الاخبار العربية والعالمية

مستعرب إسباني: إسرائيل شوكة فى حلق أوروبا | ثقافة سام نيوز اخبار

تزامناً مع استمرار العمليات العسكرية لقوات الاحتلال لليوم العاشر فى قطاع غزة، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” حيـث تواصل إسرائيل عملياتها التدميرية الممنهجة واستهداف المدنيين بشكل مباشر وتدمير البنية التحتية، برزت بعض الأصوات الأوروبية المناهضة لهذه الحرب، بينهم المستعرب الإسباني إغناطيوس غوتيريث بينيتا، أستاذ اللغة العربية وتاريخ العالم العربي المعاصر فى قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أوتونوما مدريد.

ويرى غوتيريث أَنَّ “القضية الفلسطينية كانـت أكثر حضورا بالمجتمعات الأوروبية فى وقت ليس بالبعيد، حيـث كان هنالك إلمام بخفايا القضية ومتابعة لمجرياتها” ويؤكد فى مقابلة مع الجزيرة نت ان “العدوان الحالي على غزة يشكل صدمة لكثير مـن الأوروبيين الذين لا يعرفون جيدا ما الذى أدى بالمنطقة الي هذا الوضع الحرج جدا الذى ينبئ بنزاع إقليمي لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبه” ويضيف “المواطن الأوروبي عموما متعاطف مع شعب غزة وما يعانيه مـن تجويع وتشريد وقصف ممنهج”.

وإليكم نص الحوار:

  • ماذا عَنْ الموقف الشعبي والرسمي الإسباني مـن القضية الفلسطينية وتحديدا ما يجري اليـوم مـن عملية عسكرية إسرائيلية فى غزة؟

هناك صراع واضح ضوء الحكومة الإسبانية بين حزبي الائتلاف، إذ إن الجناح اليساري ندد بهذا العدوان الإسرائيلي عبر وزيرة الامور الاجتماعية أيوني بيلارا التى وصفت العملية العسكرية بجريمة حرب، بينما تحفظ الجناح الاشتراكي ذو الأغلبية على مثل هذه التصريحات محاولا التمسك بموقف محايد لا يميل بصريح العبارة الي الجانب الفلسطيني ولكنه متعاطف معه ضمناً.

وكما يحدث فى مثل هذه الحالات التى يوجد فيها نوع مـن الانتقاد لحكومة إسرائيل فإنّ سفارتها انتقدت بشدة تصريحـات الوزيرة وغيرها مـن ممثلي اليسار الإسباني الذين استنكروا الحملة الإسرائيلية الشعواء على غزة وطالبوا بتطبيق الشرعية الدولية.

ويبدو انّ مثل هذه الأصوات بدأت ترتفع فى حكومات اوروبية أخرى كانـت قد انحازت انحيازا كاملا لإسرائيل ثم أحست بِانَّ الحرب اتخذت ملامح مـن العنف والتمثيل بالمدنيين تتنافى مع أسس القانون الدولى، ولكن تلك الأصوات ما زالت خجولة الي حد ما، بينما تميزت مواقف جزء مـن الحكومة الإسبانية بمواقف صارمة أثارت بلبلة كَمَا أشرت إليه سابقا بالأوساط السِّيَاسِيَّةُ.

علماً بِانَّ أحزاب اليمين شأنها شأن أغلبية الأحزاب اليمينية الأوروبية، اتخذت موقفا مؤيدا لإسرائيل بصورة قطعية، إلا أنه مـن المحتمل ان تضطر جهات سياسية اوروبية متعددة للتخلي عَنْ الدعـم المطلق لإسرائيل عندما يؤدي عدوانها لإلحاق خسائر بالمدنيين فى غزة ومعاناة لا يمكن التغاضي عنها.

أَمَّا المجتمع الإسباني -المعروف عنه تاريخيا ميله الإنساني للقضية الفلسطينية العادلة- فإنه تأثر أيضا بالاستقطاب السياسي، وأصبحت هناك أصوات كثيرة تعلن دعمها الصريح للطروحات الإسرائيلية، ولا شك انّ تداعيات عملية حماس وما روجته وسائل الإعلام عَنْ قتل المدنيين واختطافهم له تأثير فى هذا الامر، إلا ان الجمهور الإسباني ملم الي حد ما بسوابق الاحتلال فى فلسطين، وسيكون لتطور الاحداث على الأرض وقع كثير على اتجاهات الرَّأْي العام فى المستقبل القريب سواء فى إسبانيا أو سائر الدول الأوروبية.

  • هل تؤيد موقف وزيرة الحقوق الاجتماعية بأن ما تقوم به إسرائيل فى غزة يمكن اعتباره “جريمة حرب جماعية مبرمجة”؟

نعم، اعتقد ان الوزيرة عبرت عَنْ إحساس يشاركها إياه جزء مـن الرَّأْي العام الإسباني، المشكلة انّ “الصدمة” الناجمة عَنْ عمليات حماس ونجاح الآلة الإعلامية الغربية، التابعة فى العموم للمصالح الإسرائيلية، فى الربط بين تلك العمليات وتصوير مقاومته المشروعة بالإرهاب، هو أمر يمنع التعاطي مع الامر الواقع بقدر اقل مـن الموضوعية والحصافة، ونعرف جيدا انّ الجهات والأفراد الموالين لإسرائيل يعرفون كيف يستفيدون دائما مـن مثل هذه الْأَوْضَاعُ المحتقنة والمبهمة.

وعلى العموم، عبرت الوزيرة عَنْ موقف يؤيدها فيه اليسار بشكل عَامٌ وهو مبني على احترام القانون الدولى وعدم المساس بالمدنيين، وما أغاظها أيضا موقف الاتحاد الأوروبي الداعم دون اى تردد للحملة العسكرية الإسرائيلية لاسيما تصريحـات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والتي اعلنت إنَّ إسرائيل يحق لها الدفـاع عَنْ نفسها دون التلميح الي الشرعية الدولية وضرورة مراعاة حقوق المدنيين. كَمَا امتنعت عَنْ التنديد بقرار تل أبيب توجيه انذار نهائى للمدنيين فى غزة مـن اجل التوجه الي الجنوب، وهو إعلان قد يرتقي الي جريمة حرب، واضطر ممثلو السياسة الخارجية بالاتحاد لاحقا الي تأكيد ان إسرائيل لها الحق فى الدفـاع عَنْ نفسها، ولكن بالاستناد لقوانين الحرب الخاصة بالمدنيين، وهو تعديل يصب الي حد ما فى صالح موقف بيلارا التى أثارت بتعبير “جرائم امام الإنسانية” جدلا كبيرا فى أوساط “أصدقاء” إسرائيل.

  • برأيكم هل يوافق الجمهور الإسباني والغربي على سياسات الحكومات الداعمة لإسرائيل؟ وما أمنياتهم للقضية الفلسطينية؟

اعتقد انّ القضية الفلسطينية كانـت أكثر حضورا بالمجتمعات الأوروبية فى وقت ليس بالبعيد، حيـث كان هنالك إلمام بخفايا القضية ومتابعة لمجرياتها، غير انّ هذه القضية تراجعت أهميتها ومكانتها السنوات الاخيره، كيفما حدث فى العالم العربي نفسه الذى بدا وكأن معظم سياسييه وجزءا مـن المواطنين سئموا منها أو ظنوها دخلت مرحلة جديدة تخدم مصالح السلام وفقا لمعايير العملية الدبلوماسية، كَمَا تعدها إسرائيل وتراها مناسبة لمفهومها الخاص لـ”السلام” وأعتقد انّ العدوان الحالي على غزة يشكل صدمة لكثير مـن المواطنين الأوروبيين الذين لا يعرفون جيدا ما الذى أدى بالمنطقة لهذا الوضع الحرج جدا الذى ينبئ بنزاع إقليمي لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبه.

وأظن انّ المواطن الأوروبي عموما متعاطف مع شعب غزة وما يعانيه مـن تجويع وتشريد وقصف ممنهج، ولكنه فى المقابل “ابتلع” الدعاية الموالية لإسرائيل التى تحاول اختزال المسألة فى صراع حضاري بين الخير -الممثل لقيم الغرب، اى الحداثة والمساواة والرقي الحضاري والديمقراطية وما الي ذلك- والشر المجسد هنا فى “همجية” حركات إسلامية تعادي الدولة الإسرائيلية “المتحضرة” لمجرد أنها تمثل قيما إنسانية سامية، بدون الأخذ بعين الاعتبار بالخلفية التاريخية للقضية ودلالاتها الأيديولوجية.

ولذا، فإنّ الرَّأْي العام فى معظم الدول الأوروبية يؤمن بأحقية إسرائيل فى تصفية حماس وأمثالها لأنّ الإعلام الغربي ومعه حكومات عدة أفلحوا فى جعله يعتقد انّ المسألة تنحصر فى حرب دؤوب امام الإرهاب، لاسيما بعد التشديد الاعلامي على انّ عددا مـن القتلى والمخطوفين فى عملية حماس مـن المواطنين الأوروبيين حاملي الجنسية المزدوجة، ورأينا اخبار صحافية لا تحصى تحدثنا عَنْ أحوالهم، وهذا ما دفع المواطن الغربي العادي للتعاطف معهم ومع إسرائيل التى كانوا موجودين لديها.

  • هل يوجد تيار محدد بأوروبا يتعاطف مع الصهيونية؟

نعم، هناك تيار قوي جدا ينحاز بدون اى لبس لصالح إسرائيل، عِلما بأَنَّ الجالية اليهودية ذات نفوذ واسع فى عدة دول اوروبية، أضف الي ذلك مساعي الولايات المتحدة نحو تقريب الدول الأوروبية الي المواقف الرسمية الإسرائيلية، كَمَا انَّ هناك محاولة لإدماج دَوْلَةٌ إسرائيل فى المنظومة الثقافية الأوروبية سواءً عَنْ طريق إشراكها فى الاسطورة الجديد رياضية ضوء أوروبا، وهو أمر غريب لأنّ إسرائيل ليست واقعة فى هذه القارة، على خلاف تركيا مثلا التى تقع أجزاء منها على الأراضي الأوروبية المعترف بها جغرافيا، بينما تم ضمها الي مهرجانات قارية مثل “يوروفزيون” الغنائي وعدد كثير مـن الفعاليات الثقافية والتربوية والاجتماعية التى أدت بمواطنين كثيرين الي الاعتقاد بأَنَّ إسرائيل جزء لا يتجزأ مـن أوروبا.

وطبعا هذا الواقع المستحدث جاء نتيجه لإستراتيجية مدروسة بعناية حاولت منذ عقود طويلة التطابق بين إسرائيل والمفهوم الأوروبي لماهية المؤسسات والبناء الاجتماعي والانتماء الشعبي. والجاليات اليهودية، علاوة على أنها تتمتع بإمكانيات مادية كبيرة، تلقى الدعـم مـن مؤسسات خارجية تساندها فى مساعيها الرامية الي التأثير الفعلي فى قرارات الحكومات الأوروبية وبناء صورة اعلامية لصالح نظام تل أبيب.

وثمة عامل آخر ساهم فى تقوية شوكة النفوذ الإسرائيلي فى أوروبا هو صعود تيارات يمينية توالي المشروع الصهيوني (وبصراحة مفرطة فى بعض الأحيان) وتعتقد انّ إسرائيل صمام أمان فى وجه الخطر الرئيسي الذى يحدق بأوروبا فى نظرهم ألا وهو “الإسلام” لدرجة أننا شهدنا تحالفا غريبا بين تلك الحكومات والنظام اليميني المتطرف المسيطر حاليا على مقاليد السلطة فى تل أبيب، ونشدد على عنصر الغرابة لأنّ هذه الحكومات المتعاطفة مع إسرائيل تضم تيارات واتجاهات وميولا لم تعدّ تنظر بعين الرضى أو التسامح لتجارب تسلطية سابقة بأوروبا مثل الأنظمة الفاشتية التى كانـت تكن العداء لليهود الأوروبيين، ولكن للسياسة أحكام!

  • تقول إن “إسرائيل ما زالت شوكة جاثمة فى حلق أوروبا” كيف ذلك؟

اجل، التعبير معناه انّ أوروبا تعرف جيدا انّ نشوء دَوْلَةٌ إسرائيل وترسيخ المشروع الصهيوني الاستيطاني صنيعتها، ولا ينبغي ان نتناسى انّ دُعاة الصهيونية الأوائل فى القرن الـ 19 هم مـن اليهود المتنفذين الأوروبيين، المرتبطين فى الغالب بعلاقات وطيدة والنخبة “المسيحية” الأوروبية، وبالفعل نشأت هذه الدولة الاستيطانية بأساليب وسلوكيات لا تبتعد كثيرا عما طبقتها الدول الأوروبية الرئيسية كبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وغيرها فى ارجاء متفرقة مـن المعمورة حيـث حولتها الي مستعمرات اوروبية، وأنا على يقين بأَنَّ شرائح واسعة فى النخبة السِّيَاسِيَّةُ والثقافية والاجتماعية الأوروبية مستاءة مـن عَدَّدَ مـن التصرفات الإسرائيلية امام المواطنين الفلسطينيين، ولكن هنالك عقدة نقص تمنعهم مـن المجاهرة بمثل هذه المشاعر، وما بالكم بألمانيا حيـث ما زالت أحاسيس الخزي والعار والذنب تجاه ما أنزل باليهود مـن مجازر وإبادة جماعية على أيدي النازيين تحول دون اتخاذ موقف متزن إزاء القضية الفلسطينية.

ولذلك ليس مـن المستغرب ان تكون سلطات ألمانيا مـن أكثر الدول الأوروبية اليـوم تأييداً لحملة إسرائيل على غزة العزلى، ولكني أرجح ان يخف هذه التأييد إذا استمرت الوحشية الإسرائيلية وهو استمرار مرشح لأن يكون كَمَا هو أو أسوأ مع مرور الأيام واشتداد الهجمات والقصف، خصوصا إذا انتبهنا الي ان مـن يحكم إسرائيل طبقة سياسية متطرفة أعلنت مرارا ان خير وسيلة للتعامل مع الفلسطينيين هى الحرب والإقصاء والإسكات بالقوة. ولذلك فإنّ النخب الأوروبية تميل الي إسرائيل ولكنها لا تتحمل فى الوقت نفسه الهمجية التى يتصف بها عَدَّدَ مـن ممثليها، ولذلك فإننا نرى نوعاً مـن التناقض، وبالطبع ستشعر هذه النخب بالراحة والطمأنينة إذا حكمت إسرائيل تيارات أيديولوجية أكثر “حداثة” تمارس المنهج المعهود مـن استيطان وتهميش الفلسطينيين وتقزيم دول الجوار ولكن بطرق أخرى أقل إثارة للفضائح.

  • هل المبررات التى تقدمها أوروبا والولايات المتحدة للدفاع عَنْ إسرائيل معقولة برأيكم؟

لا أظن ذلك بل أراها متناقضة فى حد ذاتها، المشكلة انّ الإعلام الغربي والرواية السائدة هنا دائما ما ترصد الفلسطينيين على أنهم مـن بدأ بالعدوان، مما نتج عنه الاعتقاد بأن إسرائيل تكتفي بالدفاع عَنْ نفسها. فنادرا ما تتحدث وسائل الإعلام هنا عَنْ اعتداءات المستوطنين الذين يمارسون أفعالا شنيعة امام السكان المدنيين فى فلسطين. ويجهل الرَّأْي العام هنا حقيقة الاستعمار المستمر فى أراضي فلسطين المحتلة ومنع ابناء الأرض مـن حق العودة، وحتى التمييز الذى يقاسيه فلسطينيو 1948 أو مـن يسمونهم “عرب إسرائيل” ولا يعرفون شيئا عَنْ مصادرة الأراضي وإتلاف المزارع والحقوق والتهجير القسري بغية إنشاء مستوطنات جديدة، والقائمة تطول، ولذا فإنّ كلما نشبت نزاعات مسلحة فى المنطقة يميل المواطن العادي الي الاعتقاد بأَنَّ الفلسطينيين هم مـن “صنع” المشكلة بدون الالتفات الي الخلفيات والسوابق.

  • هناك مـن يطلق على إسرائيل “دَوْلَةٌ حداثية وديمقراطية”؟

هذه النقطة تعود بنا الي سؤال لاحق، هو العلاقة بين الغرب وإسرائيل مـن الناحية الفكرية والمؤسساتية، فالتيارات الموالية لإسرائيل تتشدق بقيم الحداثة وكونها كيانا ديمقراطيا بامتياز، ولكن هنالك عوامل عدة تمنعنا مـن الخلوص الي مثل هذا القول إذا طبقنا معايير النظام الديمقراطي بطريقة جدية موضوعية. مثلا، مـن مواصفات الديمقراطية المساواة بين جميع المواطنين وهذا ما لا نراه فى إسرائيل حيـث يمنع العرب مـن حقوق وواجبات تعطى لليهود كاقتناء بعض الأراضي ولم الشمل والخدمة فى الجيش وغيرها، وهي استثناءات ترفضها الأنظمة الديمقراطية الغربية التى لا تميز بين الناس، قانونيا وشرعيا، على أساس العرق والدين والجنس، ولن تجد قانونا فى إسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا يمنع مواطنا مـن امتلاك شيء ما لكونه تابعا لدين معين، كَمَا لن ترى قيودا على أصحاب هذا العرق أو ذاك للانتساب الي القوات المسلحة.

