هل يستفيد الإسلاميون مـن تجربة “حماس” ويصلحون مخالفات العشرية السوداء؟ | آراء سام نيوز اخبار
كان عَامٌ 2013 هو بداية الهبوط للإسلاميين فى المنطقة العربية، بعد عَامٌَين مـن التأهل خُيّل لكثير مـن المراقبين والمتابعين حينها، أنه بداية “التمكين” للمشروع “الإسلامي” استفادةً مـن تبعات ثورات الربيع العربي.
لكن جرت الرياح بما لا يشتهي الإسلاميون، وسرعان ما غادروا قصور الرئاسة على النحو المعروف.
وعلى مدار العشرية الماضية، تعاظمت مخالفات الإسلاميين وتراكمت، ما أدّى الي فقدانهم جزءًا مهمًا مـن شعبيتهم بعد خسارة السلطة.
لكن وكما كانـت خسارة يونيو/ حزيران 1967 سببًا فى بدء عودة الإسلاميين مجددًا بعد اعوام عجاف بينما عرف حينها بظاهرة “الصحوة الإسلامية”، فإنّ “طوفان الأقصى”، قد يمثل محطة مماثلة فى إفاقة الإسلاميين مـن الكبوة الشديدة التى ألمت بهم، وينجحون فى رسم مسارات مستقبليّة تتلاشى مخالفات تلك السنوات المنقضية.
البعض قد يظنّ ان هذه العودة، قد تتم بشكل آلي، اعتمادًا على ان حركة حماس التى تقود المقاومة الان فى قطاع غزة أتت مـن رحم الحركة الإسلامية، وتحديدًا الإخوان المسلمين، وهذا خطأ إستراتيجي فادح، ومخالف لجميع السنن التى تحكم حركة الكون.
فانتماء حماس وجناحها العسكري (كتائب القسام) الي جماعة الإخوان، لم يكن بمفرده كفيلًا بإحداث ذلك التطور الهائل على أدائها ورؤيتها الإستراتيجية، وإلا لكان لزامًا ان نرى ذلك التأثير على بقية فروع الجماعة فى البلدان المتنوعة، بدلًا مـن ذلك الفشل الذى لا تخطئه العين.
ما يحتاجه الإسلاميون اليـوم، هو الاستفادة مـن تجربة حركة حماس، وكيف استطاعت تطوير أدائها وإستراتيجيتها لتصبّ فى النهايه فى مصلحة المشروع الوطني الفلسطيني، وتبثّ فيه الروح مرة اخري، بعد ان كادت تدهسها عجلة التطبيع.
إحياء فقه المراجعات
نقطه البداية، هى ضرورة إحياء فقه المراجعات، فمنذ عَامٌ 2013 والحديث لا يتوقّف عَنْ ضرورة إجراء الحركة الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، هذه المراجعة، للوقوف على أسباب الفشل بعيدًا عَنْ التبريرات سابقة التجهيز “أُفشلنا ولم نفشل”.
فسرعة الانهيار وحجم الإخفاق، يؤكدان ان ثمة مخالفات إستراتيجية كامنة فى بنية التنظيم قادت الي تلك النهايه.
لكن ورغم مرور أكثر مـن عشر اعوام، لم اعلن هذه المراجعات، وكان آخر مـن اعلن عنها، د. حلمي الجزار، مسؤول القسم السياسي فى الجماعة، وذلك فى مقابلة متلفز فى شهر سبتمبر/أيلول مـن العام الماضي، وقال؛ إن الجماعة كلفت لجنة لإجراء تقييم شامل لمجمل أحداث العشر اعوام الماضية، وأنه مـن المتوقع ان تصدر تقريرها المبدئي اثناء عَامٌ على الأقل.
وفي مقابل تيبّس الجماعة “الأم” فى مصر، تمتعت حركة حماس بمرونة واضحة، وقدرة على إجراء المراجعات اللازمة، تبعًا لتطور أدائها، وتنامي دورها فى مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.
فمثلًا إذا راجعنا تعريف الحركة لنفسها فى وثيقتين، الأولى: “التأسيسية” 1988، والثانية: “السِّيَاسِيَّةُ الجديدة” الصادرة عَامٌ 2017، ندرك بوضوح أننا امام تطور واضح.
ففي قوية التأسيس، تقول حماس:
“حركة المقاومة الإسلامية جناح مـن أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين”. ثم تخرج مـن الموضوع الأصلي لتعرف بجماعة الإخوان، فقالت: “وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية فى العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة”.
لكن عقودًا مـن الممارسة السِّيَاسِيَّةُ والنضالية، حملت الحركة على إعادة تعريف نفسها، مشروعًا مقاومًا فلسطينيًا، غير مرتبط بأي أطر تنظيمية عالمية، حتـى وإن اتّحدت المنطلقات الفكرية، فجاء تعريفها فى قوية 2017 كالتالي:
” حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هى حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية، هدفها تحرير فلسطين، ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام فى منطلقاتها وأهدافها ووسائلها”.
تحرُّر حماس مـن التبعية الإخوانية، مكّنها مـن تجاوز تبعات سقوط التنظيم فى مصر، وأن تنأى بنفسها عَنْ ان تكون طرفًا فى معركة ليست بمعركتها ولا معركة الجمهور الفلسطيني.
هذه المرونة والقدرة على المراجعة، هى أشدّ ما يحتاجه الإسلاميون اليـوم، فلا يعرف مـن بينهم مشروع مراجعات حقيقي، إلا ما أخرجته الجماعة الإسلامية المصرية، بدءًا مـن عَامٌ 1997؛ لمواجهة ظاهرة العنف المسلح، ونجحت مـن خلاله فى إعادة تصحيح مسارها، بينما تجربة استرشدت بها جماعات أخرى فى العالم العربي، مثل الجماعة الإسلامية المقاتلة فى ليبيا.
بناء مشروع وطني
“طوفان الأقصى”، أبانت عَنْ نجاح حماس، فى إعادة إحياء مشروع المقاومة، بعد ثلاثين عَامًٌا مـن التيه، لهثًا وراء السراب الذى أفرزته اتفاقية أوسلو وتوابعها.
هذا المشروع المعاد إحياؤه، تجاوز الأطر التنظيمية، والحدود الأيديولوجية، بحيث انعكس على ساحة المقاومة التى ضمت فصائل متنوعة المشارب والاتجاهات، لكنها منضوية تحت مشروع واحد.
مـن هنا لم يكن مستغربًا ان يجذب “الطوفان” مؤيدين وداعمين مـن مختلف ارجاء الطيف الأيديولوجي، فوجدنا مفكرًا مصرىًا مثل د. أسامة الغزالي حرب، يعلن ندمه عَنْ اعوام عمره التى قضاها مؤيدًا وداعمًا للتطبيع مع إسرائيل، حيـث كان عضوًا مؤسسًا فى جمعية “حركة القاهره للسلام” التى تأسست فى تسعينيات القرن الماضي، للمساهمة فى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل على المستويات الثقافية والشعبية.
لكن قوة مشروع المقاومة الذى تقوده حركة “إسلامية” لم تحظر الغزالي حرب مـن تغيير قناعاته التى دافع عنها سنين طوالًا، رغم خصومته الفكرية المعروفة مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر.
لكنّ الإسلاميين فى بلدان الربيع العربي، فشلوا فى بناء ذلك المشروع الجامع، وفتنتهم فكرة “تمكين التنظيم” عَنْ “تمكين الأمة”، فلم يبذلوا الوقت والجهد؛ سعيًا وراء تأسيس مشروع يجمع شتات الأمة مـن اجل بناء دَوْلَةٌ الحريات والعدالة والكرامة الإنسانية.
أضف الي ذلك، فتنة الأيديولوجية، التى حالت دون الانفتاح المطلوب على بقية الأطياف، انفتاحًا يؤدي الي صياغة مشروع وطني جامع للقوى السِّيَاسِيَّةُ.
الفصل بين الدعوي والسياسي
نجحت حماس فى الفصل بين مسارَين دَاخِلٌ بنيتها التنظيمية: السياسي والعسكري.
وإن كانـت الحروب السابقة كشفت عَنْ اهميه الفصل بين المسارين، فإن “طوفان الأقصى”، أعلن عليه. فخلال أكثر مـن مائة وأربعين يـومًا مـن الحرب حتـى الان، أدارت كتائب القسام (الجناح العسكري) المعركة عسكريًا وإعلاميًا ادارة جيدة، فى موازاة الإدارة السِّيَاسِيَّةُ التى يقوم بها مجموعه المكتب السياسي للحركة خارج قطاع غزة.
فى موازاة ذلك النجاح، افتقر الإسلاميون – حتـى وهم فى سدة الحكـم – الي ذلك التخصص، واختلط الدعوي بالسياسي اختلاطًا قاد الي فوضى، وكان أحد أسباب الفشل!
فالداعية أو المربي، الذى تشكل وعيه وإدراكه تشكلًا معينًا، وحاز أدوات الدعوة والتربية، كان مـن المحال ان يقتحم مجال السياسة بذلك الوعي وتلك الأدوات، لكن البعض أصرّ على ان يدير الدعاة والمربون المعارك السِّيَاسِيَّةُ فحدث ما حدث!
الملاحظ ان الحديث عَنْ ضرورة التخصص دَاخِلٌ الحركة الإسلاميّة؛ سعيًا وراء الإنجاز، يجابه حتـى الان برفض شديد؛ بزعم ان ذلك يعني الفصل بين الدين والسياسة، ويقود الي العِلمانية!!
وأخيرًا؛ فما ينبغي للإسلاميين التعامل مع “طوفان الأقصى” باعتباره فرصة لترميم الصُّورَةُ وتجاهل الاستحقاقات المطلوبة، وفي مقدمتها ضرورة الاستفادة مـن تجربة “حماس”، وعموم المقاومة الفلسطينية التى عظمت قدراتها وطورت مـن نفسها، رغم أنها تحت حصار ممتد منذ حوالى 17 عَامًٌا.
الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.