الاخبار العربية والعالمية

هل يشكل خروج باريس مـن النيجر نهاية أفريقيا الفرنسية؟ | سياسة سام نيوز اخبار

نيامي- نهاية ديسمبر/كانون الاول 2022، سحبت فرنسا آخر جنودها مـن دَوْلَةٌ أفريقيا الوسطى، وفي نفس الشهر مـن 2023 سحبت آخر جنودها مـن النيجر، وما بين التاريخين عَامٌ حافل بالخيبات والإخفاقات بتراجع نفوذها وانحسار وجودها التاريخي غرب أفريقيا، وخروجها مـن 4 دول بالقارة، لتكتب النيجر ربما نهاية حقبة مليئة بالتدخلات والانقلابات التى كانـت باريس خلفها منذ ستينيات القرن العشرين.

وكان جليا منذ الأيام الأولى للانقلاب فى النيجر، توجهات المجلس العسكري الانتقالي الذى كان حاسماً فى طلب إنهاء الوجود الفرنسي، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع باريس.

وتعاملت فرنسا بالرفض وعدم الاعتراف بالسلطات الجديدة، متحدية مطالب سحـب السفير وإنهاء الوجود العسكري، ومارست ضغوطا هائلة عبر مجموعه “إيكواس” التى فرضت اجراءات قاسية على هذا البلد بما فيها التهديد بالتدخل العسكري، وإعادة الرئيس بازوم، إلا ان فرنسا اضطرت للرضوخ والموافقة على الانسحاب بعد شهرين مـن الرفض والمحاولات الفاشلة.

عملية فك الارتباط

بدأت القوات الفرنسية انسحابها بداية أكتوبر/تشرين الاول الماضي، حيـث توجهت الي تشاد مؤقتا حسب تصريحـات السلطات الفرنسية، وصرح الملازم ابراهيم سليم قائلاً “تاريخ اليـوم يمثل نهاية عملية فك القوات الفرنسية بمنطقة الساحل” مؤكداً ان العملية شملت 45 رحلة جوية و15 قافلة برية، نقلت حوالى 1500 عسكري فرنسي.

واختتمت مراسم الخروج بتوقيع قوية مشتركة بين قائد القوات البرية النيجرية العقيد مامان ساني، وقائد القوات الفرنسية بالساحل الجنرال إريك أوزان، وحضر مراسم التوقيع ممثلون عسكريون مـن الولايات المتحدة وتوغو، وسلمت فرنسا القاعدة الجوية الي سلطات النيجر.

ويشكل خروج فرنسا مـن النيجر مرحلة فارقة، ودلالة ذات اهميه على مستقبل علاقاتها بأفريقيا، ففرنسا التى تمددت على ثلث هذه القارة على مدى 3 قرون مضت، لم تراجع سياساتها بالقدر الذى يؤهلها بالبقاء على علاقات متوازنة، ولم تحذو حذو الدول التى اعتذرت عَنْ أخطائها التاريخية.

كَمَا أخفقت باريس بشكل واضح فى المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، فى اثناء تنافس دولي يتيح فرصاً للدول الأفريقية فى تنويع الحلفاء، ومصادر الدعـم، ويعتبر الطرد مـن النيجر -حسب محللين- ضربة قاصمة للنفوذ الفرنسي، أكثر مما جرى فى أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو.

ورقة “إيكواس”

فشلت جهود “إيكواس” فى التوصل لتفاهمات مع المجلس العسكري الانتقالي بالنيجر كَمَا حدث مع مالي وبوركينا فاسو، حيـث تم الاتفاق على سقف زمني للانتقال، وهو ما لم يتم فى حالة النيجر، مما دفع المراقبين للقول إن تشدد فرنسا واستخدامها منصه “إيكواس” للضغط على المجلس العسكري قاد الي طريق مسدود.

بينما “إيكواس” قد علقت فى ديسمبر/كانون الاول الحالي عضوية النيجر بالمجموعة، وهي سابقة خطيرة قد تفضي الي وضع يصعب معالجته لاحقا.

علاقات دولية أخرى

خرجت فرنسا وبقيت القوات الأميركية بالنيجر، وقد أبدت واشنطن مؤخراً استعدادها لاستئناف التعاون مع النيجر، إذا اتخذ المجلس العسكري خطوات معينة، وجاء على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي فى أنه “يتعين على المجلس العسكري الحاكم ان يعلن موعداً نهائياً لانتقال سريع وذي مصداقية، تنبثق منه حكومة منتخبة ديمقراطياً” كَمَا أبدت ألمانيا التى تملك قوة محدودة هناك الاستعداد نفسه وبالشروط نفسها، وفق تصريح وزير دفاعها الذى كان فى زيارة نيامي.

وإلى جانب رغبة واشنطن وبرلين باستئناف التعاون مع النيجر مؤخراً، وقبل 3 أيام مـن استكمال فرنسا إنهاء وجودها بالنيجر، اعلن رئيس الوزراء المكلف علي محمد الأمين زين لوكالة “نوفو سيتي” بأن بلاده ترغب فى تعزيز التعاون مع روسيا فى مجالات الاقتصاد والأمن قائلاً “مرة أخرى لابد مـن القول إن البلدين يتعاونان مجدداً، ونحن نحاول المضي قدماً فى جميع مجالات الاتصال والأمن” وأشار الي ان المعدات العسكرية التى تم شراؤها سابقاً مـن روسيا سمحت لسلطات البلاد بمواجهة الجماعات المسلحة بشكل أكثر فعالية.

مستقبل الوجود الفرنسي بأفريقيا

وكنتيجة طبيعية للتراجع الفرنسي بالمنطقة، توترت الْأَوْضَاعُ بين فرنسا وبوركينا فاسو على إثر تعليق السلطات فيها بعض وسائل الإعلام الفرنسية، واعتقال 4 موظفين اتهمتهم بكونهم عملاء للمخابرات الفرنسية، فضلاً عَنْ توجه ما تبقى مـن دول مجموعه الساحل لحل المجموعة، بعد انسحاب النيجر وبوركينا فاسو منها بداية الشهر الحالي، وهي فى الأصل كانـت إحدى الجبهات التى تنفذ فرنسا عبرها سياستها فى المنطقة بشكل عَامٌ.

وبقراءة فاحصة للتطورات التى تشهدها منطقه غرب أفريقيا، فى اثناء تنافس الفاعلين الدوليين على القارة، فإن حظوظ بقاء فرنسا بشكل قوي يقابل تهديداً حقيقياً، وربما تفقد ما تبقى لها مـن نفوذ فى القارة، وهو الامر الذى تتوفر له كل الأسباب.

وقد جاء على لسان دبلوماسي فرنسي لاحق لوسائل اعلامية معلقاً على الظروف التى تواجهها بلاده فى أفريقيا “نحن هنا بحاجة الي إعادة التفكير بشكل كامل فى علاقاتنا بأفريقيا” وأضاف “لقد طردونا وعلينا ان نغادر بلداناً أخرى قبل ان يطلب منا الرحيل” وهو ما يعبر بدقة عما تواجهه فرنسا فى هذه القارة.

وما بين سياسة “فرانس أفريك” لشارل ديغول عَامٌ 1944 وسياسة “عدم الإنكار وعدم الاعتذار” لماكرون عَامٌ 2020 و”بريتون وودز” التى رسمت خارطة النفوذ الاقتصادي الفرنسي بأفريقيا، جرت مياه كثيرة، سنحت لفرنسا ان تكون اللاعب المتحكم فى مصائر عَدَّدَ مـن الشعوب الأفريقية، ولكن لم يكتب لقادتها رؤية الواقع المؤلم لشعوبها بل وتعمدوا إهمالها، مما دفع الي تآكل نفوذها وتقلص مساحة قبولها فى أوساط الشعوب الأفريقية، وانتهاء بعزلة ربما تكون نهائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى