تشير الأرقام الي ان 3 مـن كل 4 أمهات عاملات يستمرن فى العمل بعد الإنجاب، غير ان غيابهن معظم ساعات النهار، يثقل كواهلهن ويدفعهن الي الشعور بالذنب والتقصير والتشكيك فى قدراتهن ويعتبرن ان أطفالهن سيكونون فى وضع افضل لو بقين فى المنزل.
فما مدى تأثير الحياة المهنية للأمهات على أبنائهن؟ وهل يقتصر هذا التأثير على السنوات الأولى مـن عمر الأبناء أم يمتد لأكثر مـن ذلك؟
يعزز استقلالية الأبناء وثقتهم بأنفسهم
تقول لارا بازيلون، أستاذة القانون ومؤلفة كتاب “طموح مثل الأم: لماذا يعد نجاحكِ المهني مهما لأطفالك؟”، إن عمل الأم يعتبر مصدر فخر لها ولأبنائها، كَمَا أنه قد يكون مصدر إلهام للأطفال، إذ تتعزز لديهم مهارات مختلفة مثل الاستقلالية والاكتفاء الذاتي والمسؤولية والثقة بالنفس.
وتنصح بازيلون الأمهات العاملات بأن يتوقفن عَنْ الشعور بالذنب ولا ينجرفن وراء الصور النمطية التى تقول إن طموح المرأة ونجاحها المهني غالبا ما يكون على حساب أطفالها.
وتستدل بازيلون بالمقابلات التى أجرتها مع ابناء لأمهات طموحات وكيف أظهروا مدى إعجابهم بالنجاح الوظيفي لأمهاتهم، وعبروا عَنْ اعتمادهم عليهن وعلى حكمتهن فى معالجة الامور وسعة حيلتهن.
بحوث ودراسات
ناقشت عدة بحوث ودراسات حديثة التأثير الإيجابي لخروج الأم للعمل، وفي هذا السياق، استندت دراسة بريطانية أجرتها جامعة كلية لندن عَامٌ 2011 ونشرتها مجـلة “إيكونومست”، على إحصائية لأكثر مـن 19 ألف أم عاملة وربة منزل أنجبن أطفالهن بين عامي 2000 و2002 لتحديد مدى تأثير عمل الأم على سلوك الطفل فى السنوات الأولى مـن عمره.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع باستفادة الأطفال مـن بقاء الأم فى المنزل، وضحت الدراسة الي ان وجود الأم على مدار الساعة طوال أيام الاسبوع ليس مثاليا لأبنائها، وإن أطفال الأمهات العاملات يتأقلمون مع الظروف المتنوعة بشكل اسرع، مما يؤثر إيجابا على تشكيل شخصيتهم وسلوكهم.
وذكرت الدراسة ان أطفال الأمهات اللائي يعملن ربات بيوت كانوا أكثر عرضة للمشاكل السلوكية مقارنة بالأطفال الآخرين، كَمَا اعلنت الدراسة ان حرمان الأم مـن العمل يجعلها أكثر عرضة للاكتئاب، مما يزيد مـن صعوبة ومشقة تربية الأبناء.
تحصيل أكاديمي افضل
وفي دراسة دانماركية نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصاديه، توصل باحثون بقيادة البروفيسور راشيل دونيفون، الأستاذة بجامعة كورنيل الأميركية، الي ان التحصيل الأكاديمي لأبناء الأمهات العاملات فى المرحله الثانوية يكون افضل مقارنة بأبناء الأمهات غير العاملات.
وفحص الباحثون بيانات 135 ألف طالب دانماركي منذ الولادة وحتى سن 15 عاما ومقارنة نتائجـهم الأكاديمية فى الصف التاسع، وبعد تحليل شامل، خلص فريق البحث الي ان عمل الأمهات له تأثير إيجابي على التحصيل الأكاديمي للأبناء، حتـى بالنسبة لأولئك الذين عملت أمهاتهم اثناء سنواتهم الثلاث الأولى، وأشارت الدراسة الي ان ابناء الأمهات العاملات بدوام جزئي قد حققوا افضل النتائج.
استقرار مالي
وأرجعت دونيفون هذه النتائج الي الموارد المالية الإضافية التى تجنيها الأم مـن عملها، مما يسهم فى تحقيق الاستقرار المالي للأسرة ويوفر موارد إضافية للإنفاق على التعليم وتسجيل الأطفال فى العديد مـن الأنشطة، مثل دروس الموسيقى والرياضات المتنوعة والرحلات وغيرها.
وأضافت دونيفون ان تحسن الصحة النفسية للأمهات العاملات، ولا سيما إذا كانـت وظائفهن مُرضية وتحقق لهن فوائد نفسية واجتماعية، يعود بالنفع على أطفالهن.
بنات الأمهات العاملات أكثر نجاحا
وحلل باحثون مـن كلية هارفارد لإدارة الأعمال بيانات 50 ألف امرأة مجمّعة مـن 24 دَوْلَةٌ عبر برنامـج المسح الاجتماعي الدولى، وتوصلت الدراسة التى نشرت فى يونيو/حزيران 2015 الي ان بنات الأمهات العاملات لا يمِلن الي الأدوار التقليدية ولا يطمحن الي العمل ربات بيوت، وأن فرصهن فى الحصول على وظيفة أكبر مـن البقاء فى المنزل.
وأشارت الدراسة الي ان 33% منهن يشغلن مناصب إشرافية ومناصب متقدمة مقارنة بـ25% فقط مـن البنات اللاتي نشأن مع أمهات يعملن ربات منزل، وأنهن يحققن دخلا سنويا أكبر ويحصلن على أجور أعلى فى الولايات المتحدة بنسبة 23% وبما يعادل 5200 دولار.
زيجات أكثر استقرارا
كَمَا وجدت الدراسة ان الرجال البالغين الذين نشؤوا مع أمهات عاملات يقدسون دورهم كآباء، ويمضون 7.5 ساعات إضافية أسبوعيا فى رعاية أطفالهم ويهتمون بتقسيم المسؤوليات المنزلية، ومن المرجح ان يكون لهم زوجات عاملات ايضا.
وعلقت الأستاذة بجامعة هارفارد ومؤلفة الدراسة، الدكتورة كاثرين ماكغين، ان المجتمعات قد تسعي لعقود طويلة لتنشئة النساء اجتماعيا على اعتقاد مفاده ضرورة البقاء فى المنزل لرعاية أطفالهن، ولكن ما استخلصته الدراسة يؤكد ان الأمهات العاملات قدوة جيدة لأبنائهن، وأنهن يخلقن بيئة منزلية تعزز المهارات اللازمة لإدارة العمل والمسؤوليات المنزلية واحترام دور المرأة، سواء فى المنزل أو بيئة العمل.
توقفي عَنْ الشعور بالذنب
ومع السياسات التى تنتهجها المزيد مـن الدول مؤخرا لرعاية الطفل، ينصح الخبراء الأم العاملة ان تتخلى عَنْ شعورها بالذنب والتقصير فى حق أبنائها لأن عملها ينعكس بشكل إيجابي على أسرتها، وتساهم فى جعل أبنائها:
- أكثر تحملا للمسؤوليات، لأنهم يعتمدون على أنفسهم منذ الصغر.
- يتعلمون تحديد الأولويات والموازنة بين متطلبات الحياة فى سن مبكرة.
- يقدرون قيمة الوقت، ويركزون على الوقت النوعي وليس الكمي، إذ إن أمهاتهم يقضون معهم وقتا أقل ولكنه أكثر استغلالا واستفادة.
- يتكيفون سريعا مع المتغيرات واتخاذ القرارات التى تعمل لصالحهم لأنهم اعتادوا منذ الصغر على اجتماعات عمل مفاجئة للأم أو غياب غير مدروس للخادمة.
- ينظرون بحيادية الي قضايا التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي، ويحترمون دور المرأة فى المجتمع.