انقلابا النيجر والغابون.. قراءة فى الدلالات المحليه والتفاعل الدولى | سياسة سام نيوز اخبار
مراسلو الجزيرة نت
رغم ان منطقه غرب أفريقيا شهدت عددا مـن الانقلابات، الناجح منها والفاشل، منذ عَامٌ 2020، فإن انقلابي النيجر والغابون جعل كتلة كبيرة مـن الزعماء يتحسسون مواضعهم لتأثيراتهما الكبيرة، التى تجاوزت المنطقة المحليه الي الإقليمية، وربما هزت القارة بأكملها، فضلا عَنْ التأثيرات الجيوسياسية المرتبطة بالتموضعات الدولية. فما الذى ميّز هذين الانقلابين على مستويات مختلفة؟
فهم السياقات الداخلية
بعد 36 يوما مـن انقلاب النيجر، وقع انقلاب الغابون -الواقعة وسـط القارة السمراء- مـن دَاخِلٌ جغرافيا غرب أفريقيا، وقد ذهبت تحليلات عديدة فى النيجر الي وصف ما جرى باعتباره استجابة لإنهاء مرحلة تاريخية كبرى بنهاية الاستعمار الفرنسي، لدرجة وصفوها بأنها أكثر اهميه مـن ثورات الربيع العربي.
ويصف محللون انقلاب الغابون بأنه محاولة الانفصال عَنْ نظام الحكـم المرتبط لفترة تجاوزت نصف قرن بأسرة واحده. ويشترك الانقلابان فى الترحيب والتأييد الشعبي الكاسح الذى وجداه، وبالمجمل فإن الذى جرى يفسره الخبراء بأنه تعبير عَنْ ضياع الأمل فى التغيير الديمقراطي فى أفريقيا.
انقلاب النيجر وتأزيم الإيكواس
على غير سياقات تعامل المجموعة الاقتصاديه لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مع أزمات الإقليم، فإن انقلاب النيجر بدا وكأنه يحمل بذور نهاية المنظومة بسـبب الأزمة العميقة التى تسبب فيها، وذهب محللون الي ان الإيكواس لم تبدأ فى التعاطي مع الأزمة بالتدرج الذى يقتضيه الواقع والضرورة، ربما بسـبب حالة الهلع والاضطراب الذى واجهته المنطقة خوفا مـن عدوى الانقلابات.
إذ حدثت أزمة عميقة قسمت المجموعة الي معسكرين، أحدهما يؤيد النيجر وعلى استعداد لخوض الحرب لصالحها، والآخر يصر على التدخل العسكري لإعادة الرئيس المحتجز محمد بازوم.
تشابه واختلاف
بقراءة متعمقة ودراسة لانقلابي النيجر والغابون، يمكن تلخيصهما فى عَدَّدَ مـن نقاط التشابه والاختلاف:
- وقع الانقلابان فى مستعمرات فرنسية.
- قادة الحرس الرئاسي كانوا وراء الانقلابين فى البلدين.
- جاء انقلاب النيجر امام المصالح الغربية، بينما ضوء انقلاب الغابون استمرار المصالح الغربية، وفقا لمحللين.
- فرضت الإيكواس اجراءات قاسية على النيجر، فى وقت لم تفرض فيه مجموعه وسـط أفريقيا (سيماك) اى اجراءات على الغابون.
- بينما أحدث انقلاب النيجر هزة عميقة فى المنطقة، لم يكن لانقلاب الغابون التأثير ذاته على دول السيماك.
- انقلاب النيجر تمّ امام أول رئيس يتسلم السلطة سلميا مـن رئيس لاحق، بينما تمّ انقلاب الغابون امام حكـم أسرة “بونغو” التى حكمت لما يزيد على نصف قرن مـن الزمان.
- الدول الغربية أصرت على عودة الرئيس النيجري محمد بازوم الي السلطة، بينما لم تفعل ذلك فى التعامل مع حالة الغابون.
- اختلفت سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فى التعامل مع النيجر، فبينما تشدد الاتحاد الأوروبي فى التعامل مع الانقلاب، لم تصنف الولايات المتحدة ما جرى بأنه انقلاب إلا بعد مضي شهور عديدة.
صدى الانقلاب
أحدث انقلابا النيجر والغابون هزة عنيفة فى المنطقة وعلى مستوى الإقليم، ووضع جميع الدول فى حالة مـن عدم اليقين والخوف مـن العدوى السريعة، مما دفع بعض القادة لتحسس رؤوسهم، وفتح الاحتمالات على مصراعيها لتدحرج كرة النار نحو الدول المتبقية. ولتدارك الامر سرعان ما تحرك عَدَّدَ مـن القادة بإجراءات سريعة لحماية أنظمتهم.
بعد يـوم واحد مـن استيلاء الجيش على السلطة فى الغابون، قام الرئيس بول بيا الذى يحكم الكاميرون منذ 1982، بإجراء تعديلات عاجلة وسريعة فى وزارة الدفـاع مـن اثناء إقالة عَدَّدَ مـن كبار الجنرالات، كَمَا عيّن ضباطا آخرين، فى محاولة لسد اى ثغرة يمكن ان تتسبب فى الانقلاب عليه.
اتخذ الرئيس الرواندي بول كاغامي فى اليـوم نفسه الذى تم فيه انقلاب الغابون عددا مـن الإجراءات، أقال بموجبها 950 جنرالا وضابطا كبيرا، فضلا عَنْ 930 ضابط صف وجنديا، الي جانب رئيس أركان الجيش الجنرال جميس كابا.
وسرت شائعات مصاحبة لهذه الإجراءات حول الأسباب التى تقف وراءها، فالبعض اعلن عَنْ محاولة انقلابية فاشلة، والبعض الآخر ربط الإجراءات بالخلافات بين رواندا والكونغو الديمقراطية.
بعد أسبوع مـن انقلاب النيجر، تم إلقاء القبض على مجموعه مـن ضباط الجيش بتهمة التخطيط للإطاحة بالحكومة بينهم رتب عليا، وذلك باستغلال مظاهرات كان يتم الترتيب لها فى تلك الفتره، وأكدت السلطات السيراليونية لاحقا أنهم فعلاً كانوا يخططون للانقلاب على السلطة.
مخاوف الانقلاب فى سيراليون والأخبار التى انتشرت، وضعت ليبيريا فى حالة استعداد خوفا مـن حدوث انقلاب، فى اثناء استعدادات كانـت تُجرى لإجراء الانتخابات الرئاسية.
قلق جيوسياسي
أثار انقلاب النيجر قلقا جيوسياسيا على المستوى الدولى بعد ان عرّض منطقه الساحل لبعثرة فى أجندتها وخلطا لأوراقها، وأصبح استمرار مجموعه دول الساحل الخمس على المحك بعد هذا الانقلاب، كَمَا أصبح استمرار الإيكواس متماسكة محل شك كثير بسـبب الاصطفافات بين أعضائها، وضعف ادارة ملف الانقلابات وكيفية التعاطي معها.
اما على المستوى الدولى، فسنجد ان انقلاب النيجر ضرب كل الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية فى مقتل، وذلك عبر إلغاء النيجر امتيازات فرنسا فى اليورانيوم، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع الاتحاد الأوروبي، وإلغاء قانون مكافحة تهريب البشر عبر الصحراء الكبرى.
بالنسبة للولايات المتحدة، لم توقف مساعداتها فى البداية وتعاملت ببرغماتية واضحة، ولم تصنف ما جرى فى النيجر على أنه انقلاب، ولم يطلب المجلس العسكري خروج قواعدها كَمَا فعل مع فرنسا، والقلق هنا مبعثه خشية تمدد روسيا التى تترقب اللحظة المناسبة فى كل مـن مالي وبوركينا فاسو المجاورة، مما يثير قلقا كبيرا لدى الغرب، فضلاً عَنْ مخاوف تمدد الجماعات المسلحة التى تتوالد بشكل مخيف فى منطقه غرب أفريقيا خاصة.
نهاية مرحلة وبداية أخرى
وصف الكاتب ريتشارد بوبلاك فى صحيفة “غلوبال آند ميل” ما يجري فى أفريقيا بأنه “نهاية لمرحلة كبرى وبداية لمرحلة جديدة، خاصة بينما يخص فرنسا ووجودها التاريخي فى أفريقيا”، بينما ذهب آخرون لوصف ما جرى فى البلدين بأنه يسلط الأضواء على القضية المتعلقة بالسيادة الوطنيه والحق فى تقرير المصير فى أفريقيا.
ما بين الرغبة فى الاستقلال الحقيقي، والاستجابة لضرورات ودواعي الأمن الجماعي، وتداخلات مصالح الفاعلين الدوليين، تظل تطلعات الشعوب الأفريقية فى الاستقرار والتنمية والازدهار على المحك، بين ما قد تشهده مـن مزيد مـن التداعي، وما قد يُعد مخاض ميلاد جديد.