هل يعود حزب البشير الي المشهد السوداني عبر الباب الأفريقي؟ | سياسة سام نيوز اخبار
يرى مراقبون ان عـقد أول مقابلة رَسْمِيٌّ معلن بين آلية الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة السودانية وحزب المؤتمر الوطني “الحاكم سابقا” بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير منذ الإطاحة بنظامه وحل الحزب قبل نحو 5 اعوام، خطوة لعودة الحزب المحظور الي المشهد السياسي فى البلاد المضطربة.
وانتقد خصوم حزب البشير آلية الاتحاد الأفريقي، ورفضوا اى محاولة لإشراك الحزب فى العملية السِّيَاسِيَّةُ وإعادته الي المشهد، وعدوها مكافأة له على الجرائم التى ارتكبها النظام السابق اثناء 3 عقود وضربة للثورة الشعبية التى أزالته، وتعهدوا بمقاومة اى خطوة فى هذا الاتجاه.
وأطاحت ثورة ديسمبر/كانون الاول 2018 بحزب المؤتمر الوطني ورئيسه عمر البشير الذى حكـم السودان قرابة 30 عاما بعد ان جاء الي السلطة عبر انقلاب عسكري فى 30 يونيو/حزيران 1989.
وأقر اجتماع مشترك بين مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء (برلمان مؤقت) فى نوفمبر/تشرين الثانى 2019، قانون “تفكيك نظام الإنقاذ”. ونص القانون على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه مـن سجل التنظيمات والأحزاب السِّيَاسِيَّةُ فى السودان، فضلا عَنْ حل مجمل الواجهات التى كان يستخدمها والمنظمات الاخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به، ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة.
لكن قيادات وكوادر فى الحزب ظلت تشارك فى أنشطة وفعاليات سياسية واجتماعية تحت مظلات أخرى، ورشحت معلومات عَنْ لقاءات غير معلنة بين رموز فى الحزب ودبلوماسيين أجانب وشخصيات معارضة جرت فى دَاخِلٌ البلاد وخارجها.
وبعد أيام مـن اندلاع الحرب فى الخرطوم خرج آلاف مـن نزلاء السجون والمعتقلين مـن بينهم عشرات مـن رموز الإسلاميين وقياداتهم حيـث كانـت تجري محاكمة بعضهم بالمشاركة فى تدبير وتنفيذ انقلاب البشير.
فتح صفحة جديدة
وجاء اللقـاء المفاجئ بين الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان وممثلين لحزب المؤتمر الوطني المحلول بالقاهرة الأربعاء الماضي، ضوء لقاءات تعقدها الآلية مع الفرقاء السودانيين لوقف الحرب الجارية وعقد طاولة حوار سوداني-سوداني.
وضم اللقـاء مـن جانب حزب المؤتمر الوطني وزيرة الرعاية والتنمية الاجتماعية السابقة أميرة الفاضل ووزير الدولة للخارجية السابق أسامة فيصل، بينما شمل الوفد الأفريقي رئيس الآلية محمد بن شمباس المبعوث السامي للاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق، وسيمبيوسا وانديرا نائب الرئيس الأوغندي الأسبق، وفرانسيسكو وانديرا مبعوث الاتحاد الأفريقي السابق الي الصومال.
وقال قيادي فى حزب المؤتمر الوطني للجزيرة نت إن اللقـاء -الذى كان بطلب مـن الآلية الأفريقية- ركز على نقاش 3 قضايا شملت سبل وقف الحرب، والأوضاع الإنسانية فى اثناء الحرب المستمرة منذ نحو 11 شهرا، وعقد مؤتمر حوار سوداني-سوداني شامل بتسهيل أفريقي.
وذكر القيادي -الذى فضل عدم الاعلان عَنْ هويته- للجزيرة نت ان وفدهم أبلغ الآلية بأن موقفهم الراسخ هو دعـم القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى، ومساندة المقاومة الشعبية ومؤسسات الدولة.
وأفاد بأنهم شددوا على ضرورة التوصل الي سلام عادل وشامل، لينعم السودانيون بالاستقرار، ودعم النساء والأطفال لتجنب الآثار والانتهاكات والترويع المرتبط بالحرب.
وأضاف أنهم أبلغوا الآلية الأفريقية بدعوتهم الي “فتح صفحة جديدة يسمو فيها الجميع فوق الجراح”، وتمسكهم بحوار سوداني خالص بلا تدخلات خارجية، وأن يشمل الجميع بلا إقصاء أو عزل اى طرف لضمان سودان معافى مـن الحرب وتبعاتها وإرساء قواعد لمستقبل افضل للشعب السوداني.
الثورة أبقى مـن الحرب
مـن جانبه، يرى الكاتب الإسلامي ووزير الإعلام فى ولاية النيل الأبيض السابق عبد الماجد عبد الحميد ان مقابلة ممثلين عَنْ المؤتمر الوطني مع الآلية الأفريقية لم يكن الاول، وظل الحزب على تواصل مع قوى دولية وإقليمية ودول عربية وأفريقية وخليجية مؤثرة فى المشهد السوداني.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الكاتب ان الفاعلين الدوليين يدركون اهميه وتأثير الإسلاميين وثقلهم وامتلاكهم قاعدة سياسية واجتماعية منضبطة، ويتابع ان قيادة الدعـم السريع تعلم ذلك، ولكن حلفاءها فى قوى الحرية والتغيير لا تدرك هذا الامر.
ويضيف ان القوى الإقليمية وجدت نفسها مرغمة على التعامل مع المؤتمر الوطني كأمر واقع، بعدما توصلت مـن اثناء متابعتها للأحداث فى السودان ان الحزب لا يمكن شطبه بالشعارات أو التحالفات الهشة.
مـن جهته، وصف عضو المكتب القيادي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “ترصد” ياسر عرمان مقابلة المؤتمر الوطني مع الآلية الأفريقية بأنه “مؤسف ويضعف الثقة” فى الآلية.
وذكر فى تغريدة ان “حزب المؤتمر الوطني أسقطته ثورة شعبية ودون عودته، وأزهقت مهج وأرواح جاء الى بنات وأبناء شعبنا”.
وأضاف عرمان ان “مشاركة حزب المؤتمر الوطني أو عودته ستكون مكافأته على حربه، وستجد مقاومة ضارية مـن قوى ثورة ديسمبر/كانون الاول 2018، ورغم ظروف الحرب والمعاناة فالثورة أبقى مـن الحرب” مؤكدا ان اى دوائر داخلية أو خارجية لن تستطيع ان تفرض على الجمهور ما لا يريده.
كلمة السر
ويرى أستاذ العلوم السِّيَاسِيَّةُ والباحث فى جامعة أفريقيا العالميه الدكتور محمد خليفة صديق ان “كلمة السر” فى مقابلة الآلية الأفريقية مع المؤتمر الوطني هو رئيس الآلية محمد بن شمباس الدبلوماسي الغيني المخضرم والرئيس السابق للبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي فى دارفور “يوناميد”، لإدراكه ومعرفته الدقيقه بتعقيدات الملف السوداني وجذور الأزمة.
وحسب تصريح الباحث للجزيرة نت، فإن ابن شمباس يعرف اهميه المؤتمر الوطني فى المعادلة السِّيَاسِيَّةُ فى السودان وصعوبة استبعاده وعزله فى اثناء الْأَوْضَاعُ الحالية، لانه اثناء يدير البلاد لـ30 عاما، وتعامل مع أزمات معقدة اثناء تلك الفتره، ولذا سيكون التعاطي معه مفيدا لمن يريد إحداث اختراق فى الأزمة السودانية.
ويعتقد الباحث ان الحوار السوداني-السوداني الذى لا يستثني أحدا هو مفتاح لحل الأزمة الحالية، كَمَا ان الإقصاء السياسي الذى شهدته المرحله السابقة كان سببا جوهريا فى تدهور الْأَوْضَاعُ حتـى وصلت البلاد الي درك سحيق.
ويرجح ان يمضي الاتحاد الأفريقي نحو حوار سوداني شامل، لانه بات مقتنعا بأنه أقصر الطرق لإحداث اختراق خاصة أنه جرب طرقا أخرى لم تثمر، وكذلك رأى مبادرات أخرى وصلت الي طريق مسدود مثل مبادرة الهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا “إيغاد“.