14 أكتوبر.. لماذا تحتاج إسرائيل لثغرة “دفرسوار” فى غزة؟ | اخبار سياسة سام نيوز اخبار
ربما تتوق إسرائيل حاليا لأن ترتكب حركة “حماس” ومعها فصائل المقاومة المخالفة نفسه الذى ارتكبته القيادة المصرية -ممثلة فى الرئيس محمد أنور السادات ووزير الحربية احمد إسماعيل- فى 14 أكتوبر/تشرين الاول 1973، فتسترجع التوازن الذى فقدته منذ اندلاع طوفان الأقصى السبت، كَمَا استرجعته قبيل 50 عاما.
فقد جاء عبور قوات المقاومة لحدود غزة والسيطرة على المستوطنات المحيطة فى 07 أكتوبر/تشرين الاول الحالي ليذكر بالعبور التاريخي للقوات المصرية لقناة السويس فى حرب 1973، وللتقدم الناجح للقوات السورية على جبهة الجولان.
لكن الذكرى وإن تشابهت فى التَّارِيخُ والنصر الأولي الساحق، إلا أنها تختلف -لحد الان- فى المصير الذى آلت إليه فى أكتوبر/تشرين الاول 1973 ستة أيام مـن بعد نجاح عنصر المفاجأة وتحقيق النصر.
تدمير الأسطورة
وقتها لم تنجح القوات المصرية فى عبور قناة السويس فقط، وفي تدمير خط بارليف الذى كان يوصف بأنه جدار حديدي يستحيل على اى قوة تجاوزه، لكنها نجحت أيضا فى كسر أسطورة الجيش الذى لا يقهر، والذي هزم عدة دول عربية فى 6 أيام فى حرب يونيو/حزيران 1967.
وتمكنت القوات المصرية والسورية -ومعهما القوات العربية التى شاركت فى الحرب- فى قتل وأسر وجرح عَدَّدَ كثير مـن الجنود والضباط الإسرائيليين، وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة فى العتاد، وأعادت للقوات العربية هيبتها التى فقدتها فى كل حروبها السابقة مع إسرائيل.
خطة النصر
هذا النصر التاريخي يلخص سعد الدين الشاذلي -رئيس أركان الجيش المصرى السابق وصاحب خطة الحرب- أسبابه فى الأسس التى بني عليها الهجوم والتي تتمثل -الي جانب تحقيق عنصر المفاجأة- فى حرمان الجيش الإسرائيلي مـن إيجابيات تفوقه الجوي الساحق مـن اثناء التوقف عند مسافة 10-12 كيلومترا بعد العبور تحت حماية الصواريخ المصرية وقوات الدفـاع الجوي، ثم إغلاق الأجناب والخلف لعدم تمكين إسرائيل مـن مهاجمتها كَمَا اعتادت دائما.
بتلك الطريقة سيجبر الجيش الإسرائيلي على شن الحرب بالمواجهة وهو ما سيضاعف مـن خسائره البشرية واللوجستية، وهو الذى لا يحبذ أبدا سقوط قتلاه بأعداد كبيرة لتداعياتها النفسية على الإسرائيليين، أو إطالة أمد الحرب لأن ذلك يوقف اقتصاده تماما.
غولدا وموشيه حائران
بينما الحكومة الإسرائيلية بعد اندلاع حرب أكتوبر 1973 غارقة فى نقاشات ساخنة لا تكاد تنتهي الي شيء فى كيفية بناء رد فعل ناجح يعيد لها هيبتها التى داستها قوات الجيش المصرى والسوري ومعهما الجيوش العربية التى شاركت فى حرب العبور.
كانـت رئيسة الوزراء غولدا مائير، ووزير الدفـاع موشيه ديان ومعهما بقية القيادات الحكومية والعسكرية يبحثون عَنْ اى وسيلة لكسر الوضع الإستراتيجي الذى فرضه عليهم انتصار السادس مـن أكتوبر.
فبعد يومين مـن اندلاع الحرب، دفعت القيادة الإسرائيلية الي جبهة سيناء بـ8 ألوية مدرعة قوامها 960 دبابة، وهاجمت فى عدة مناطق لكن مـن دون ان تنجح فى إحداث ثغرة فى جدار الصد المصرى الذى استطاع مـن صد كل الهجمات.
وكذلك تكرر السيناريو نفسه تقريبا فى التاسع مـن أكتوبر، حيـث هاجمت ألوية مدرعة إسرائيلية الجيش المصرى لكنها فشلت، وفقدت كثيرا مـن عناصرها وعرباتها العسكرية.
وظلت الحيرة الإسرائيلية مستمرة حتـى جاءت أنباء تحرك القوات المصرية لتطوير الهجوم يـوم 14 أكتوبر فكادوا يطيرون بها فرحا كَمَا أكدت ذلك مختلف المصادر العسكرية المصرية والإسرائيلية.
