الاخبار العربية والعالمية

“مصنع إعدامات جماعية”.. الذكاء الاصطناعي فى خدمة الجيش الإسرائيلي | تكنولوجيا سام نيوز اخبار

توصف الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها أكثر المعارك وحشية فى القرن الحالي، إذ تجاوز عَدَّدَ الشهداء الفلسطينيين حتـى كتابة هذا المقال 17 ألفا، ووصل عَدَّدَ الجرحى نحو 47 ألفا.

وبحسب تقرير مشترك أجرته مجـلة “972+” وموقع لوكال كول الإسرائيليين واعتمد على شهادات سبعة مجموعه حاليين وسابقين فى الاستخبارات الإسرائيلية، بالإضافة الي شهادات وبيانات ومعلومات فلسطينية، فإنّ هنالك عدة أسباب وراء هذا الكم المخيف مـن الضحايا، أبرزها الاعلان العنان لأنظمة الذكاء الاصطناعي فى اختيار الأهداف.

وقبل الشروع فى تفصيل أنظمة الذكاء الاصطناعي التى اعتمدتها إسرائيل فى حربها هذه وحروبها السابقة، نستعرض باختصار إستراتيجية إسرائيل التى غيّرت قواعد الاشتباك وأفلتت يد قواتها الجوية تدك غزة دكا وتُعمل فيها قصفا وقتلا.

جنود الاحتلال الإسرائيلي يحددون أهدافا لهم دَاخِلٌ قطاع غزة (رويترز)

اهداف أربعة

منذ اللحظة الأولى بعد هجـوم “رأس الحربة” 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، صرح صناع القرار فى إسرائيل صراحة ان الرد سيكون بحجم مختلف تماماً عَنْ العمليات العسكرية السابقة فى غزة، وذلك بهدف معلن هو القضاء على حماس تماما كَمَا يدّعون.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري فى 9 أكتوبر/تشرين الاول: “يتم الانتباه على الضرر وليس على الدقة”، وسرعان ما قام الجيش بترجمة هذه التصريحات الي أفعال.

وبحسب المصادر التى تحدثت الي “972+” ولوكال كول، يمكن تقسيم الأهداف التى وضعتها قيادة جيش الاحتلال وقصفتها الطائرات فى غزة الي أربع فئات:

الفئة الأولى أُطلِق عليها “الأهداف التكتيكية”، وشملت الأهداف العسكرية مثل العناصر المسلحة ومستودعات الأسلحة وقاذفات الصواريخ ومراكز القيادة ونقاط المراقبة وما شابهها.

الفئة الثانية وهي “الأهداف تحت الأرض”، وهي الأنفاق التى تستخدمها حماس، والضربات الجوية التى استهدفتها أدت الي انهيار المنازل الموجودة فوق الأنفاق أو بالقرب منها. (انظر الفيـديو القادم الذى يبين استهداف الطيران الإسرائيلي لمواقع فى غزة)

الفئة الثالثة وأطلقوا عليها “اهداف القوة”، وتشمل المباني الشاهقة والأبراج السكنية فى قلب المدن، والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية. والفكرة وراء ضرب مثل هذه الأهداف -كَمَا تقول ثلاثة مصادر استخباراتية شاركت فى التخطيط أو تنفيذ الضربات- “توليد حالة مـن السخط والضغط تجاه حماس جاء الى المدنيين”.

الفئة الرابعة وهي “منازل العائلات” أو “منازل النشطاء”، وهذا النوع كان سببا رئيسيا فى صعود عَدَّدَ القتلى بشكل خطير، فبحسب المصادر فإن القوات الإسرائيلية ومن اجل تدمير منزل لأحد أفراد حماس موجود دَاخِلٌ بناية سكنية مـن عدة طوابق كانـت تدمر البناية بأكملها.

وصرَّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فى 11 أكتوبر أنه اثناء الأيام الخمسة الأولى مـن القتال، اعتُبرت نصف الأهداف التى قٌصفت (1329 مـن إجمالي 2687) اهداف قوة.

ونقل المقال عَنْ عَدَّدَ مـن المصادر دَاخِلٌ الجيش الإسرائيلي، ان الجيش الإسرائيلي لديه ملفات عَنْ غالبية الأهداف التى تُقصف فى غزة، ومن ضمنها عَدَّدَ المدنيين الذين يسكنون كل بناية، ومعلومات مسبقة عَنْ عَدَّدَ الضحايا الذين يسقطون بسـبب القصف.

وتروي المصادر انَّهُ فى إحدى المرات، وافقت القيادة العسكرية الإسرائيلية على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين فى محاولة لاغتيال أحد كبار القادة العسكريين فى حماس.

نظام غوسبل يمكّن الجيش مـن ادارة “مصنع اغتيالات جماعية” حيـث يُركز على الكمية وليس على الْجَوْدَةُ (الفرنسية)

الذكاء الاصطناعي فى حرب غزة

فى السنوات الاخيره اتجهت إسرائيل لتدعيم ترسانتها العسكرية بأنظمة الذكاء الاصطناعي. وكما هو معلوم عند أهل الاختصاص فعماد عمل تلك الأنظمة أمور عدة أهمها “البيانات“. وإسرائيل تملك كَمَا كبيرا مـن البيانات بفضل بَرَامِجُ التجسس والأقمار الصناعية وسطوتها على شركات اتصال الجوال إضافة لأنظمة التعرف على الوجه والبيانات البيومترية الموجودة فى المعابر الإسرائيلية.

والأمر الآخر المهم فى عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي هى الخوارزميات الدقيقه والمتطورة التى تترجم تلك البيانات الي قرارات.

أمّا دقة عمل الخوارزميات فهي تعتمد على الشروط التى وضعها المبرمجون، وفي الحرب الحالية (2023) أزيلت الشروط التى كان معمولا بها سابقاً وهي مقدار الضحايا المسموح به عند تنفيذ اى استهداف وهم خمسة أشخاص. واستخدمت إسرائيل نظام ذكاء اصطناعي يُدعى “غوسبل” (gospel) (وترجمته الحرفية “الإنجيل”)، وهذا النظام أُزيلت مـن خوارزمياتِه الشروط الخاصة بعدد الضحايا.

وبكلمة أخرى فإن عملية النظام توليد الأهداف بعد مقاطعة البيانات وتسليمها للقوات الجوية أو للطائرات بدون طيار بغض النظر عَنْ عَدَّدَ الضحايا المتوقع. كَمَا أُزيل شرط آخر مـن عمل الخوارزميات هو رتبة الشخص المستهدف، فسابقا كانـت إسرائيل تستهدف القادة، اما نظام “الإنجيل” هذا فلا يُفرق بيت قيادي أو مقاتل، وما دام عَدَّدَ أفراد كتائب القسام بين الـ30 والـ40 ألف عنصر، فتخيل مقدار الأهداف المتوقع قصفها وحجم الضحايا المدنيين الناجم عَنْ هذا القصف.

وبحسب مقابلات أجرتها صحيفة غارديان البريطانية، فإن نظام غوسبل يولّد بنك اهداف بواقع 100 هـدف فى اليـوم الواحد، بينما كانـت الاستخبارات الإسرائيلية تنجز 50 هدفا فى السنة.

ووفقا للأرقام التى نشرها الجيش الإسرائيلي فى نوفمبر/تشرين الثانى الماضي، فإنه اثناء الأيام الـ35 الأولى مـن الحرب، هاجمت إسرائيل 15 ألف هـدف فى غزة، وهو رقم أعلى بكثير مـن العمليات العسكرية السابقة فى المنطقة. وبالمقارنة مع حرب 2014 التى استمرت 51 يوماً، ضرب الجيش الإسرائيلي ما بين 5000 و6000 هـدف.

وأوضح أحد ضباط المخابرات السابقين ان نظام غوسبل يمكّن الجيش مـن ادارة “مصنع اغتيالات جماعية”، حيـث “يتم الانتباه على الكمية وليس على الْجَوْدَةُ”.

Israeli soldiers stand near the border with the Gaza Strip, amid the ongoing conflict between Israel and the Palestinian Islamist group Hamas, in Beeri, Israel, December 8, 2023. REUTERS/Athit Perawongmetha
فى عَامٌ 2019 أنشأ الجيش الإسرائيلي مركزاً جديداً يستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية توليد الأهداف (رويترز)

الذكاء الاصطناعي فى الحروب

حققت شركات الذكاء الاصطناعي فى إسرائيل أرباحاً كبيرة منذ نشأته، فهي تستخدم المواطنين فى غزة والضفة الغربية كحقل تجارب للبرامج التى يُصمموها.

ومن أمثلة ذلك عندما صمم خريجو قطاع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى 2013 تطبيق خرائط يدعى ويز (Waze) جربوه على سكان الضفة الغربية واستحوذت عليه غوغل فى العام نفسه مقابل 1.3 مليار دولار.

وبدأ استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للجيش فى إسرائيل فى عَامٌ 2019، فقد أنشأ الجيش الإسرائيلي مركزاً جديداً يهدف الي استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية توليد الأهداف.

واعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي فى مقابلة متعمقة مع موقع “واي نت” (Ynet) الإسرائيلي فى حينها: “إن القسم الجديـد لتوليد الأهداف هو وحدة تضم مئات الضباط والجنود، وتعتمد على قدرات الذكاء الاصطناعي”.

وأولى نتاجات تلك الوحدة كان برنامـج فاير فاكتوري، ومهمته توليد الأهداف، وتحديد كميات الذخيرة المناسبة، واقتراح جـدول زمني للغارات الجوية، مع اشتراط أضرار جانبية لكل عملية لا تتجاوز خمسة مدنيين.

ولاختبار قدرات فاير فاكتوري تفيد بلومبيرغ أنه فى 2021، وصف الجيش الإسرائيلي قصف غزة الذى استمر 11 يوماً بأنها أول “حرب ذكاء اصطناعي” فى العالم، وأشار الي استخدامه للبرنامج لتحديد الأهداف ونشر الطائرات دون طيار.

مسيرة إسرائيلية تحلق فوق قطاع غزة (رويترز)

ورغم تبجّح إسرائيل بدقة عمل تلك الأنظمة، فإن ما كشفته المعارك الحالية أثبت ما كان يُحذّر منه الخبراء مـن خطورة دمج أنظمة الذكاء فى الأسلحة واستخدامها فى المعارك.

واعلنت كاثرين كونولي الباحثة فى مجموعه ستوب كيلر روبوت (Stop Killer Robots): “إن اى تغيير فى البرمجيات يمكن ان يجعل تلك الأنظمة والأسلحة لا تصبح شبه مستقلة، بل تصبح مستقلة تماما فى اتخاذ القرار”.

وعلى الصعيد ذاته اعلن أنتوني لوينشتاين، الصحفى المستقل ومؤلف كتاب “المختبر الفلسطيني” الذى كان يقيم فى القدس الشرقية مـن عَامٌ 2016 الي عَامٌ 2020: “كان ادعاء الذكاء الاصطناعي يدور حول استهداف الأشخاص بنجاح أكبر، لكن ما نراه مـن استهداف ليس فيه اى دقة على الإطلاق؛ هناك أعداد كبيرة مـن المدنيين يموتون. وقد تم تدمير ثلث المنازل فى غزة. هذا ليس استهدافاً دقيقاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى