“محمد أفندي” وعلاقته بانهيار العلاقات التركية الإسرائيلية | آراء سام نيوز اخبار
منذ اندلاع “طوفان الأقصى”، وتصاعد المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية، والتصريحات التركية، تتماهى معه بشكل تلقائي، إذ لوحظ فى بداية المواجهة ان الموقف الرسمى التركي ارتكز على مبدأ ضبط النفس، ومحاولة التوازن فى تعاطيه مع طرفي النزاع، واختيار موقف الحياد، عارضًا القيام بوساطة بينهما.
إلا أنه مع إصرار الكيان المحتل على إطالة أمد الحرب على قطاع غزة- واستمراره فى عمليات استهداف المدنيين مـن الأطفال والنساء والعجائز، وتركيز ضربات سلاح طيرانه على قصف المدارس والمستشفيات والأبنية المدنية- تحول الموقف التركي ليصطف مع حكومة حماس، وانهالت تصريحـات المسؤولين والسياسيين الأتراك امام هذه الممارسات الوحشية الممنهجة.
فقد صرح الرئيس التركي، بكل وضوح، ان إسرائيل دَوْلَةٌ إرهابية، تمارس عملية إبادة ممنهجة امام الفلسطينيين، وأن حربها على حكومة حماس المنتخبة فى قطاع غزة هى أكثر الهجمات خسّة فى تاريخ البشرية، وأن هذه الممارسات الوحشية تتم بدعم مطلق مـن الغرب والولايات المتحدة الأميركيّة، متهمًا الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية التى تنضوي تحت لوائهما بالعجز والعمى حينما يتعلّق الامر بقتل مسلمين.
التعامل التركي مع تطورات “طوفان الأقصى” لم يقف عند حد تصريحـات الإدانة، وتوجيه الاتهامات، وتوصيف الأعمال التى يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنها بدأت فى التحرك قانونيًا بالاشتراك مع أكثر مـن ألفَي محامٍ يمثلون منظمات حقوقية مـن مختلف ارجاء العالم بهدف عزل إسرائيل دوليًا، وضمان محاكمة قادتها السياسيين والعسكريين امام المحاكم الدولىّة؛ لما ارتكبوه مـن جرائم امام الجمهور الفلسطيني.
تحول الموقف التركي وصدمة الكيان الإسرائيلي
إسرائيل، مـن جانبها، تفاجأت بعنف تحول الموقف التركي ضدها، خصوصًا أنها كانـت قاب قوسَين أو اقل مـن النجاح فى إعادة علاقات البلدين السِّيَاسِيَّةُ والعسكرية الي لاحق عهدها بعد اللقـاء الذى جمع بين الرئيس أردوغان ورئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقد جاء كأولى ثمار الزيارة التى سبق ان قام بها الرئيس الإسرائيلي لتركيا فى مايو مـن العام الماضي، وهي الزيارة التى اعتبرتها دَوْلَةٌ الاحتلال بداية جيدة يمكن البناء عليها لاستئناف العلاقات الحميمة التى طالما ربطت بين الدولتَين، خاصة أنها تأتي بعد قطيعة سياسية بين البلدين امتدت لمدة خمسة عشر عَامًٌا، بعد الاعتداء الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية ” مافي مرمرة” التى كانـت فى طريقها لإيصال مساعدات إغاثة الي قطاع غزة المحاصَر عَامٌ 2010، وهو ما أسفر عَنْ مقتل تسعة مـن الناشطين الأتراك برصاص الجيش الإسرائيلي على متن السفينة، بينما تُوفي آخر عَامٌ 2014 بعد أربع اعوام قضاها فى غيبوبة.
لقد دمر “طوفان الأقصى” أحلام دَوْلَةٌ الاحتلال بشأن إمكانية استعادة علاقاتها الطبيعية مع تركيا، مع الأخذ فى الاعتبار المخاوف التى طالما لازمت قادتها مـن موقف الرئيس أردوغان الداعم بشكل مطلق لحكومة حماس المنتخبة فى قطاع غزة، وموقفه الثابت مـن وضعية القدس والمسجد الأقصى.
وهي المخاوف التى ثبَتت صحتها مع استمرار “طوفان الأقصى”، وإصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب؛ هروبًا مـن الاعتراف بهزيمة جيشها الذى لا يقهر، وسعيًا لتحقيق اى انتصار على الأرض، حتـى ولو كان زائفًا مـن اجل حفظ ماء وجهها فقط لا غير.
التلاعب الاعلامي الإسرائيلي وتشويه سمعة تركيا
تدرك إسرائيل جيدًا ان صعود شعبية الرئيس التركي على الصعيدَين: العربي والإسلامي يعني صعوبة إمكانية استعادة زخم علاقاتها بتركيا مجددًا، والعودة بها الي ما كانـت عليه قبل اندلاع “طوفان الأقصى” فى المدى القريب على الأقل، ومن هنا كان التلاعب الاعلامي، الذى استهدف تشويه صورة القيادة السِّيَاسِيَّةُ التركية، وإثارة حالة مـن الشك والريبة حول الموقف التركي، وإشاعة الإحباط فى نفوس الرَّأْي العام العربي والإسلامي، المثمن الاول لجهود الرئيس التركي كونه الوحيد الذى اتخذ هذا الموقف الواضح والصريح تجاه حماس ومقاومتها الباسلة.
الكيان المحتل قام بتداول عشرات الصور والأخبار الكاذبة التى تشير الي وجود دعـم تركي رَسْمِيٌّ وشعبي غير معلن لدولة الاحتلال، وسعي حثيث مـن جانبها لرفع الروح المعنوية لجنودها، خلافًا للتصريحات النارية التى يطلقها قادتها فى وسائل الإعلام ليلًا ونهارًا.
مطالبات شعبية بمقاطعة منتجات محمد أفندي
إذ فوجئ الجميع بنشر صور على نطاق واسع لبعض جنود الاحتلال وهم يحملون منتجات اشهر شركة لإنتاج البن فى تركيا، وهي المعروفة باسم” قهوة محمد أفندي الجافة” أو” كورو كاهفه مهميت أفندي”، كَمَا ينطقها الأتراك، وقد كُتب تحتها ” هدية مـن تركيا لرفع الروح المعنوية لجنودنا”، وأوضح الخبر المرافق للصور انّ المنتج المذكور يتم توزيعه على الجيش الإسرائيلي مـن جانب أحد مراكز الإغاثة فى إسرائيل، لدعم عدوانهم على غزة.
لتثور ثائرة المواطنين الأتراك الذين يعتمدون مقاطعة منتجات جميع الشركات الداعمة لدولة الاحتلال، وتنهال المطالبات الشعبية بمقاطعة الشركة، والامتناع تمامًا عَنْ التعامل معها أو شراء منتجاتها بعد ان أفصحت عَنْ هُويتها الصهيونية الداعمة للكيان الإسرائيلي، مطالبين الشركة بإصدار توضيح حول ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي قبل ان تتفاقم الأزمة.
شركة محمد أفندي تواجه الأكاذيب الإسرائيلية
الشركة، مـن جانبها، سارعت بإصدار بيـان أوضحت فيه ان منتجاتها يتم تصديرها لأكثر مـن ستين دَوْلَةٌ حول العالم، وأنها تفتخر بانتشار منتجاتها التى تحمل اسم “صنع فى تركيا” على مستوى العالم، وهو البيان الذى زاد مـن حنق الأتراك وغضبهم، خاصة ان بيـان الشركة اكتفى فقط بذكر عَدَّدَ الدول التى يتم تصدير البن التركي اليها دون ذكر أسمائها، وهو ما اعتبروه دليلًا على صحة الادعاءات الإسرائيلية، وضعف موقف الشركة، لتزداد ضراوة الحملة ضدها، حتـى جاء الامر الي توجيه السباب للقائمين عليها، ما أجبر الشركة على إصدار بيـان آخر نفت فيه بشكل قاطع الأكاذيب الإسرائيلية، مؤكدة عدم قيامها بالتبرع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وموضحة أنها لم تقم بتصدير اى مـن منتجاتها لدولة الاحتلال منذ قرابة عَامٌٍ ونصفٍ، وشددت على أنها تصطف الي جانب الموقف التركي بشقيه: الرسمى والشعبي، وتدين ممارسات الاحتلال امام المدنيين فى غزة، مؤكدة عزمها على رفـع دعوى قضائية امام مـن قاموا بحملة التشهير بها وتشويه سمعتها.
محاولة النيل مـن الحكومة التركية وتزييف الحقائق
لم تكتفِ إسرائيل بتشويه سمعة شركة مـن كبرى الشركات التركية وأشهرها فى مجالها- والتي تعمل فى السوق المحلي منذ أكثر مـن مائة وخمسين عَامًٌا، وذاع صيتها فى مختلف ارجاء العالم- بل ذهب الإعلام الإسرائيلي الي أبعد مـن هذا، حيـث تم تداول اخبار تتحدث عَنْ قيام الحكومة التركية بإرسال سفينة محملة بأطنان مـن المواد الغذائية الي إسرائيل، لدعم موقفها فى الحرب على غزة، الامر الذى أثار موجة مـن الغضب الشعبي دفعت مركز مكافحة البيانات المضللة التابع لرئاسة الجمهورية هذه المرة للتدخل عبر بيـان رَسْمِيٌّ، نفى مـن خلاله وجود أية علاقة بين السفينة المشار اليها والحكومة، أو القيام بإرسال اى دعـم إغاثي لإسرائيل.
وأوضح البيان ان الشحنة المشار اليها فى الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تسليمها بالفعل فى إسرائيل، خرجت مـن إحدى الشركات التركية الخاصة العاملة فى مجال التصدير، وأن الشحنة تم التعاقـد عليها بين الجانبين قبل اندلاع “طوفان الأقصى”.
ليجد محمد أفندي وغيره مـن الشركات التركية أنفسهم فى مرمى أكاذيب دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيلي، الساعية لتشويه الموقف التركي، والتشكيك فيه، وليدفعوا مـن سمعتهم ثمن وقوف بلدهم الي جانب الحق الفلسطيني، ورفضها الممارسات الوحشية التى يقوم بها الكيان المحتل امام المدنيين الأبرياء.