وبيت القصيد الذى يفصل فصلا قاطعا بين المفهوم الديمقراطي الأوروبي وما يمارسه النظام الإسرائيلي الصهيوني هو دور الدين، فالدول الأوروبية علمانية بالمفهوم القانوني واللغوي والاجتماعي للكلمة، بينما إسرائيل دَوْلَةٌ تستند الي قوائم دينية حيـث يتمتع أتباع ديانة محددة بحقوق لا تمنح للغير.

اما تصرفات نظام تل أبيب المستمرة مع سكان الأراضي المحتلة فحدث ولا حرج، ليس هناك دَوْلَةٌ تطلق على نفسها صفة الديمقراطية تسمح بمثل هذه التجاوزات، بدءا باليد الطولى الممنوحة للجيش لكي يفعل ما يشاء فى الأراضي المحتلة، بما فيها القتل العشوائي والتعذيب والاعتقال الإداري غير المعترف به دوليا وحبس القاصرين وخطف أفراد المقاومة والمدنيين على حد سواء ونقلهم الي أماكن مجهولة دون الإفصاح عَنْ موقعهم. هذه الامور ترفضها الدول الأوروبية برمتها وتمنع قوانينها القيام بها، واللغز الكبير هو لماذا تسمح لدولة معينة بممارستها.

  • ما رؤيتكم لقضية الجمهور الفلسطيني وتأثير أحداث اليـوم على مستقبلها؟ وهل للأوروبيين دور فى رسم خارطة طريق مستقبلية تنهي الصراع المستمر منذ 100 عَامٌ؟

وأنا أخط هذه السطور أستمع الي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول “هذه ليست معركة إسرائيل فقط وإنما معركة الحضارة الإنسانية امام الوحشية” وهي تصريحـات إن دلت على شيء فإنها تدل على ألاعيب الماكينة الدعائية الصهيونية وذهاب المؤسسة السِّيَاسِيَّةُ الإسرائيلية الي إستراتيجية طويلة الأمد تحاول ان تجر الغرب الي حرب شرسة مع كل ما ينافي الحداثة وفقا لمقاييسها الخاصة، وما يستدعي القلق بل الرعب ان الجيش الإسرائيلي سيرى نفسه مخولا لارتكاب المجازر -طبعا لن يسموها هكذا وإنما “خسائر بشرية جانبية لا بد منها” أو شيئاً مـن هذا القبيل- ورسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط إذا أفلحت فى بطاقة حمراء مئات الآلاف مـن الفلسطينيين وتحويلهم الي مصر أو الأردن، وهي مـن الخطط الكلاسيكية للصهيونية الجديدة التى تخاف مـن التزايد السكاني للفلسطينيين وتريد فى الوقت ذاته ان تحتفظ بمساحات أرضية جديدة لإسكان مستوطنيها الجدد.

وأعتقد انّ الأيام القادمة السابقة للاجتياح البري المعلن عنه ستكون حاسمة لتحديد اتجاهات الحملة الدموية، وكما اتضح فإنّ نظام تل أبيب يتلاعب بشأن المساعدات الإنسانية الي سكان غزة المنكوبين المحرومين مـن الماء والغذاء والكهرباء والمأوى وكل شيء كورقة ضغط لتحقيق إنجازات لصالحها بينما يتعلق بمستقبل سكان القطاع، ولكني لا أتخلى عَنْ الأمل: هناك دول ومجتمعات رفضت صراحة الخطط الإسرائيلية وعنجهية قواتها المسلحة، فرأينا مواقف جريئة لم نكن نتخيلها فى أوقات سابقة، وبدا لي انّ حالة الارتباك التى ما زالت تتخبط فيها القيادة العسكرية والسياسية فى إسرائيل تنم عَنْ ضعف فى التخطيط وتوترات داخلية لم نشهدها جاء الى فى مثل هذه الحملات العسكرية.

أَمَّا دور أوروبا المتوقع فلا داعي للكذب على أنفسنا: إنه يتلاشى شيئا فشيئا، ومصداقية أوروبا فى هبوط مستمر بحيث لم يعد الكثيرون يصدقون تصريحـات المسؤولين الأوروبيين ومساعيهم المزعومة للسلام. وكان ما يجري اليـوم على غزة مـن قصف وحصار وخناق فرصة ثمينة لاستعادة دور أوروبي بناء وموضوعي يحظى باحترام الجميع، ولكن الانحياز المطلق لإسرائيل والتخلي عَنْ السياسة المعهودة المبنية على عدم انتهاك القانون الدولى ربما جاء بمثابة المسمار الأخير فى نعش ذلك الدور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى