اثناء خمسينات القرن الماضي، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية للتدخل بحرب فيتنام عَنْ طريق دعـم فيتنام الجنوبية التى كانـت حليفة للكتلة الغربية.
بادئ الامر، اقتصر التدخل الأميركي على إرسال العتاد العسكري والخبراء العسكريين قبل ان يتطور بينما بعد لتدخل مباشرة عَنْ طريق إرسال مئات الآلاف مـن القوات نحو ساحات المعارك. وخلال أبريل 1969، قدّر عَدَّدَ الجنود الأميركيين المتواجدين على الأراضي الفيتنامية بأكثر مـن نصف مليون عسكري اضطروا حينها لمواجهة قوات الفيت كونغ (Viet Cong) التى تميزت بخبرتها فى حرب العصابات والاختباء بالغابات.
جانب مـن القاعات دَاخِلٌ أحد الخنادق
وأثناء المعارك، استعانت قوات الفيت كونغ وفيتنام الشمالية بما عرف بأنفاق كو شي (Cu Chi) لشن الهجمات والاختفاء متسببين بذلك فى صعود الخسائر البشرية الأميركية.
نشأة أنفاق كو شي
الي ذلك، باشرت القوات الشيوعية بحفر هذه الأنفاق منذ الأربعينات، اثناء حرب الاستقلال، امام السلطات الفرنسية التى هيمنت بتلك الفتره على مستعمرة الهند الصينية. بادئ الامر، أقدم المقاومون الفيتناميون على حفر هذه الأنفاق اعتماداً على أدوات بدائية وبسيطة. فضلاً عَنْ ذلك، امتدت هذه الأنفاق لمسافات قصيرة كانـت كافية لمساعدتهم على الاختباء والاحتماء مـن القصف الفرنسي.
مطبخ بأحد خنادق كو شي
ومع دخول الأميركيين بحرب فيتنام، لم تتردد قوات الفيت كونغ، وقوات فيتنام الشمالية، فى توسيع هذه الأنفاق التى امتدت على مسافة قدرت بحوالي 250 كلم ما بين مناطق سايغون (Saigon) والحدود الفيتنامية الكمبودية.
عَدَّدَ مـن جنود الفيت كونغ
مـن جهة ثانية، اعتمدت الولايات المتحدة مع دخولها الحرب على عمليات القصف المكثفة لتكبيد الفيت كونغ والفيتناميين الشماليين خسائر فادحة. فى الأثناء، اثبت هذه الاستراتيجية الأميركية فشلها. فمع بداية القصف، لم يتردد الفيتناميون فى الاختفاء دَاخِلٌ هذه الأنفاق. وبعدد مـن المناطق التى شهدت قصفاً مكثفاً، قضى الفيتناميون فترات طويلة مـن حياتهم بهذه الأنفاق التى تحولت فى وقت ما لنوع مـن المدن تحت الأرض حيـث احتوت هذه الأنفاق، بعد توسيعها، على مطابخ ومستودعات أسلحة وغرف نوم وحمامات وقاعات للترفيه ومستشفيات خصصت لعلاج الجرحى والمرضى.
معاناة الأميركيين مع الأنفاق
إضافة لتصنيفها كملاجئ تحت الأرض لحمايتهم مـن القصف، اعتمدت قوات الفيت كونغ، وحلفائها الشماليين، على هذه الخنادق لشن الهجمات الخاطفة على القوات الأميركية التى مرت بالمنطقة. وبالقرب مـن الأنفاق، نصب الفيت كونغ فخاخاً للأميركيين كَمَا عمدوا لملء المنطقة بالحيوانات القاتلة والسامة، كالأفاعي، لإعاقة ترصد الجنود الأميركيين وحلفائهم الجنوبيين. وأملاً فى وضع حد لهذه الأنفاق، اتجهت القوات الأميركية لتدريب فرق فيتنامية جنوبية صغيرة، لقب أفرادها بفئران الأنفاق، لتأمين المناطق المحيطة بالأنفاق ومداخلها.
جنود أميركيون اثناء عملية تمشيط بحرب فيتنام
وخلال يناير 1966، قاد نحو 8 آلاف جندي أميركي وأسترالي عملية عسكرية واسعة للقضاء على هذه الأنفاق. فبعد عمليات قصف مكثفة شنتها طائرات بي 52، حاول هؤلاء الجنود تمشيط المناطق القريبة مـن سايغون بحثاً عَنْ قوات الفيت كونغ التى تمكنت مـن الاختباء بالوقت المناسب دَاخِلٌ هذه الأنفاق. وبعدها بعام واحد، شن نحو 30 ألف عسكري أميركي عملية عسكرية أخرى عند منطقه بنه ديونغ (Binh Duong) شمال سايغون بعد سماعهم بوجود مجموعه أنفاق بهذا المكان. وبهذه العملية، استعان الأميركيون بالجرافات والدبابات أملاً فى إسقاط الأنفاق وردمها.
جنود أميركيون بحرب فيتنام
ومع سماعهم بهذه العملية العسكرية، غادر جنود الفيت كونغ المنطقة بشكل سريع قبل ان يعودوا مجدداً اليها بداية عَامٌ 1968 لاستخدام الأنفاق التى ضلت صامدة بها اثناء هجـوم “رأس الحربة” تيت (Tet).