لم يكن بعيدًا عما يدور حوله فى بلاده فقد كان هو وجيله فنانون لديهم وعي وطني، وانفعل سيد درويش فنان الجمهور بثورة شعبه عَامٌ 1919، فأوحت له تلك الثورة بألحان وطنية ثورية عاونت علي ايقاظ روح المقاومة الشعبية امام الاستعمار البريطاني وضد الرأسمالية الأجنبية التى كانـت تسعي دائما الي تحطيم القوي الوطنيه ، وبالتالي كان اهم أهدافها إضعاف القوي العسكرية للجيش .
ومن الأناشيد والألحان الوطنيه التى لحنها فنان الجمهور: (دقوا الطبول) كلمات عبد الحليم دولار، (يا ناس بلادي ماانسهاشي) كلمات بديع خيري، (قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك) كلمات بديع خيري، (يا مصر يحميكي لأهلك ) كلمات بديع خيري، (أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا) كلمات محمود بيرم التونسي، (أنا المصرى كريم العنصرين ) كلمات بيرم التونسي ، وغيرها مـن الألحان التى جاء عددها لأكثر مـن 22 لحنا.
وتؤكد المصادر الموثقة ان سيد درويش ولد فى 17 مارس عَامٌ 1892، مـن أبوين فقيرين مـن عامة الجمهور المطحون فى عهد الخديوي عباس حلمي الثانى، اى بعد انقضاء عشر اعوام علي الاحتلال البريطاني للأراضي المصرية، بينما مصر يومئذ تابعة للخلافة العثمانية .
الحقه والده بكتاب ” سيدي احمد الخياش ” وتلقي فيه اثناء عامين ما مكنه مـن حفظ القرىن الكريم ثم انتقل الي مدرسة ” حسن حلاوة ” ، وكان بالمدرسة مدرس مغرم بالغناء، بينما هواياته تلقين هذه الغنائيات لطلبته فى المدرسة ، فكان سيد درويش أشد الطلبة إقبالا علي حفظ واستيعاب تلك الأنغام، وظهرت موهبته الغنائية بما يتفق ويتجاوب مع هذه الهويه التى اكتشفها المدرس، فأحاطه برعايته بل ورشحه لأن يكون رئيسا لفرقته، وعهد إليه بتدريب الطلبة علي الغناء، وكان مـن أثر ذلك ان شاعت فى نفس سيد درويش ثقته بنفسه، انتقل بعد ذلك إلي مدرسة شمس المدارس بحي راس التين وشاءت المصادفة ان أحد مدرسيها يعمل ليلا بفرقة الشيخ سلامة حجازي، ويحفظ قصائده فكان يلقنها لتلاميذه، واستطاع ان يكتشف موهبة سيد درويش مـن بينهم، فقربه اليه وتعهده بالرعاية الفنية ولقنه مجموعه مـن الأناشيد والسلامات ثم الالحان وقصائد الشيخ سلامة حجازي وهكذا كان الحظ حليفا لسيد درويش .
وفي عَامٌ 1905 إلتحق سيد درويش بالمعهد الديني بمسجد إبي العباس بالإسكندرية ، ثم انتقل إلي مسجد الشوربجي ليستكمل دراسته بالسنة الثانية حيـث استكمل حفظ القرآن الكريم وجوده ، وتفوق علي أقرانه باسلوبه المتميز فى تلاوة القرآن الكريم، وظل سيد درويش يؤذن للصلاة فى هذا المسجد طيلة ذلك العام الدراسى ، ذاعت شهرته بين مشايخ المعهد وطلبته واكتسب ودهم وصداقتهم .
سيد درويش
وفي عَامٌ 1907 مات أبوه الحاج درويش البحر تاركا اسرة ليس لها موارد مالية تتعيش منها، وليس لها عائل إلا الابن الوحيد سيد درويش فتحمل مسئولية أمه وشقيقاته، ففتح حانوتا للعطارة كان مكسبه قليلا، وذات يـوم جمعة أغلق حانوته وذهب ليؤدي صلاة الجمعة فى جامع إبي العباس، فطلب منه شيخ المسجد ان يقرأ سورة الكهف لتغيب المقرئ فاحسن سيد درويش وأجاد التلاوة ، ومنذ ذلك الوقت بدأت الخطوات الأولي لشهرته كمقرئ .
اضطرته ظروفه العائلية الي العمل كمغني يؤدي الحان الشيخ سلامة حجازي فى فرقة ” جورج دخول ” بينما تسمي بفرقة ” كامل الأصلي ” ولم يستمر عمله طويلا لأن الظروف قضت بحل الفرقة ، وكان التحاقه بهذه الفرقة سببا أساسيا فى فصله مـن المعهد الديني ، ولما اضطرته ظروف الحياة الملحة ان يعمل مناولا لعمال البناء ، كان يسعي فى عمله ان يعبر عَنْ آلامه وأحزانه بغناء بعض الألحان الفولكلورية التى كانـت شائعة بين الأوساط الشعبية فى ذلك الحين، ولاحظ المقاول زيادة الإنتاج ورغبة صادقة مـن عمال البناء فى اقبالهم علي العمل كلما انطلق صوت سيد درويش بالغناء ، مما دفع المقاول الي اختيار سيد درويش ملاحظا للعمال علي ان يكتفي منه بالغناء لهم اثناء العمل .
سيد درويش المجدد العبقري
منذ تلك اللحظة صار سيد درويش مطربا لأول فرقة عمالية مـن زملائه عمال البناء وأثناء اندماج سيد درويش فى غنائه للعمال، تشاء الأقدرا ان يستمع اليه الاخوان سليم وأمين عطا الله وهما جالسان علي مقهي مجاورة فأعجب بأدائه الغنائي وصوته وعرضا عليه اتفاقا ليعمل معهما مغنيا فى فرقتهما الجوالة التى كانـت تستعد للسفر الي الشام فلم يتردد سيد درويش فى قبول العرض .