أخبار فلسطين

أب القنبلة الذرية.. عارض القنبلة الهيدروجينية واتُهم بالخيانة


بالقرن الماضي، كسب عالم الفيزياء الأميركي، ذو الأصول الألمانية، جوليوس روبرت أوبنهايمر (Julius Robert Oppenheimer) شهرة كبيرة بفضل دوره الهام فى إنتاج أولى القنابل الذرية التى استخدمت أواخر الحرب العالميه الثانية امام اليابان. وبمسيرته، ترأس أوبنهايمر المخبر السري فى لوس ألاموس (Los Alamos)، بولاية نيومكسيكو، الذى أشرف على مشروع مانهاتن. وقد أسفر مشروع مانهاتن حينها عَنْ ابتكار قنبلتي الولد الصغير (Little Boy) والرجل البدين (Fat Man) اللتين ألقيتا ما بين يومي 6 و9 أغسطس 1945 على كل مـن هيروشيما وناغازاكي متسببتين فى مقتل ما بين 100 و200 ألف شخص بلحظات.

مسيرة عليمة حافلة

الي ذلك، ولد روبرت أوبنهايمر يـوم 22 أبريل 1904 بمدينة نيويورك الأميركية لعائلة مـن المهاجرين اليهود الألمان. وبفضل الظروف المادية الجيدة لعائلته، استطاع أب القنبلة الذرية مـن مواصلة دراسته بعدد مـن الجامعات البارزة. فعام 1925، حصل على بكالوريوس بمجال الكيمياء مـن جامعة هارفارد. وبعدها بعامين، نال أوبنهايمر درجة الدكتوراه بمجال الكيمياء بجامعة غوتينغن (Göttingen) الألمانية. وعقب جملة مـن البحوث التى أجراها بعدد مـن الجامعات الاخرى، التحق أوبنهايمر بجامعة كاليفورنيا ببركلي (University of California, Berkeley) حيـث أصبح أستاذاً جامعياً أساسياً بحلول العام 1936.

برفقة زملائه وطلابه، عمل روبرت أوبنهايمر بالعديد مـن المجالات كَمَا أجرى أبحاثاً حول الموجات المادية ونظرية الإلكترون والبوزيترون وعملية أوبنهايمر-فيليبس (Oppenheimer–Phillips) حول الاندماج النووي إضافة لأول تنبؤ بالنفق الكمي. أيضاً، ساهم أوبنهايمر فى إجراء العديد مـن الأبحاث حول النجوم النيوترونية والثقوب السوداء ونظرية الحقل الكمومي وتفاعلات الأشعة الكونية.

وباعتباره واحداً مـن ابرز الفيزيائيين بالولايات المتحدة الأميركية، جنّد أوبرنهايمر بالحرب العالميه للإشراف على مشروع مانهاتن، بطلب مـن الجنرال ليسلي غروفس الابن (Leslie Groves Jr)، وعيّن مديراً لمختبر لوس ألاموس بنيومكسيكو. وبفضل مجهوداته، حصـلت الولايات المتحدة الأميركية على القنبلتين الذرتين اللتين استخدمتهما امام اليابان لإجبارها على الاستسلام والخروج مـن الحرب العالميه الثانية.

صورة تعبيرية لإنفجار نووي

صورة تعبيرية لإنفجار نووي

“الان أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم”

وعن حادثة قصف اليابان بالقنبلتين الذريتين، تمتلك البشرية تسجيلاً نادراً مـن وثائقي يعود للعام 1965 حول أوبنهايمر. وبهذا الوثائقي، اعلن أوبنهايمر عَنْ القنبلة الذرية قائلاً “الان أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم”.

وقد اقتبس أوبنهايمر هذه الكلمات مـن كتاب البهاغافاد غيتا الهندوسي. فبحوار بهذا الكتاب، خاطب الإله الهندوسي فيشنو (Vishnu) الأمير محاولاً إقناعه بضرورة إنجاز مهامه. ولإبهاره، أخذ فيشنو شكله متعدد الأيادي قائلاً “الان أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم”.

الي ذلك، اعتمد أوبنهايمر هذه الكلمات بسـبب قراءته للعديد مـن النصوص الهندوسية وإعجابه بها. فمنذ مدة، أبدى أوبنهايمر إعجاباً باللغة السنسكريتية (sanskrit) التى مثلت لغة قديمة دوّنت بها النصوص الهندوسية. وأثناء مدة عمله بجامعة كاليفورنيا ببركلي، درس أوبنهايمر هذه اللغة القديمة وقرأ البهاغافاد غيتا. وبتصريحه بالوثائقي عَامٌ 1965، قدّم أوبنهايمر ترجمته الخاصة، بالإنكليزية، لما دار بين فيشنو والأمير.

أوبنهايمر رفقة أينشتاين عام 1950

أوبنهايمر رفقة أينشتاين عَامٌ 1950

إعجابه بنيومكسيكو

مـن جهة ثانية، أبدى أوبنهايمر طيلة مسيرته إعجاباً شديداً بنيومكسيكو. وقد وقع الأخير فى حب هذه المنطقة الأميركية اثناء مدة شبابه. فعقب معاناته مـن مرض الزحار الذى أثر على مسيرته العلمية بجامعة هارفارد، أرسل أوبنهايمر، جاء الى والديه، نحو نيومكسيكو بفترة نقاهة. وأثناء إقامته هنالك، أعجب أب القنبلة الذرية بصحراء نيومكسيكو التى زارها مرات عديدة طيلة السنوات التالية.

وسنة 1942، وقع اختيار أوبنهايمر على لوس ألاموس، بنيومكسيكو، لاحتضان مخبر مشروع مانهاتن السري. ولتبرير اختياره، أعلن أوبنهايمر على الموقـع الإستراتيجي للوس ألاموس الموجودة بمكان منعزل وقريب مـن خط السكك الحديدية.

أونهايمر رفقة الجنرال ليسلي غروفس الإبن عام 1942

أونهايمر رفقة الجنرال ليسلي غروفس الإبن عَامٌ 1942

ميول شيوعية وخيانة

اثناء مدة الكساد الكبير، أبدى أوبنهايمر اهتماماً بمجال حقوق العمال والشيوعية بالولايات المتحدة الأميركية. مـن جهة ثانية، قدّم الأخير العديد مـن الإعانات للجمهوريين، الممولين جاء الى موسكو، بالحرب الأهلية الإسبانية. وعلى الرغم مـن عدم انخراطه بالحزب الشيوعي الأميركي، انضم العديد مـن المقربين لأوبنهايمر، كشقيقه فرانك وزوجته كاترين، لهذا الحزب. مـن جهة ثانية، احتقر الجنرال الأميركي ليسلي غروفس الابن التقارير التى تحدثت عَنْ توجهات أوبنهايمر الشيوعية واعتبرها بلا قيمة اثناء اختياره لهذا الفيزيائي للإشراف على مخبر لوس ألاموس.

عَامٌ 1946، شكلت الولايات المتحدة الأميركية هيئة الطاقة الذرية للإشراف على الأسلحة النووية بالبلاد. ومستغلاً منصبه، دعا أوبنهايمر لفرض رقابة صارمة على السلاح النووي وعارض بشدة إنتاج القنبلة الهيدروجينية التى جرّبتها الولايات المتحدة الأميركية بنجاح عَامٌ 1952. وبتصريحاته، تخوف أوبنهايمر مـن ويلات سباق التسلح النووي بالعالم والخراب الذى قد تحدثه حروب يتم خلالها استخدام القنابل الهيدروجينية.

مع ترأسه لهيئة الطاقة الذرية عَامٌ 1953، عارض رجل الأعمال لويس شتراوس (Lewis Strauss) تصريحـات أوبنهايمر حول القنبلة الهيدروجينية. وانطلاقاً مـن ذلك، اتجه شتراوس لعزل أوبنهايمر عَنْ طريق تحذير المسؤولين الأميركيين مـن التوجهات الشيوعية المحتملة لأب القنبلة الذرية.
وبأوج الماكارثية، اتجه مكتب التحقيقات الفيدرالية لمراقبة أوبنهايمر عَنْ كثب بعلة تهديده للأمن القومي. وعام 1954، تمت مصادرة التصريح الأمني لأوبنهايمر الذى سرعان ما وضع على القائمة السوداء بالبلاد. وبسبب هذه الإجراءات التى اتخذت فى حقه، منع أوبنهايمر مـن المشاركة بهيئة الطاقة الذرية ليكتفي طيلة السنوات التالية بالكتابة والحديث عَنْ الفيزياء لحين وفاته عَامٌ 1967 عَنْ عمر ناهز 62 عاماً.

أوبنهايمر عام 1944

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى