نقص فى القبور والأكفان وأكياس الموتى.. قطاع غزة يدفن شهداءه فى قبور جماعية | سياسة سام نيوز اخبار
غزة ـ مـن بين أزمات كثيرة خلقتها الهجمات الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، تبرز أزمة القبور والأكفان وأكياس الموتى بفعل الأعداد الكبيرة مـن ضحايا الغارات الجوية المكثفة، التى نالت مـن كل شيء على الأرض، وكان للمنازل السكنية، التى دُمرت فوق رؤوس ساكنيها، النصيب الأكبر دمًا ودمارا.
وتواجه السلطات المحليه فى غزة صعوبات جمة فى مجاراة الأعداد اليومية مـن الشهداء، وتوفير ما يلزم لإكرامهم بالدفن، ابتداء مـن “أكياس الموتى” المستخدمة لانتشال الضحايا مـن تحت الأنقاض، مرورا بالأكفان، وحتى القبور فى مقابر فاضت بما استقبلته مـن جثث ضحايا الحرب المستمرة للأسبوع الثالث على التوالي.
وكعادتها تحاول غزة دائما إيجاد البدائل، فكانت “مقبرة الطوارئ” هى الخيار لدفن الشهداء فى “قبور جماعية” بطريقة حفر غير معتادة، حسب إفادة المدير العام للأملاك الوقفية فى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مازن النجار للجزيرة نت.
جرائم إبادة جماعية
وبحسب آخر تحديث لوزارة الصحة فى غزة، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي 550 مجزرة بحق عائلات راح ضحيتها 3353 شهيدا، ولا يزال عَدَّدَ كثير منهم تحت الأنقاض، وتقول الوزارة إنها “تلقت 1400 بلاغ عَنْ مفقودين منهم 720 طفلا”.
ويوضح الناطق باسم جهاز الدفـاع المدني الرائد محمود بصل، فى حديث للجزيرة نت، ان انتشال الضحايا بحاجة الي فرق بشرية وإمكانيات مادية غير متوفرة لدى الجهـاز فى غزة، بما فى ذلك “أكياس الموتى” المستخدمة فى انتشال الضحايا مـن تحت الركام والتي نفدت بشكل كامل.
وناشد بصل بضرورة ان تتضمن المساعدات الي غزة “بواقر وكباشات ورافعات” (آليات كبيرة تستخدم فى إزالة الأنقاض)، إضافة الي أجهزة متطورة للكشف عَنْ الأحياء والضحايا تحت الأنقاض.
ولم تعد ثلاجات الموتى فى المستشفيات، وأكبرها مستشفى الشفاء بمدينة غزة، قادرة على استيعاب الزيادة اللحظية فى أعداد الشهداء، التى تجاوزت 4500 شهيد. وقد ظهرت مشاهد مؤلمة لجثث شهداء مسجاة فى ممرات وساحات المستشفيات، وفي خيم مقامة فى ساحاتها احتوت على جثث مجهولة.
ويقدر المدير العام للمستشفيات الدكتور منير البرش، فى حديثه للجزيرة نت، الطاقة الاستيعابية لثلاجات الموتى مجتمعة على مستوى قطاع غزة بنحو 400 جثة، منها 50 جثة لثلاجات مستشفى الشفاء، الذى يتحمل العبء الأكبر مـن التعامل مع الضحايا مـن الشهداء والجرحى، ويتكدس بداخله جثث شهداء بنسبة إشغال 150%.
وللمرة الثانية منذ بداية العدوان، دفنت السلطات المحليه الامس السبت 43 شهيدا مجهولي الهويه فى “قبور جماعية” دَاخِلٌ “مقبرة الطوارئ”، أغلبهم عبارة عَنْ أشلاء ممزقة، ومن بينهم أم وأبناؤها دفنوا بكفن واحد، وقد سبق ذلك الاسبوع الماضي دفن 63 شهيدا بالطريقة ذاتها، وفق المدير العام للأملاك الوقفية.
وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، نقل جثث الشهداء الي مقبرة الطوارئ فى سيارة مخصصة لنقل البضائع لعدم وجود أعداد كافية مـن سيارات نقل الموتى.
ويقول مازن النجار إن لجانا متخصصة مؤلفة مـن الوزارات المعنية فى غزة تشرف على الدفن الجماعي، وقد حصـلت على فتوى وإجازة الفقهاء تراعي حجم الكارثة والزيادة غير المسبوقة فى أعداد الشهداء، نتيجه “جنون” الاحتلال فى ارتكاب “جرائم مروعة”.
مقبرة الطوارئ
وتعد هذه الحرب الأعنف والأكثر دموية مـن الحروب الخمس التى شنها الاحتلال على غزة على مدى 15 عاما، فضلاً عَنْ عَدَّدَ غير محدود مـن عمليات التصعيد، وقد استنفدت فى الساعات الأولى مـن هذه الحرب القبور الجاهزة التى أعدتها الأملاك الوقفية للتعامل مع أوقات الطوارئ والحروب.
وقال النجار “نحن كأملاك وقفية تقع ضوء مسؤوليتنا ادارة شؤون المقابر، واستلهاما مـن تجارب حروب سابقة، شيّدنا مقبرة طوارئ فى حي الشجاعية بمدينة غزة على مساحة 13 دونما، كانـت تحتوي على 500 الي 700 قبر احتياطي وقت اندلاع الحرب”.
وما يزيد الواقع سوءا ان مدينة غزة، كبرى مدن القطاع وأكثرها كثافة سكانية، تعاني مـن أزمة أراض يمكن تحويلها لمقابر، إذ توجد بالمدينة 11 مقبرة قديمة جدا، تم إغلاق 9 منها كليا ولم يعد مـن الممكن الدفن فيها لامتلائها كاملة، مشيرا الي ان مقبرة الشجاعية المقامة على مساحة 280 دونما على وشك الامتلاء (الدونم يساوي 1 كيلومتر مربع فى فلسطين).
ورغم قرار إغلاق بعض المقابر القديمة، وبينها مقابر أثرية، فإن النجار يقول إن “عائلات شهداء اضطرت الي الدفن فيها بسـبب مخاطر الوصول الي المقابر الموجودة على مقربة مـن السياج الأمني الإسرائيلي، فضلا عَنْ استحالة الوصول الي مقبرة مقامة على مساحة 50 دونما فى بلدة بيت حانون ومتاخمة لمعبر بيت حانون (إيرز) تحتوي على 250 قبرا جاهزا، علاوة على وجود 6 مقابر أخرى موزعة بين مدن محافظة الشمال التى نالها قسط كثير مـن الغارات الجوية الإسرائيلية”.
وإزاء هذا الواقع الصعب لجأت السلطات المحليه الي بديل عَنْ القبور الفردية الاعتيادية، التى تحتاج الي مساحات وتجهيزات، وذلك عبر حفر قبور جماعية فى مقبرة الطوارئ بطريقة الخطوط المتوازية وبعمق متر واحد فقط.
ويتم فيها “رص” الجثث الي جانب بعضها بعضا، وإهالة التراب عليها مـن دون وضع حجارة استنادية تحيط بالجوانب الداخلية للقبور، ومن دون تغطيتها مـن الأعلى بمكعبات إسمنتية كَمَا فى القبور الفردية الخاصة، نظرا لتوقف المعامل عَنْ صناعة الحجارة والمكعبات بفعل انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود ومخاطر العمل فى اثناء كثافة الغارات الجوية.
آلية الدفن ونقص الأكفان
وحول الآلية التى اعتمدتها اللجان المختصة المشرفة على عملية الدفن الجماعي، يوضح النجار ان الشهداء المعروفين تم تعريفهم بأسمائهم، بينما تم منح مجهولي الهويه أرقاما وتوثيق جثثهم بالتصوير، مشيرا الي ان كثيرا مـن الجثث عبارة عَنْ أشلاء ممزقة ويصعب التعرف عليها.
وقال إن الدفن فى القبور الجماعية بمقبرة الطوارئ دائم وليس مؤقتا، “ولن يتم نبش هذه القبور واستخراج الجثث ودفنها فى قبور فردية خاصة”.
وتستنزف مدن قطاع غزة، الذى يقطنه 2.2 مليون نسمة على مساحة 360 كيلومترا، زهاء 9 دونمات مقابر سنويا، يكفي الدونم الواحد منها لـ220 الي 240 قبرا، مما يخلق أزمة حادة فى توفير مساحات كافية مـن الأراضي وتخصيصها مقابر، وفقا للنجار.
وقال المتحدث ذاته “نحن امام واقع حصري وغير مسبوق، ومستوى جرائم الاحتلال خلق أزمات كثيرة، طالت حتـى الأكفان الموجودة فى المستشفيات، التى تعاني عجزا كبيرا فى توفير أكفان تواكب الأعداد المتزايدة مـن الشهداء”.
يشار الي ان مغاسل الموتى منتشرة فى مستشفيات القطاع وتشرف على عملية تحضير جثث الشهداء للدفن بوضعها فى أكياس وتكفينها، وكتابة بيانات كل شهيد على الكفن، وتسليمها الي ذويه لدفنها إذا الشهيد كان معلوما، وإن كان مجهولا فمستقره مقبرة الطوارئ.