تُذهِلنا تلك الصور القادمة مـن الفضاء، حيـث النجوم والمجرات كحَبّات الرمال، لا طاقة لأحد على إحصائها، وهي فى حركة مستمرة، ولا نهاية معلومة لوقت توقفها. كل ذلك لم يكن لنراه لولا المراصد الفلكية أو ما يُعرف بالتلسكوبات.
يُعرَّف “المسبار الفضائي” على انَّهُ جهاز غير مأهول يتم إرساله لاستكشاف الفضاء وجمع البيانات العلمية يُطلق مـن الأرض ومعه مجموعه مـن الأجهزة والأدوات العلمية المستخدمة لدراسة الغلاف الجوي وكيفية تكوين الفضاء ودراسة الكواكب والأقمار والأجرام السماوية الاخرى.
قد يستقر المسبار بعيداً فى الفضاء، أو قد يدور أو يهبط على كوكب أو قمرٍ ما، وقد يقوم برحلة فى اتجاه واحد، أو قد يجلب عينات وبيانات ويعود الي الأرض، أو يرسل البيانات عبر الموجات الراديوية.
وكان أول مـن اقترح فكرة إرسال المراصد الفلكية أستاذ الفيزياء الفلكية الأميركي “ليمان سبيتزر” عَامٌ 1946. وكان السبب الرئيسي وراء اقتراحه وضع التلسكوبات فى الفضاء هو التجول حول الغلاف الجوي للأرض حتـى يتمكن العلماء مـن الحصول على رؤية أوضح للكواكب والنجوم والمجرات التى تحت الدراسة، حيـث يعمل الغلاف الجوي كطبقة واقية تسمح بمرور بعض الضوء فقط بينما يحجب أنواعا أخرى منه وهي الأنواع الضارة، لكن ذلك يسبب خسارة موجات أخرى تفيد بدراسة الفضاء.
ابرز التلسكوبات الفضائيه
قبيل إنشاء التلسكوبات الفضائيه، هناك اهداف ومحددات لها، وهو ما يحدد حجمها وكلفتها. أمّا أهدافها فهو الغرض أو الدراسة المراد عملها مـن هذا التلسكوب، وهو ما يقرر حجم الأجهزة والأدوات التى ستكون دَاخِلٌ المسبار، وبالتالي تحدد حجمه، وهو ما يعني حجم الصاروخ الحامل له، وبالمحصلة الكلفة الإجمالية للعملية برمتها.
فَهناك أنواع مـن الاقمار الصناعية مهمتها الاتصالات أو مراقبة المناخ، وأخرى للخرائط أو للاستخدامات العسكرية. كَمَا ان هناك مراصد كبيرة، وهي التى تهتـم بدراسة الكواكب والمجرات أو البحث عَنْ الحياة فى أعماق الكون، وأخرى تدرس كيفية نشوء الحياة.
وفيما يلي نستعرض ابرز التلسكوبات الفضائيه ومهمة كل نوع منها.
تلسكوب جيمس ويب
تلسكوب جيمس ويب كان نتاج تعاون بين الإدارة الوطنيه للملاحة الجوية والفضاء الأميركية “ناسا“، ووكالة الفضاء الأوروبية، ووكالة الفضاء الكندية.
يقع جيمس ويب الان على بعد مليون ونصف المليون كيلومتر مـن الأرض، وقد بُني لتحقيق أربعة اهداف رئيسية هى: النظر الي النجوم والمجرات الأولى فى الكون المبكر، وتحديد المجرات التى يصعب رؤيتها باستخدام تلسكوب هابل، والتقاط صور لولادة النجوم، وأكثر مـن ذلك دراسة الكواكب وأنظمة الكواكب.
وفي يوليو/تموز 2022، وضح الرئيس الأميركي جو بايدن عَنْ الصور الأولى مـن تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وأظهرت هذه الصور بالألوان آلاف المجرات التى رُصدت على الإطلاق فى ضوء الأشعة تحت الحمراء.
ومع عرض أول صور للمجال العميق مـن جيمس ويب للجمهور العالمي، اعلن مدير ناسا بيل نيلسون: “إن حقل ويب العميق الاول ليس فقط أول صورة كاملة الألوان مـن تلسكوب جيمس ويب الفضائي، بل إنها أعمق وأكثر صورة بالأشعة تحت الحمراء وضوحاً للكون البعيد حتـى الان. وتغطي هذه الصُّورَةُ رقعة مـن السماء بحجم حبة رمل تقريبا على مسافة ذراع. إنها مجرد شريحة صغيرة مـن الكون الفسيح”.
تلسكوب هابل
تلسكوب هابل الفضائي أو “جَدّ التلسكوبات” كَمَا يُطلق عليه، سُمي على اسم إدوين هابل مُكتَشف نظرية توسع الكون، وأُطلق فى 24 أبريل/نيسان 1990، واستمر برصد مدار الأرض حتـى يونيو/حزيران مـن عَامٌ 2021 بعدما توقفت الحواسيب الخاصة به، وذكرت ناسا أنها تعمل على إصلاحها.
