تشهير بطلاب هارفارد وتهديدات بالقتل.. مكارثية أميركيّة جديدة امام أنصار غزة | آراء سام نيوز اخبار
قبلَ أيام، وفي مقال رأي بصحيفة وول ستريت جورنال، حذَّر ستيفن دافيدوف سولومون، أستاذ القانون التجاريّ فى كلية الحقوق بجامعة بيركلي المرموقة بولاية كاليفورنيا، الشركات وأربابَ العمل مـن توظيف طلابه، متهمًا بعضهم بأنّهم معادون للسامية. وزعم سولومون انّ بعض طلابه روّجوا للكراهية تجاه اليهود، وبالتّالي لا ينبغي منحهم وظائف. وكتب سولومون: “طلابي جيّدون الي حد كثير أكاديميًا، ومستعدّون للتعلم بسرعة، وأنا أوصي بتوظيفهم بانتظام فى الشركات المُختلفة. لكن إذا كنت لا ترغب فى توظيف أشخاص يدافعون عَنْ الكراهية ويمارسون التمييز، فلا توظّف بعض طلابي”.
ووجّه البروفيسور، الذى يقدّم المشورة لجمعيّة طلاب القانون اليهود، الاتهامَ الخطير لطلابه بعد اندلاع الصراع فى قطاع غزَّة، وانتشار المظاهرات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين والداعية لوقف الهجمات الإسرائيلية على المدنيين.
وقبل ذلك، ألغت شركة المحاماة Winston and Strawn عرضَ عمل لثلاثة طلاب فى جامعة هارفارد -افضل جامعة أميركية- على خلفية توقيعهم على بيـانٍ يدين السياسات الإسرائيلية. وقبل ذلك، أوقفت مجموعه “إم إس إن بي سي” بهدوء ثلاثة مـن مذيعيها المسلمين- (كان لكل منهم برنامـج مدته ساعة يقدمها بنفسه يوميًا)- منذ بدء أزمة غزّة فى السابع مـن الشهر الحالي. وأصبح الثلاثة: مهدي حسن، وأيمن محيي الدين، وعلي فيلشي، يظهرون بصفتهم معلّقين على الاحداث فقط. كَمَا قامَ مستشفى لينوكس هيل، فى حي مانهاتن بمدينة نيويورك، بفصل طبيبة قسم الطوارئ، دانا دياب، بزعم إشادتها بما قامت به حركة حماس، وابتهاجها بالمآسي، بعد شكوى مـن منظمة “أوقفوا معاداة السامية”.
اعلنت عضوة الكونغرس إلهان عمر: إنها تلقّت تهديدات بالقتل فى أعقاب هجـوم “رأس الحربة” حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر، كَمَا تلقّت هى وغيرها مـن المشرّعين التقدميّين الذين ينتقدون إسرائيل إحاطة جاء الى شرطة الكابيتول الأميركي حيـث حذّرتهم مـن التهديدات المحتملة
ومنذ اندلاع الأزمة الجارية فى غزّة، يسعي أنصار إسرائيل ولوبيّاتها ومنظّماتها المتنوعة والمنتشرة فى أرجاء الولايات المتحدة، إسكاتَ اى صوت يعـرض الإطار الأوسع والتاريخي لهجمات حركة حماس، أو يدين الهجمات الإسرائيلية على سكَّان قطاع غزة، أو حتـى مـن يطالبون بوقف الاعلان النار. وبعد قيام عَدَّدٍَ مـن جمعيات الطــلاب بجامعة هارفارد بنشر بيـانٍ أدانوا فيه العدوان الإسرائيليّ، وطالبوا بوقف الهجمات على المدنيين بقطاع غزة، وأرجعوا ما يجري الي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
ردَّ الملياردير بيل أكمان الرئيس التنفيذي لأحد الصناديق والعديد مـن قادة الأعمال الآخرين، بتغريدة على منصّة ” X” طالب فيها جامعة هارفارد بنشر أسماء الطــلاب الموقّعين ليعرفوهم كي لا يوظفوهم فى المستقبل. ووصل الامر بإحدى المنظمات غير الربحية المؤيدة لإسرائيل، ان ترتِّب لعرض لوحات إعلانية افتراضية تحمل أسماء ووجوه الطــلاب المؤيدين للحقوق الفلسطينية، تحت لافتة كتب عليها: “معادون للسامية فى جامعة هارفارد”، وتم وضعُها على شاحنة تحرّكت فى منطقه الحرم الجامعي؛ بهدف التشهير بهؤلاء الطــلاب وترهيبهم وترهيب مناصريهم.
وخرجت بعض الأصوات المحذّرة مما يجري، وانتقد لورانس ترايب -الباحث القانوني فى جامعة هارفارد- محاولات التشهير بالطلاب، وقال لشبكة “سي إن إن”: إن تسمية الطــلاب والتشهير بهم، بالإضافة الي “وصفهم بأنهم معادون للسامية هو أخطر بكثير مـن كونه مفيدًا.. يجب ألا نكرر تجاوزات عصر الممارسات المكارثية”.
ويُذكّر كل ما سبق بمناخ مدة المكارثيّة فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. وتميزت هذه الفتره بالقمع السياسي والاضطهاد للأفراد اليساريين وسـط حملة تنشر الخوف مـن التأثير الشيوعي والسوفيتي المزعوم على المؤسسات الأميركيّة.
وسمي المصطلح على اسم السيناتور جوزيف مكارثي، الذى أصبح الشخصية العامة الأكثر شهرة ووضوحًا مـن اثناء مزاعمه التى تم نشرُها على نطاق واسع عَنْ التسلل الشيوعي فى فروع الحكومة الأميركية. واستندت اتهامات مكارثي الي اتهامات وتلميحات لا أساس لها، ووُصفت بأنها ديماغوجية ومتهورة، ومع ذلك كانـت تكتيكاته فعّالة فى خلق مناخ مـن الخوف والشكّ، وتم إدراج العديد مـن الأشخاص فى قوائم سوداء، أو فقدوا وظائفهم نتيجه لاتهاماته.
