الاخبار العربية والعالمية

خيارات أربعة امام إسرائيل (2) | آراء سام نيوز اخبار

تناولْنا فى المقالِ السَّابق الخيارات الأربعة التى يمكن ان تتحرَّكَ فيها إسرائيلُ، وفي هذا المقال استكمالٌ للتحدّيات التى يمكن ان تواجه إسرائيلَ، إذا ما تحوّلت هذه المعركةُ الي حرب كبيرة تحتدم صراعًا بين القوى الكُبرى، تجرّ إسرائيلُ الغربَ إليه جرًا.

تمثلُ هذه المنطقة -بامتداداتها عبر قلب الجغرافيا الحيوية العالميّة- عنصرًا مهمًا فى ملفات أساسيّة وحسّاسة فى عملية التّنظيم العالميّ الجيواستراتيجي، أو الاقتصادي، مثل: ملفّ الممرات الاستراتيجية، وملفّ الطاقة، وملف اتجاهات الاقتصاد العالمي نحو البحث عَنْ أسواق جديدة، وملف التنمية العالميه، وملف اتجاهات التحالفات الخارجيّة للشرق الأوسط، وبالتالي فإنَّ هذه الملفات، اليـوم، ستكون حاضرةً على طاولة التسويات، ومحاولات ادارة الموقف، ولا يمكن إهمالها فى المشهد، ولا تجاهل الأطراف الاساسىَّة فى هذه الملفات وحساباتها، وبالأخصّ فى تصوّرات تطوّرات المشهد ومُستقبليَّاته، وأبرزُ هذه الملفات:

إنّ ما يحدث اليـوم يتطلب مـن إسرائيل البدْء فى عملية ترتيـب موسّعة، مـن الصعب ان تكون الامور ميسّرة، حيـث تحتاج إسرائيل لإعادة بناء منظومتِها الأمنية فى أبعادها الثلاثة: (الأمن الداخلي، واستعادة الثقة فى النظام والمنظومة وإنهاء الخلافات السِّيَاسِيَّةُ، وإعادة تنظيم المناطق الفلسطينية

  • لدينا قوى كُبرى تتنافسُ بخطواتٍ متسارعةٍ -أمريكا والصين وروسيا- مع ردودِ فعل قويّة، فالمحاولاتُ المتصاعدة لإبعاد روسيا والصين وإيران عَنْ الشرق الأوسط سواء سوريا بالنسبة لروسيا، وإيران، أو محاولات حصار الصين والتحكّم باتصالاتها مع  العالم، سواء مـن اثناء معابر الصّين البرية مـن اثناء أفغانستانَ وإيرانَ وباكستان، أو معابرها البحرية (بحر الصين الجنوبي)، وتحويل محاولاتها لتدعيم اتّصالها بالعالم عبر الشرق الأوسط مـن اثناء ممرّات الحزام، والطريق، الي مُحاولات لتدعيم أطراف مسابقه لها، وهي الهند، ودفع المنطقة نحو مسارات تحالف بديلة -الممر الهندي، السعوديّ، الإسرائيلي مؤخرًا- ومحاولة تحجيم إيران، والدفع بها الي خارج الشرق الأوسط، ولعبة الطرق الجيواستراتيجيَّة وخطوط الطاقة العالميه، وتحويلها الي دَوْلَةٌ حبيسة فى الشرق الأقصى.
  • كلّ هذا اليـوم، يجد صدى الردّ عليه مـن اثناء محاولات التحول مـن الدفـاع الي الهجوم، وهو ما تحاول إيران توظيفَه لصالحها كرأس حربة للشرق -الصين وروسيا- فى مِنطقة الشرق الأوسط، فى مقابل محاولات إسرائيل ان تكون رأسَ حربة للغرب، لتصفية إيران فى المِنطقة، فاليوم إيران تتحوّل مـن الدفـاع الي الهجوم، بعد ان واجهت تحديًا حقيقيًا اثناء العام الماضي، مع الاحتجاجات المحليَّة، ومحاولات إسرائيل تهديدَ تواجدها فى سوريا، وكذلك محاولات عدة أطراف تهديد موقعها فى العراق، ثم أخيرًا محاولة إخراجها مـن لعبة الطرق الجيواستراتيجيّة، ومن ملفّ الطاقة، وبالتالي اليـوم هى تحاول استعادةَ التوازن.
  • الصين تحاول مـن قِبلها قلبَ الطاولة على محاولات تجاوز إيران، وقطع الطرق فى وسـط آسيا، ومحاولات تجاوز طريق الحرير، وحصار طرقها اللوجستيَّة والاستراتيجيّة.
  • الي جانب ذلك، فإنَّ لدى روسيا حساباتٍ لتصفيتها مع أوروبا فى ملفّ الطاقة فى المتوسط، الي جانب حساباتها الخاصة مع الغرب- أمريكا وأوروبا- بفتح جبهات استنزاف بعيدًا عَنْ أوكرانيا وسوريا بأقلّ تكلفة.
  • مـن جانب اخر، لدينا محاولات الدول النامية الخروجَ مـن المأزِق، والتعامل مع قضيّة التنمية لاستيعاب الاحتياجات الداخلية المُتنامية والتي باتت تمثلُ قنابل موقوتةً يمكن ان تحوّلها الي دول فاشلة، ما سيجعلها تتجه الي قلب الطاولة على الجميع، وتهديد سلاسل الإمداد العالمي التقليديَّة بما يعني قلب كلّ شيء.

هناك دولٌ كثيرةٌ، وخطط عديدة للتنمية العالميه تتضرّر بشدة مـن تصاعد الأمْنَنَة فى النظام الدولى، بدلًا مـن اتجاهات البحث عَنْ المصالح الاقتصاديّة والتركيز على التنمية العالميه. النظام النقديّ العالمي اليـوم يقابل تحديًا حقيقيًا فى قدرته على الوفاء بحلول لهاتَين المعضلتَين: الأمن، والتنمية، وتمويل بَرَامِجُ حصريَّة بها.

فى مواجهه ذلك، هناك اتجاهٌ يرى انَّه على الجميع اليـوم ان يحكّم العقل، ويفكّر فى الامور بمنطق المصلحة العالميّة؛ خاصةً انَّ أمامنا تحدياتٍ عالميةً لا يمكن مواجهتُها بشكل منفرد أو عبر التنافس مثل تغيّر المناخ، واحتياجات تمويل التنمية العالميّة. فى اثناءّ هذا التوجه يمكن ان تنشأ قوى وأطراف دولية ترى انَّه لابدَّ مـن إجبار إسرائيل على الخضوع أو الوصول الي تسويات وحلول وسـط، وإلا ستكون أميركا والنظام العالمي وليس الدولى، هو الثمن الذى سيدفعه الجميع.

إنَّ اتجاهات إسرائيل اليـوم تحرم إيران مـن الاندماج فى المجتمع الدولىّ بعرقلة اى انفتاح على إيران، وتمنع المِنطقة مـن الاندماج والتكامل الداخلي، وبالتالي خلق فرص للنمو والاستقرار بدلًا مـن كونها -اى المنطقة- عاملًا لعدم الاستقرار العالميّ، بما يمنع المنطقة مـن الاندماج العالمي، وأداء دورها بسلاسة ويُسر ضوء المنظومة العالميَّة.

أمَّا عَنْ كيفية النظر حول احتمالية التدخل الأميركي، فإنه مـن المهم مقاربة الموقف الأميركي-الإسرائيلي اليـوم مـن اثناء النظر فى إمكان الأولى خلق خيارات لترتيب الملفات الأساسية للشرق الأوسط مـن اثناء هذا التدخل، وتحقيق التفوّق لصالحها على حساب الآخرين، (بالأخصّ فى اثناءّ الوضع فى سوريا والعراق والتخوف مـن تمدد هذا الوضع الي سواحل المتوسط سواء مـن اثناء إيران أو روسيا كأطراف باحثة عَنْ تغيير معادلة الطاقة واللوجستيات)، وفي اثناءّ وضع متوتّر فى دَاخِلٌ إفريقيا؛ كَمَا برز فى الانقلابات العسكرية الاخيره.

الي جانب أمرٍ آخر، وهو انَّ اى ضربة فى حقول النفط، أو اى مسٍّ بهذا الملف سيكون أمرًا خطيرًا جدًا؛ لأنَّ أسعار النفط سترتفع، وهو ما سيكون له تأثير سلبي كثير للغاية على الاقتصاد العالمي ككل، وأميركا وأوروبا خاصةً، وبالتالي فإننا نرى انّ قدرة أميركا على التدخل والانخراط الموسع فى الشرق الأوسط ضعيفة بشكل كثير.

إنّ ما يحدث اليـوم يتطلب مـن إسرائيل البدْء فى عملية ترتيـب موسّعة، مـن الصعب ان تكون الامور ميسّرة، حيـث تحتاج إسرائيل لإعادة بناء منظومتِها الأمنية فى أبعادها الثلاثة: (الأمن الداخلي، واستعادة الثقة فى النظام والمنظومة وإنهاء الخلافات السِّيَاسِيَّةُ، وإعادة تنظيم المناطق الفلسطينية)، الي جهودٍ كبيرة للغاية، نعتقد انَّها ليست فى قدرة إسرائيل اليـوم. إعادة بناء منظومة الأمن الإسرائيلي اليـوم هى عمليَّة طويلة الأمد قد تأخذُ على الأقل مـن سنة الي 5 اعوام؛ لأن على إسرائيل ان تفهم بشكل أدقّ التحولات فى المنطقة حولها، حيـث لم تعد المنطقة بسهولة تقبلُ بفرض إسرائيل وأميركا خياراتهما وأولوياتهما، فى مقابل الأولويات المحليه التى لم تعد تمتلك فائضَ جهد أو قدرات للتعامل مع كل ذلك.

دول المِنطقة باتت ترى فى التكامل الإقليمي مـن مداخل اقتصادية- أساسًا- خيارًا أساسيًا، وتحاول لمْلمة ما يمكن لملمتُه لتجاوز الانهيار التام. لا أملَ لأي دَوْلَةٌ فى المنطقة الان للنجاة مـن اثناء عمل منفرد رغم كل الخلافات القائمة.

ومن جانب اخر، فإنَّ استيعاب تكلفة الأمن الرخيص بالاعتماد على أميركا اليـوم لم تعد خيارًا أساسيًا؛ لأنّ أميركا الان باتت تبحث عمن يضيف الي قوتها لا ان يستنزفها أكثر. مشكلات مـن هذا النوع قد تؤدي للتساؤُل عَنْ حدود قوتها فى توفير الأمن لشركائِها؛ فهناك حدود لقدرتها على تجديد قدراتها وتعويض هذه المدفوعات والخدمات مـن اثناء النظام الدولى القائم الذى بات المنافسون الصاعدون فيه أكثر خَنقًا له.

رابعًا: حدود التفوق التكنولوجي الإسرائيلي

ألقت عملية “طوفان الأقصى” بظلال كثيفة على هذا التفوق. استطاع المقاومون بإمكانات قليلة ان يعطبوا هذه القدرات. فوجئت إسرائيل بهجوم منخفض التقنية إذا ما قُورن بما راكمته مـن تقنيات متقدمة. تقول “وول ستريت جورنال” فى تقرير بثته يـوم 10 أكتوبر/تشرين الاول الحالي: “أمضت إسرائيل 3 اعوام فى بناء حاجزٍ أمني متطوّر وعالي التقنية بطول 40 ميلًا على طول قطاع غزة، مزوّدٍ برادار وأجهزة استشعار مُصمّمة لكشف التوغلات الخفية التى يقوم بها الفلسطينيون العازمون على تنفيذ هجمات سرّية فى إسرائيل”. تضيف: “يـوم السبت، استخدمت حماس الجرافات ووسائل بدائية أخرى لاقتحام السياج الذى يبلغ ارتفاعه 20 قدمًا، وأدخلت الرجال عبر الفجوات فى شاحنات صغيرة وعلى الأقدام…”.

الخلاصة:

تتوقّف كل هذه الاحتمالات على عَدَّدٍَ مـن العوامل:

  • قدرة الفلسطينيينَ على الصمود فى غزة، ومواجهة اجتياح بَري.
  • فى ذات الوقت توسيع دائرة الحرب سواء فى دَاخِلٌ إسرائيل أو عبر مسارات جديدة.

نحن نعتقد كباحثين ان هذا يمكن ان يكون التحول الكبير الثانى فى مسار الاحداث بعد هجـوم “رأس الحربة” حماس فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول؛ لانه قد يجبر الاتجاهات المتشددة فى إسرائيل على التراجع كنتيجة للصمود؛ فبعدها يمكن ان يتحول الصمود الفلسطيني على الأرض وعدم انهيار الجبهة الداخلية الفلسطينية، مع استمرار العمليات فى العمق الإسرائيلي وعدم التراجع، الي انهيار فى الجبهة الإسرائيلية، وتبدأ عملية تفكّك واسع فيها على أساس انَّ هذه الاتجاهات المتشددة هى التى أوصلت إسرائيل الي هذا الوضع، وأنها غير قادره على إخراجها منه. وبالتالي البدء فى أولى خطوات الحل وهي الاعتراف بالفلسطينيين كند، وخيار السلام كحلّ.

مـن جانب اخر، فإنَ موقف المجتمع الدولى والقوى فى المنطقة مـن خيارات إسرائيل: خيار الحسم أو التمسك بحلّ الدولتين أو قبول فرض إسرائيل رؤيتَها، قد يمثل تحديًا كثيرًا لفرص الاستقرار فى الشرق الأوسط وما حوله، وإعادة الامور لما كانـت عليه وبقاء القضايا معلقة؛ هذه المواقف محدد مهم. لدى العرب فرصة اليـوم لتوظيف الحدث لصالح رؤية حلّ الدولتَين، كحل يمكن مـن خلاله إنقاذ المنطقة مـن الدخول فى دُوّامة صراع يهدد محاولات المنطقة تجنُّبَ الانهيار والبحث عَنْ طريق للتعافي مـن اثناء مسارات التعامل الإقليمي الذى سيصبح صعبًا أو يصعب ضمان استمراريته فى حالة فرض إسرائيل رؤيتَها التى ستتحوّل الي عبء كثير على دول المنطقة.

دول المنطقة باتت تعرفُ مصلحتَها الوطنيه بشكل أكبر مـن الماضي، وهي حريصة اليـوم على عدم الرجوع الي الوراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى