الاخبار العربية والعالمية

مـن غسان كنفاني الي نوح ابراهيم.. لِمَ استهدفت دَوْلَةٌ الاحتلال شعراء وأدباء فلسطين؟ سام نيوز اخبار

“أريد ان أتكلم عَنْ الموت. عَنْ موت يحدث أمامك، لا عَنْ موت تسمع عنه. إن الفرق بين هذين الطرازين مـن الموت فرق شاسع لا يستطيع ان يدركه إلا مَن يشاهد إنسانا ينكمش بغطاء سريره بكل ما فى أصابعه الراجفة مـن قوة، كي يقاوم انزلاقا رهيبا الي الفناء. إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين المنتظرين بمرارة دورهم لكي يكونوا درسا صغيرا للعيون الحية”.

(غسان كنفاني، موت سرير رقم 12)

لطالما مَثَّل أدب المقاومة الفلسطينية وشِعرها حالة استثنائية، فى لحظات تجاوزت فيها الكلمات كونها مجرد وسيلة للاتصال أو التعبير، لتتحول الي سلاح فعلي يمكنه ان يكسر الحصار ويَعبُر الحدود. وفي أزمنة خلت مـن وسائل التواصل الاجتماعي وكاميرات الإعلام المجانية، كان الشعر والكلمة وسيلة أساسية لرواية ما يحدث فى فلسطين، ونقل الصوت الي ضمير العالم الخارجي الأصم، وتشكيل التضامن العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية، وفي ميدان القتال كان الشعر أرضا خصبة نمت فيها بذور المقاومة. وعلى الجانب الآخر، وعى المحتل دائما اهميه الكلمة، فسعى بكل طاقته لتكميم أفواه أصحابها، حينا بالاعتقالات أو التضييق، وحينا آخر بجرائم وصلت الي القتل المتعمد والاغتيال.

ربما يكون مصطلح أدب المقاومة قد ذاع صيته لأول مرة على يدي الأديب الفلسطيني الشهيد “غسان كنفاني” فى دراستَيْه المعنونتَيْن بـ”أدب المقاومة فى فلسطين المحتلة 1948-1966″، التى صدرت عَنْ دار الآداب – بيروت عَامٌ 1966، و”الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968″ وصدرت عَنْ مؤسسة الدراسات الفلسطينية عَامٌ 1968، وقد درس مـن خلالهما دور شعر المقاومة فى مواجهه قمع سياسات المحتل، ودور الكلمة الفعال امام نيران البارود والرصاص وتوحش الاستيطان.

 

لم يقتصر كنفاني فى دراستَيْه على الشعر الفصيح فقط، بل شمل أيضا الأدب الشعبي والعامي، الذى استطاع مـن الوصول الي الناس وتردد على ألسنتهم. (مواقع التواصل الاجتماعي)

ولا يقتصر الامر فقط على جيل ما بعد نكبة عَامٌ 1948، بل يمتد بينما هو أبعد الي زمن الانتداب البريطاني وثورة فلسطين العربية الكبرى عَامٌ 1936، حيـث برزت العديد مـن الأصوات الشعرية المقاومة للاستعمار والمحذِّرة مـن خطر الصهيونية الوشيك، وقد وعى شعراء ذلك الزمن بالكارثة ورفعوا أصوات قصائدهم بالتحذير، كالصارخ فى البرية، ومن بين ابرز هذه الأصوات الشعراء ابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وأبو سلمى “عبد الكريم” الكرمي.

ايضا لم يقتصر كنفاني فى دراستَيْه على الشعر الفصيح فقط، بل شمل أيضا الأدب الشعبي والعامي، الذى استطاع مـن الوصول الي الناس وتردد على ألسنتهم. ولا عجب إذن ان أصبح كنفاني نفسه واحدا ضوء المزيد مـن الشهداء الذين اغتالتهم دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيلى عمدا ضوء عشرات الفنانين والشعراء والمفكرين، فى سعيها المستمر لإسكات أصوات الحقيقة، وتغييب حامليها.

انهض واقتل أولا.. الاغتيال عقيدة صهيونية

فى كتابه الصادر عَامٌ 2018 والمعنون بـ”انهض واقتل أولا.. التَّارِيخُ السري للاغتيالات الإسرائيلية” (Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations)، يستعرض الكاتب الإسرائيلي رونين برجمان تاريخ الاغتيالات التى نظمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مؤكدا ان عَدَّدَ الاغتيالات التى نفذتها إسرائيل يفوق كل ما نفذته اى دول غربية أخرى.

فى كتابه “انهض واقتل أولا.. التَّارِيخُ السري للاغتيالات الإسرائيلية” يستعرض الكاتب الإسرائيلي رونين برجمان تاريخ الاغتيالات التى نظمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. (مواقع التواصل)

ويشير الكاتب فى مقدمته الي اقتباسه العنوان مـن نصوص التلمود وتحديدا مـن نص يقول: “إذا جاء شخص ليقتلك فانهض واقتله أولا”، وهو النص الذى استند إليه أكثر مـن شخص ممن اعتمد الكاتب على شهادتهم لتبرير عقيدة الاغتيالات الإسرائيلية. يستعرض الكتاب عددا مـن الاغتيالات الصهيونية بحق العديد مـن المسؤولين البريطانيين وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس وغيرهم، سواء عبر القتل المباشر أو عبر ما سمّاه وسائل “القتل الصامت” الذى يهدف الي إخفاء آثار الجريمة وإبعاد الشبهات.

يكشف الكاتب أيضا كيف لم تتوانَ الاستخبارات الإسرائيلية عَنْ القتل دون تفرقة، إذ أصدر آرييل شارون على سبيل المثال أمرا بإسقاط طائرة تحمل على متنها 30 طفلا فلسطينيا مـن جرحى صبرا وشاتيلا، معتقدا بوجود ياسر عرفات على متنها، وأُلغيت العملية فى اللحظات الاخيره عندما عرفوا أنه غير موجود على متنها، وهو ما يصفه الكاتب بجرائم الحرب المتعمَّدة.

ورغم كون الكاتب إسرائيلي الجنسية، مما يجعلنا نتلقى ما يطرحه مـن معلومات بكثير مـن الحذر، فإنه يلقي الضوء على سياسات الصهاينة اللا أخلاقية فى تصفية أعدائهم فرديا، بداية مـن منظمة بار غيورا التى تأسست عَامٌ 1907، مرورا بعصابات الهاغاناه وحتى جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويُقِر الكتاب بأن إسرائيل اغتالت منذ الحرب العالميه الثانية عددا يفوق ما نفذته اى دَوْلَةٌ غربية، ويقدر عَدَّدَ الاغتيالات التى نفذتها بنحو أكثر مـن 2700 عملية اثناء 70 عاما مـن قيامها.

هكذا أشهرت إسرائيل سلاح الاغتيالات فى وجه الجميع، ولم تكتفِ باستخدامه مع أعدائها السياسيين فقط، بل امتدت قائمتها لتشمل مَن رفعوا راية المقاومة عبر الكلمات والأفكار والفنون، واعية بقدرة الفن الحقيقية على إذكاء روح المقاومة، ومنح صوت لمَن لا صوت له، ومحو غيوم التضليل التى مارستها آلات الإعلام الصهيونية على مدى أكثر مـن 70 عاما فى محاولات لا تنقطع لطمس الهويه الفلسطينية ومحو الحقائق.

غسان كنفاني.. الوطن هو ألا يحدث ذلك كله

بحلول عَامٌ 1969، أصبح كنفاني الناطق الاعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقام بتأسيس وتحرير مجلتها “الهدف”. (الصُّورَةُ: غيتي)

“لقد أخطأنا اثناء اعتبرنا ان الوطن هو الماضي فقط، اما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، وهكذا أراد خالد ان يحمل السلاح. هناك عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون فى أغوار هزائمهم عَنْ حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطاءنا، وأخطاء العالم كله”.

(غسان كنفاني، عائد الي حيفا)

وُلد غسان كنفاني فى التاسع مـن أبريل/نيسان عَامٌ 1936، والتحق فى طفولته المبكرة بمدرسة الفرير بيافا. لكن سرعان ما تبدل الحال مع نكبة 1984، لتضطر عائلته الي المغادرة الي لبنان، ومن صيدا انتقلوا الي حلب ثم الي دمشق، حيـث استقرت عائلته، وتابع دراسته الي ان التحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي.

بعد تخرجه انتقل الي الكويت للعمل فى التدريس عَامٌ 1955، وبدأ اثناء هذه الفتره فى مسيرته الأدبية، حيـث كتب أولى قصصه القصيرة، وعمل محررا فى إحدى الصحف الكويتية، حتـى عَامٌ 1960 اثناء انتقل الي بيروت للعمل فى مجـلة الحرية، بالإضافة الي الكتابة أسبوعيا فى جريدة المحرر. وفي بيروت كانـت ذروة النشاط الفكري والأدبي لغسان، وقد ساهم كنفاني فى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عَامٌ 1967. وبحلول عَامٌ 1969، أصبح كنفاني الناطق الاعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقام بتأسيس وتحرير مجلتها “الهدف” التى أصبحت على يديه منبرا رئيسيا للعمل الثوري والمقاومة الفلسطينية المسلحة.

كان غسان حادا وصريحا فى انتقاداته للكيان المحتل، ويذكر أنه فى مقابلته الشهيرة عَامٌ 1970 مع المذيع الأسترالي ريتشارد كارلتون وصف احتمال إجراء محادثات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين بأنه بمنزلة استسلام وأشبه بمحادثة بين سيف ورقبة. وبالإضافة الي أعماله الأدبية ومقالاته النارية، نشر غسان عددا مـن اللوحات التشكيلية، بعضها نُشر على أغلفة مجـلة “الهدف” وفي صفحاتها الداخلية، بالإضافة الي الملصقات الثورية التى طافت على جدران الشوارع.

فى الثامن مـن يوليو/تموز عَامٌ 1972، اهتز العالم العربي لاغتيال الأديب غسان كنفاني فى بيروت، عبر عبوة مفخخة زُرعت فى سيارته، ليستشهد بصحبة ابنة أخته لميس البالغة مـن العمر آنذاك 17 عاما. كان كنفاني قد عُرف واحدا مـن ابرز أصوات الأدب المقاوم، أديبا وصحفيا وتشكيليا أيضا، ورغم رحيله المأساوي فى عمر مبكر فقد ترك إنتاجا أدبيا غزيرا، ما زال صالحا حتـى اليـوم للتعبير عَنْ عمق الفجيعة.

وفي عَامٌ 2005، اى بعد مرور أكثر مـن ثلاثين عاما على اغتياله، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بيانا صحفيا لـ”إيتان هابر”، الصحفى والمتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، يُقِر فيه بمسؤولية الموساد عَنْ اغتيال غسان كنفاني، ويربط بين عملية الاغتيال وبين إصدار رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت غولدا مائير أمرا بالانتقام يتضمن تنفيذ عمليات تصفية تجاه قائمة مـن الشخصيات الفلسطينية البارزة مـن بينها كنفاني، ووديع حداد، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، وبسام أبو شريف، وأنيس الصائغ، وغيرهم.

كمال ناصر.. شهيد يلحق بشهيد

بعد أقل مـن عَامٌ واحد على استشهاد غسان كنفاني، تحديدا فى أبريل/نيسان مـن عَامٌ 1973، اغتيل الشاعر كمال ناصر فى بيروت على أيدي المخابرات الإسرائيلية مع اثنين مـن رفاقه هما كمال عدوان وأبو يوسف النجار. وقد دُفن ناصر، المسيحي البروتستانتي، جنبا الي جنب مع رفيقه المسلم غسان كنفاني، تماما كَمَا طلب فى وصيته.

وُلد كمال بطرس ناصر عَامٌ 1924 فى مدينة غزة محل عمل والده، لعائلة تنتمي الي “بيرزيت” التى عاد اليها للدراسة فى كليتها المعروفة اليـوم بجامعة بيرزيت. انتقل بعدها لإكمال دراسته فى الجامعة الأميركية ببيروت، وأنهاها عَامٌ 1945 وعاد الي فلسطين للعمل أستاذا للأدب العربي، بالإضافة الي دراسة الحقوق فى “معهد الحقوق الفلسطيني”.

كان الوعي السياسي والوطني لكمال ناصر قد تفتَّح اثناء أحداث الثورة العربية فى فلسطين عَامٌ 1936. ومع صدور قرار تقسيم فلسطين، أصدر جريدة سياسية بالتعاون مع مجموعه مـن زملائه هى جريدة “البعث”. وفي عَامٌ 1952 انضم كمال ناصر الي حزب البعث العربي، وفي 1969 انتُخب عضوا فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كَمَا تولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي فيها وأصبح الناطق الرسمى باسمها. تولى ناصر ايضا منصب رئاسة تحرير مجـلة “فلسطين الثورة”، وهي المجلة الرسمية الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، منذ عَامٌ 1972 وحتى استشهاده.

 

اثناء مسيرته عانى كمال ناصر مـن الاعتقالات المتكررة، ما اضطره للانتقال مـن دَوْلَةٌ الي أخرى، اعتُقل عددا مـن المرات فى الأردن ليخرج منها عَامٌ 1957 الي دمشق التى عاش فيها تسع اعوام اعتُقل خلالها لعام، وهرب منها الي بيروت حيـث أعادته السلطات اللبنانية للأردن. كَمَا اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلية فى سجن رام الله فى أعقاب حرب عَامٌ 1967.

لم يصدر كمال ناصر سوى مجموعه شعرية واحده اثناء حياته، لكنه فى المقابل نشر عددا كبيرا مـن القصائد فى مختلف الصحف والدوريات وقد جمعت أعماله فى مجلدين بعد وفاته، إضافة الي مسرحية حملت عنوان (الصح والخطأ).

علي فودة.. فلسطيني كحد السيف

“فلسطيني كحدّ السيف كالمنجل
أصولُ، أجولُ، لا أسأل
ومثل الشمس قد أرحل
لدنيا الغرب.. للأجداد والمنهل
وأصرخُ فى الوجودِ أنا
فلسطيني …فلسطيني
أقولُ أقولُ لا أخجل”.

وُلد علي فودة عَامٌ 1946 فى حيفا، وسرعان ما هُجِّرت عائلته مع العديد مـن العائلات وهو لا يزال بعمر العامين الي مخيم نور شمس فى طولكرم، فى عمر السابعه توفيت والدته، ثم لجأت عائلته الي الأردن حيـث تخرج فى دار المعلمين بحوارة – إربد عَامٌ 1966، ومن الأردن انتقل الي بغداد، ثم الي بيروت.

اشتهر فودة على النطاق العربي الأوسع بأبياته التى تغنى بها مارسيل خليفة، مـن قصيدته “الغضب. (الصُّورَةُ: مواقع التواصل)

فى بيروت ازدهر نشاطه الأدبي، حيـث نشر عددا كبيرا مـن المجموعات الشعرية وروايتين، إضافة الي مجـلة “الرصيف” التى أصدرها مع زملائه واعتاد ان يوزعها بنفسه. وفي عَامٌ 1982، اثناء توزيعه جريدته على المقاتلين فى عين المريسة فى بيروت، أُصيب جراء القصف الإسرائيلي، ليُنقل الي المستشفى وهو فى حالة حرجة. وقد أُشيع نبأ استشهاده وقتها، مما أتاح له قراءة مرثياته فى الصحف قبل ان يُستشهد بعد أيام قليلة.

“كان علي -وهذا هو اسمه- الميت السعيد الوحيد الذى رأيت فى حياتي كأن كل آلامه مُحيت. عاش فى سريره، وسـط أكوام المراثي، يومين جميلين، وحين مات، كان كل شيء قد سبق ان كُتب عنه، فنشر نعيه الثانى فى أسطر قليلة فى الصحف”.

(إلياس خوري)

اشتهر فودة على النطاق العربي الأوسع بأبياته التى تغنى بها مارسيل خليفة، مـن قصيدته “الغضب، الفهد” مـن ديوان “عواء الذئب”، وتقول أبياتها:

“إني اخترتك يا وطني حبًّا وطواعية

إني اخترتك يا وطني سرًّا وعلانية

إني اخترتك يا وطني

فليتنكر لي زمني

ما دمت ستذكرني

يا وطني الرائع.. يا وطني”.

عبد الرحيم محمود.. الشاعر الشهيد

كان عبد الرحيم محمود واحدا مـن ابرز شعراء الثورة وشهدائها، حيـث ناضل بسلاحه وكلماته فى وجه الاحتلال الانجليزي والعصابات الصهيونية (الصُّورَةُ: مواقع التواصل)

كَمَا أشرنا سابقا، برزت روح المقاومة فى الشعر الفلسطيني منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدا مع قيام ثورة فلسطين العربية الكبرى 1936. وكان “عبد الرحيم محمود” واحدا مـن ابرز شعراء الثورة وشهدائها، حيـث ناضل بسلاحه وكلماته فى وجه الاحتلال الانجليزي والعصابات الصهيونية، وقد ذاعت قصيدته “الشهيد” فى ذلك الوقت لتصبح بمنزلة “مانيفستو” للثورة، ليحمل لقب “الشاعر الشهيد”، وهو ما صار بمنزلة نبوءة، تقول أبياتها:

“سأحمل روحي على راحتي

وأُلقي بها فى مهاوي الردى

فإما حياةٌ تسر الصديق

وإما ممات يغيظ العدا

ونفس الشريف لها غايتان

ورود المنايا ونيلُ المنى

لعمرك إني أرى مصرعي

ولكن أَغُذُّ إليه الخطى”.

وُلد الشاعر عبد الرحيم محمود فى “عنتبا” مـن قرى طولكرم، ودرس بها، ثم التحق بكلية النجاح فى نابلس، حيـث عُيِّن مدرسا فيها بعد إتمام الدراسة. وفي عَامٌ 1936 التحق بالثورة الفلسطينية الكبرى امام الإنجليز، طاردته قوات الانتداب البريطاني فاضطر للسفر الي العراق عَامٌ 1939 ليلتحق بكلية بغداد العسكرية، وتخرج فيها برتبة ملازم. ســاهم فى العراق فى ثورة رشيد عالي الكيلاني (1941) ثم عاد الي فلسطين، لينشر اثناء الفتره الممتدة بين عامي 1942-1948 عددا مـن اهم القصائد والمقالات المقاومة. كَمَا كانـت قصائده بمنزلة تحذير مـن الخطر وناقوس انذار، يشتهر موقفه عَامٌ 1935 اثناء زيارة الأمير (والملك لاحقا) سعود بن عبد العزيز لفلسطين، اثناء ألقى قصيدة اعلن فيها:

“المسجد الأقصى أجئت تزوره .. أم جئته قبل الضياع تودعه”.

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين التحق بجيش الإنقاذ، ولقي حتفه شهيدا (فى عمر 35 عاما) اثناء الهجوم على قرية الشجرة فى قضاء طبرية، حيـث قامت الجماعات الصهيونية بقصف مواقع جيش الإنقاذ يـوم 13 يوليو/تموز 1948. وبعد وفاته بعشر اعوام، صدر ديوان يضم قصائده فى عمان عَامٌ 1958، كَمَا جمع الشاعر عز الدين المناصرة أعماله الكاملة مـن قصائد ومقالات ونشرها محققة عَامٌ 1988.

نوح ابراهيم.. صوت الثورة وشهيدها

إذا كان لشاعر ان يقال عنه صوت الجمهور فهو نوح ابراهيم. وتختلف المصادر حول تاريخ ولادته ما بين العامين 1911-1913 فى حيفا، وقد أصبح واحدا مـن ابرز الأصوات الشعرية اثناء ثورة 1936، ورغم استشهاده عَامٌ 1938 قبل قيام دَوْلَةٌ الاحتلال، فإنه برز بوصفه واحدا مـن اهم شعراء المقاومة.

وقد سجَّل نوح ابراهيم عددا مـن الأسطوانات التى حملت قصائده، اثناء كان الفونوغراف فى ذلك الوقت مـن اهم وسائل نقل الأخبار، حققت أسطواناته شهرة شعبية واسعة فى فلسطين، وقد أدّى ذلك الي تضييق الاحتلال الانجليزي عليه، ومصادرة أسطواناته ومحاولة منعها، لكن كلماته ظلت حية على الألسن، ولعل أشهرها “دبرها يا مستر دل”، وهي القصيدة التى تخاطب الضابط الانجليزي المكلف بإخماد الثورة الفلسطينية لإتاحة الفرصة امام العصابات الصهيونية للتوسع والاستيطان. تقول أبياتها التى كُتبت بالعامية الحيفاوية:

“يا حضرة القائد “دِل” لا تظُنْ الأمـة بتمِـلْ

لكن إنتِ سايرهــا يمكن على إيدك بتحِلْ

دبرها يا مستر “دِل” يمكن على إيدك بتحلْ”.

وقد استشهد نوح عَامٌ 1938 حول قرية طمرة وهو فى طريقه للاشتراك فى اجتماع قيادة الثورة فى منطقه الجليل ‏الغربي، حيـث كانـت القوات الإنجليزية برفقة فرق الهاغاناه فى ذلك الوقت تتعمد مهاجمة معاقل الثوار لتصفية المقاومة الفلسطينية.

وبسبب بعد المسافة الزمنية، وتضييق الاحتلال البريطاني على قصائده، لم يتسن للباحثين جمع أعماله وتدوين سيرته، ويُعَدُّ كتاب الباحث الفلسطيني خالد عوض “نوح ابراهيم الشاعر الشعبي لثورة 1936-1939” هو ابرز المصادر البحثية التى تتناول حياته وشعره.

__________________________________

المصادر:

  1. Before and after the Nakba: Palestinian literature of resistance and love for a lost homeland
  2. أربعون عاما على استشهاد الشاعر علي فودة (wafa.ps)
  3. الشاعر الشهيد نوح ابراهيم » فلسطين ذاكرة الشهداء (shuhadaa-pal.org)
  4. الشاعر عبد الرحيم محمود كتب «مانفيستو» الثورة – ديوان العرب (diwanalarab.com)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى