مـن البوعزيزي لبوشنيل.. واشنطن بوست: إحراق الذات هناك عمل بطولي وهنا جنون؟ | اخبار سياسة سام نيوز اخبار
اعلن كاتب أميركي إن الولايات المتحدة بلد منقسم على نفسه، ليس بسـبب الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة فقط؛ ولكن بسـبب نظرتها المتناقضة -ايضا- لحادثتي إحراق الذات وقعت إحداهما قبل أيام قليلة امام سفارة تل أبيب فى واشنطن، والأخرى فى تونس العاصمة فى 2010.
وأوضح عضو هيئة التحرير بصحيفة واشنطن بوست وكاتب العمود فيها، شادي حامد، ان بعض ردود الفعل على إحراق الجندي فى القوات الجوية الأميركية آرون بوشنيل نفسه امام السفارة الإسرائيلية فى واشنطن مؤخرا وهو يصرخ “فلسطين حرة”، لم تقتصر على الرفض بل انطوت -أيضا- على سخطها لما أقدم عليه.
وعلّق الكاتب على ردود الفعل تلك بالقول إن مسارعة بعض الناس الي تفسير تصرف بوشنيل بأنه ناجم عَنْ علّة نفسية يوحي بازدواجية معايير.
واستدل على ذلك بوصف مايكل ستار فى مقاله بصحيفة جيروزاليم بوست حادثة الانتحار احتجاجا على حرب غزة، بأنها “حالة مـن الهستيريا”، بينما وصم الصحفى مارك جوزيف ستيرن مـن يُقْدمون على هذا الفعل بأنهم “يعانون مـن اختلال عقلي”.
البوعزيزي
وعندما تعلّق الامر بانتحار البائع التونسي المتجول محمد البوعزيزي بإحراق نفسه فى 17 ديسمبر/كانون الاول 2010 احتجاجا على مصادرة الشرطة عربته اليسيرة، وهي الحادثة التى أشعلت ثورات الربيع العربي– لم يشكك أحد حول ما إذا كان يعاني مـن مرض عقلي، بل إن الرئيس باراك أوباما أشاد به حينها معدّا إياه “بطلا”، وفق مقال واشنطن بوست.
ونادرا ما وصفت وسائل الإعلام الغربية وفاة البوعزيزي بأنه انتحار، وإزاء هذا الكيل بمكيالين، يتساءل الكاتب شادي كيف يمكن لحادثة انتحار ان تكون عملا بطوليا، بينما الاخرى تُعدّ تصرفا جنونيا؟”، و”ما الذى يجعل حادثة انتحار عملا نبيلا، والأخرى فعلا ناجما عَنْ اعتلال نفسي؟”.
ويقارن المقال بين انتحار بوشنيل والبوعزيزي، مشيرا الي ان الجندي الأميركي فكّر مليا على ما يبدو ونبّه وسائل الإعلام اليها قبيل تنفيذ فعلته بساعات، بخلاف البائع التونسي المتجول الذى كان تصرفه ردا على مصادرة السلطات بضائعه وإساءة الشرطة معاملته.
وأشار أحد المنتقدين الي أنه بينما كان البوعزيزي يحتج على حكومته، كان بوشنيل منشغلا بــ”صراع عرقي وديني بعيد”. ويعتقد الكاتب فى مقاله ان الجندي الأميركي ليس له “وشائج قربى” بالمنطقة، “فلماذا ينتابه شعور عارم تجاه مشكلات الآخرين؟”.
انقسام
ويقودنا هذا –حسب الكاتب- الي وجود انقسام جوهري يتعلق بالكيفية التى يفسر بها الأميركيون الحرب على غزة. ووفقا للمقال، فهذه الحرب ليست مجرد صراع خارجي فتك بأرواح عشرات الآلاف، وهي ليست بعيدة، كَمَا يعتقد بعض المحللين.
ويتابع شادي القول إن الولايات المتحدة هى الراعي العسكري الرئيس لإسرائيل، إذ تزودها بأسلحة “الطوارئ” والإمدادات التى تحتاجها للاستمرار فى حربها. والأكثر مـن ذلك –على حد تعبير شادي- ان القوات الجوية الأميركية التى كان بوشنيل أحد جنودها، تزود إسرائيل بمعلومات استخباراتية تعينها على استهداف موقع فى غزة بالقصف الجوي المكثف.
ويؤكد كاتب العمود ان الولايات المتحدة متورطة بصورة مباشرة على نحو لا يحدث فى اى صراعات أخرى.
ولم ينظر بوشنيل الي الحرب فى غزة على أنها صراع بعيد عنه، بل اعلن “لن أتورط بعد الان فى الإبادة الجماعية“، محذّرا فى الوقت نفسه مـن أنه على وشك القيام بعمل “احتجاجي متطرف”، لكنه استدرك أنه بمقارنة ما اثناء يشهده الناس فى فلسطين “على أيدي مـن يأتي أرضهم، فإن (الاحتجاج) ليس تطرفا على الإطلاق كَمَا دأبت نخبتنا الحاكمة على إقراره بأنه وضع طبيعي”.
وطبقا لمقال واشنطن بوست، لعل مـن غير المنطقي أو حتـى مـن الخبل التفكير بالقيام بمثل ما قام به بوشنيل، لكن مـن غير المعقول ألا يشعر بوشنيل –وملايين آخرون مـن الأميركيين- بإحساس متزايد بالعجز إزاء ما تقوم به حكومتهم مـن تسهيل عمليات القتل الجماعي لشعب أعزل الي حد كثير.