جرس انذار
وحكى الراحل النادي سعد الدين الشاذلي للجزيرة فى تسعينيات القرن الماضي فى برنامـج شاهد على العصر، وفي كتابه المعروف “حرب أكتوبر” كيف ان تطورا مهما حدث فى العاشر مـن أكتوبر كان بمثابة جرس انذار لم تنتبه القيادة المصرية لدلالاته الخطيرة.
ففي ذلك اليـوم أُمر لواء المشاة الاول المصرى بالتقدم ليلا جنوبا لاحتلال موقع عيون موسى، غير ان قائد اللواء اجتهد وقرر التحرك قبل غروب الشمس بساعات مما سمح للقوات الإسرائيلية برصده وتتبعه حتـى خروجه مـن تحت حماية الدفـاع الجوي المصرى ثم تشتيته بالقصف الجوي.
وقد طلب منه التحرك ليلا حتـى لا يقع فريسة سهلة للطائرات الإسرائيلية. ووقتها لم تكن الطائرات متطورة وقادرة على العمل ليلا.
وعلى الرغم مـن ان حدوث هذه الواقعة الدموية كان كفيلا باستبعاد اى فكرة بشأن تحريك القوات البرية بعيدا عَنْ خطوط الحماية الجوية فى ما سمي بعملية تطوير الهجوم، إلا ان النادي الشاذلي حكى كيف أنه فوجئ يـوم 11 أكتوبر بوزير الحربية احمد إسماعيل يطلب منه تطوير الهجوم نحو المضايق، وعدم البقاء عند الخطة المتفق عليها والتي تقضي بالالتزام بالتموقع عند مسافة 10-12 كيلومترا شرق قناة السويس تحت الحماية الجوية المصرية.
رفض قاطع
رفض النادي الشاذلي ومعه قائدا الجيشين الثانى والثالث وهما على التوالي سعد مأمون وعبد المنعم واصل تنفيذ خطة تطوير الهجوم التى حاول وزير الحربية فرضها بضغط مـن الرئيس السادات بحجة تخفيف الضغط عَنْ سوريا، وأكدوا ان تنفيذها يعني تدمير الجيش المصرى وإجهاض نصر السادس مـن أكتوبر.
وسبب الرفض وفق ما حكاه الشاذلي هو ان تطوير الهجوم سيتم بالدبابات خارج الغطاء الجوي المصرى، وهو ما سيجعلها هدفا سهلا للطائرات الإسرائيلية، حيـث إن ترصد الألوية المصرية سيقابل مـن الجهة الاخرى بالطيران وليس بالدبابات، علما ان إسرائيل لديها تفوق جوي ساحق.
وتابع الشاذلي أنه حاول إقناع وزير الحربية احمد إسماعيل باستحالة تخفيف الضغط عَنْ سوريا لأن الجيش الإسرائيلي لديه 8 ألوية مدرعة فى سيناء وليس فى حاجة لسحب اى قوات مـن الشرق لدفعها نحو الجبهة المصرية، كَمَا أنه متفوق جويا بشكل ساحق ولن تستطيع القوات المصرية مجاراته جوا، فضلا عَنْ ان خروج القوات المصرية مـن حماية غطائها الجوي على بعد 15 كيلومترا شرق القناة يعني تدميرها بشكل كامل.
بينما خطة تطوير الهجوم التى أمر احمد اسماعيل بتنفيذها يـوم 14 أكتوبر تقضي بتحرك 4 ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكي بـ4 اتجاهات مختلفة بسيناء.
وأوضح الشاذلي فى كتابه ان القوات المصرية كان يفترض ان تهاجم 900 دبابة إسرائيلية بـ400 دبابة مصرية فى المكان الذى تختاره إسرائيل بعناية تحت حماية قواتها الجوية، كون مصر هى التى قررت الهجوم.
وقد خسر الجيش المصرى فى معركة تطوير الهجوم عددا كبيرا مـن الجنود والضباط، فضلا عَنْ 250 دبابة مـن أصل 400، وهو رقم أكبر مـن مجموع الخسائر اثناء أيام الحرب الأولى كلها، وفق ما أكده قائد أركان الجيش المصرى.
ثم تراجعت القوات المصرية بعد ان فقدت كثيرا مـن عناصرها وعتادها، وبدأت المبادرة تنتقل ليد الجيش الإسرائيلي.
الثغرة
لكن الآثار السلبية لخطة تطوير الهجوم لم تقف عند هذا الحد، حيـث استطاع الجيش الإسرائيلي مـن استرجاع المبادرة، وفتح ثغرة فى خط الصد المصرى فى منطقه الدفرسوار.
وفي فجر 17 أكتوبر أوجدت إسرائيل لنفسها وجودا قويا فى الجبهة، بـ8 ألوية مدرعة ولوائي مشاة ميكانيكيين، 3 مـن تلك الألوية كانـت مستعدة للعبور لغرب القناة بمجرد تركيب الجسر بمنطقة الدفرسوار.
وفي يـوم 18 أكتوبر بات لإسرائيل وجود غرب القناة بفرقتين مدرعتين إحداها بقيادة الجنرال شارون والأخرى بقيادة الجنرال برن.
وضع معقد
ويتابع النادي الشاذلي ان مما زاد الوضع تعقيدا هو رفض الرئيس السادات ومعه احمد اسماعيل تطبيق مبدأ المناورة بالقوات فى وقت مبكر لتصفية الثغرة، وحتى عندما تفاقم وضعها فى الـ20 مـن الشهر نفسه عندما نجحت 5 ألوية إسرائيلية مدرعة فى العبور غرب القناة، وفرقتان مدرعتان شرق القناة مستعدة للعبور، فضلا عَنْ ان طيرانه بات باستطاعته العمل غرب القناة بعد ان نجح فى إسكات محطات الاعلان صواريخ سام.
وفي اثناء عدم وجود توزيع صحيح للقوات المصرية يتناسب مع تطورات الحرب، اقترح سعد الدين الشاذلي مرة أخرى المناورة بالقوات وسحب 4 ألوية مدرعة مـن شرق القناة، وتوجيهها لتصفية الثغرة ووقف ترصد الألوية الإسرائيلية التى باتت خطتها واضحة وتهدف لتطويق الجيشين الثانى والثالث كَمَا أعلن ذلك النادي المصرى فى كتابه.
لكن مرة أخرى رفض السادات المقترح وأمر ببقاء كل القوات فى مكانها. وضع مكن الجيش الإسرائيلي مـن محاصرة الجيش المصرى الثالث (نحو 45 ألف جندي وضابط)، وبمحاصرته فقدت مصر المبادرة بشكل كامل لصالح إسرائيل التى استغلت ذلك كورقة رابحة لتحقيق مكاسب سياسية لم تكن تحلم بها.
وباتت القاهره ترصد التنازلات تلو الاخرى لضمان سلامة الجيش الثالث ومن ذلك فك الحصار البحري عَنْ إسرائيل، والإفراج عَنْ الجواسيس والأسرى، وإقناع الدول العربية بفك حصار البترول عَنْ الغرب.
معضلة البر
الان وبعد 50 عاما على تلك الحرب، ما تزال إسرائيل متفوقة جوا، وهي تقصف غزة مـن دون توقف إذ لا توجد لدى المقاومة قوات ردع جوي، لكنها على مستوى الأرض ما تزال غير قادرة على فتحة ثغرة “دفرسوار” جديدة فى قطاع غزة، وتلك كانـت معضلتها دائما.
فقد حاولت تجاوز تلك المعضلة اثناء العملية البرية فى عدوان 2014 واستدعت لأجل ذلك 20 ألفا مـن جنود الاحتياط، لكنها توقفت بسـبب صمود المقاومة التى كبدته خسائر هائلة فى الأرواح والعتاد، وبسبب تحركها وفق إمكانياتها دون مغامرة “تطوير” قد تهدم كل شيء.
وها هى إسرائيل الان قد استدعت 300 ألف مـن احتياطها، وأعلنت وصول أول طائرة أميركية تحمل لها الأسلحة والعتاد المتطور، وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه قام بالاتصالات الدولية الضرورية لإقناع قادة الغرب بخططه لغزو غزة برا، لكن لحد الان الوضع متوقف عند القصف الجوي، علما ان جبهة الشمال اشتعلت هى الاخرى مع هجمات حزب الله الذى أعلن أنه ليس على الحياد فى هذه الحرب.
ويقول الكاتب الروسي فى صحيفة فزغلياد يفغيني كروتيكوف إن امام إسرائيل خيارين لا ثالث لهما، إما غزو قطاع غزة برا وإما الاقتصار على الهجمات الجوية فقط، موضحا أنه مـن وجهة نظر سياسية، لا تستطيع إسرائيل الاكتفاء بالقصف الجوي واستعراض قوتها البرية على حدود غزة دون تحرك خوفا مـن التكلفة الباهضة للغزو البري.
وتابع ان الهامة الرئيسية تحققت وهي تدمير الأساطير المحيطة بالأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، وهو نصر يعد أكثر اهميه مـن الهجوم العسكري البري المضاد الذى تبحثه قوات الاحتلال فى الوقت الحالي.
وضع محير لخصه الكاتب الإسرائيلي فى مقال له هذا الاسبوع بصحيفة “هآرتس” حاييم ليفنسون بقوله إن كل ما تفعله إسرائيل الان “لا معنى له”، حتـى لو نجحت فى القبض على قائد كتائب القسام، محمد الضيف، لأن مفاجأة السبت أحرقت كل شيء.