أحدث هابل ثورة فى علم الفلك، حيـث قدم صورا مذهلة لعدد لا يحصى مـن الأجسام الكونية، ومنح علماء الفلك وجهات نظرهم البعيدة عَنْ الكون.
كَمَا ألقى هابل الضوء على حجم الكون، ودورة حياة النجوم، والثقوب السوداء، وتكوين المجرات الأولى.
مرصد كومبتون لأشعة غاما
مرصد كومبتون لأشعة غاما سمي على اسم آرثر كومبتون الرائد فى دراسات أشعة غاما، وأُطلق فى 5 أبريل/نيسان 1991، وخرج مـن مداره فى 4 يونيو/حزيران 2000.
وهو أحد اشهر التلسكوبات الفضائيه التى تستخدمها ناسا لدراسة الأجرام السماوية، حيـث يقيس أشعة غاما، وهي نوع مـن الإشعاع الكهرومغناطيسي ينبعث مـن بعض المصادر فى الكون مثل انفجارات نشطة وبعيدة فى المجرات.
وكان مرصد كومبتون يقبع على صعود 450 كيلومترا فوق سطح الأرض، وكان يعمل بشكل جيد حتـى عَامٌ 2000 عندما توقف بسـبب اضطراب ميكانيكي أدى لخروجه مـن محوره.
مرصد شاندرا للأشعة السينية
شاندرا هو ثالث المراصد الأربعة الكبرى التابعة لناسا، وهو أقوى تلسكوب للأشعة السينية فى العالم. سمي بهذا الاسم على اسم الفيزيائي الأميركي الهندي سوبرامانيان شاندرا سيخار.
وكان دور تشاندرا فحص الأشعة السينية المنبعثة مـن بعض أغرب الأجسام فى الكون، بما فى ذلك النجوم الزائفة، والسحب الهائلة مـن الغاز والغبار والجسيمات التى يتم امتصاصها فى الثقوب السوداء.
تعاون شاندرا مرات عدة مع تلسكوبات أخرى بما فى ذلك تلسكوب هابل، لالتقاط صور مركّبة للمجرات وأجرام أخرى فى الكون.
ومن منجزات شاندرا الاعلان عَنْ ثقوب سوداء كانـت غير مكتشفة، كَمَا قدم تصورات جديدة للثقب الأسود الهائل الموجود فى مجرة درب التبانة، والتقط المرصد أول صور بالأشعة السينية للمريخ.
تلسكوب سبيتزر الفضائي
كان سبيتزر آخر المراصد الكبرى التى تم إطلاقها، وهو يجمع الأشعة تحت الحمراء المنبعثة مـن الأجسام الكونية، بما فى ذلك المجرات البعيدة والثقوب السوداء وحتى المذنبات فى نظامنا الشمسي.
ومن الصعب رصد الأشعة تحت الحمراء مـن الأرض لأن الغلاف الجوي للأرض يمتصها الي حد كثير. وكان سبيتزر أول تلسكوب يرصد الضوء مـن كوكب خارج المجموعة الشمسية، كَمَا رصد أقمار المشتري وسلط الضوء عليها.
مرصد هيرشل الفضائي
أُطلق هيرشل الي الفضاء فى 14 مايو/أيار 2009 برفقة تلسكوب بلانك، وهيرشل مـن تصنيع وكالة الفضاء الأوروبية، ويعد أكبر وأقوى تلسكوب للأشعة تحت الحمراء، حيـث يرصد الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء البعيدة الناتجة عَنْ بعض أبرد الأجسام فى الفضاء.
وصُمم هيرشل للبحث عَنْ الماء، سواء فى المذنبات القريبة أو فى سحـب الغبار البعيدة، ويتوقع علماء الفلك المصنعين لهيرشل قدرته على رصد النجوم الصغيرة اثناء تشكلها، وهو شيء لم يتمكنوا مـن رؤيته جاء الى، إذ بفضله اكتشف العلماء 1000 نجم جديد.
مرصد بلانك
وهو مرصد تابع لوكالة الفضاء الأوروبية، مهمته الانتباه على ضوء الموجات الميكروية للكون، حيـث يرسم خرائط الإشعاع ويوفر القياسات الأكثر تفصيلاً لتغيرات درجة الحرارة فى الكواكب ويستكشف أيضا ألغاز المادة المظلمة والطاقة المظلمة ويرسم خريطة ثلاثية الأبعاد للمجال المغناطيسي لمجرة درب التبانة.
عملية كيبلر
كيبلر تلسكوب تابع لناسا مهمته على وجه التحديد البحث عَنْ كواكب شبيهة بالأرض فى المجرة.
ويبحث كيبلر عَنْ اختلافات جيدة فى الضوء مـن مجموعه مستهدفة محددة مسبقاً مكونة مـن 100 ألف نجم. ويأمل علماء الفلك ان يتمكن مـن العثور على كواكب فى المناطق الصالحة للسكن فى النجوم، حيـث تكون درجات الحرارة مناسبة تماما لوجود الماء السائل.
تلسكوب فيرمي غاما راي
انضم فيرمي الي صفـوف التلسكوبات الفضائيه فى صيف عَامٌ 2008، وقد أعطى علماء الفلك افضل رؤية لهم على الإطلاق للطاقة الأكثر تطرفا فى الكون، وهي أشعة غاما.
تنتج أشعة غاما مـن ظواهر كونية كبيرة بما فى ذلك المادة المظلمة والثقوب السوداء والنجوم النابضة الدوارة.
ولم يمض وقت طويل مـن وصول فيرمي الي مداره حتـى رسم خريطة للسماء بأكملها تظهر أشعة غاما مـن مصادر عديدة، بما فى ذلك شمسنا.
واستخدم فريق فيرمي الخريطة لوضع قائمة افضل 5 مصادر لأشعة غاما فى الكون.
تلسكوب سويفت غاما راي
مثل فيرمي، يقوم سويفت أيضاً بمسح السماء بحثاً عَنْ أشعة غاما، ويبحث على وجه التحديد عَنْ انفجارات أشعة غاما، وهي أقوى الانفجارات فى الكون. تومض انفجارات غاما لبضع ثوان قبل ان تتحول الي وهج مـن الأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي.
وفي عَامٌ 2007، رصد سويفت انفجارات كبيرة مع أطول شفق تم تسجيله حتـى الان، حيـث استمر أكثر مـن 125 يوماً.
كَمَا سجل سويفت أبعد انفجار كوني شوهد على الإطلاق، وهو انفجار لِأشعة غاما مـن نجم مات عندما كان عمر الكون 630 مليون سنة فقط، أو بمعنى أقل مـن 5% مـن عمر الكون الحالي.
تلسكوب إنتغرال
انتغرال أو المختبر الدولى للفيزياء الفلكية لأشعة غاما التابع لوكالة الفضاء الأوروبية؛ أول مرصد فضائي يمكنه مراقبة الأجسام فى أشعة غاما والأشعة السينية والضوء المرئي فى وقت واحد.
وإنتغرال مثل فيرمي وسويفت، مكلف بالبحث عَنْ انفجارات أشعة غاما، لكنه يراقب أيضا انفجارات المستعرات الأعظم، ويراقب مناطق فى الكون يعتقد أنها تحتوي على ثقوب سوداء.
ويأمل علماء الفلك ان تساعدهم ملاحظات إنتغرال فى معرفة المزيد عَنْ كيفية تشكل العناصر عندما يموت نجم، ويمكن ان تساعدنا على فهم افضل للثقب الأسود الهائل الكامن فى مركز مجرتنا.
تلسكوب نيوتن
وهو مرصد سمي على اسم عالم الفيزياء الانجليزي إسحاق نيوتن، وتسمح أدواته بإجراء ملاحظات طويلة ومتواصلة عَنْ الكون، وهو مختص باكتشاف المزيد مـن مصادر الأشعة السينية أكثر مـن اى مرصد لاحق.
واكتشف نيوتن مجرات تبعد مليارات السنين الضوئية عَنْ الأرض، ورصد نجوماً مغناطيسية (نوع غريب مـن النجوم النيوترونية) ومناطق تشكل النجوم، وقام بالتحقيق فى ما يحدث دَاخِلٌ الثقوب السوداء وما حولها.
مرصد غالكسي
تتمثل الهامة الرئيسية لغالكسي التابع لناسا فى المساعدة على فهم تكوين المجرات بشكل افضل، فهو يدرس شكل المجرات والسطوع والحجم والمسافة بينها خارج الكون.
ومنذ إطلاقه قام بتصوير أكثر مـن نصف مليار كوكب ونجم عبر مسح ثلثي السماء المنظورة.
واكتشف غالكسي تَشكّل النجوم فى مناطق غير متوقعة مـن الكون، كَمَا اكتشف نجما قديما سريع الحركة يسمى العملاق الأحمر.
تلسكوب سوهو
صُميم لدراسة بنية وديناميكية الجزء الداخلي مـن الشمس، وكذلك الرياح الشمسية، وهي تيار مـن الجسيمات المشحونة المنبعثة مـن الغلاف الجوي العلوي للشمس.
ويُعد فهم هذه الظواهر الشمسية أمراً أساسيا للتنبؤ بشكل افضل بالطقس الفضائي، مثل التوهجات الشمسية التى يمكن ان تؤثر على الشبكات الكهربائية وشبكات الاتصالات هنا على الأرض.
وحتى الان، التقط سوهو الصور الأولى لمنطقة الحمل الحراري للشمس، وأظهر بنية البقع الشمسية تحت سطح الشمس، واكتشف ظواهر جديدة مثل الأعاصير الشمسية، ورصد أيضاً 1500 مذنب جديد.