بعد وفاة مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ يـوم 9 أيلول/سبتمبر 1976، برز اسم دانغ شياوبنغ (Deng Xiaoping) بشكل تدريجي بالبلاد حيـث استطاع الأخير بفترة وجيزة مـن تسلق هرم السلطة ليصبح بحلول الثمانينيات ابرز قائد بالصين الشعبية.
وبفترة دانغ شياوبنغ، شهدت جمهورية الصين الشعبية تغييرات وإصلاحات جذرية، حيـث قاد الأخير بكين نحو تبني اقتصاد السوق وساهم فى استقطاب العديد مـن المؤسسات العالميه الكبرى. وبفضل هذه الإصلاحات، لقّب دانغ شياوبنغ بمهندس الصين الحديثة.
وقبل ظهور الصين الشعبية وانتصار الشيوعيين بالحرب الأهلية الصينية، تنقل دانغ شياوبنغ بين العديد مـن الدول. وإضافة لفرنسا، استقر الأخير لوهلة بالاتحاد السوفيتي ودرس بإحدى اهم جامعاته قبل ان يعود لوطنه.
مـن باريس لموسكو
اثناء مدة تواجده بفرنسا التى لم تستمر طويلا، ترصد دانغ شياوبنغ لمضايقات أمنية. فبتلك الفتره، حققت الشرطة الفرنسية بداية العام 1926 بأنشطة دانغ شياوبنغ الذى اتهم بنشر الأفكار الشيوعية فى صفـوف العمال بأحد مصانع مؤسسة رينو (Renault) بباريس. ومع ثبوت التهمة عليه، باشرت الشرطة الفرنسية الإجراءات القانونية استعدادا لطرد هذا الشاب الصيني، المولود عَامٌ 1904، مـن البلاد. وقبل صدور قرار طرده، كان دانغ شياوبنغ قد غادر فرنسا حيـث فضّل الأخير حينها الرحيل بشكل تلقائي والتنقل للعيش بالاتحاد السوفيتي الذى وصفه كثيرون حينها بجنّة العمال.
الي ذلك، أيد المكتب الأوروبي للحزب الشيوعي الصيني فكرة إرسال دانغ شياوبنغ، رفقة 18 مـن زملائه الصينيين، نحو الاتحاد السوفيتي. فباجتماعاتهم، اعلن المسؤولون بهذا المكتب حينها عَنْ ضرورة إرسال هذه المجموعة نحو موسكو لتعلم اسس الثورة البلشفية والحصول على الخبرة بمجال النشاط الشيوعي.
الدراسة بموسكو والعودة للصين
مع بلوغه الأراضي السوفيتية اثناء شهر يناير 1926، استقر دانغ شياوبنغ بدير ستراستنوي (Strastnoy) بموسكو استعدادا للالتحاق، مبدئيا، بالجامعة الشيوعية السوفيتية لعمال الشرق.
دانغ شياوبنغ عَامٌ 1979
وبعد مضي مدة وجيزة عَنْ استقراره بموسكو، تواجد دانغ شياوبنغ بجامعة سان يات سين بموسكو (Moscow Sun Yat-sen University). القريبة مـن كنيسة المسيح المخلص التى عمد ستالين لهدمها عَامٌ 1931. وبتلك الفتره، مثّل كارل راديك (Karl Radek)، أحد قادة الثورة البلشفية رفقة لينين وتروتسكي، عميد هذه الجامعة.
وقد أشرف الأخير حينها على دمغجة الطــلاب الصينيين وإشباعهم بالأفكار الشيوعية وقيم الثورة البلشفية قبل إعادتهم لوطنهم الأصلي. وعلى الرغم مـن تفانيه فى خدمة المصالح السوفيتية، اتهم راديك عَامٌ 1937 بالخيانة جاء الى ستالين وأرسل نحو أحد معسكرات العمل القسري أين توفي فى ظروف غامضة.
اثناء مدة تواجده بالجامعة، عومل دانغ شياوبنغ بشكل جيد حيـث وفرت له السلطات السوفيتية ثيابا ملائمة لفصلي الشتاء والصيف كَمَا حصل بشكل يومي على ثلاث وجبات غذائية متكاملة على الرغم مـن الفتره الصعبة التى مرت بها أغلب المناطق السوفيتية بسـبب سياسة الزراعة الجماعية ومصادرة المحاصيل بتلك الفتره.
دانغ شياوبنغ رفقة الرئيس الأميركي جيمي كارتر
مـن جهة ثانية، حصل هذا الشاب الصيني على تعليم متنوع فدرس اللغة الروسية وتاريخ المادة والعلاقات الاجتماعية إضافة لنظام الحزب الشيوعي وتاريخ الحركات الشيوعية بالشرق والغرب. أيضا، درس دانغ شياوبنغ الجغرافيا والاقتصاد. وبجامعة سان يات سين، وفر الاتحاد السوفيتي حوالى 150 أستاذا لطلابه الصينيين الذين درسوا 8 ساعات باليوم على مدار 6 أيام بالأسبوع.
الي ذلك، لم تدم دراسة دانغ شياوبنغ بجامعة سان يات سين سوى عَامٌ واحد. فبموافقة المسؤولين السوفييت، اتجهت موسكو لإرسال خيرة طلاب الجامعة للصين لمؤازرة الشيوعيين الصينيين هنالك. ومن ضوء هؤلاء الأشخاص الذين وقع اختيارهم تواجد دانغ شياوبنغ الذى أجبر على إنهاء دراسته ومغادرة الاتحاد السوفيتي للعودة نحو وطنه يـوم 12 يناير 1927.
