لماذا يفضل المغاربة التعامل بالأوراق النقدية على الدفع الإلكتروني؟ | اقتصاد سام نيوز اخبار
الرباط– يعمل المغربى “محمد م” فى بيع الأواني المنزلية فى إحدى الأسواق الشعبية بضواحي الرباط، فى كل صباح يأخذ عربته المحملة بالأواني ويقصد السوق، يرتبها على الأرض قبالة أحد المحلات التجارية ويستمر فى العمل مـن دون توقف الي المساء.
يتعامل محمد مع مورديه وزبائنه نقدا، فهذا طريقة التجارة الذى يعرفه ويثق به، ويضيف “لا أعرف طريقة أخرى للشراء والبيع سوى النقود، اما مدخراتي فأحتفظ بها فى البيت”، وعندما سألناه عَنْ التعامل بالبطاقة البنكية أو إيداع مدخراته فى أحد البنوك أشاح بوجهه، وقال باسما “وما أدراني ان يسرق أحد البنك ومعها كل مدخراتي؟”.
اما “عبد الرحيم س”، وهو موظف فى القطاع الخاص ولديه حساب بنكي تحول عليه أجرته الشهرية التى تقارب 7 آلاف درهم (700 دولار)، فيوضح للجزيرة نت أنه يسحب المبلغ كله ليدفع نقدا مصاريف الإيجار، وتكاليف مدرسة أبنائه، وفواتير الماء والكهرباء والإنترنت، وغيرها مـن المصاريف.
ويفضل عبد الرحيم دفع الفواتير نقدا والاحتفاظ بالإيصالات الورقية، وعندما سألناه عَنْ سبب تفضيله الأداء بالنقد عوض الأداء مباشرة مـن حسابه البنكي إلكترونيا، فكر قليلا قبل ان يجيب: “ربما هى مسألة عادة وعدم ثقة بالتطبيقات الإلكترونية”.
تسارع ملحوظ
يعد محمد وعبد الرحيم مـن بين ملايين المغاربة الذين يفضلون التعامل بالنقود عوض الدفع الإلكتروني.
وتعرف الأوراق النقدية المتداولة “النقد” ارتفاعا متواصلا فى المغرب، إذ عرضت النشرة الشهرية لبنك المغرب عَنْ الظرفية الاقتصاديه والمالية، التى نشرت فبراير/شباط الماضي، صعود الأوراق النقدية المتداولة ديسمبر/كانون الاول بنسبة 10.9%.
وشهد النقد المتداول تسارعا ملحوظا فى الشهور الاخيره، إذ جاء الي فى ديسمبر/كانون الاول 393.5 مليار درهم (39 مليار دولار) مقابل 354.8 مليار درهم ( 35 مليار دولار) فى نوفمبر/تشرين الثانى، و344.5 مليار درهم (34.2 مليار دولار) فى أكتوبر/تشرين الاول و342.9 (34 مليار دولار) فى سبتمبر/أيلول.
وكان والي بنك المغرب (محافظ البنك المركزى) اعلن سابقا بأن المغرب يصنف ضوء البلدان الأولى عالمـيا التى يسود فيها التعامل بالنقد بشكل كثير.
ووفق منصه الأبحاث البريطانية “ميرشانت ماشين”، فإن المغرب يعتلي الدول العشرين الأكثر اعتمادا على الأداء النقدي عَامٌ 2022.
ولاحظ الخبير الاقتصادي رشيد ساري صعود استعمال “الكاش” منذ انقضاء جائحة كورونـا، إذ انتقل مـن 342 مليار درهم (34 مليار دولار) سنة 2021 الي 386 مليار (38 مليار دولار) فى 2022، ثم 393 مليار درهم (39 مليار دولار) نهاية عَامٌ 2023.
وهذا يرجع فى نظره الي الإقبال المحدود على المعاملات الإلكترونية بسـبب عدم الثقة بالمؤسسات المالية والمصرفية، وأيضا عدم الانفتاح على التقنيات الرقمية، خاصة بين الأجيال الكبيرة فى السن لتعقيدات الأداء الرقمي وصعوبة التعامل بهذه الوسيلة، ويضيف الي ذلك فرض عمولات على الأداء الرقمي للفواتير، مما يجعل المواطن يفضل الأداء نقدا.
اما الخبير الاقتصادي والمالي الطيب أعيس، فيعزو صعود التداول النقدي بالمغرب لعدة عوامل، مـن بينها ان نسبه كبيرة مـن المغاربة خارج النظام البنكي وليست لديهم حسابات بنكية، وحتى أولئك الذين لديهم حسابات بنكية يفضل العديد منهم الأداء نقدا.
وحسب بيانات البنك المركزى لنهاية 2022، فإن 17.3 مليون مغربي يتوفرون على حساب بنكي واحد على الأقل، 16.5 مليون منهم حسابات شخصية.
