بسـبب غزة.. الي أين يتجه التصعيد امام جامعة هارفارد الأميركية؟ | سياسة سام نيوز اخبار
واشنطن- أدى قرار ادارة جامعة هارفارد، الوقوف وراء رئيسة الجامعة كلودين غاي، بعد مطالبات باستقالتها على خلفية شهادتها بشأن صعود معاداة السامية فى الجامعات الأميركية فى اثناء تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الي شن أنصار إسرائيل حملة مستمرة للتنكيل والتشهير بغاي.
وامتدت الحملة لتشمل أبعادا مختلفة بدءا مـن التشكيك فى سياسات الجامعة، خاصة حول ما يتعلق بقبول ابناء الأقليات والفقراء، مرورا بالتشكيك فى أمانة رئيسة الجامعة الأكاديمية، وانتهاء بعقاب الجامعة والعمل على الإضرار المالي بها، وهي التى تحتفظ بوقف مالي تتخطى قيمته أكثر مـن 50 مليار دولار.
واستجوبت كلودين غاي، إضافة الي رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل، ورئيسة معهد ماساتشوستس للتقنية سالي كورنبلوث، مـن لجنة التعليم بمجلس النواب فى وقت لاحق، على خلفية تصاعد “العداء للسامية” فى الحرم الجامعي منذ السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي.
وهوجمت السيدات الثلاث، بسـبب إجاباتهن عَنْ أسئلة النواب حول حرية التعبير عَنْ الرَّأْي وحماية الطــلاب اليهود، وخلال الجلسة، سُئلت غاي عما إذا كانـت الدعوة الي الإبادة الجماعية لليهود تتعارض مع سياسة جامعة هارفارد. ولم تعط غاي إجابة واضحة، وقالت، إن ذلك يعتمد على “السياق”.
وبعد رد فعل عنيف، أصدرت الجامعة بيانا أوضحت فيه ان لديها موقفا قويا تجاه دعوات العنف امام اليهود. واستقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا، بسـبب الضغوط التى تعرضت لها بعد جلسة الاستماع، بينما صممت رئيسة جامعة هارفارد على الاستمرار فى القيام بمهامها. ولم تُرض إجابات رئيسة الجامعة كثيرا مـن المانحين والخريجين والطلاب والسياسيين.
دعـم الأقليات على حساب الكفاءات
واتهم المعلق المعروف فريد زكريا فى افتتاحية برنامجه على مجموعه سي إن إن جامعة هارفارد، وغيرها مـن جامعات النخبة، وقال، إن “جامعاتنا النخبوية تحولت مـن كونها مراكز للتميز الي مؤسسات تدفع بـ(أجندات) سياسية، وبدأت هذه الأجندات بتشجيع التنوع والشمول بحسن نية، لكن تلك النيات الحسنة تحولت الي (أيديولوجية) عقائدية، وحولت هذه الجامعات الي أماكن تكون فيها الأهداف السائدة هى الهندسة السِّيَاسِيَّةُ والاجتماعية، وليس الجدارة الأكاديمية”.
وتُتَهم هارفارد بمحاباة طلاب الأقليات العرقية على الطــلاب البيض، رغبة منها فى خلق تنوع طلابي لا يعكس بالضرورة التفوق العلمي للمتقدمين.
واليوم يمثل الطــلاب الأميركيون البيض 36٪ مـن إجمالي طلابها، والآسيويون 21% منهم، والهيسبانيك 12%، والطلاب الأجانب 11%، والسود الأفارقة 11%، و9% مـن بقية الخلفيات.
وينتمي 12% مـن طلاب الجامعة لطبقات فقيرة، بينما ينتمي 88% لطبقات غنية ماليا، وتبلغ تكلفة العام الدراسى فى هارفارد ما لا يقل عَنْ 70 ألف دولار.
وتقدم لجامعة هارفارد العام الماضي 42,749 طالبا، وقُبل 1,962 منهم، اى ما نسبته 4.6% فقط. ويشعر كثير مـن طلاب هارفارد بالقلق مـن ان الحصول على شهادة مـن هذه الجامعة المرموقة، قد يضر بفرص العمل حيـث يتعهد بعض أرباب العمل بعدم توظيف خريجيها؛ بسـبب تعامل الجامعة مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل.
تكتيكات وول ستريت
لجامعة هارفارد وقف قيمته 50 مليار دولار، وتديره الجامعة فى صورة مؤسسة غير ربحية، وعليه لا تدفع الجامعة اى ضرائب على دخلها مـن هذا الوقف.
ومع ترصد الجامعة للهجوم منذ السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، يشن بيل أكمان، الممول الملياردير والمستثمر، وخريج جامعة هارفارد، معركة امام رئيسة الجامعة، ويعتمد على إستراتيجية أكسبته سمعة كأحد أكثر المستثمرين قسوة فى وول ستريت.
وعبّر أكمان بصورة شبه يومية عَنْ غضبه، بسـبب ما يعدّه تقاعس جامعة هارفارد عَنْ مواجهه معاداة السامية فى الحرم الجامعي. وكتب عَدَّدَ مـن كبار رجال وول ستريت مطالبين سلطات هيئة الضرائب الأميركية بضرورة معاملة جامعة هارفارد كشركة، وأن تدفع ضرائب على الدخل مثلها مثل بقية الشركات، بسـبب نشاطها الاستثماري فى الوقف الخاص بها.
وكتبت عضوة مجلس تحرير صحيفة وول ستريت جورنال أليسيا فينلي، تقول، إن “الأوقاف الكبيرة المعفاة ضريبيا، تترك الجامعات تصنف مثل الشركات، لكن دون ضغوط السوق”.
وأشارت فينلي الي ان هيئة الضرائب الأميركية تعدّ جامعة هارفارد، ومعظم الجامعات الخاصة منظمات غير ربحية، مما يعني أنها ليست مضطرة لدفع الضرائب. ويوفر هذا الإعفاء للجامعة مئات الملايين مـن الدولارات كل عَامٌ، وهو ما مكنها مـن تنمية أوقافها.
وتراجع كثير مـن الممولين خاصة مـن خريجي الجامعة مـن اليهود، عَنْ تعهداتهم بتقديم ملايين الدولارات تبرعات للجامعة. ويكرر أكمان أنه إذا كانـت جامعة هارفارد شركة لها أسهم مطروحة للتداول العام، فربما تكون أسهمها قد انخفضت بشدة، بسـبب فرار المستثمرين.
مـن جانب اخر، ترى ادارة الجامعة ان هارفارد ليست مدينة بالفضل للمساهمين الذين يتبرعون لها خدمة لمصالحهم الخاصة، لأنها تخدم مجموعه مـن الأطراف، بما فى ذلك الطــلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين، وكثير منهم يشعرون بالغضب مـن فكرة ان مانحا ثريا واحدا يمكن ان يمارس مثل هذا التأثير الضخم فى جامعتهم.
وقال البروفيسور بن إيدلسون، الأستاذ فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد، “لا يمكننا العمل كوننا جامعة إذا كنا مسؤولين امام الأغنياء العشوائيين والغوغاء الذين يحشدونهم على منصه إكس- تويتر”.
المعايير الأكاديمية
بعد موقف جامعة هارفارد مـن تبعات هجمات 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، وما تبعها مـن تظاهرات كبيرة داعمة للفلسطينيين، أصبحت كتابات غاي العلمية تحت المجهر فى الأسابيع الاخيره، وقد وضحت بعض التقارير الي العديد مـن الأمثلة على ما يبدو أنه نسخ حرفي تقريبا مـن مصادر أخرى.
وأشارت ادارة الجامعة الي ان مراجعتهم لكتابات غاي البحثية “كشفت عَنْ حالات قليلة مـن الاستشهاد غير الكافي، لكنها لم تجد اى انتهاك لمعايير هارفارد لسوء السلوك البحثي”.
ويستغل مهاجمو الجامعة هذه النقاط، ويطالبون هارفارد باتباع المعايير التقليدية فى الحكـم على كتابات رئيستها، وهي المعايير التى تتطلع اليها بقية مؤسسات التعليم العالي الأميركي للحصول على إرشادات حول المعايير الأكاديمية.
كَمَا نشر كريستوفر روفو مـن معهد مانهاتن والصحفي كريستوفر برونيه أمثلة لما قالا، إنها أجزاء إشكالية فى أطروحة الدكتوراه التى كتبتها غاي فى 1997، وإنها “تنتهك سياسات هارفارد المعلنة بشأن النزاهة الأكاديمية”.
وقرر مجلس ادارة جامعة هارفارد الوقوف وراء الرئيسة كلودين جاي، ورفض فى بيـان له هذه الاتهامات كونها “حالات قليلة مـن الاستشهاد غير الكافي” الذى لا يشكل “انتهاكا لمعايير هارفارد لسوء السلوك البحثي”.
تاريخ عريق لهارفارد
تأسست جامعة هارفارد قبل 387 عاما، اى قبل تأسيس الدولة الأميركية بأكثر مـن 100 عَامٌ، فى مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس فى 1636، وهي أقدم مؤسسة للتعليم العالي فى الولايات المتحدة.
وتعدّ هارفارد مؤسسة ذات نفوذ طاغ، ويسعى للقبول بها ابناء النخبة الأميركية والنخب مـن مختلف دول العالم، بسـبب سمعتها وإنجازاتها الأكاديمية فى مختلف المجالات، وهو ما جعلها تتربع على قمه تصنيفات الجامعات فى العالم.
على مدى أكثر مـن 3 قرون ونصف القرن، أسهم خريجو جامعة هارفارد بشكل خلاق وكبير فى الولايات المتحدة والعالم بما قدموه فى مجالات الفنون والعلوم، والأعمال، والشؤون السِّيَاسِيَّةُ، والدولية.
وتضم قائمة خريجي جامعة هارفارد ثمانية رؤساء أميركيين، أولهم الرئيس الثانى للولايات المتحدة، جون آدمز، وآخرهم الرئيس باراك أوباما، ومن اشهر الرؤساء جون كينيدي وفرانكلين روزفلت.
وتضم قائمة الخريجين 188 مليارديرا، و49 مـن الحائزين على جَائِزَةٌ نوبل فى مختلف المجالات، وانتصر خريجوها بـ 10 جوائز أوسكار السينمائية، و48 جَائِزَةٌ بوليتزر الصحفية، وحقق خريجوها 108 ميدالية أولمبية منها 46 ميدالية ذهبية، كَمَا أسس خريجوها عَدَّدَ مـن اهم الشركات فى جميع ارجاء العالم؛ مث:ل بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، ومارك زوكربيرغ مؤسس منصه Facebook .
وعالميا يحكم عَدَّدَ مـن خريجي هارفارد عَدَّدَ مـن دول العالم، كَمَا تقلد بعض خريجها مناصب دولية مرموقة منها منصب السكرتير العام للأمم المتحدة.