بيروت – فى اثناء الظروف الاقتصاديه والاجتماعية الصعبة التى تعصف بالكثير مـن الأسر، ومع الأزمات الكثيرة التى تحد مـن قدرة الشباب على الزواج، وتؤخره الي عمر متقدم، ينحصر عَدَّدَ الأولاد ضوء الأسرة ويتقلص سنويا.
وباتت العديد مـن الأسر لا تنجب أكثر مـن طفل واحد، لكن هذه المقاربة خاطئة، لأن التوقف عَنْ إنجاب أكثر مـن طفل واحد، يجعله يترعرع وينشأ دون إخوة، ويلغي مفهوم بناء العائلة، ويدفع بها نحو التقلص، ويحصرها فى عناصر أقل، ويمنع العائلة المتمددة التى لها عدة إيجابيات مع وجود الإخوة والأخوات وأولادهم، ومن ثم يتقلص أو ينعدم مفهوم العمومة والخؤولة.
ويعتبر الخبراء ان سياسة إنجاب الطفل الواحد سلبية، لأنها تحرمه مـن التفاعل الإيجابي الذى تكفله العائلة المكونة مـن عدة أطفال، ويرون ان إنجاب طفلين أو ثلاثة أمر جيد لتكوين أسرة طبيعية ومثالية.
صورة نمطية للعائلة المثالية
وترى نادين غالب، أخصائية علم النفس الأسري، ان معظم الأسر المعاصرة أصبحت تفضل إنجاب طفلين فقط، مضيفة ان العوامل الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورا كبيرا فى هذا التغيير، وأصبح تكوين الأسرة وقرار إنجاب الأطفال فى المجتمعات الحديثة خاضعا لهذه الظروف.
وتقول نادين للجزيرة نت إنه “حينما يقرر الناس إنجاب عَدَّدَ أقل مـن الأطفال، يصعب إقناعهم بخلاف ذلك”، مشيرة الي ان إنجاب الأطفال “يصبح أقل اهميه وأكثر صعوبة مـن الناحية العملية فى جميع ارجاء العالم، كلما ازداد إقبال النساء على التعلم والانخراط فى سوق العمل”.
إذ ظهرت صورة نمطية للعائلة المثالية تقوم على الأم والأب مع طفلين فقط، وتم الترويج لكون هذه الصُّورَةُ هى التى تحقق للأسرة “الرفاه وترشيد الإنجاب والتنظيم العائلي”.
كَمَا وضحت الأخصائية النفسية الي ان هذا العدد المحدود مـن الأطفال “يجعل المرأة تشعر أنها أكثر شبابا وجاذبية، فى مقابل ان الأسرة متعددة الأطفال، ومع منتصف العمر تبدو فيها الأم أكبر سنا مما هى عليه، وببشرة شاحبة وأقل حيوية”.
مزايا إنجاب أكثر مـن طفلين
وتقول نادين غالب إن الدراسات اثبت ان العائلة التى لديها أكثر مـن طفلين “تشعر بالدعم الاجتماعي”، وترى ان مـن إيجابيات العائلة الكبيرة:
1- ضمان الاستمرارية
يعزز وجود الأطفال الروابط العائلية بين الوالدين، ويجعلهما يعيشان فى كنف أسرة متماسكة، خصوصا ان سياسة الطفل الواحد قد تجعل أحد أفراد العائلة يشعر بالنقص، أو الرغبة الخفية فى إنجاب المزيد مـن الأولاد. كَمَا يسهم الأولاد فى المحافظة على العلاقة الوطيدة بين الزوج والزوجة.
2- وجود سند حقيقي
الأخوة مـن العناصر الهامة فى حياة الإنسان، لذا فإن إنجاب أكثر مـن طفل واحد مـن شأنه ان يضمن للطفل وجود مساندين له سواء فى المدرسة أو فى البيت، أو فى الحياة عموما.
وتكمن حاجة الطفل الي إخوة بشكلٍ كثير فى مرحلة المراهقة، حيـث يجد نفسه بحاجة الي إنسان يفهمه ويقرأ تطلعاته وأحلامه وأفكاره بوضوح. وبعدها يأتي دور الإخوة كسند حقيقي مع ترصد الأهل فى العمر.
3- رفقة تحت سقف واحد
وجود عَدَّدَ كثير مـن الأطفال لدى العائلة الواحدة له فائدة إيجابية، مـن ناحية وجود شخص للعب معه، وبالتالي وجود رفيق للعب المباشر تحت سقف واحد.
لا عَدَّدَ محددا
وتقول الخبيرة الاجتماعية آلاء غندور للجزيرة نت “لا يوجد عَدَّدَ أطفال محدد يوصى به، خاصة ان دراسات الصحة النفسية العالميه تبين ان زيادة عَدَّدَ الأبناء؛ يؤثر إيجابا على صحتهم النفسية؛ إن توفرت لهم بيئة آمنة وظروف معيشية جيدة”.
وأشارت غندور الي دراسة أجرتها عالمة الديمغرافيا فى جامعة هوبكنز أليسون جيميل عَامٌ 2022، حيـث وافق حوالى 51% مـن الأشخاص -الذين شملتهم عينة الدراسة- على ان الأسرة المثالية هى التى تتألف مـن طفلين، على عكس أيام التسعينيات مـن القرن الماضي، حيـث اتفق ثلث الأميركيين على ان الأسرة المثالية التى لديها 3 أطفال أو أكثر.
وترى آلاء غندور ان المفارقة أصبحت واضحة وصار الانتباه على هذه الصُّورَةُ النمطية. وتقول فى ما يخص المجتمعات العربية الحديثة، إن المزيد مـن الأزواج فى العالم العربي يرون ان إنجاب طفلين هو العدد المثالي للأطفال بالنسبة للأسرة.
تباين آراء النساء والرجال
وبيّن تقرير نشره موقع “ميديوم” الأميركي ان أغلبية النساء بالولايات المتحدة يتفقن على ان العدد المثالي للأسرة الناجحة هو إنجاب 3 أطفال، بينما يبدي الرجال اهتماما بإنجاب طفل واحد فقط.
وبالنظر الي الأجيال المتنوعة، ظهر نموذج مجتمعي جديد يقوم على الفردية والعائلة الصغيرة، وصورة الأم والأب مع طفلين فقط، لذلك فإن إنجاب أكثر مـن طفل واحد مـن شأنه ان يضمن التنوع دَاخِلٌ العائلة، وعلى كل الأصعدة.
وهذا مـن شأنه ان يعزز التعاون والتكافل ضوء العائلة والمساعدة فى الامور الاقتصاديه والاجتماعية على حد سواء. لكن الأهم مـن كل ذلك، هو ضمان التنشئة الصحيحة والاستقرار العائلي.
