“ما يجري فى جنين ليس فلتانا”.. حوار مع جمال حويل | سياسة سام نيوز اخبار
مـن مخيم جنين، يتكلم مع الجزيرة نت جمال حويل؛ الرجل الذى كان يـومًا مقاتلًا مع ثلّة هم الان بين شهيد وأسير، فى معركة ملحميّة وقعت عَامٌ 2002 خلدت فى وجدان الفلسطينيين الي الأبد، بين مجموعه مقاومة بعدّة وعتاد بسيطين وجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالآليات والأسلحة المتطوّرة.
وبعد سبع اعوام ونصف مـن الاعتقال على إثر تلك المعركة، تحرّر حويل مـن خلف القضبان بعد فوزه -وهو سجين- بعضويّة المجلس التشريعي فى انتخابات عَامٌ 2006، وهو المجلس الذى حلّه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عَامٌ 2018.
ومنذ بدء معركة طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023، أطلق عضو المجلس الثوري لحركة فتح لسانه فى الإعلام ورجليه فى الميدان، مشيدًا بالمقاومة وداعيًا الي كفّ الأذى عنها فى شمال الضفة الغربية، متخذًا موقفًا مناوئًا لموقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح الرسمىّ.
وطالب حويل فى حوار مع الجزيرة نت، الرئيس الفلسطيني محمود عباس بلقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وباقي قادة الفصائل الفلسطينية، للاتفاق على برنامـج وطني فلسطيني.
اما عَنْ الأسير مروان البرغوثي، فقد صرّح حويل بأنه “الفرصة الهامة لحركة فتح فى اى انتخابات قادمة”، وذلك باعتباره شخصية وطنية جامعة، تؤمن بالشراكة وتدعو الي الوحدة الوطنيه، على حد تعبيره.
لقد مرّ على حرب الإبادة فى قطاع غزة أكثر مـن مئة وخمسين يـومًا، واصل الاحتلال فيها قتل الأهالي وتجويعهم وحرمانهم مـن كلّ مقومات الحياة، بينما يصعّد الاحتلال ومستوطنوه اعتداءاتهم على المسجد الأقصى ومدينة القدس، ولا يخلو يـوم فى الضفة الغربية مـن اقتحام أو اعتقال أو اغتيال أو لقاءات مع جيش الاحتلال. فمثلاً؛ جنين التى منها حويل، اقتحمها الاحتلال منذ بداية الطوفان أكثر مـن ثلاثين مرّة.
مع هذا الحال، يصير السؤال عَنْ دور السلطة الفلسطينية المسؤولة عَنْ الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وتنظيمها فتح، مُلحًّا: أين هم مـن الذى يحدث؟ وما الدور الذى يقومون به اثناء معركة طوفان الأقصى؟ وما الواجب فعله؟ هل مـن سبيل لإصلاح المشهد السياسي؟
فى ظلال هذه الأسئلة، جاء هذا الحوار مع القيادي البارز فى حركة فتح أستاذ العلاقات الدولية فى الجامعة العربية الأمريكية جمال حويل:
-
نحو 5 اشهر مضت على السابع مـن أكتوبر، دمار كثير وعشرات آلاف الشهداء والجرحى. البعض يقول: لماذا هاجمت المقاومة إسرائيل وفتحت كل هذه الحرب؟ حتـى إن بعض مجموعه حركة فتح ذهب الي تحميل المقاومة مسؤولية كل ما يجري وطالب بحسابها بعد الحرب.. ما هى رؤيتك لطوفان الأقصى؟
عملية “طوفان الأقصى” كانـت نتيجه وليست سببًا، والاحتلال ما زال على أرضنا منذ 75 عَامًٌا؛ يبني المستوطنات، ويعتقل الفلسطينيين، ويهوّد مدينة القدس، ويسرق خيراتنا وثرواتنا، وينكل بالفلسطينيين على الحواجز، ويسيطر على المعابر، وفوق ذلك يواصل حصار قطاع غزة منذ أكثر مـن 17 عَامًٌا، فيقتل أهلها بشكل بطيء.
عملية طوفان الأقصى هى رد طبيعي ومتوقع بسـبب وجود هذا الاحتلال.
قادة الاحتلال الإسرائيلي أنفسهم حذّروا قبل هذه العملية، مـن ان الضغط والقهر والظلم على الجمهور الفلسطيني سوف يولد انفجارًا. إذن، ما يحصل نتيجه وليس سببًا، والمشكلة الرئيسية هى فى الاحتلال أساسًا. على سبيل المثال؛ إن كان هناك مـن يحاصر بيتك، وأنت خرجت مـن البيت وضربتهم، هل يكون الحق عليك؟ لا، بل مـن الطبيعي ان تدافع عَنْ نفسك.
صنعت عملية طوفان الأقصى تحولات إستراتيجية فى المنطقة، وأعادت فلسطين الي رأس الأجندة الدولية، سواء على المستوى الرسمى أو الشعبي، فى الوقت الذى كان البعض يفاوض على عمليات التطبيع فى المنطقة مقابل مكاسب مالية وليس مكاسب سياسية حتـى، وبالتالي عادت فلسطين الي قمة الرَّأْي العام الدولى، وانتصرت الرواية الفلسطينية على الرواية الإسرائيلية.
ثم إن إسرائيل التى كانـت تصور للعالم وللمنطقة العربية بالتحديد أنها الدولة النووية والتكنولوجية القادرة على حماية هذه الدول العربية مـن أعداء مفترضين مصطنعين، اثبت مجموعه مـن المقاتلين مـن قطاع غزة الذى لا تزيد مساحته على 365 كيلومترًا مربعًا، فساد هذا التصوّر، وأسقطوا صورة الجيش الذى لا يقهر، بعد ان حقّقوا انتصارًا عسكريًّا ونفسيًّا واستخباراتيًّا على هذا الاحتلال.
ومن اللحظة الأولى للطوفان، قاد الرئيس الأمريكي اجتماع مجلس الحرب، وقدم وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفـاع الأمريكي الي المنطقة، ودعموا إسرائيل بالقنابل الذكية والعتاد والأسلحة، وأرسلوا حاملة الطائرات والغواصة النووية وطائرات الاستطلاع، وقدّموا لإسرائيل كل الدعـم المالي والحماية السِّيَاسِيَّةُ على المستوى الدولى؛ يؤكد ذلك ان إسرائيل دون أمريكا لا تساوي شيئًا، وأن مـن يحمي إسرائيل هى أمريكا.
لا تعيش إسرائيل فى المنطقة إلا لسببين: الاول؛ الدعـم الأمريكي لها على اعتبار أنها مستعمرة متقدمة فى المنطقة، والثاني؛ التفكك العربي، وكل الحروب السابقة التى خاضها العرب مع إسرائيل كانـت حروبًا تمثيلية.
استطاعت المقاومة فى قطاع غزة اثناء ساعات قليلة ان تسيطر على معسكرات “غلاف غزة” مـن ناحل عوز ومقر الشاباك وفرقة غزة والكتيبة 8200، وهذا يؤكد أنه إذا توفرت الإرادة والاستعداد والإيمان عند الدول العربية، فإنهم يستطيعون إنهاء إسرائيل اثناء ساعات.
عدا عَنْ ذلك، اليـوم ولأول مرة منذ عَامٌ 1948، تحاكم إسرائيل على جريمة الإبادة الجماعية. بالإضافة الي الصُّورَةُ العسكرية التى تهشمت لها فى المنطقة، ايضا سقطت صورتها كدولة متحضرة فى المنطقة العربية التى تصور على أنها متخلفة، وقد باتت إسرائيل اليـوم امام العالم دَوْلَةٌ إرهابية مجرمة.
جمع حويل بين النضال السياسي والتأليف؛ حيـث ألّف كتاب “معركة مخيم جنين الكبرى 2022: التَّارِيخُ الحي”
-
ذكرت ان طوفان الأقصى أعاد الي القضية الفلسطينية صدارتها على المستوى الدولى، ولكن على المستوى الداخلي وطوال كل هذه المدة لم تجر اى لقاءات أو حوارات ولا اتصالات بين حماس وفتح.. فى هذا السياق، ما هى رسالتك -وأنت قيادي فى حركة فتح- الي مركزية فتح وإلى الرئيس محمود عباس؟
على المستوى الشخصي، لا تتم دعوتي الي اجتماعات القيادة، بسـبب ترشيحي لمروان البرغوثي لرئاسة النظام السياسي، لانه رجل يؤمن بالوحدة الوطنيه والمقاومة الشاملة.
وحتى لا تذهب التضحيات هباءً، يجب ان يكون هناك توافق فلسطيني على إستراتيجية وطنية تؤدي الي دَوْلَةٌ فلسطينية، بحدود السابع مـن حزيران على أقل تقدير، تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بوجود حماس والجهاد الإسلامي دَاخِلٌ المنظمة.
علينا ان نكون موحدين، لذا أطالب الرئيس ان يجتمع مع هنية ومع قادة الجهاد ومختلف الفصائل لوضع إستراتيجية وطنية فلسطينية لمواجهة الاحتلال، ووضع مشروع سياسي ينسجم مع حجم الحدث وهذه الإبادة الجماعية. فمن غير المعقول، ان المجتمع الإسرائيلي كله موحد على قتل الجمهور الفلسطيني وهم على باطل، ونحن المظلومين تحت الاحتلال لا نكون موحدين!
بالتالي، وكما يقول الأخ مروان البرغوثي، الوحدة الوطنيه قانون الانتصار، وعلينا أيضًا ان ننطلق مـن مبدأ يؤمن به مروان البرغوثي، وهو: شركاء فى الدم، شركاء فى القرار، شركاء فى الميدان، شركاء فى البرلمان؛ وهذه الصيغة الوحيدة القادرة على لملمة الصف الفلسطيني، ويوجد هناك قوية الوفاق الوطني تصلح لأن تكون قاعدة للانطلاق نحو هذه الوحدة.
-
تجري هذه الأيام لقاءات مع مسؤولين أجانب وعرب، وخلال هذه اللقاءات تجري مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إجراء إصلاحات فى السلطة.. هل تعتقد فعلًا ان السلطة بحاجة الي الإصلاح؟ وما هى هذه الإصلاحات؟
الإصلاح وترميم الصف الفلسطيني هو حاجة فلسطينية قبل ان تكون دولية، وكل دول العالم التى تطالب “أبو مازن” بالإصلاحات، نفسها طالبت ياسر عرفات بهذه الإصلاحات، وحاصرته بعدها فى المقاطعة وقُتل فى المقاطعة. وبالتالي نفس السيناريو يعاد، وهذه الإصلاحات هى حاجة فلسطينية ضرورية وليست حاجة عربية أو أمريكية أو العديد.
هذا الاحتلال والمنظومة التى تقترح مثل هذه الامور لا تريد ان ترصد شيئًا للشعب الفلسطيني، وتخترع الحجج مـن اجل إلهاء الوضع الفلسطيني الداخلي بقضايا داخلية.
باعتقادي الأولوية الان هى لوقف الاعلان النار وفتح المعابر وإغاثة أهلنا فى قطاع غزة وإنجاز الوحدة الوطنيه، ومن ثم الذهاب الي انتخابات فلسطينية عامة يقرر فيها الجمهور الفلسطيني بنفسه، والإصلاحات لا تتم إلا مـن اثناء الجمهور بانتخابات عامة وليس مـن اثناء الترقيع الذى تقترحه أمريكا، التى هى عدو وخصم لنا وجُرّبت أكثر مـن مرة، وبالتحديد بعد القرارات الاحترازية الصادرة عَنْ محكمة العدل الدولية ودعوة إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية فى قطاع غزة، إذ أوقفت هى وشركاؤها الدعـم فورًا عَنْ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ولذا عَنْ اى إصلاحات تتحدث أمريكا؟
فى وجهة نظري، الإصلاحات لا يمكن ان تتم إلا بانتخابات عامة فلسطينية للرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني، ويجدد الجمهور الفلسطيني ويختار قيادة المؤسسات التى تتولى مسؤولية الإصلاح، اما إعادة تدوير القيادات مـن هنا وهناك فهي عملية ترقيع لا تؤدي بنا إلا الي كارثة جديدة.
-
قبل مدة صدر بيـان صحفي عَنْ الرئيس محمود عباس يطالب فيه حماس بإنجاز صفقة تبادل الأسرى تحسبًا لوقوع مجازر فى رفح.. بكل تأكيد أنت اطلعت على البيان وفهمت المقصود منه وبأي ضوء جاء، هل تعتقد ان حماس فعلًا هى التى تعطل وقف الاعلان النار؟
المطلوب هو مـن إسرائيل وليس مـن حماس، حماس قامت بما قامت به فى طوفان الأقصى، وقالت إنه جاء لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ووقف الاستيطان والإفراج عَنْ الأسرى.
نتنياهو هو مـن يماطل فى عملية تبادل الأسرى، وفق اعترافات بيني غانتس وآيزنكوت. ونتنياهو لا يريد الإفراج عَنْ الأسرى ولا وقف المعارك، وذلك مـن اجل الاستمرار فى الحلبة السِّيَاسِيَّةُ فى إسرائيل، وكل العالم وحتى أهالي الأسرى فى إسرائيل يحمّلون نتنياهو المسؤولية.
وبالتالي مـن باب أولى مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولى بالضغط على إسرائيل، مـن اجل الموافقة على مطالب المقاومة المحقة والعادلة للشعب الفلسطيني، وليس المطلوب مـن حماس، فهي تعمل كل ما تستطيع مـن اجل الإفراج عَنْ الأسرى.
سواء تمت الصفقة أو لم تتم، فإن إسرائيل لن تتوقف يـومًا عَنْ ارتكاب المجازر بحق الجمهور الفلسطيني، فالضفة الغربية فيها الرئيس محمود عباس منذ 20 عَامًٌا، ومع ذلك هناك استمرار لبناء المستوطنات وتهويد القدس وبناء الجدار والسيطرة على المياه وخيرات شعبنا، وكل هذه مجازر.
-
تحدثت أكثر مـن مرة عَنْ علاقتك بمروان البرغوثي، وسبق ان ترشحت على قائمته للتشريعي، ولكن منذ ذلك الوقت وأنت ممنوع مـن حضور لقاءات فتح فى المقاطعة ولا تُدعَى اليها.. كيف تعقّب على ذلك؟
صحيح، لا تتم دعوتي لأي اجتماعات للمجلس الثوري دون سند تنظيمي، ودون اى رجوع للنظام الداخلي للحركة، وإلى الان لم أستلم اى قرار لا شفوي ولا مكتوب حول عضويتي فى المجلس الثوري.
ايضا لا تتم دعوتي لأي حوار فى الإعلام الرسمى، وتم وضعي على القائمة السوداء فى هذا الإعلام، علمًا بأن تلفزيون فلسطين هو ملك الجمهور الفلسطيني كله، وهو نتاج تضحيات عشرات الآلاف مـن الشهداء والأسرى والجرحى.
على الصعيد الشخصي، انتُخبت للمجلس التشريعي وأنا فى سجون الاحتلال، حيـث أمضيت فيها 11 عَامًٌا، واتهمت بالمشاركة فى تأسيس كتائب شهداء الأقصى، وبأنني أحد قادة معركة مخيم جنين، وانتخبت فى المجلس الثوري، وكان ترتيبي 9 مـن بين 80 عضوًا فى الداخل والشتات، وبالتالي أنا منتخـب مـن قواعد هذه الحركة.
الاحتلال لا يحترم القيادة الفلسطينية، والرئيس سبق ان اعلن بأننا كلنا تحت بساطير الاحتلال، وصائب عريقات سبق ان اعلن بأن رئيس الوزراء هو رئيس الإدارة المدنية، ولذا فإن مسمّيات الوزير أو السفير أو اللواء وغيرها لا تساوي شيئًا مقابل هذا الظلم الذى يواجهه شعبنا امام الاحتلال، وبالتالي يجب علينا ان نتحمل مسؤولياتنا.
-
هل لك ان تحدثنا أكثر عَنْ علاقتك بمروان البرغوثي الذى تقول إنك كنت الشخص الرئيسي فى تأسيس قائمته للمجلس التشريعي؟
مروان البرغوثي هو الفرصة الهامة لحركة فتح فى اى انتخابات قادمة، بما أنه يحظى بإجماع كثير فى استطلاعات الرَّأْي على المستوى الوطني وعلى مستوى قواعد حركة فتح.
لقد عشت معه مدة طويلة جدًّا اثناء وجودي فى الأردن، حيـث كان مبعدًا، وكنت طالبًا ورئيس مجلس الطلبة، وبعدما عدنا، كان هو أمين سر حركة فتح وأنا مسؤول فى شبيبة فتح، وفي بداية الانتفاضة اتهمنا الاحتلال بتأسيس الكتائب وقيادة الانتفاضة، ودخلنا السجون ونجحنا فى انتخابات المجلس التشريعي مـن دَاخِلٌ السجون.
أمضى مروان البرغوثي فى السجون ما مجموعه 30 عَامًٌا، و7 اعوام إبعاد، و4 اعوام إقامة جبرية، وطورد، و4 محاولات اغتيال، وهو دكتور فى العلوم السِّيَاسِيَّةُ وأستاذ أكاديمي فى جامعة القدس أبو ديس، وانتصر فى المجلس التشريعي واللجنة المركزية بأعلى الأصوات، وهو خالٍ مـن الفساد، ويؤمن بالشراكة الحقيقية، ودومًا كان يطالب بأن نحمل جميعًا الهم الفلسطيني وليس فتح لوحدها.
وخلال آخر اسبوعين، جرى عزل مروان البرغوثي ثلاث مرات، ودخل عامه الـ 24 فى سجون الاحتلال، ولم يخرج مـن العزل الانفرادي، ومع ذلك حوّل السجن الي جامعة وخرّج 240 طالب ماجستير، وأكثر مـن 1200 طالب بكالوريوس، وهو يتعرض لهجمة شرسة جسدية ونفسية.
-
هل للحالة التى يمثلها مروان البرغوثي امتدادات فى الشارع؟
مروان البرغوثي ليس تيارًا فلسطينيًّا، وهو قائد فتحاوي لكل فتح، وتجاوز قضية فتح فهو مـن قيادات الجمهور الفلسطيني، وبالتالي مروان ليس تيارًا كبعض الحالات، وإنما هو حالة فلسطينية علينا ان نستغلها، إذ يسمى مانديلا فلسطين، وحالته النضالية لا تقل عَنْ حالة مانديلا، وهو رمز لحرية الجمهور الفلسطيني وفي العالم كله، ومروان مهم وجوده خارج السجن كضرورة فتحاوية ووطنية وشعبية.
تتحدث حركة حماس على الدوام عَنْ الإفراج عَنْ الأسرى، وعلى رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، لأنهم يؤمنون بالشراكة مع فتح فى الفتره اللاحقة.
إذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة حماس فهو واهم، وإذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة فتح فهو واهم، ولا يوجد لنا خلاص إلا بوحدتنا ووضع مشروع وطني فلسطيني كثير له علاقة بالاستقلال، يوازي حجم الكارثة والإبادة الجماعية والتضحيات والثمن الكبير الذى دفعه الجمهور الفلسطيني.
-
بين مدة وأخرى يجري الحديث عَنْ مرحلة ما بعد أبي مازن، وقيادات فى فتح تطرح نفسها باستمرار، ويجري تداول أسماء مروان البرغوثي ومحمد دحلان وحسين الشيخ وجبريل الرجوب وغيرهم.. ما هى رؤيتك لمرحلة ما بعد أبي مازن؟
ما بعد “أبو مازن”، لن يكون رئيس للشعب الفلسطيني إلا باختيار الجمهور الفلسطيني، يمكن ان ينجحوا باختيار بعض الشخصيات فى مناصب هنا وهناك، ولكن الجمهور الفلسطيني لن يقبل، ولن تكون الشرعية إلا للشعب الفلسطيني، ومن يختاره الجمهور سوف نضرب له تعظيم سلام.
دائمًا ما أدعو الرئيس لتوحيد حركة فتح وتوحيد الجمهور الفلسطيني ومن ثم الذهاب الي البيت، لانه فى الحكـم منذ نحو 20 سنة وقبلها فى المشهد السياسي.
علينا ان نوحد الجمهور الفلسطيني ونشكل قيادة وطنية فلسطينية موحدة فى منظمة التحرير، وتشكيل حكومة تعمل على وقف العدوان وإعادة الإعمار فى غزة وتحضر لانتخابات فلسطينية عامة، يتم اختيار الرجل الذى يلي “أبو مازن” مـن الجمهور الفلسطيني مباشرة وليس مـن أمريكا أو دَوْلَةٌ عربية هنا وهناك، لانه وفق التجارب السابقة، كل مـن اختارتهم أمريكا ووضعتهم فى موقع القيادة فى الشرق الأوسط لم يصمدوا كثيرًا امام الحالة الشعبية، ولا اعتقد ان اى قائد فلسطيني لديه شرف وكرامة يقبل ان يأتي على ظهر دبابة إسرائيلية.
-
فى ضوء حديثك عَنْ توحيد حركة فتح.. هل تعتقد أنه يجري اليـوم إضعاف حركة فتح جاء الى بعض القيادات التى تتصدر المشهد؟
التنظيمات الفلسطينية كلها تمر بحالة ضعف وليس حركة فتح وحدها. وجهة نظري ان الحالة الفلسطينية كلها بحاجة الي إعادة تقييم فى المرحله القادمة على المستوى التنظيمي والمستوى الوطني.
نعم حركة فتح فيها ترهل، والمجلس الثوري واللجنة المركزية يجب ان يكون لهما دور أكبر مـن هذا، ولكن غابت المؤسسات بعد حل المجلس التشريعي ومجلس القضاء، حيـث لا يوجد فى البلد مـن يحاسب مـن، مـن يحاسب الوزير عندما يخطئ ومن يحاسب مدير الجهـاز الأمني، ومن يحاسب الرئاسة ورئيس الوزراء.
كان لدينا مؤسسات تقيم وتحاسب، ولكن غياب بعض المؤسسات وعدم وجود المؤسسات الهامة، أدى الي خلل كثير وفساد فى هذه المؤسسات، وبالتالي مطلبنا ان نعود للشعب الفلسطيني.
نعم هناك احتكار فى القرار، ولا يوجد مؤسسات تشارك فى اتخاذ القرارات، وبعض القيادات فى اللجنة المركزية والثوري تسمع بالقرارات مـن الإعلام أو مـن رسالة عبر الهاتف، وبالتالي قضية مثل قضية فلسطين يجب ان لا تقاد بهذه الطريقة، وإنما بعمل جماعي يرتقي الي مستوى القضية الفلسطينية وتكون مرجعيته الجمهور الفلسطيني، وبغير ذلك سوف نكون على خطأ وسوف نرتكب جريمة بحق هذا الجيل والأجيال القادمة.
فتح قادرة على ان تقيم مشروعًا وطنيًّا، ولكن فتح التى تؤمن بالشراكة والوحدة الوطنيه، بحاجة الي روح مثل روح مروان البرغوثي وزكريا الزبيدي وأسرانا الأبطال مـن ابناء فتح والفصائل الاخرى.
-
هذا يدفعني الي السؤال عمّا إذا كانـت حركة فتح لا تزال تقود زمام الامور فى الضفة الغربية؟
إذا قلت بأن فتح تقود الحالة 100% سوف أكون مخطئًا، ومجافيًا للحقيقة، وهناك خلل فى العلاقة ما بين فتح والسلطة، والمشكلة الأساسية عندما تتغطى مؤسسات السلطة وخاصة الأمنية وتتجاوز التنظيم ولا تتعاطى مع التنظيم بشكل جدي وعلى الأرض، وبالتالي تفقد هذا التوازن، وكذلك إذا أصبح التنظيم فى الميدان قويًّا بدون ان يرى مؤسسات السلطة الفلسطينية فهذا أيضًا يحدث خللًا فى التوازن.
وبالتالي يجب ان تكون السلطة للشعب الفلسطيني ومؤسسات السلطة للشعب الفلسطيني وليس لتنظيم هنا وهناك، والتنظيمات هى تنظيمات تعبر عَنْ الحالة فى دَاخِلٌ المجتمعات.
إسرائيل هى أصلًا لا تريد لك ان تكون مسيطرًا فى الضفة الغربية، وكل يـوم تقتحم المدن والمخيمات، وتقتل وتغتال وتدمر، وبالتالي حسب رؤيتي، اى مؤسسة أمنية فى العالم مسؤوليتها حماية المواطنين مـن الاحتلال وهذا الأصل، وليس كَمَا يريد الاحتلال تحويل السلطة الفلسطينية لشركة أمنية تحمي الاحتلال، وهذا لا يقبله اى إنسان عاقل.
عقيدة المؤسسة الأمنية هى حماية الوطن والمواطن مـن الاحتلال المجرم، وبالتالي السلطة غير مسيطرة على الأرض، والاحتلال يقتحم “مناطق أ” وبيوتًا قرب المقاطعة ومنزل الرئيس، وبالتالي كيف تريد ان تكون مسيطرًا والاحتلال لا يسمح لك بأن تكون ايضا، ولن يكون اى سيطرة للسلطة بدون اى مشروع سياسي وتقديم ثمن لهذه السيطرة على الأرض.
-
هل تعتقد ان هذه هى الأسباب التى أدت الي ضعف مشاركة الضفة الغربية فى مساندة قطاع غزة فى اثناء الوضع الحالي؟
كان مطلوبًا مـن الضفة الغربية دور أكبر على المستوى الجماهيري، ولكنها أيضًا قدمت أكثر مـن 400 شهيد، و8000 أسير حتـى الان، وينتشر فيها 800 حاجز بين المناطق، ويجري فيها تنكيل وقمع، تدفعه منذ عَامٌ 2021 وقبل ذلك.
صحيح أنه كان مطلوبًا منها دور أكبر مـن ذلك، وهذه مسؤولية كل مـن يطالب بالمقاومة الشعبية، بالتالي أين هى المقاومة الشعبية مـن إغلاق الشوارع امام المستوطنين، الذين يحرقون حوارة وترمسعيا، وأين الوجود الشعبي، وهذا يدفعنا الي نتيجه بأن مـن يقود الوضع ويطالب بالمقاومة الشعبية لا يجد له تأييدًا، لأن هناك خللًا فى الثقة بين الجماهير والقيادة.
-
هذا على المستوى الشعبي فى الضفة الغربية، ولكن هناك حالة مـن المقاومة تتصاعد فى شمال الضفة الغربية، بدأت فى مخيم جنين وامتدت الي نابلس وطوباس وطولكرم واليوم قلقيلية.. كيف تنظر الي هذه الحالة؟
ما يجري مـن مقاومة فى الضفة الغربية المحتلة، السبب فيه هو الاحتلال، منذ إنشاء مخيم جنين وحتى اليـوم لم يتغير شيء على حالة اللاجئ الفلسطيني، ولا يوجد أفق سياسي، ولا أمل سياسي، والوضع الاقتصادي سيّئ، والانقسام سيّئ، وبالتالي الجمهور الفلسطيني فى شمال الضفة الغربية انفجر فى وجه الاحتلال الذى لا يريد ان يرصد شيئًا له.
الاحتلال دمر الحياة فى جنين ومخيم جنين، مـن الكهرباء والمياه والبنية التحتية، وذلك مـن اجل جعل حياة الجمهور الفلسطيني مستحيلة، فهو يريد تهجير الفلسطينيين ليس فقط فى غزة، وإنما أيضًا فى الضفة الغربية، ويعشش فى ذهنه الفكر التوراتي لدولة يهودا والسامرة.
ما يقع فى شمال الضفة، يقع أيضًا فى العديد مـن عمليات الذئاب المنفردة. ونحن مقبلون على شهر رمضان، وفي اثناء القيود التى يفرضها الاحتلال على الذهاب للمسجد الأقصى، فالموضوع مرشح لهذه المواجهات بشكل كثير جدًّا، وأعتقد ان الضفة الغربية سوف تتحول الي لهيب مـن النار فى وجه هذا الاحتلال المجرم الذى يمعن فى القتل والتدمير، والواقع فى الضفة الغربية يتجه نحو مزيد مـن الإحباط ومزيد مـن الانسداد فى الأفق السياسي، علاوة على رؤية ما يجري مـن جرائم فى قطاع غزة، فالأمور مقبلة على انفجار أكبر بكثير.
-
فى المقابل هناك مـن يصف هؤلاء المقاومون بالانفلات الأمني أو بأنهم خارجون عَنْ القانون، ويجري أيضًا اعتقال أفراد منهم وتعذيبهم فى سجون السلطة، وفي الوقت ذاته تطالب قيادات فى فتح والسلطة بالهدوء فى الضفة الغربية.. ما هو موقفك مـن ذلك؟
نفس هؤلاء مـن القيادات الفلسطينية اتهموا ياسر عرفات بالاتهامات ذاتها، ولكن أنا أقول بأن ما يجري فى جنين ليس فلتانًا ولا خروجًا عَنْ القانون، وإنما هؤلاء أبطال مقاومون يواجهون الاحتلال.
لا أطلب مـن المؤسسة الأمنية مواجهه الاحتلال، فأنا أعرف تعقيدات اتفاق أوسلو والعمل فى الميدان فى مواجهه الاحتلال، ولكن فى المقابل وعلى الأقل، لا نقلّم أظافرنا التى تواجه الاحتلال.
“تعالوا، نريد عمل تهدئة فى شمال الضفة الغربية”، ولكن مقابل ماذا؟ هل سيتم الإفراج عَنْ أموال المقاصة ووضع حد لمحاولات اغتيال المطاردين والإفراج عَنْ جثامين الشهداء وتسليم مناطق فى مناطق ج وجعلها تتبع للسلطة الوطنيه؟ ما هو المقابل؟ أنا لا أرى اى مقابل حقيقي، فلا الاحتلال انتهى، ولا هو يرصد اى ثمن حقيقي للسلطة مقابل الهدوء فى شمال الضفة الغربية.
الخارجون عَنْ القانون هم العملاء والجواسيس، وجماعة وتجار الإدارة المدنية الذين يجري إعدادهم للمرحلة القادمة، والفاسدون ولصوص الوطن والأموال ولا يتم متابعتهم ومحاسبتهم، وأبناء بعض المسؤولين الذين يرتكبون مخالفات امام الجميع وتحل قضاياهم بفنجان قهوة؛ هؤلاء كلهم هم الخارجون عَنْ القانون، اما شباب المقاومة فى شمال الضفة فلا يأخذون الخاوات ولا يعربدون على الناس، بل هؤلاء أبطال معظمهم مصاب وإخوتهم شهداء ومنازلهم تضررت، ولذا علينا التحدث مع هؤلاء الشباب، فهم شباب صغار بشر يمكن ان يكون لهم مخالفات ولكن بالحوار والتفاهم ينزل كل شيء.
-
هذا يدفعنا الي سؤال أخير، أنت طرحت مبادرة للرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية لوقف ملاحقة هؤلاء المقاومين، هل لك ان تطلعنا على تفاصيل هذه المبادرة؟
قمنا بالدعوة لاجتماع حضره نحو 700 شخص فى مخيم جنين، وقلت علينا ان نضع اسس عامة، بأن الحوار يجب ان يكون الأساس فى التعاطي بينما بيننا، وأن نجرّم الاعلان النار على مقرات المؤسسة الأمنية، وأن نجرّم الاعلان النار على الناس وخاصة أنه قد قتل حتـى الان 5 مواطنين بشكل خاطئ برصاص الأمن وتم حل قضاياهم، وأن نحرّم ملاحقة المطلوبين لإسرائيل.
هذه قواعد عامة للاحترام المتبادل، تجرّم استخدام الرصاص بينما بيننا، لتسود لغة الحوار بينما بيننا. وأي بندقية خارجة عَنْ القانون نحن مع محاسبتها ومحاسبة لصوص السيارات الصغار وبعض الجهات المتنفذة التى تمتلك سيارات مسروقة.
نحن مع حماية المقاومة وعدم ملاحقة المقاومة وعدم اعتقال المقاومين، إلا إذا كان هناك مشروع مطلوب مـن السلطة الفلسطينية فى شمال الضفة الغربية، وبالتالي تعالوا نجلس معًا ونتحدث بأخوة ومحبة وبأريحية.
الحل سهل إذا كان هناك نوايا وإرادة مـن الجميع، والبعض يعتقد ان هذه كسر عظم وكسر لهيبة السلطة، ولكن القوات الخاصة الإسرائيلية التى تقتحم رام الله لا تقلل مـن هيبة السلطة، واعتقال ضباط أجهزة أمنية على الحواجز وخلع ملابسهم وأخذ سلاحهم.. أليس هذا ضربًا لهيبة السلطة الوطنيه؟ وبالتالي ضرب الهيبة وكسر العظم لا يكونان بين ابناء الجمهور الواحد، وإنما مع الاحتلال الإسرائيلي.