكفون، وتهميش كثير للأنجلوفون، جاء الي ذروته عَامٌ 2016، مع سعي الحكومة لفرض اللغة الفرنسية فى محاكم المناطق الإنجليزية ومدارسها، فضلًا عَنْ التهميش الاقتصادي وقلة الموارد المخصصة لهم.

أدى ذلك الي إعلان الانفصاليين استقلالهم، وتسمية دولتهم الجديدة بـ”أمبازونيا” فى أكتوبر 2017، ومنذ ذلك الحين، يشنّ النظام حملة عسكرية مكثفة ضدهم، تقودها قوات التدخل السريع المدربة جاء الى شركات خاصة إسرائيلية. ووَفق مقال لصحيفة “تايمز” البريطانية 2020، فإن هذه القوات قامت بانتهاكات صارخة فى مجال حقوق الإنسان، بما فيها القتل والتعذيب والحرق والعنف الجنسي اثناء مواجهه حركة الانفصال الأنجلوفوني.

اما على الصعيد الخارجي، فإن هناك اضطرابًا أمنيًا فى دول الجوار التى تشهد حالةَ مـن عدم الاستقرار السياسي، التى تواجه جارتَيه فى الشرق: “تشاد وأفريقيا الوسطى”، فضلًا عَنْ مواجهه الحركات الإسلامية المسلحة القادمة مـن نيجيريا.

هذا الاضطراب الأمني؛ الداخلي والخارجي، يجعل الرئيس فى احتياج دائم لقوات التدخل السريع، المصنوعة بأيادٍ إسرائيلية، والتي يُخشى ان تكون هى رمانة الميزان فى البلاد، والمتحكمة فى مصيرها السياسي بعد رحيله.

وربما يكون دورها الحالي- واعتماد الرئيس عليها بصورة كبيرة- يشبه الي حد كثير دور قوات الدعـم السريع فى السودان، التى كانـت الحامي الاساسى للبشير فى مواجهه تمرد دارفور وغيره، وبات يعتمد عليها بصورة كبيرة، الي ان كانـت إحدى أدوات الانقلاب عليه عَامٌ 2019، ولتصبح أحد الفاعلين الأساسيين فى الحرب الدائرة الان فى البلاد، ولذا هناك مخاوف مـن ان تشهد الكاميرون حالة مشابهة لها.

رغبة الرئيس بيا فى الترشح للجولة القادمة مـن الانتخابات التى ستجرى عَامٌ 2025، فالرجل التسعيني، لم يكتفِ بكونه صاحب أطول مدة حكـم فى أفريقيا، وإنما يريد فى الترشح ليصل الي العام 2032، أو فى أقل تقدير تمكين ابنه فرانك “52 عَامًٌا” مـن مقاليد السلطة. وبالتالي فهو يريد لدعم أميركي بالأساس؛ بعد توتر علاقاته بفرنسا.

مـن المعروف انّ هذا التحدي الفرنسي يريد لدعم أميركي موازٍ، على غرار ما قام به قادة الانقلاب فى النيجر مؤخرًا، كَمَا أنه مـن المعروف أيضًا ان إسرائيل ربما تكون الأداة والوسيط لذلك؛ لذا فهو يريد فى استمرار العلاقات مع تل أبيب لضمان أمنه الشخصي مـن ناحية، وأمنه السياسي مـن ناحية ثانية، خاصة فى اثناء التقارير الدولية المتنوعة التى تشير الي تدهور الْأَوْضَاعُ فى البلاد على مختلف الأصعدة، فضلًا عَنْ عملية القتل الممنهج امام “الأنجلوفون”، واستمرار عمليات النزوح الداخلي والخارجي.

ويبدو انّ هذه المساعي باتت تؤتي أكلها، فالإدارة الأميركية تغض الطرف عَنْ ممارسات بيا امام الانفصاليين ولم تتخذ أية خطوات عملية تجبره على التفاوض معهم، رغم صدور قرار مـن مجلس الشيوخ الأميركي، قبل عامين، يدعو جميع الأطراف للحوار والتوصل لتسوية سياسية للأزمة الراهنة.

الرغبة فى الحصول على التمويل الدولى مـن المؤسسات الدولية: “البنك الدولى، وصندوق النقد” وغيرهما، لمواجهة الْأَوْضَاعُ الاقتصاديه السيئة فى البلاد.

وهو يعلم أيضًا الثقل الأميركي دَاخِلٌ هذه المؤسسات؛ لذا يتحين الفرص لإعلان ولائه لإسرائيل، لضمان تأييد واشنطن. وهو ما حدث أيضًا، إذ تستمر عمليات التمويل الدولى له مـن مصادر مختلفة، دون اى شروط ترتبط بالأوضاع السياسيّة الداخلية أو الأمنية، بل ربما الإشارات الخارجية التى تصل إليه، مفادها يمكن العمل دون ضجيج، فنحن نندد علنًا، وندعمك سرًّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى