الاخبار العربية والعالمية

موسى أبو مرزوق فى حوار مع الجزيرة نت: تدمير المدن لن يحقق نصرا والجيل القادم سيكون أشد ضراوة | سياسة سام نيوز اخبار

اعلن عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، موسى أبو مرزوق، إن ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي مـن تدمير لن يحقق نصرا، مؤكدا فى حوار مع الجزيرة نت، ان قتلى الاحتلال أكثر مما يعترف به.

وتحدث أبو مرزوق عَنْ ملفات عدة، بينها: الوساطات والمبادرات المطروحة حاليا مـن اجل وقف الاعلان النار، وموضوع الرهائن، والعلاقة مع روسيا والصين، ومكاسب المقاومة مـن عملية طوفان الأقصى، وتأثيراتها فى إسرائيل، وغيرها.

وهذا نص الحوار:

  • هل مـن معلومات عَنْ أحدث تطورات المعارك البرية الدائرة حاليا فى قطاع غزة على أكثر مـن محور؟

يتميز المشهد الان باستمرار عمليات التوغل البري البطيء للدبابات الإسرائيلية التى تواجه تصديا قويا مـن المقاومة واشتباكات مع المقاتلين، وقتلا لأعداد مـن جنودهم، وأعتقد ان عَدَّدَ القتلى فى صفوفهم يزيد كثيرا عَنْ الذى يعترف به العدو، فبالأمس اعترفوا بمقتل 16 مـن جنودهم، واليوم اعترفوا -أيضا- بعدد آخر، لكن معلوماتنا ان عَدَّدَ القتلى أكثر مـن ذلك. كَمَا أُعطب نحو 20 آلية عسكرية، واليوم هناك عَدَّدَ آخر، والعدو يقابل مقاومة شرسة.

مـن جانب اخر، يسعي العدو ان يضغط على المدنيين قتلا وتشريدا، ويستهدف المستشفيات والمدارس التى تؤوي الآلاف مـن السكان المدنيين مـن اجل تهجيرهم ودفعهم الي الخروج جنوبا. كَمَا يواصل منذ بداية الحرب القصف المتواصل للمنازل والأعيان المدنية، ويرتكب المجازر التى يسقط جراءها العشرات والمئات فى كل مرة، معظمهم مـن النساء والأطفال، كَمَا حدث اثناء اليومين الماضيين فى جباليا.

وبالإضافة الي الحرب والاستهداف المستمر للمدنيين، يقابل القطاع أزمة كبيرة -ايضا- تتمثل فى عدم دخول احتياجاته مـن الغذاء والدواء والوقود، وبالأمس اعلن الأميركيون عَنْ دخول 100 شاحنة، ولكن الواقع ان ما دخل هو 59 شاحنة فقط، ومعظم حمولتها مياه وأكفان، وليس فيها ما يحتاجه الناس مـن غذاء ودواء، والمعروف ان غزة تحتاج يوميا الي نحو 700 شاحنة، فلا أقل مـن إدخال 200 شاحنة يوميا على الأقل؛ لأن الوضع مأساوي على هذا الجانب.

والآن فتح معبر رفح لخروج الأجانب، والمفروض ان يخرج مع هؤلاء ذوو الإصابات الحرجة، ولكن الاحتلال استهدف سيارات الإسعاف التى تقلّ بعض هؤلاء المصابين، ليضيف جروحا الي جروحهم ويفاقم مـن مأساتهم.

على مستوى آخر، لعلكم سمعتم عَنْ الفتوى التى أصدرها مجلس الحاخامات اليهودي لنتنياهو بقصف مستشفى الشفاء تحديدا، استنادا الي نصوص التوراة، حسب ما قالوا.

ويُضاف الي ذلك التحريض الأميركي المتواصل على قتل أهل غزة، ولعلكم سمعتم ما قاله مرشح أميركي للرئاسة بأن على إسرائيل ان تقطع رؤوس قيادات حماس وتعلقها على الحدود مع القطاع، ولو ان هذا التحريض جاء مـن الطرف الآخر، أو قيل فى حق غير الفلسطينيين لكان أحيل صاحبه مباشرة للمحكمة الجنائية الدولية بتهم التحريض على القتل، وهو ما يعدّ جريمة، لكن هذا التحريض مسموح به إذا كان امام الفلسطينيين.

والواقع ان إيغال إسرائيل فى القتل والانتقام يأتي برعاية أميركية مـن بايدن وإدارته، ضاربين عرض الحائط بالقوانين الدولية والقرارات ذات الصلة، وآخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف الاعلان النار.

ورغم ان حماس عرضت الإفراج عَنْ بعض الأسرى بمبادرة ذاتية منها، فإن إسرائيل رفضت حتـى الان ذلك، مما يحيل الي استخدام إسرائيل “بروتوكول هانيبال” القاضي بقتل الجندي مع آسريه، وقد استخدم الجيش الإسرائيلي هذا “البروتكول” فى 2014 وتحديدا فى حي الجنينة فى رفح، عندما قتل أكثر مـن 200 فلسطيني مـن اجل قتل الجندي هدار جولدن، اثناء أُسر فى رفح.

مـن جانب اخر، ما يجري فى غزة لا تتوقف تفاعلاته عند حدود القطاع فقط، فهناك جبهات متعددة، ففي الشمال يستمر استهداف قوات العدو بضربات صاروخية، وصواريخ مـن الجولان، كَمَا نعلم أنه فى الجنوب استُهدفت إيلات بصواريخ مـن اليمن، أطلقها الجيش اليمني (جماعة أنصار الله الحوثي)، حيـث نفّذ هجمات عدة بصواريخ مجنحة وغيرها، وقد جاء بعضها الي إيلات وأحدثت فى المشهد كثيرا مـن الإرباك؛ لأن معظم الذين هاجروا مـن منطقه غلاف غزة ومن سديروت ذهبوا الي إيلات ليستمتعوا بجو هادئ، ولكن الصواريخ القادمة مـن اليمن فاجأتهم، وسيكون لها أثر فى المعركة المستقبلية.

وبالإضافة الي ذلك هناك حراك شعبي يجتاح معظم دول العالم تنديدا بالحرب وتضامنا مع غزة.

  •  فى اعتقادكم.. ما قدرة المقاومة على الاستمرار لفترة طويلة فى صد التوغل البري، ومواجهة هذا القصف الذى لا ينقطع عَنْ سكان قطاع غزة؟

المقاومة ستبقى موجودة وستستمر، وحتى ولو اختلفت الآليات، واختلفت “التكتيكات”، فإن المقاومة ستستمر قطعا، ما بقي الاحتلال، ستقاتل المقاومة بكل ما تملك، وسنرى مـن الذى يصبر أكثر، ومن الذى يخسر فى نهاية المطاف.

  • كيف تقيّمون تعاطي السلطة الفلسطينية حاليا مع الحرب فى غزة ومع الحراك العسكري والسياسي دَاخِلٌ الضفة؟

الحراك فى الضفة متصاعد، وقد جاء عَدَّدَ الشهداء حتـى الان هناك الي نحو 130 شهيدا، وهناك إضراب عَامٌ الامس (الخميس) فى الضفة، ونرجو ان يتصاعد أكثر وأكثر حتـى يكنس الاحتلال مـن الضفة المحتلة؛ لأن اى هدوء فى مدن الضفة سيكون فى صالح الاحتلال.

اما فى شمال فلسطين، فهناك تعاون، وهناك اشتباك مع قوات الاحتلال على مدى أيام العدوان، ونحن نرى ان الفعاليات التى يجب ان يشارك فيها الجميع سواء فى الضفة الغربية وفي القدس أو على مستوى إخواننا فى الجنوب أو فى الشمال، هو الحد الذى يستطيع ان يجبر الإسرائيليين على وقف الاعلان النار، ودون هذا المستوى ستكون الخسائر كبيرة على مستوى المدنيين، ومن ثم فإن وقف الاعلان النار مطلوب فى الوقت الحاضر وبقوة، والحد الذى نريد ان نصله فى الدعـم مـن الخارج، هو الذى يؤشر الي فرض وقف الاعلان النار.

  • فى تصريح لاحق لكم، قلتم: إنكم تنتظرون كثيرا مـن حزب الله.. ما انتظاراتكم وتوقعاتكم تحديدا مـن هذا الحزب؟

بالتأكيد نحن فى معركة، ونريد المزيد مـن كل الأطراف، لكن المشكلة الحقيقية هى: لماذا الانتباه على حزب الله دون غيره؟ لماذا القوات الأردنية لا يسأل عنها اى أحد؟ ولا القوات المسلحة المصرية سأل عنها أحد؟ ولا الجيش العراقي، أو الكويتي، أو الليبي، أو العديد مـن الجيوش العربية، لا أحد يسأل عنهم. على الأقل -وكما اعلن أبو عبيدة- وطالما ان هذه الجيوش العربية لم تحرك قواتها ودباباتها لنصرة غزة، فعلى الأقل يضمنوا توفير الماء والغذاء لسكان غزة.

وعليه اعتقد ان السؤال يجب ان لا يكون محصورا فى حزب الله، بل يجب ان يكون عاما على كل المنطقة، لماذا تتركوا الفلسطينيين فرادى فى هذه المعركة، تصب عليهم حمم أسلحة الغرب، مـن أميركا الي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كلهم أتوا بجيوش وأحضروا دباباتهم وطائراتهم، وجاؤوا بأساطيلهم فى ضوء العدوان الحالي على القطاع الصغير، الذى يُقصف بآلاف الأطنان مـن القذائف.. فلماذا لا نسأل أين العرب، وكم مستوى مـن القتل والدماء يجب ان يقع فى غزة حتـى يتحرك العرب؟

  • ولكن حزب الله وغيره مـن حركات المقاومة بنت مشروعيتها فى الشارع على محاربة إسرائيل، وعلى ما تسميه بوحدة الساحات، وحاليا هناك حركات مقاومة فى غزة تخوض ما توصف بحرب مصيرية بالنسبة لها وللقطاع، وهو ما جعل كثيرين يتوقعون انخراطا كاملا مـن هذه القوى، وبالذات حزب الله.. فهل يعني هذا أنكم راضون بالمستوى الحالي لتعاطي الحزب تحديدا مع الحرب فى غزة؟

دعني أقول، إن كل الأنظمة بنت مشروعيتها -فى الأساس- على محورية القضية الفلسطينية، بل إن الدولة الوطنيه الحديثة فى العالم العربي بنت معظم مشروعيتها على القضية الفلسطينية، نحن أحيانا ننسى التَّارِيخُ، مـن كان يحكم قطاع غزة سابقا؟ كانـت تحكمه الإدارة المصرية، ومن كان يحكم الضفة الغربية؟ أليس الأردن؟ ألم ينقل اللاجئون الفلسطينيون الي العراق بضمانات مـن الحكومة العراقية، ورفضوا تدخل الأمم المتحدة لإسعافهم؟

  • هذا فى التَّارِيخُ.. ولكن الواقع اليـوم ان هناك جهات معينة يتأسس خطابها على مواجهه إسرائيل، وتتوعد بالتصدي لها دائما؟ هل تطالبون هذه الجهات بالانخراط معكم فى الحرب أو تعفونهم مـن ذلك؟

هم مـن يقرر ذلك، نحن لا نجبر أحدا، بل نرجو ان يتحرك الجميع، ولكننا لا نستطيع ان نتدخل بقرارات اى أحد، وكل واحد يقرر ما يراه مناسبا له.

  • قبل أيام كنتم فى روسيا، كيف تصفون علاقتكم حاليا بروسيا؟

مستوى العلاقة مع روسيا ممتاز، ومستوى التفاعل معها ممتاز، وروسيا على أقل تقدير قدمت حماية للحركة مـن الإدانة فى مجلس الأمن، وأكثر مـن مرة رفعت البطاقة الحمراء (حق النقض- الفيتو) على قرارات كانـت فيها إدانة للحركة، ولأجل ذلك نشكرها على ذلك.

واليوم تواصل الطائرات الروسية نقل الأدوية والمساعدات للفلسطينيين مـن وزارة الطوارئ الروسية الي مطار العريش فى مصر، روسيا موقفها اليـوم مشرف وجيد، ونرجو ان تصل كثير مـن دول المنطقة الي مستوى هذا الموقف.

  • ما الملفات التى يجري بحثها عادة بينكم والمسؤولين الروس، هل تنحصر فى القضايا السِّيَاسِيَّةُ فقط، أو تمتد لمجالات أخرى؟

هؤلاء الأصدقاء نكتفي معهم بالموضوع السياسي والمساعدات الإنسانية، نحن الان نطلب مـن روسيا ومن كل الدول الصديقة الضغط لوقف الاعلان النار ومساعدة السكان المتضررين فى قطاع غزة، سواء كان ذلك بمعالجة الجرحى، أو إسعاف المرضى أو إيصال الدواء والغذاء للناس أو الوقود للمستشفيات.. ولا نطلب أكثر مـن ذلك.

  • على مستوى العلاقات مع الصين أين وصلت أيضا، وهل هى فى مستوى العلاقة مع روسيا، أو دون ذلك؟

نحن هنا نتكلم عَنْ بلد عضو دائم فى مجلس الأمن، واللقاءات معهم مستمرة، والعلاقات معهم تنمو، وأعتقد بأنه توجد مساحة واسعة للتعاون والتأييد الذى يأتي مـن الصين، وحتى فى المساعدات الإنسانية، سيكون للصين حضور ممتاز.

  • هناك وسطاء دوليون ومبعوثون مـن الأمين العام للأمم المتحدة وبعض الدول الغربية، تحركوا فى الأيام الماضية وتواصلوا معكم.. ما الذى يأتي به هؤلاء المبعوثون، وما الذى يطرحونه مـن مبادرات ومقترحات؟

كل المبعوثين الغربيين والشرقيين تتركز جهودهم على الاعلان سراح المدنيين المحتجزين فى قطاع غزة، لكنهم ينسون ان قطاع غزة يضم أكثر مـن 2.3 مليون مدني، بيد أنهم -فى عيون هؤلاء- ليسوا مدنيين؛ لأنهم لا يحملون الجوازات الأميركية والفرنسية والنرويجية.

إن تركيز هؤلاء المبعوثين على الاعلان سراح المدنيين المحتجزين فى غزة، يمثل لفتة إنسانية جيدة، لكننا نود ان تكون هذه الإنسانية كاملة وتشمل الفلسطينيين أيضا، وبالدرجة نفسها، فهم بشر ولهم أحاسيس، وحقوق وأقارب وأرحام ومحبون، وليسوا مجرد أرقام فقط.

على العالم ان لا ينظر الي ملف المحتجزين فقط على أساس أنه هو الملف الإنساني الوحيد فى هذه الحرب.

  • إذن نفهم مـن ذلك، ان الوسطاء الغربيين لم يقدموا اى مبادرات أو مقترحات لوقف الحرب، بل يبحثون فى موضوع الإفراج عَنْ المحتجزين فى غزة فقط؟

لا.. المبادرات كثيرة، وقدم بعضها لمجلس الأمن، ولكنها كلها أخفقت، وآخرها مبادرة الجمعية العامة للأمم المتحدة التى قدمت لمجلس الأمن ثم سُحبت؛ لأن أميركا أبلغتهم بأنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضدها، فسحبوها تجنبا للإحراج، رغم ان 120 دَوْلَةٌ وقّعت عليها ودعمتها، مقابل 14 دَوْلَةٌ فقط رفضتها، و40 دَوْلَةٌ امتنعت عَنْ التصويت.

