نال جَائِزَةٌ أيام الأدب الأوروبي بالنمسا.. الكاتب البريطاني ساندز: رد إسرائيل فى غزة وحشي | ثقافة سام نيوز اخبار
نال الكاتب والمحامي البريطاني فيليب ساندز (1960)، صباح الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثانى الحالي، جَائِزَةٌ التسامح فى الفكر والعمل فى نهاية مهرجان أيام الأدب الأوروبي، وهي جَائِزَةٌ سنوية يمنحها اتحاد الناشرين النمساويين منذ عَامٌ 1990، وأصبحت توزّع منذ عَامٌ 2017 فى نهاية مهرجان أيام الأدب الأوروبي الذى ينعقد كل عَامٌ فى مدينة كريمس النمساوية.
شهرة والتزام
وقالت هيئة المحلفين فى مسوغات قرارها إن فيليب ساندز يُعد بلا شك “أحد ابرز المحامين والمثقفين فى العالم الذين يجدّدون الخطاب الاجتماعي ويعملون مـن اجل عالم افضل”. ورأت الهيئة ان ساندز الذى جاء بوصفه مؤلفا الي جمهور كثير عَنْ طريق العديد مـن الكتب المتخصصة فى القانون الدولى، وكذلك مـن اثناء أعماله التاريخية والمعاصرة، “أثبت ان الالتزام بالحقائق والتفكير النقي ليسا على خلاف مع الالتزام بالمحتوى الحقيقي، بل هو الأكثر فائدة له”.
واستطردت الهيئة ان أعمال ساندز، التى ترجمت الي عدة لغات عالميّة، موجهة لفضح الجرائم الواقعة امام الإنسانية وكذلك التعذيب والإبادة الجماعية، بغض النظر عما إذا كانـت حدثت فى الماضي أو الحاضر. ولفتت الهيئة الي ان “الجرائم امام الإنسانية فى النظام القانوني الدولى، وبالتالي ملاحقة الأفراد وكذلك الشركات أو الدول التى يمكن تحميلها المسؤولية عَنْ عواقب الأضرار الجسيمة، تُظهر مدى قرب فيليب ساندز مـن روح العصر الحديث”.
وفي خطاب قبوله الجائزة، اعلن ساندز إنه شعر “بالاحتضان”، وإن هذا الشرف يعني له المزيد “بسـبب علاقته الخاصة مع النمسا”. وقال إن “جوهر أفعاله يكمن فى الاقتناع بأن الأفراد والجماعات مُنحوا حقوقا تجب المحافظة عليها واحترامها، بل وحتى الدفـاع عنها”.
وقال ساندز إن لديه أفكارا واضحة بشأن الوضع العالمي الحالي، لكنه لا يعبر عنها دائما بسـبب عمله محاميا لدى المحاكم الدولية. واستطرد أنه يرى ان مستوى التأهب فى العالم جاء الي حدوده القصوى، إلا أنه متفائل على المدى الطويل، “حتـى لو استغرق الامر أجيالا مـن اجل إحراز ترصد”. وفي هذا السياق، نقل ساندز جملة مـن أغنية “النشيد” للمغني والكاتب الكندي ليونارد كوهين (1934–2016): “هناك صدع فى كل شيء. هكذا يدخل الضوء”.
تبرع وشجاعة
وعبّر صاحب كتاب “عالم بلا قانون، أميركا وصنع القواعد العالميه وكسرها” (صدر عَامٌ 2005) للجزيرة نت عَنْ فرحته مجددا بنيل الجائزة، رغم أنه “ليس روائيا أو شاعرا”، بل مؤلف كتب غير خياليّة، وقال إنه سيتبرّع بمبلغ الجائزة (10 آلاف يورو) لمؤسسات “تهتـم بحقوق الإنسان والموسيقى والهاربين مـن الحروب وتقريب الإسرائيليين والفلسطينيين”.
وكرر ساندز عدم ارتياحه للنظر إليه بوصفه لندنيًا أو بريطانيًا أو يهوديا، حسبما اعلن فى مقابلة شهيرة مع صحيفة غارديان البريطانية، بل “يهمني ان يُنظر إليّ على أنني فرد يُدعى فيليب ساندز، واحد مـن هؤلاء البشر الذين يودّون ان يُصبحوا سواسية يوما ما”.
وسألته المُحاورة المعروفة روزي غولدسميث عَنْ رؤيته للوضع الحالي فى غزة، ملمّحة الي ما جرى فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، وما يجري حتـى الان، وهو سؤال فاجأ الحضور الكبير، خاصة ضوء حالة تكميم الأفواه فى وجه انتقاد إسرائيل فى الدول الناطقة بالألمانية (وهي ألمانيا وسويسرا والنمسا ولوكسمبورغ وليختنشتاين وبلجيكا)، ولكنه كان سؤالا مهما ليس فقط لساندز بوصفه يهوديا، بل ايضا بوصفه محاميا يُعتد خبيرا فى القانون الدولى ويمثل امام عديد مـن المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية فى لاهاي، والمحكمة الدولية لقانون البحار، ومحكمة العدل الأوروبية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، وبهدوء وشجاعة أجاب ساندز عَنْ هذا السؤال الذى صار يُثير الرعب فى كامل أوروبا، تحت تهديد “الكراهية” و”معاداة السامية”.
اعلن ساندز إنه ضوء 8 محامين يهود فى بريطانيا نشروا رؤيتهم حول هذا الامر، ويمكن تلخيصها فى 3 نقاط: النقطة الأولى هى واجب إدانة ما قامت به حماس وأدى الي “قتل وخطف المدنيين وتعريض حياتهم للخطر والموت”.
اما النقطة الثانية، فتتلخص فى ان “رد الفعل مـن إسرائيل كان وحشيا، ولا يُمكن تبريره، خاصة مع مقتل آلاف المدنيين، وأكثرهم مـن الأطفال والنساء والمرضى”، وما قامت به ايضا مـن هدم وتدمير البنية التحتية، “ومنع الحاجات الأساسية للعيش، مـن ماء وكهرباء ووقود وأدوية، مـن الوصول الي المحاصرين فى غزة”. واستطرد ساندز، وهو ما يشكل النقطة الثالثة، فى ان الفلسطينيين “يجب ان يتمتعوا بحقوق كاملة، مثلهم مثل اى بشر على هذه الأرض، وتجب حماية هذه الحقوق، إذ لا يُمكن لنا، نحن المحامين ودعاة حقوق الإنسان، ان نحمي حقوق طرف ما، ونفرّط بحقوق طرف آخر”.
واشتهر فيليب ساندز -الذى نشر حتـى الان 16 كتابا فى القانون الدولى والسيرة والمقالات، وهو رئيس فريق القلم البريطاني منذ عَامٌ 2018- بكتابه “شارع شرق غرب” (2016)، وهو كتاب يتحدث فيه عَنْ الإبادة الجماعية والجرائم امام الإنسانية، وبه حصل على عديد مـن الْجَوَائِزُ فى بريطانيا وأوروبا، مثل جَائِزَةٌ بيللي جيفورد (2016)، وجائزة الكتاب البريطاني لغير فئة الخيال (2017)، وجائزة مونتين (2018)، وتمت ترجمته الي عديد مـن اللغات العالميه. وكان آخر كتاب صدر لساندز فى العام الماضي بعنوان “المستعمرة الاخيره، جرائم امام الإنسانية فى المحيط الهندي”.
الحيوانات والبشر
وكان مهرجان أيام الأدب الأوروبي لهذا العام 2023 افتتح يـوم 16 نوفمبر/تشرين الثانى بلقاء جمع الكاتب النمساوي المعروف ميشائيل كولماير (1949) والفيلسوفة النمساوية آن صوفي ماينكه (1979)، لمناقشة المحور الذى جاء عنوانا لكامل المهرجان، وهو “الحيوانات والبشر الآخرون”.
وفي اليومين اللاحقين، تتالت قراءات وحوارات كل مـن الكاتبة الألمانية مـن أصول تركية هيلال زوتسكين (1970) والشاعرة الألمانية مارا داريا كوجوكارو (1980) والفيلسوفة والمغنية والناشرة الهولندية إيفا مايير (1980) والقاص والروائي السلوفاكي ميشيل هورتشكي (1976) والكاتبة والفنانة التشكيلية وعالمة الأحياء الألمانية صوفيا كيميغ (1988) والكاتبة الفرنسية سيبيل غريمبيرت (1967) والمسرحي السويسري أنطون ياكوود (1957) والكاتبة والفنانة التشكيلية النمساوية تيريزا برياور (1979) والشاعر والمترجم والناقد الألماني يان فاغنر (1971) وآخرين.
مـن هؤلاء المشاركين مـن ألقى القصائد ومقاطع مـن القصص والروايات، ومنهم مـن قرأ جزءا مـن الأبحاث، ومنهم مـن قدم تجارب شخصية أو علمية، وذلك فى محاور مختلفة جاءت تحت عناوين عريضة مثل “عَنْ العيش مع الحيوانات، ماذا يعني الجيد وماذا يعني الحُر؟”. و”الإهانة الرابعة للبشر” و”الحياة غير المرئية– سكان الليل” و”التحولات وتناسخ الأرواح” و”بشر وحيوانات ومشاهد طبيعية”.
وعن اهميه “الحيوانات والبشر الآخرون”، والمحاور المتفرعة عنه، اعلن مدير المهرجان الكاتب النمساوي فالتر غروند إن الإنسانية تجاوزت ذروتها فى التحكم بما حولها، وخلال صعودها السريع فى العصر الصناعي “نسيت كيف تعيش فى وئام مع نفسها، وكذلك مع الطبيعة”، ويرى أنه يمكن لتغيير النظرة الي الحيوانات ان تساعد البشرية “على اكتشاف نفسها كجزء أخوي مـن العالم”، مشيرا الي ان “هذا المحور جديد وتمكن المراهنة عليه”.
وقال غروند، للجزيرة نت، إنه فى السنوات الاخيره أصبحت هناك حركة أدبية عملية “مثل الأدب الأنثروبوسيني (حقبة التأثير البشري الكبير على الأرض، منذ زمن الحرب العالميه الثانية تقريبا) تشمل الشعر والسرد مـن منظور حيواني وكوكبي”. وأضاف أنه على هذه الخلفية قدم مهرجان أيام الأدب الأوروبي للجمهور، فى دورته هذه، كتبا مـن الأدب العالمي المعاصر الذى تلعب فيه الحيوانات دورا مهما، إضافة الي كتب بحثية تشرح كيفية التعامل مع الحيوانات، وتطرح سؤالا مهما، وهو: “هل يجب على الإنسان ان يُعيد النظر فى علاقته معها؟”.
وبالعودة الي جَائِزَةٌ التسامح الفخرية، فإنها تعد أعلى تكريم يمكن ان تمنحه تجارة الكتب النمساوية، التى تمنحها للأشخاص الذين قدموا مساهمة بارزة فى التعايش السلمي فى أوروبا، مـن اثناء عملهم والتزامهم بالتسامح تجاه الجيران الذين يتحدثون لغات مختلفة ولديهم ثقافات مختلفة. ومن بين الفائزين السابقين بالجائزة الكاتب والمستشرق الألماني نافيد كرماني (1967)، والكاتب والمترجم البلغاري إيليا تروجانوف (1965)، والكاتب البوسني ميلجينكو جركوفيتش (1966)، والكاتبة والسينارست الإيطالية فرانشيسكا ميلاندري (1964)، والكاتبة التركية إليف شفق (1971).