وأشار أعيس فى حديث للجزيرة نت الي عَدَّدَ مـن القطاعات والمجالات التى يتم فيها استعمال النقد بشكل كثير، أولها القطاع الفلاحي إذ إن معظم سكان البوادي -الذين يمثلون 40% مـن السكان- يتعاملون بالنقود بسـبب قلة الوكالات البنكية فى قراهم، وأيضا لأن مدخراتهم محدودة ويفضلون عدم وضعها فى البنوك.
اما القطاع الآخر فهو القطاع غير المهيكل الذى يمثل حوالى 30% مـن النشاط الاقتصادي، وتتم المعاملات فيه نقدا.
ما التداعيات؟
يرى ساري ان فرض بعض الإجراءات الضريبية الجديدة (مثل فرض غرامة على كل مـن يتجاوز أداء 30 ألف درهم نقدا مع نفس الزبون) وتطور المجال الرقمي لم يسهما فى تخفيض التعامل بالنقود.
ويرى ان صعود التداول النقدي له تداعيات على الاقتصاد إذ مـن شأنه ان يؤدي الي زيادة أسعار الفائدة، خاصة فى الظروف الاقتصاديه الحالية المتسمة بارتفاع نسبه التضخم، مضيفا ان صعود النقد يضطر البنك المركزى الي التدخل لتوفير السيولة للبنوك لتحقيق الاكتفاء الذاتي دَاخِلٌ السوق المالية.
وكان البنك المركزى قد ضخ 93 مليار درهم (حوالى 9 مليارات دولار)، فى المتوسط اليومي اثناء سنة 2022، مقابل 83 مليار درهم (حوالى 8 مليارات دولار) سنة 2021.
وأرجع هذه الزيادة الي التوترات على السيولة التى ارتفعت بشكل عَامٌ اثناء سنة 2022، تماشيا بالأساس مع صعود التداول النقدي.
مـن جهته، يعتبر أعيس ان صعود التداول النقدي يعني ان أموالا طائلة تتحرك فى البلاد دون ان تستفيد منها خزينة الدولة، حيـث لا تستخلص منها الضرائب، وبالتالي لا يتم استثمارها فى تحسين الخدمات الموجهة للمواطنين، فى المقابل يرى ان القطاع غير المهيكل الذى يتعامل بالنقد مـن دون ان يترك أثرا واضحا يمارس مسابقه غير شريفة مع أولئك الذين يصرحون بمعاملاتهم بشكل قانوني ويدفعون عنها الضرائب.
اما الخطر الأكبر، فهو ذلك الذى عبر عنه والي البنك المركزى ويتعلق بمخاوف مـن استغلال هذه الظاهرة فى مسارات غير مشروعة مـن قبيل تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
جهود بلا نتيجه
لم تفلح الجهود التى تبذلها الحكومة والحملات المعلن عنها فى تشجيع المعاملات المالية الإلكترونية، إذ ظلت النقود الورقية هى طريقة الدفع الأكثر شعبية لدى المغاربة.
وأطلق البنك المركزى حملات اعلامية للتوعية والنهوض بالأداء عبر الهاتف المحمول المسمى “المحفظة الإلكترونية” وعلامة “MarocPay”، وذلك عبر نشر معلومات بطريقة تعليمية ومبسطة حول هذه الطريقة فى الأداء.
وانتقل عَدَّدَ المحافظ الإلكترونية “إم- واليت” (M-wallets) المجانية فى اطار منظومة الأداء عبر الهاتف المحمول بالمغرب مـن 6.3 ملايين محفظة فى 2021، الي 7.7 ملايين محفظة فى 2022.
بالمقابل، عمل مركز النقديات على توسيع منظومة الأداء الإلكتروني، وذلك عبر توفير أزيد مـن 55 ألف جهاز دفع فى الأسواق التجارية الكبرى، ومحلات الأكلات السريعة ومحطات الوقود ولدى التجار.
مـن جهتها، اتجهت المصارف نحو الرقمنة لتلبية متطلبات عملائها فى خدمات سريعة وآمنة عبر تطبيقات الهاتف المحمول وتوفير خيارات الدفع الآمنة عبر الإنترنت.
كل هذه الجهود لم تفلح فى الرفع مـن المعاملات المالية الإلكترونية، إذ ظلت النقود الورقية طريقة الدفع الأكثر شعبية لدى المغاربة.
لذلك، يؤكد ساري على ضرورة الرفع مـن العقوبات الزجرية على التعاملات التجارية بالنقد والعمل على تسهيل المعاملات الإلكترونية وتبسيطها أكثر، والعمل على تغيير الثقافة لجعل التعامل الرقمي جزءا مـن المعاملات المالية اليومية، كَمَا يدعو الي منع العمولات على الأداء الإلكتروني وتعميم المنصات الرقمية لتصبح فى متناول الجميع.
اما أعيس فيطالب بفتح سوق الرقمنة مـن دون احتكارها مـن اى جهة وإطلاق المنافسة فى مجال خدمة الأداء بالموبايل لتشجيع الأداء الإلكتروني ومحاصرة استعمال النقد.