  • أين وصلت المفاوضات بشأن الرهائن؟

وصلت المفاوضات تقريبا الي طريق مسدود، بسـبب تعنت إسرائيل، وطريقتها فى التفاوض التى فيها كثير مـن الدهاء والمكر والخداع مع كل الأطراف، فهو يأتي ويحرض كل طرف على المطالبة بذويه (حاملي جنسيته)، وفي الوقت نفسه يعيق اى مسعى فى هذا السياق، وأحدث نموذج لذلك، ما حدث بشأن حاملي الجنسية الروسية، حيـث كنا نريد إخراج روسيتين، ولكن إسرائيل اعترضت على ذلك عمليا مـن اثناء تصرفاتها وشروطها.

  • هل صحيح أنكم عرضتم خريطة الطريق لصفقة شاملة تشمل موضوع الأسرى ومستقبل القطاع وغيرها؟

صحيح نحن عرضناها بالعلن، إذا كانوا يريدون تقسيم الملف نحن مستعدون، وإذا أرادوا صفقة متعلقة بالملف برمته فنحن -ايضا- جاهزون لذلك، ومنفتحون بشأنه.

  • ولكن المفاوضات حاليا تجري بشأن تبادل الأسرى فقط، ولم تتطرق مطلقا لملفات وإشكالات ما بعد الحرب، أليس ايضا؟

بلى، الانتباه حاليا يجري على موضوع الأسرى فقط، علما بأن هذا الموضوع (مستقبل غزة بعد الحرب) تحيط به كثير مـن الدعايات؛ فمراكز الدراسات ترصد مشروعات، والأميركيون يتكلمون عَنْ مشروعات، لكن كل ذلك يأتي امام الحملات الدعائية، ولعلك لاحظت أنه فى يـوم 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، أعلنوا بدء حرب للقضاء على حماس ليس فى غزة فقط؛ بل فى العالم كله، وبعد أيام وجدوا ان القضاء على حماس يعني القضاء على ملايين مـن الناس، فتراجعوا ليعلنوا ان الهدف أصبح هو القضاء على قدرات حماس، والآن بات الحديث عَنْ القضاء على قدرات حماس فى شمال قطاع غزة فقط، وكل يـوم عندهم مشروع.. وفي المحصلة عليهم ان ينهوا الحرب أولا، وإذا انتصروا فيها فليتحدثوا عما بعدها.

  • ما اهم مكاسب حماس والمقاومة مـن عملية طوفان الأقصى (السابع مـن أكتوبر)؟

عملية طوفان الأقصى التى أطلقتها كتائب القسام فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، حطمت الأسطورة العسكرية والأمنية التى كانـت تسوّق صورة عَنْ الجيش الذى لا يُقهر، الذى لديه افضل تسليح، ولديه مقاتلون على مستوى عال، ومع كل ذلك، وفي اثناء ساعتين سقطت تلك الأسطورة، وهوى النادي الذى كان فى محيط غزة، وفرّ نحو مليون إنسان مـن هذه المنطقة الي منطقه إيلات، وعندما جاءت الصواريخ اليمنية الي إيلات أصيبوا بالذعر مرة أخرى؛ لأنهم لا يستطيعون الذهاب الي الشمال، اما الوسـط فهو الذى فروا منه بداية، ولذلك كان الارتباكات الإسرائيلية كبيرة جدا.

ومع الضربة التى ترصد لها الجيش الاساسى، لجؤوا الي قوات الاحتياط، وروّجوا أنهم استدعوا 360 ألفا منهم وضخموا وبالغوا فى ذلك، ومن الواضح أنهم كانوا يكذبون فى ذلك؛ لأنهم لا يستطيعون فى اثناء أيام ان يستدعوا هذا العدد الضخم مـن مصانعهم ومدارسهم، وحتى مـن خارج إسرائيل مـن أميركا وبريطانيا ومن دول كثيرة.

ومهما حاولت إسرائيل، لن تستطيع ان تغطي على الخسارة الهائلة التى تعرضت لها، وأقلها الخسائر المتعلقة بالاقتصاد؛ فقد هبطت الأسهم، وأدى استدعاء أعداء كبيرة مـن جنود الاحتياط الي حدوث فراغ كثير فى أماكن عملهم، وتعطل مطار بن غريون، ولكن ذلك لا يمثّل شيئا فى مقابل ان فرقة غزة قد دُمّرت قتلا وجرحا وأسرا، وهو ما يعني ان حوالى 5 آلاف عسكري تبخروا اثناء ساعات.

وهذا هو الإنجاز الذى آلم الإسرائيليين، وأدى لانعكاسات نفسية سلبية على اليهود، حيـث فقدوا الثقة فى جيشهم وفي قدرته على حمايتهم، حتـى إن المدنيين مـن غزة دخلوا وأسروا عددا مـن سكان غلاف غزة، وهذه الحالة النفسية التى انعكست على الإسرائيل بعدم الثقة بجيشهم وبمستقبلهم كانـت اهم ألف مرة مـن كل التأثيرات الاقتصاديه للعملية، ولذلك رأى كثير منهم أنهم يخوضون حاليا ما وصفوه بحرب الاستقلال الثانية.

النقطة الاخرى، هى قراءة الغرب لما حدث فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، والواقع ان الغرب قدر ان هذه المعركة الصغيرة -التى ســاهم فيها بضع مئات، وتمكنوا مـن كسر صورة الجيش الإسرائيلي- أنها نهاية إسرائيل، ولذا أتت أميركا بحاملتي طائرات، وقدمت دول غربية أخرى دعما؛ مثل: بريطانيا وألمانيا وفرنسا واتحد الجميع خوفا مـن قطاع غزة، وبدت وكأنها حرب عالمية، رغم أنهم لم يستطيعوا التغلب على خلافاتهم فى حرب روسيا، ولكن لما انهارت إسرائيل، هرع الجميع لحمايتها وتدفق عليها السلاح والدعم مـن كل جانب.

ورغم هذا الدعـم الهائل الذى تلقته أميركا مـن الغرب، فإن ما فعلته حتـى الان هو قتل الأطفال والنساء والمدنيين الذين لا ذنب لهم، وتدمير غزة، ومعلوم ان مـن يملك الطائرات يستطيع ان يقتل ويدمر، لكن هذه ليست شهامة، ولا تضمن الانتصار فى اى معركة.

وأذكر أني قلت لصحفي روسي -سألني بهذا الشأن-: إنكم (اى الروس) حرقتم موسكو لما غزا نابليون بونابرت روسيا، فتركتم له المدينة وحرقتموها، فانهزم وخرج منها خاسرا، وكذلك فعل هتلر اثناء دمر لينينغراد، وستالينغراد، ومع ذلك لم ينتصر؛ لأن تدمير المدن ليس انتصارا، بل يمثّل جبنا وهمجية ولن يحقق لهم أهدافهم، بدليل أنهم الان لما بدؤوا الحرب البرية تعالت صرخاتهم وتعمقت خسائرهم، وسنقاتلهم ونخرجهم مـن القطاع مهزومين ونحقق الانتصار الثانى.

صحيح أننا نتألم لهذا الكم مـن الفقد والموت، مـن خسارة الأعزاء والأحبة، حيـث لم يبق أحد فى قطاع غزة إلا وهو مكلوم ومفجوع، ولكن الجيل الذى يشاهد هذا الامر سيكون أشد ضراوة مـن الجيل الذى ضربهم فى محيط غزة.. ولينتظروا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى