تأشيرات فى ذكرى الثورة السورية | سياسة سام نيوز اخبار
تدخل الثورةُ السورية المباركة، هذه الأيام، عامها الثالث عشر، فى وقت يروّج العدو لسردية ان النظام قد انتصر، وكل شيء قد انتهى، يريدون بذلك خسارة الناس مـن باب الحرب النفسية، حتـى يقبلوا بأي حل وعلى اى صورة يكون، وهي سردية باطلة شكلًا ومضمونًا، ويردها الواقع، وترفضها حقائق الأشياء بكل أجزائها، ويجب علينا ان نصمد ونرد هذه السردية ونثبت على طريق الثورة حتـى تحقق أهدافها.
والحق ان هذه الذكرى تأتي لتذكرنا بصبر هذا الجمهور الأبي، وصموده الاستثنائي، وقوته فى مواجهه طغيان نظام الجريمة فى سوريا، ومن يسانده مـن قوى الشر والظلام.
وتتزامن هذه الذكرى العزيزة على قلوب السوريين الأحرار، مع شهر رمضان المبارك، شهر الصبر والتضحية والطاعات، شهر القرآن الكريم والصيام والقيام، وصلة الأرحام، شهر الجهاد والبطولات والغزوات الفارقة بين الحق والباطل، كغزوة بدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وغيرها مـن المعارك المصيرية فى التَّارِيخُ الإسلامي.
ولعل هذا التزامن اللطيف، يبعث بمعاني الطمأنينة والبشرى بموعود الله – عز وجل-، لهذا الجمهور الصابر المصابر، بأن بعد كل ضيق فرجًا، ومع كل عسر يسرًا.
هذه الثورة المباركة، التى خلّدت اسمها فى صحائف التَّارِيخُ المجيدة، بوصفها مـن أعظم ثورات العصر الحديث صمودًا وثباتًا، وأرسخها مشروعية وأحقية، وأغلاها كلفة وتضحيات بشرية ومادية، لا بد لها مـن وقفة مراجعة جادة، لتصويب مسارها، وإعادة توجيه بوصلتها، وترشيد فعلها.
فلا بد ان نشخّص ما آلت إليه الثورة حاليًا مـن أوضاع، تشخيصًا دقيقًا حقيقيًا، دون مجاملة أو تزيين أو تزييف، لنحسن بعد ذلك وضع الحلول المناسبة لإعادة النهوض والانطلاق، بداية جديدة راشدة، متجاوزين مخالفات الماضي وعثراته.
بداية الثورة.. أمل وألم
لا يجادل إنسان عاقل أو منصف بأنّ هذه الثورة قامت سلمية بجدارة، مطالبة بالحرية والعدل والكرامة، إلا ان نظام البطش والإرهاب والإجرام فى سوريا تعامل معها بلغة القمع والقتل وإرهاب السلطة التى لا يجيد العديد، فسلط على الجمهور الثائر شبّيحته وجلاوزته وأجهزته الباطشة، مرتكبًا بحقهم مجازر وحشية، يندى لها جبين الإنسانية، وتشمئز منها ضمائر العالم الحي، وما القصف بالسلاح الكيميائي إلا مفردة مـن مفردات تلك الفظائع، التى ارتكبها هؤلاء المجرمون.
لكن الجمهور السوري واجه ذلك القتل والإجرام بصبر وتحدٍّ، وصمد امام آلة إرهاب النظام صمودًا عجبًا، رغم جسامة الخطْب، وفاتورة الموقف الباهظة.
لقد قاومت هذه الثورة الفريدة جبهة واسعة مـن الأعداء المجرمين مـن الداخل والخارج، فصمدت.. كَمَا قوبلت بخذلان واضح، ومؤامرة كبيرة فلم يزدها ذلك إلا صمودًا وإيمانًا وتسليمًا.
عدوان طائفي
ثم جاء دور نظام الحقد الطائفي صاحب المشروع الخطر، والمخطط الهدام، حليف نظام الأسد الإستراتيجي، فما إن رأى نظام الأسد بدأ يتهاوى امام صلابة ثورة الجمهور، حتـى تدخل لينقذه مـن السقوط، وخشية انكسار العمود الفقري لمشروعه الطائفي الخبيث، الذى عمل لعقود طويلة على زجّ سوريا فى أتون محرقته.
وما لبث نظام إيران ان دخل المعركة بكل لوازمها، وزج بإمكاناته جميع، وحرك أذرعه الطائفية السيئة فى كل مكان، مرتكبًا أبشع الجرائم بحق ابناء الجمهور السوري فى المدن والبلدات والقرى السورية.
لكن رغم كل هذا البطش والإجرام، لم يكن الطريق امام نظام إيران وأذرعه الإجرامية سهلًا، فكانت المفاجأة لهم ان وجدوا ثوارًا صابرين صامدين.
احتلال روسي
ولما ان عجز النظام وحلفاؤه الطائفيون عَنْ القضاء على الثورة واستئصالها، لم يجدوا بدًّا مـن عـقد معاهدة ماكرة مع نظام روسيا؛ مـن اجل إنقاذ الموقف؛ فلجأ رأس النظام الي الخيانة العظمى، وطريقة الغدر الأكبر، باستقدام الروس، حتـى يحققوا لهم ما يصبون إليه، راهنًا لهم مقدرات البلاد وخيراتها، وحاضرها ومستقبلها.
وبالفعل، جاء الدب الروسي بهمجيته المعهودة، وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية، وأدواته الفتاكة، ووسائله الإجرامية الحديثة، وصاروا يصبون جام غضبهم على ابناء الجمهور السوري الذين خرجوا يبحثون عَنْ الحرية والعدل والكرامة.
لقد ارتكب المحتلون الروس جرائم كثيرة، قتلوا خلالها خلقًا كثيرًا، خصوصًا مـن الأطفال والنساء والشيوخ، فذهب ضحية قصفهم الظالم أسرٌ بكامل أفرادها، كَمَا قاموا بتدمير المزيد مـن منازل المواطنين، وتخريب البنى التحتية.. ونتيجة قصفهم الهمجي رحل مئات الألوف عَنْ مدنهم وقراهم وبلداتهم، وصاروا إما نازحين على الحدود، أو لاجئين فى الدول المحيطة وغيرها مـن الدول.
عوامل النصر والنجاح
لا بد، كَمَا أسلفنا، مـن وقفة..
مـن هنا توجب علينا ان نعرف جميع جوانب النقص، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج.
وعلينا ان ندرك تمام الإدراك، ان مـن اهم عوامل النصر والنجاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين، وأن الفرقة شر، وهي مـن أكبر المصائب، التى تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلًا عَنْ الثورات، والمشاريع التغييرية الكبيرة.
والمطلب العملي، هو أولًا وحدة التنسيق والتعاون، وهناك جهود ناشئة فى هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها للوصول الي نقطه الالتقاء فى عالم المرجو مـن هكذا عمل مهم ولازم، وبهذا نضع أقدامنا على طريق الوصول بسلام وأمان.
اعلن الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4). وقال نبيه الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وكلمة لأبناء الجمهور السوري: اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم ترحمون.. وحدوا صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، وتسامحوا بينما بينكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.. تعاونوا على عمل الخير، وكونوا يدًا واحده، فى الداخل والخارج، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة.
ثم ننطلق يدًا واحده نعمل على إحياء قضيتنا وثورة شعبنا حتـى نحقق أهدافها.
ولا بد أيضًا مـن الانتباه على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنيه، والنظر فى الثغرات، لسد الخلل، وتصحيح الْأَوْضَاعُ، ولم الشمل، وتنظيم الامور بصورة فعالة، والتواصل مع الناس، لحل مشكلاتهم.
اما ابناء الجمهور السوري فى الخارج، فعليهم ان يكونوا سفراء خير أينما كانوا وحيث حلّوا لهذا الجمهور المنكوب وهذه الثورة المباركة، يذبّون عنه كيد الكائدين، وشائعات المغرضين، وتشويه المشوهين، وطعن الطاعنين، وتلفيق الملفقين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين مشكلة كبيرة، فالتحديات لا يستهان بها، والعقبات تحتاج الي تعاون كي نتجاوزها.
وبالمقابل، يلزمنا ان نقف على حقيقة هذا التخاذل الرهيب، الذى يتعلق بقضية ثورة سوريا، ندرس أسباب ذلك ودوافعه، ونقف على حقيقة الامر بعمق ودراية، مـن غير عواطف ولا انفعالات، ثم نحاول وضع النقاط على الحروف، فى إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.
ومن ثم لا بد مـن وضع خطة عمل شاملة، لتحريك الحدث السوري عالميًا، دون إهمال لأحد، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ويكون ذلك عَنْ طريق لجان متخصصة، كل فى مجاله، حتـى نعيد للقضية السورية ألقها، وما تستحق مـن عناية على مستوى العالم.
ومعلوم ان القضية السورية، خفت الحماسة لها، بصورة نسبية.. وإن وضعها مرة اخري على رأس القضايا الساخنة، ضروري ومطلوب.
نتذكر أيضًا اهميه دور العلماء، وأنهم ملح البلد، وما يجب ان يقوموا به، مـن واجب المناصرة لشعب سوريا، وحث الناس، ليقفوا معهم، وجمع التبرعات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم ومكانتهم فى نفوس ابناء الأمة، وصوتهم مسموع، وكلمتهم مؤثرة، مـن هنا كان على عاتقهم، حمل الأمانة إذ هم “ورثة الأنبياء”.
الدور العربي والإسلامي المنتظر
إن مشروع الجمهور السوري فى إسقاط النظام، مشروع عظيم، حق له ان يساند، ويقف كل الناس معه، فزوال هذا النظام خير لسوريا، كَمَا هو أمان لدول الجوار مـن أمة العرب، وتسلم مـن شره أمة الإسلام، فزوال النظام المجرم الخائن، فريضة شرعية، وضرورة سياسية، وحالة إنسانية.
إن المعركة فى سوريا، معركة أمة، فالشعب السوري، يقابل مشروعًا خبيثًا وخطيرًا، مشروعًا طائفيًا اجتثاثيًا، يريد الهيمنة على الأمة وسحقها وابتلاعها، والمعوّل على شعب سوريا، ان يكون أداة تحطيم هذا المشروع، والقضاء عليه.. وهذا يريد الي مساندين وداعمين ومناصرين، ومن يرصد ما يلزم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل مـن قائل: لبيك يا شعب سوريا.
إن الجمهور السوري ينتظر مـن العرب والمسلمين وأحرار العالم ان يقفوا الي جانبه، فى مشروعه الحضاري، الذى يطالبون به، وينادون بمبادئه، ومما يريدونه أيضًا:
فلا ينسَ كل مسلم على وجه الأرض الدعاء لأبناء الجمهور السوري وثورته المباركة، خاصة فى هذا الشهر الفضيل؛ حتـى يتحقق النصر على المعتدين، ويقيموا دولتهم المنشودة، التى عنوانها العدل، الذى هو جماع الحسنات.
الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.