مع نهاية الحرب العالميه الثانية، عاش العالم على وقع بداية الحرب الباردة التى وضعت حلفاء الأمس وجها لوجه. ومع اندلاع هذا النزاع غير المعلن بين واشنطن وموسكو، انقسمت أوروبا لمعسكرين شرقي، ضـم حلفاء الاتحاد السوفيتي، وغربي تواجد به حلفاء الولايات المتحدة الأميركية.
وقد امتد هذا النزاع بالسنوات التالية ليشمل العديد مـن الدول الاخرى. وفي خضمه، لم يتردد كلا المعسكرين فى الاعتماد على الجواسيس للحصول على البيانات حول بَرَامِجُ التسلح والتوجهات السِّيَاسِيَّةُ للطرف الآخر.
وخلال الخمسينيات، اهتزت أستراليا على وقع حادثة الجواسيس بيتروف (Petrov). فعقب انشقاق عَدَّدَ مـن العملاء، ذهل الأستراليون عند سماعهم لخبر وجود مجموعه تجسس سوفيتية على أراضيهم.
انشقاق وتجسس
على الرغم مـن رتبته الدبلوماسية، كان فلاديمير بيتروف (Vladimir Petrov) كولونيلا بلجنة أمن الدولة السوفيتية. وفي المقابل، كانـت زوجته إفدوكيا بيتروفا (Evdokia Petrova) موظفة مـن موظفي وزارة الامور الداخلية السوفيتية.
وخلال العام 1951، وقع اختيار المسؤول الأمني السوفيتي لافرينتي بيريا (Lavrentiy Beria) على هذين الزوجين للقيام بمهام تجسسية بأستراليا. وانطلاقا مـن ذلك، أرسل فلاديمير وزوجته للعمل بسفارة موسكو بالعاصمة الأسترالية كانبيرا.
مع وفاة ستالين عَامٌ 1953 وإعدام لافرينتي بيريا جاء الى المسؤولين الجدد، تخوف فلاديمير بيتروف مـن فكرة عودته للأراضي السوفيتية حيـث آمن الأخير بإمكانية اعتقاله وإعدامه باعتباره أحد رجال بيريا.
امام هذا الوضع، اتصل فلاديمير بيتروف بالمخابرات الأسترالية عارضا عليهم خدماته مقابل الحصول على اللجوء السياسي. وانطلاقا مـن ذلك، وافق المسؤولون بالمخابرات الأسترالية على طلب بيتروف وأكدوا على استعدادهم لمنحه اللجوء ومكافأة مالية بقيمة 5 آلاف جنيه استرليني فى حال قيامه بجلب وثائق استخباراتية مـن السفارة السوفيتية بكانبيرا.
وفي الأثناء، اطلقت المخابرات الأسترالية العنان لعملية كابين 12 (Cabin 12) التى كان الهدف منها وضح مجموعه التجسس السوفيتية بأستراليا.
خطف زوجة الجاسوس المنشق
الي ذلك، تصرف فلاديمير بيتروف بشكل منفرد دون ان يخبر زوجته بنواياه. وفي الأثناء، روّجت وزارة الامور الداخلية السوفيتية، التى كانـت على علم بانشقاق فلاديمير بيتروف، معلومات خاطئة حول خطف أحد دبلوماسييها بأستراليا. ولهذا السبب، أرسل الاتحاد السوفيتي عنصرين مـن جهاز المخابرات نحو كانبيرا لمرافقة إفدوكيا بيتروفا، زوجة فلاديمير، واصطحابها لموسكو.
صورة لرئيس وزراء أستراليا روبرت منزيس
اثناء رحلة العودة مـن كانبيرا نحو موسكو، تلقت مضيفة الطيران اتصالا مـن رئيس الوزراء الأسترالي روبرت منزيس (Robert Menzies) الذى طالبها بالاقتراب مـن إفدوكيا للاستفسار عَنْ مدى رغبتها بالعودة لموسكو. وعند سؤالها، ترددت إفدوكيا، التى كانـت ملامح الخوف واضحة على وجهها، دون ان ترصد إجابة واضحة.
مع توقف الطائرة للتزود بالوقود بمطار داوين، بأستراليا، اثناء ساعات الصباح الأولى مـن يـوم 20 نيسان/أبريل 1954، استولى رجال الأمن الأستراليون على الطائرة واقتادوا إفدوكيا نحو مكان آمن عارضين عليها اللجوء السياسي. وبالتزامن مع ذلك، اعتقل رجلا المخابرات السوفيتية اللذان عثر بحوزتهما على مسدسات.
بتلك الفتره، أثارت قصة إفدوكيا موجة مـن الغضب بأستراليا تزامنا مع تناقل وسائل الإعلام العالميه صور هذه المرأة، التى كانـت ملامح الذعر بادية على وجهها، اثناء اصطحابها نحو الطائرة التى كانـت ستقلها نحو موسكو. وبالخمسينيات، تحولت هذه الصور لرمز مـن رموز معاداة الشيوعية بأستراليا.
بأستراليا، أثارت حادثة الزوجين بيتروف أزمة سياسية تزامنا مع تكليف لجنة متخصصة بمهمة التحقيق فى حقيقة تجسس موسكو على كانبيرا.
وعلى الصعيد الدولى، تعكرت العلاقات الدبلوماسية السوفييتية الأسترالية تزامنا مع بطاقة حمراء الدبلوماسيين الأستراليين مـن موسكو. وقد انتظر الجميع أواخر الخمسينيات لتعود العلاقات لطبيعتها بين البلدين.