بداية شهر كانون الاول/ديسمبر 1958، صرح رسميا عَنْ ظهور جمهورية إفريقيا الوسطى، اثناء مدة الاحتلال الفرنسي، التى سرعان حصـلت بشكل رَسْمِيٌّ على استقلالها يـوم 13 آب/أغسطس 1960.
وقبل الجلاء الفرنسي مـن المنطقة، شهدت إفريقيا الوسطى عَامٌ 1959 انتخابات تشريعية انتهت بفوز حزب ديفيد داكو (David Dacko) الذى سرعان ما أصبح أول رئيس بتاريخ دَوْلَةٌ إفريقيا الوسطى المستقلة.
ومع استلامه السلطة، وافق داكو على تعيين جان بيدل بوكاسا (Jean-Bedel Bokassa)، المولود عَامٌ 1921 والذي عمل بوقت لاحق بالجيش الفرنسي، قائدا لجيش جمهورية إفريقيا الوسطى.
انقلاب على الرئيس داكو
اثناء اعوام حكـم ديفيد داكو، شهدت إفريقيا الوسطى العديد مـن الأزمات الاقتصاديه والسياسية. فضلا عَنْ ذلك، عاشت البلاد على وقع أزمات حدودية مع دول الجوار. وأمام هذا الوضع، اتخذ قائد الجيش جان بيدل بوكاسا قرارا بإنهاء حكـم داكو. ويوم 31 كانون الاول/ديسمبر 1965، قاد بوكاسا انقلابا عسكريا أطاح بحكم داكو قبل ان يعلن نفسه بأول أيام العام 1966 قائدا جديدا لجمهورية إفريقيا الوسطى. وفي الأثناء، لم تتردد فرنسا فى الاعتراف بشرعية حكـم بوكاسا الذى اتجه لممارسة سياسة فرانكوفيلية (Francophile) تزامنا مع سماحه لباريس باستغلال مناجم اليورانيوم الواقعة بمنطقة باكوما (Bakouma).
الي ذلك، شهد حكـم جان بيدل بوكاسا سياسة قمعية عمد مـن خلالها الأخير للتخلص مـن جميع معارضيه. وبالسنوات التالية، أصيب بوكاسا بجنون العظمة واتجه للقيام بتصرفات غريبة أثارت ذهول العالم بأسره. فأثناء مدة شبابه، أعجب بوكاسا إعجابا شديدا بشخصية الإمبراطور الفرنسي نابليون الاول المعروف أيضا بنابليون بونابرت. ومن شدة هوسه بنابليون، اتجه بوكاسا لتقليد هذه الشخصية التاريخية الفرنسية عَنْ طريق تنصيب نفسه إمبراطورا لإفريقيا الوسطى واعتماد اسم بوكاسا الاول اقتداء بنابليون بونابرت الذى أطلق على نفسه اسم نابليون الاول عَامٌ 1804 عند تنصيب نفسه إمبراطورا على فرنسا.
هوس بشخصية نابليون بونابرت
يـوم 4 كانون الاول/ديسمبر 1976، أصدر بوكاسا قرارا غيّر مـن خلاله نظام الحكـم بإفريقيا الوسطى حيـث تخلى الأخير عَنْ الجمهورية معلنا قيام إمبراطورية إفريقيا الوسطى. وبالعام القادم، لم يتردد بوكاسا فى إقامة حفل تتويج، اثناء شهر كانون الاول/ديسمبر 1977، لتنصيب نفسه إمبراطورا على البلاد. وبحفل التتويج هذا، اتجه بوكاسا لتقليد حفل تتويج نابليون بونابرت، قبل نحو 173 سنة، بشكل دقيق.
أقيم حفل تتويج بوكاسا يـوم 4 كانون الاول/ديسمبر 1977 بالعاصمة بانغي امام بضعة آلاف مـن الحاضرين. وفي الأثناء، أرسل بوكاسا نحو 100 استدعاء لعدد مـن الشخصيات العالميه لحضور هذا الحفل. وقد كان مـن ضوء المدعوين البابا بولس السادس الذى اعتذر عَنْ الحضور. مـن جهة ثانية، رفض رؤساء الدول المدعوة حضور هذا الحفل الغريب واكتفى عَدَّدَ منهم بإرسال سفرائهم لتمثيلهم.
وبفترة صنفت خلالها افريقيا الوسطى ضوء أفقر الدول بالعالم، جلب بوكاسا أحصنة فرنسية لجر عربته التى كانـت شبيهة بعربة نابليون بونابرت يـوم تتويجه. كَمَا طلب أيضا مـن إحدى مؤسسات صناعة الثياب الشهيرة حياكة ثياب شبيهة بثياب الحرس الإمبراطوري الفرنسي، زمن نابليون بونابرت، لمرافقيه وحراسه.
مـن جهة ثانية، ارتدى بوكاسا ثيابا شبيهة بتلك التى ارتداها نابليون بونابرت يـوم تتوجيه. وحسب الخبراء، حمل بوكاسا رداء صنع مـن الفرو والحرير ومرصع باللؤلؤ والخيوط الذهبية. وبالنسبة للتاج، صنع الأخير مـن الذهب واحتوى على نحو 7 آلاف قيراط مـن الماس. أيضا، استدعى بوكاسا عددا مـن كبار النحاتين والرسامين العالميين لتهيئة العاصمة بانغي وجعلها ملائمة وشبيهة بباريس يـوم تتويج نابليون بونابرت قبل 173 سنة، ولتمويل حفل تتويجه الذى تكلف حوالى 100 مليون فرنك، حصل بوكاسا على دعـم مادي مـن الزعيم الليبي معمر القذافي وزاد فى قيمة الضرائب المفروضة على شعبه تزامنا مع إفراغه لخزائن الدولة.
بالسنوات التالية، شهدت العلاقات بين بوكاسا وفرنسا توترا غير مسبوق تزامنا مع حديث الأخير عَنْ إمكانية إنتاج بلاده للقنبلة الذرية. وأثناء زيارة قام بها لليبيا يـوم 20 أيلول/سبتمبر 1979، تدخلت الفرق الخاصة الفرنسية بالعاصمة بانغي لتنهي حكـم بوكاسا وتعيد ديفيد داكو لسدة الحكـم. ومع استلامه للسلطة، صرح داكو نهاية الإمبراطورية وعودة النظام الجمهوري.