نعم انتهى عصر مكارثي فى منتصف خمسينيات القرن العشرين، ومع ذلك، لا يزال إرث المكارثيّة محسوسًا فى السياسة الأميركية بشدّة فى هذه الأيام.
وعلى عكس بعض الدول الأوروبية، تعدّ معارضة إسرائيل فى الولايات المتحدة حقًا يحميه الدستور، وكل الأفراد أو الجماعات أحرار فى التعبير عَنْ آرائهم حول هذه القضية، أو اى قضية أخرى دون خوف مـن اى عواقب قانونية، إذ يضمن التعديل الاول للدستور الأميركي حرية التعبير والحقّ فى الاحتجاج السلمي أو التظاهر.
ومع ذلك، مـن المهم ان نفهم ان اتخاذ موقف امام إسرائيل أو سياساتها يمكن ان يؤدي عمليًا الي أشكال مختلفة مـن العواقب الاجتماعية أو السِّيَاسِيَّةُ أو الاقتصاديه، اعتمادًا على الظروف ومستوى المعارضة.
وكان النصيب الأكبر مـن هجـوم “رأس الحربة” أنصار إسرائيل موجهًا الي منظّمات حقوق الإنسان، مثل: منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والنشطاء المناهضين للحرب، والجماعات السِّيَاسِيَّةُ التقدمية، والنشطاء المؤيدين للفلسطينيين، والأكاديميين والعديد مـن المثقّفين، والجماعات الدينية التى تنبذ الحروب، وبعض مجموعه الكونغرس والكثير مـن طلاب الجامعات.
لقد حافظ الجمهور الأميركيّ على مدار عقود على تأييده لإسرائيل، ولا يزال مؤيدًا لها بصورة عامة. لكنّ هذا التأييد بدأ بالتراجع فى السنوات الماضية، وارتفعت فى مقابل ذلك نسبه الدعـم للقضية الفلسطينية بين الشباب الأميركيين، ولا سيما طلبة الجامعات. ولم تعد شعارات: “حق إسرائيل فى الوجود”، و”ضرب الإرهابيين”، و”معاداة السامية” تسيطر وحدَها على المشهد الأميركي، وتزاحمها الان شعارات منها: “آبارتايد”، “الإبادة الجماعية”، و”التطهير العِرقي”، خاصةً بين أوساط الشباب الأميركيين.
ويخشى أنصارُ إسرائيل مـن تبعات القيام بالعديد مـن المظاهرات المعارضة للهجمات التى تشنّها على قطاع غزة فى مختلف المدن الأميركية، مقارنة بمثيلتها المؤيدة للجانب الإسرائيلي، خاصةً مع استمرار هبوط أعداد اليهود الأميركيين، مقارنة بزيادة أعداد الأميركيين العرب والمسلمين.
كَمَا امتدّت محاولاتُ إسكات الأصوات الي مجموعه الكونغرس، وواجهت النائبات الديمقراطيات التقدميّات فى مجلس النواب المعروفات بانتقادهنّ إسرائيلَ ردَ فعلٍ عنيفًا مـن زملائهنّ الجمهوريين والديمقراطيين ايضا، إضافة للمنظمات اليهودية بسـبب تصريحاتهنّ بعد بدء عملية “طوفان الأقصى. ” ومن اهم هؤلاء النواب إلهان عمر مـن مينيسوتا، ورشيدة طليب مـن ميشيغان، وكوري بوش مـن ميسوري، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز مـن نيويورك. وغلبت إدانة العنف، والمطالبة بضرورة العمل على تحقيق السلام ووقف الاعلان النار على ردّ فعل النائبات على الاحداث، إلا انّ ذلك الموقف أغضبَ أنصار الجانب الإسرائيلي الذين يريدون فقط مهاجمة وإدانة حركة حماس دون التطرّق لمعاناة الفلسطينيين، أو العنف الممارس ضدهم.
كَمَا اعلنت عضوة الكونغرس إلهان عمر: إنها تلقّت تهديدات بالقتل فى أعقاب هجـوم “رأس الحربة” حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر، كَمَا تلقّت هى وغيرها مـن المشرّعين التقدميّين الذين ينتقدون إسرائيل إحاطة جاء الى شرطة الكابيتول الأميركي حيـث حذّرتهم مـن التهديدات المحتملة.
وختامًا، نشأت الولايات المتحدة متحرّرة مـن قيود وأعباء القارة الأوروبية، خاصةً بينما يتعلق بهُويتها وقوميّتها ودينها والصراعات المرتبطة بهذه المعضلات، ورغم هذا التحرر، ينادي اليـوم كثيرون بشعارات قومية وعنصرية فاشية.
ودفع الشحن الكبير المتواصل مـن الإعلام الأميركي وشيطنة الجمهور الفلسطيني، إضافة لخطاب الرئيس جو بايدن غير الحكيم فى الوقوف الي جانب إسرائيل دون دعوتها لوقف هجماتها، أو وقف قصف المدنيين الي تأجيج مشاعر الغضب والتطرّف لدى العديد مـن أفراد الجمهور الأميركي ممن يجهلون معرفة تفاصيل صراع الشرق الأوسط.
وبعد عودته مـن زيارته السريعة الي إسرائيل، أدان بايدن مخاطر الإسلاموفوبيا والعنصرية المعادية للعرب، إلا انّ كلمات الرئيس الأميركي لا يدعمها اىّ مواقف سياسية عملية مقنعة حتـى الان.