هكذا تستقبل عائلة مقدسية دمر الاحتلال منزلها شهر رمضان | سياسة سام نيوز اخبار
مراسلو الجزيرة نت
القدس المحتلة- لن تتربع المقلوبة “السلوانية” على مائدة أمينة أبو ذياب فى اليـوم الاول مـن رمضان لهذا العام لأن أنياب جرافات الاحتلال نهشت منزلها يـوم 14 فبراير/شباط المنصرم، وشردت أمينة وزوجها وحرمت 16 حفيدا مـن الالتفاف حول مائدة الإفطار اثناء الشهر الفضيل.
امام ركام منزلهما فى حي البستان ببلدة سلوان استقبل الزوجان المقدسيان أمينة وفخري أبو ذياب الجزيرة نت للحديث عَنْ غياب البهجة وانطفاء الفرحة بحلول شهر رمضان لما تمر به البلاد مـن أوضاع مأساوية مـن جهة، ولما تمر به هذه العائلة مـن حزن بعدما هُدمت حجارة منزلها وهُدم معها الماضي والحاضر والمستقبل.
حَيرى تسير بين أنقاض المنزل تتفقد مزروعاتها وبقايا أثاث منزلها، ثم تسير الي أبعد زاوية فيه وتقول بشكل مفاجئ “ها هى ملابسي فى الغسالة.. عندما اقتحموا المنزل لهدمه كانـت الغسيل على وشك الانتهاء”.
لا تغيب تنهيدات الحزن عَنْ صوتها، وكلما تذكرت شيئا مـن محتويات المنزل انتفضت مـن مقعدها البلاستيكي المقابل للركام ونهضت لتبحث عنه، لكن لا شيء بقي على حاله سوى بعض الطيور التى لم تصل الجرافات الي قفصها.
التحضيرات اندثرت
لم يكن مـن السهل ان تفصح عما تشعر به حيال إستقبال شهر رمضان لأول مرة بعيدا عَنْ دفيئتها التى تعيش فيها منذ عَامٌ 1986، وبعد صمت طويل اعلنت “أتحضر لرمضان كَمَا معظم النساء بتجهيز المخللات وبتزيين المنزل بإنارة استثنائية كان أهالي الحي يستمتعون بالنظر اليها.. أبنائي وبناتي وأحفادي يتحلقون حول المائدة فى بيتنا وأعد لهم أول يـوم طبق المقلوبة على طريقة أهالي سلوان وهي البلدة التى أنحدر منها أنا وزوجي”.
وبالإضافة لأفراد عائلتها الممتدة فإن منزلها لن يستقبل على وليمة الإفطار هذا العام العشرات مـن الدبلوماسيين وموظفي المؤسسات الحقوقية والاتحاد الأوروبي والطواقم الصحفية الذين يعتبر منزل فخري أبو ذياب عنوانا لهم للاطلاع على معاناة أهالي حي البستان المهددين بالتهجير القسري.
لن تفتقد أمينة هذه اللحظات فحسب بل صوت الأذان الذى تصدح به مآذن المسجد الأقصى الذى لا يبعد عَنْ منزلها سوى 300 متر، وهو أقسى ما ستحرم منه وفقا لتعبيرها.
قبل ان يستأنف زوجها الناشط وعضو لجنة الدفـاع عَنْ أراضي سلوان فخري أبو ذياب حديثه للجزيرة نت، اعلنت أمينة بحزن عميق “منذ هدم المنزل أشعر بإعياء شديد عند زيارته ولا أخلد للنوم فى تلك الليلة.. أينام الليل مـن شُرّد بعيدا عَنْ أجمل ذكرياته؟”.
بلا مأوى أو طقوس
كثيرة هى الذكريات التى حفرها فخري عميقا فى ذاكرته أيضا، فهو الذى ولد عَامٌ 1962 فى هذا المنزل الذى تمر مياه عين سلوان فى حديقته الممتلئة بالأشجار المثمرة، وهو الذى حبكت له والدته فى طفولته المزيد مـن الحكايات عَنْ هذا البستان وعين المياه الجارية فيه والخرافات التى دارت حولها.
“ما زلت أسقي أشجار حديقة منزلي بمياه العين وأسقي الحيوانات الأليفة ايضا، وأتوضأ منها فهي أول مياه لامست جسدي عند ولادتي.. كانـت نساء سلوان قديما يتعمدن ان يستحم مواليدهن للمرة الأولى بمياه هذه العين لقصص كثيرة تداولها السكان عَنْ قداستها وبركتها” اضاف فخري.
وبهدم منزله يقول هذا المقدسي إن الاحتلال مسح تاريخه وذكرياته ونسف حاضره ومستقبله وأحلامه، وإنه لا شيء يعوض لحظة مـن وجوده فى هذا المنزل القريب مـن المسجد الأقصى الذى كان وما زال وجهته اليومية فجر كل يـوم.
مـن طريق “طنطور فرعون” الترابية التى يألفها أهالي سلوان كان فخري أبو ذياب يذهب للصلاة فى المسجد الأقصى مشيا على الأقدام طيلة أيام العام، وفي شهر رمضان يعود الي منزله قبيل الإفطار بالطريقة ذاتها حاملا معه الفلافل والحمص والعصائر الرمضانية التى تتربع على عرش موائد المقدسيين فى رمضان، لكنه هذا العام فقد المأوى والطقوس الاستثنائية.
تنهد تنهيدة عميقة ثم اعلن “منذ هدم المنزل الذى كنت أعيش فيه مع اثنين مـن أبنائي وأسرهم لم نلتقِ سوى فى الشارع أو بالمطاعم لأن المنزل الذى كان يجمعنا أصبح ركاما قبيحا”.
الهدف الانتقام
يعرف هذا الرجل جيدا ان الانقضاض على منزله وهدمه فى اثناء الحرب على غزة لم يكن محض مصادفة وإنما انتقاما منه ومحاولة لإسكاته ومنعه مـن الحديث عبر وسائل الإعلام عَنْ الانتهاكات والتهويد فى القدس مـن جهة، ومن إستقبال الوفود المتنوعة لإبراز معاناة الأحياء المهددة بالتهجير القسري فى سلوان مـن جانب اخر.
لكنه لم يوقف هذا ولا ذاك، فما زال يظهر إعلاميا بشكل يومي، وبات يستقبل الوفود على أنقاض منزله المهدوم، لأن قضية التهجير لم تقف عند هدم منزله كَمَا يقول.
ويدّعي الاحتلال -وفقا للمقدسي أبو ذياب- ان المنزل يقف عائقا امام البلدية التى تسعى لإقامة مشروع تهويدي فى حي البستان وهو “حديقة قومية” ستحمل اسم “حديقة الملك”، لتخليد المكان الذى كان -حسب الرواية الإسرائيلية- “بستانا للملك داود”.
وبالتالي فإنهم “عاقبوني للضغط عليّ وإسكاتي وهذا الوجه الحقيقي للاحتلال الذى أراد كسر شوكتي وتحطيم معنوياتي لكنه لم ينجح فى هدم صمودي ولا قناعاتي”.
ووفقا لهذا الناشط المقدسي، فإن البستان هو واحد مـن 6 أحياء فى بلدة سلوان يهددها خطر التهجير القسري، ويتربع الحي على مساحة 70 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) يعيش عليها 1550 نسمة، وبلغ عَدَّدَ المنازل التى تسلمت أوامر هدم أو أوامر تنفيذ الهدم 116 منزلا حتـى نهاية عَامٌ 2023 المنصرم.