اثناء العام 1812، دخلت قوات نابليون بونابرت مدينة موسكو الروسية، ومع احتلالهم لها، تفاجأ الفرنسيون برحيل الروس عنها حيـث كانـت موسكو أشبه بمدينة أشباح.
وأثناء انتظاره لاستسلام القيصر الروسي ألكسندر الاول، ذهل بونابرت عند مشاهدته لحريق هائل بموسكو حيـث أقدم عَدَّدَ مـن الروس على إضرام النار بعاصمتهم السابقة، اى موسكو، التى تحول قسم كثير منها لركام.
ومع بداية فصل الشتاء، باشر القائد الفرنسي انسحابه مـن روسيا، وأثناء عودتها نحو الديار، تكبدت القوات الفرنسية خسائر بشرية هائلة أضعفت الإمبراطورية الفرنسية وجعلتها غير قادرة على الدفـاع عَنْ نفسها.
لكن لم يكن نابليون الشخص الوحيد الذى جاء الي موسكو وشاهدها تحترق، فقبله تعرضت العاصمة الروسية مرات عديدة للتخريب قبل ان تبنى وتهيأ مرة اخري.
حرق موسكو جاء الى المغول
فقد خربت وأحرقت للمرة الأولى اثناء الغزو المغولي لروسيا. وقد جاء ذلك قبل اعوام مـن تحديد موسكو عاصمة للروس. فعندما كانـت موسكو مدينة تابعة لإمارة فلاديمير (Vladimir)، حوصرت الاخيره عَامٌ 1238 جاء الى جحافل قوات المغول الذين دمروا بنفس القرن أماكن عديدة مـن الصين وأحرقوا بغداد (عَامٌ 1258).
وعلى الرغم مـن صمودهم وشنهم لهجوم مضاد، لم يتمكن أهالي موسكو مـن الصمود سوى لخمسة أيام، ومع سقوط موسكو بقبضتهم، صبّ المغول جام غضبهم عليها فأعدموا عددا كبيرا مـن السكان وأحرقوا المدينة.
وبالقرن القادم، أحرقت وخربت مرة ثانية. فعلى الرغم مـن النصر الذى حققه أمير موسكو ديمتري دونسكوي (Dmitry Donskoy) بمعركة كوليكوفو (Kulikovo) عَامٌ 1380، لم يتمكن الروس مـن بطاقة حمراء المغول وإنهاء تهديدهم لبلادهم. ومستغلا تواجد قوات دونسكوي بمواقع بعيدة، زحف خان توختمش (Khan Tokhtamysh)، المعروف أيضا بتوقتمش، على موسكو عَامٌ 1382 وضرب حصارا خانقا عليها. وبتلك الفتره، استغل توقتمش حالة الذعر فى صفـوف أهالي موسكو ليعرض عليهم التفاوض والاستسلام واعدا إياهم بالحفاظ على أرواحهم.
ومع قيام الأهالي بفتح أبواب مدينتهم لاستقبال بعثه المغول الدبلوماسية، نكث توقتمش بعهده لتباشر على إثر ذلك القوات المغولية باجتياح موسكو التى أحرقت مجددا تزامنا مع إعدام العديد مـن سكانها.
أحد خانات القرم
وخلال العام 1571، شاركت روسيا بالحرب الليفونية واضطرت بتلك الفتره لإرسال أغلب قواتها نحو البلطيق لمواجهة السويديين والبولنديين والليتوانيين.
بالتزامن مع ذلك، اتجه دولت قراي الاول (Devlet I Giray)، أحد خانات القرم، للتدخل امام الروس مستغلا انشغال قواتهم بالحرب الليفونية. وقد تقدمت قوات دولت قراي الاول نحو موسكو وعمدت لإحراق العديد مـن القرى وضواحي موسكو. وبسبب ذلك، امتدت النيران لتحرق قسما هاما مـن العاصمة الروسية. تدريجيا، تخلى دولت قراي الاول عَنْ فكرة السيطرة على الكرملين وفضّل الانسحاب خوفا مـن عودة القوات الروسية مـن الجبهة لمهاجمته.
بالفترة التالية، عرض دولت قراي الاول على العثمانيين تحالفا لمواجهة روسيا واحتلال موسكو. الي ذلك، عرفت هذه الخطط فشلا ذريعا بعد معركة مولودي قرب موسكو عَامٌ 1572 حيـث تكبد العثمانيون وحلفاؤهم خسائر جسيمة أجرتهم على العودة أدراجهم.
لوحة تجسد فلاديسلاف فاسا
فلاديسلاف فاسا
ومطلع القرن السابع عشر، عاشت روسيا على وقع اضطرابات سياسية سرعان ما تسببت فى انقسام الجيش وتفشي المجاعة. مستغلين هذا الوضع، اتجهت العديد مـن القوى الأجنبية للتدخل بالأراضي الروسية. وبتلك الفتره، مثّل التدخل الكومنولث البولندي الليتواني أكثر التدخلات العسكرية نجاعة. وعقب خسارة القيصر فاسيلي الرابع (Vasily IV) وعزله مـن الحكـم عَامٌ 1610، منح النبلاء الروس عرش البلاد للأمير البولندي فلاديسلاف فاسا (Vladislav Vasa) الذى دخلت قواته موسكو دون مقاومة بعد تقديمه لوعود بعدم ضـم روسيا للكومنولث والحفاظ على سلطة الكنيسة الأرثوذكسية.
ثم نكث البولنديون لاحقا، بوعودهم واتجهوا لإضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية متسببين فى حالة مـن الغضب بين الروس الذين تمردوا وحاصروا الحامية البولندية بالكرملين مجبرينها على الإستسلام عَامٌ 1612. وعلى الرغم مـن تحرير موسكو، تواصلت المعارك بين الروس والبولنديين لسنوات قبل ان يتخلى فلاديسلاف فاسا عَنْ عرش روسيا عَامٌ 1634.