الاخبار العربية والعالمية

“مترو غزة”.. أنفاق المقاومة التى تحسب لها إسرائيل ألف حساب | اخبار سياسة سام نيوز اخبار

(1)

ربما لا تخلو مدينة كبرى فى العالم حاليا خصوصا تلك المكتظة بالسكان مـن مشروع لنقل الركاب عبر القطارات التى تسير فى الأنفاق لتجنب الزحام الذى قد لا تكون الكباري كافية للتغلب عليه.

لكن الامر يختلف فى قطاع غزة الفلسطيني حيـث يتكدس أكثر مـن 2.2 مليون نسمة فى مساحة ضيقة مـن الأرض ومحاصرة بالكامل مـن جانب المحتل الإسرائيلي اللهم إلا وجود منفذ بري وحيد مع مصر.

ففي غزة توجد أنفاق ولكن دون قطارات، فهي لمآرب أخرى أملتها اعتبارات الحصار وإكراهات القصف وضرورات المقاومة.

وكل عدوان تشنه قوات الاحتلال على قطاع غزة، تظهر قيمة الأنفاق ويصبح الحديث عنها رائجا بالإعلام الغربي، خصوصا عندما تتحدث إسرائيل عَنْ خيار الغزو البري الذى يبدو ان ما يجعل قوات الاحتلال تفكر فيه ألف مرة هو تلك الأنفاق أو ما يحب الإعلام الغربي ان يصفه بـ “مترو غزة”.

(2)

العدوان الذى تشنه إسرائيل حاليا على قطاع غزة ليس كَمَا سبقه، فالسلطة فى إسرائيل تبدو تحت ضغط كثير، بعد ان تعرضت لما لم تتعرض له جاء الى أو حتـى تحسب له حسابا. ففي السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الحالي، باغتتها المقاومة الفلسطينية بعملية “طوفان الأقصى” التى قادتها حركة حماس بينما أكبر هجـوم “رأس الحربة” للمقاومة على إسرائيل منذ إعلان قيامها عَامٌ 1948 على أراضي دَوْلَةٌ فلسطين.

طوفان الأقصى الذى بدأ الساعات الأولى مـن صباح يـوم السابع مـن الشهر الحالي، استهدف الرد على اعتداءات لم تتوقف اثناء الأشهر السابقة طالت الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية، كَمَا امتدت الاعتداءات للمقدسات الإسلامية بالقدس وغيرها، وبلغت درجة مـن الاستفزاز فى اثناء حكومة إسرائيلية موصومة بالتطرف حتـى فى أوساط مـن الإسرائيليين وداعميهم الغربيين.

عملية المقاومة أوقعت بالاحتلال ومستوطنيه فى غلاف غزة خسائر غير مسبوقة، فقد أسفرت الساعات الأولى لمعركة “طوفان الأقصى” عَنْ مقتل مئات الإسرائيليين بين جنود ومستوطنين وفقدان أكثر مـن 100 بعضهم جنود، قبل ان ترتفع الخسائر وفقا لآخر الإحصائيات لأكثر مـن 1400 قتيل بينهم أكثر مـن 300 عسكري، إضافة لإصابة أكثر مـن 5 آلاف وأسر ما يتراوح بين 200 و250 شخصا.

وبدا واضحا ان “طوفان الأقصى” هز المجتمع الإسرائيلي وأفقد سلطته صوابها، فبدأت فى شن هجمات وحشية لم تفرق بين مقاوم ومدني، وألقت أطنانا مـن القنابل سوت مباني بل وشوارع كاملة فى غزة بالأرض، دون ان تكلفها نفسها عناء إبلاغ ساكنيها لإخلائها كَمَا كانـت تفعل جاء الى، لترتفع حصيلة الشهداء حتـى اليـوم الي أكثر مـن 7 آلاف غالبيتهم مـن الأطفال والنساء.

(3)

لكن هذا القصف لم يكن كافيا لإنقاذ إسرائيل وسلطتها مـن العار الذى لحق بقوة إقليمية هائلة لم تتوقع ان تخسر بهذا الشكل امام مقاومة تفتقد للعدد والعتاد فضلا عَنْ الدعـم الإقليمي والدولي، فبدأ الحديث عَنْ رغبة جامحة فى تدمير غزة بالكامل وتهجير أهلها والقضاء بشكل نهائى على فصائل المقاومة فيها.

الاجتياح البري أكثر ما تتحدث عنه إسرائيل بل والإعلام العالمي الأيام الاخيره، لدرجة أنه بات السؤال الأبرز وإن اختلفت الأجوبة بين مـن يرى ضرورته ومن يحذر مـن تبعاته.

غزة تختلف عَنْ العديد، هذا ما تدركه إسرائيل نفسها، وهذا ما يقوله التَّارِيخُ، فقبل 18 عاما بدأت إسرائيل فى إخلاء مستوطناتها مـن قطاع غزة بعد ان أدركت ان ثمن بقائها هناك أكبر مـن تحملها، فاختارت ان تسحب قواتها وتستبدل ذلك بالحصار الخانق عبر البر والبحر والجو.

ومع الحصار كانـت قوات الاحتلال تتوغل بين الحين والآخر لتنفذ عمليات عسكرية تحول بعضها الي حروب استمرت أسابيع وخلفت آلاف الشهداء، وكان أبرزها عملية “الرصاص المصبوب” التى بدأت أواخر 2008 و”عامود السحاب” عَامٌ 2012 و”الجرف الصامد” عَامٌ 2014 و”صيحة الفجر” عَامٌ 2019 و”حارس الأسوار” عَامٌ 2021 ثم “الفجر الصادق” عَامٌ 2022.

وخلال كل هذه العمليات كان التهديد بالاجتياح البري قائما، لكن الصوت ارتفع به هذه المرة على لسان الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التى يبدو أنها تريد تعويض ما لحقها مـن عار وإنقاذ ما فقدته مـن هيبة امام العدو والصديق على حد سواء.

(4)

الحرب عَنْ بعد كانـت دائما الإستراتيجية الإسرائيلية خصوصا اثناء 20 عاما الماضية، لأن القوة الرئيسية لجيشها هى القوات الجوية التى سمحت لها بتنفيذ عمليات عقابية امام قطاع غزة دون تعريض جنودها لمخاطر كبيرة، هذا ما قالته صحيفة لوموند الفرنسية قبل أيام، مضيفة ان ذلك لم يكن دائما فعالا فى بيئة معقدة.

“لوموند” كررت ما تردد على لسان عشرات المحللين السياسيين والعسكريين -فضلا عَنْ وسائل إعلام فى إسرائيل وخارجها- مـن تحذيرات بأن الاجتياح البري رهان محفوف بالمخاطر، خصوصا ان جيش الاحتلال اعتاد اثناء السنوات الماضية على عمليات توغل برية سريعة ومحدودة الأهداف.

وتشير بعض التقديرات الي ان مجموعه أنفاق حماس الأكبر فى العالم بعد مجموعه المنشآت التى يترقب ان كوريا الشمالية بنتها تحت الأرض.

وتضم هذه الشَّبَكَةُ -وفق هذه التقديرات- 1300 نفق، ويبلغ طولها نحو 500 كيلومتر، وقد يصل عمق بعضها الي 70 مترا تحت سطح الأرض.

وجاءت هذه البيانات ضوء تقرير نشرته صحيفة “معاريف” العبرية وصفت فيه أنفاق غزة بأنها “جهنم تحت الأرض” وأكدت أنها تمثل تحديا هائلا للجيش الإسرائيلي.

الأنفاق لا تحمي المقاومة فحسب، بل توفر وسيلة لمهاجمة اى وحدات إسرائيلية تدخل غزة مـن تحت الأرض، كَمَا أنها تتيح للمقاومة نقل قواتها مـن مكان لآخر، بعيداً عَنْ غارات الطيران الإسرائيلي.

اما جون سبنسر، رئيس دراسات الحرب المدنية بمعهد الحرب الحديثة فى الأكاديمية العسكرية الأميركية “وست بوينت” وهو أيضا ضابط لاحق بالجيش الأميركي، فاعتبر فى مقال نشره مؤخرا ان “حجم التحدي فى غزة مع الأنفاق تحت أرضية فريد مـن نوعه” قائلا إن مجموعه الأنفاق الكبيرة والمتشعبة تشكل معضلة عصية على الحل، وخطرا يتربص بالقوات البرية الإسرائيلية.

ويذهب مايك مارتين، الخبير بشؤون الحرب فى “كينغز كوليج” فى لندن، الي ان أنفاق غزة اعلن توازنا بين المقاومة وإسرائيل، لأنها تحيد مزايا إسرائيل التسليحية والتكتيكية والتكنولوجية والتنظيمية.

وضمن حديث الصحف الغربية عَنْ أنفاق غزة والذي لا يتوقف هذه الأيام، يقول ديفيد إغناشيوس الكاتب بصحيفة واشنطن بوست إنه فى التحليل الإسرائيلي للحرب الدائرة على غزة وآفاقها المستقبلية يتحدثون عَنْ “غزتين” إحداهما مرئية للعيان لأنها فوق سطح الأرض، والأخرى هى تلك الشَّبَكَةُ الواسعة مـن الأنفاق تحت الأرض.

ويضيف الكاتب ان إسرائيل تستعد لدخول غزة الثانية التى يترقب -وفقا له- ان تكون المرحله الأخطر والأشد فتكا فى هذه الحرب.

قصف غزة
الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه العنيف لقطاع غزة منذ ثلاثة أسابيع (الأناضول)

(5)

الأنفاق التى يُتوقع أنها عامرة بمقاتلي المقاومة وبالأسلحة خصوصا الصواريخ وقذائف المدفعية والذخائر، وغيرها مـن الإمدادات الحربية، استقبلت الفتره الاخيره ضيوفا جددا هم على الأرجح عشرات الإسرائيليين الذين أسرتهم المقاومة فى معركة “طوفان الأقصى”.

هذا المتغير يزيد مـن وطأة الهاجس الذى تمثله أنفاق غزة والذي اثناء يؤرق الاحتلال على مدى اعوام، ولذلك فالحديث لم يعد يقتصر على تدمير الأنفاق، وإنما على كيفية دخولها مـن اجل تحرير الأسرى والقضاء على مقاتلي المقاومة، كَمَا يأمل الإسرائيليون.

فى هذا الصدد، يتحدث الإعلام الإسرائيلي والغربي عَنْ إمكانية استخدام الروبوتات وربما الكلاب، بعدما تبين ان أجهزة الاستشعار والمراقبة التقليدية ليست كافية لاكتشاف الأنفاق ناهيك عَنْ اقتحامها.

ونعود مجددا الي مقال إغناشيوس الذى يقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل طورتا أساليب لقياس البصمات المغناطيسية والحرارية والصوتية لهذه المنشآت الواقعة تحت الأرض.

لكن كل ذلك لن يكون كافيا، فالأمر -وفق المقال- لن يستغني عَنْ ضرورة دخول العناصر البشرية الي الأنفاق، وهو ما يعني أنهم قد يتعرضون لكمائن ومتفجرات وألغام مخفية.

(6)

على مدى عقود كانـت الولايات المتحدة هى الداعم الاول لإسرائيل، حيـث تغدق عليها بالدعم العسكري بالتوازي مع الدعـم السياسي الذى يمتد مـن التصريحات وحتى استخدام حق الفيتو بمجلس الأمن للحيلولة دون صدور اى قرار امام إسرائيل.

لكن واشنطن ذهبت هذه المرة بعيدا جدا بينما يتعلق بهذا الدعـم، وبدا ان ادارة جو بايدن مجندة لذلك بكل أجهزتها ومسؤوليها وعلى رأسهم الرئيس نفسه ووزيرا الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن، وكلهم تقاطروا لزيارة إسرائيل الأيام الماضية.

ولأن الاحتلال الإسرائيلي وحليفه الأميركي يدركان خطورة سلاح الأنفاق لدى المقاومة، فقد كان لها نصيب مهم مـن الدعـم السخي الذى تقدمه واشنطن، حيـث تتعاون الحكومتان منذ اعوام لتطوير أنظمة الاعلان عَنْ الأنفاق سواء التى تستخدم بالأغراض العسكرية أو حتـى لأغراض ترتبط بإدخال السلع عبر الحدود.

وتشير دراسة تم إعدادها لأعضاء الكونغرس -واطلعت عليها الجزيرة نت- ان واشنطن قدمت مساعدات لإسرائيل مـن اجل هذا الغرض بلغت قيمتها 320 مليون دولار منذ 2016، بمعدل يقترب مـن 40 مليونا سنويا.

لكن الدراسة ذاتها تشير الي ان بعض أنفاق حماس تقع على عمق 230 قدما تحت الأرض، كَمَا يقول برادلي بومان الخبير العسكري بمؤسسة الدفـاع عَنْ الديمقراطيات بواشنطن “إن معظم الأنفاق معززة بالخرسانة وبعضها عميق جدا، مما يسمح لها بحماية مقاتلي حماس مـن الغارات الجوية”.

ورغم ان جيش الاحتلال يمتلك عدة وحدات متخصصة بمكافحة الأنفاق، فإن المخاوف لا تتوقف فى تصريحـات المحللين الإسرائيليين والغربيين بشأن هذه الأنفاق، حيـث يعتقد بعضهم أنه إذا قررت تل أبيب القيام بغزو بري فستكون قد ذهبت للقتال خارج ملعبها فى “مترو غزة” أو ربما يكون وصف صحيفة “معاريف” أكثر إيحاء عندما تحدثت عَنْ ان ما ينتظر جيش إسرائيل فى هذه الحالة هو “جهنم تحت الأرض”.

لينك بديل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى