الزكاة اهم مواردها.. كيف بنت حركة الشباب الصومالية شبكتها المالية؟ | سياسة سام نيوز اخبار
منذ نشأتها عَامٌ 2006 تمكنت حركة الشباب المجاهدين فى الصومال مـن بناء مجموعه مالية يتداخل فيها الاقتصاد والأمن واستخدام التقنيات الحديثة، لتشكل مصادر ثابتة تؤَمِّن للحركة عشرات ملايين الدولارات.
ولم تكفل الشَّبَكَةُ المالية للحركة القدرة على الاستمرارية فحسب، بل حولتها الي أغنى وأهم فروع تنظيم القاعدة فى العالم، وفقا لستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية فى أفريقيا (أفريكوم).
وتقدر وزارة الخزانة الأميركية ان الحركة تدر سنويا أكثر مـن 100 مليون دولار، وهو رقم لافت بالنظر الي ان الإيرادات المحليه للحكومة الصومالية عَامٌ 2022 بلغت 250 مليون دولار، مما يلقي الضوء على حجم وفعالية آليات جمع الأموال التابعة للجماعة.
الضرائب والزكاة
تمثل الضرائب أحد الموارد الرئيسية التى تغذي مالية الجماعة، ووفقا لتقرير أممي صادر عَامٌ 2021 فإن هذه الضرائب تشمل 4 مجالات رئيسية: الزراعة والمركبات والبضائع والماشية.
وتمتلك الشباب إدارتين رئيسيتين لتحصيل الضرائب مـن المواطنين، مكتب الزكاة المخصص لجمع الضرائب غير النقدية مثل الماشية والمنتجات الزراعية، بينما يقوم مكتب المالية بجمع جميع الضرائب النقدية.
وتوضح دراسة نشرها مركز “هيرال” ومقره مقديشو ان الزكاة تجمع مـن الأشخاص المعينين جاء الى الحركة بمساعدة شيوخ العشائر؛ ويعد شهر رمضان العام التقليدي لتحصيلها.
ويصدر القائمون على التحصيل إيصالات للرعاة؛ اما أولئك الذين فقدوا إيصالاتهم فيجبرون على دفع الضرائب مرة أخرى فى العام القادم، وذلك لضمان عدم تهرب الرعاة الذين كانوا بعيدين عَنْ الأراضي التى تسيطر عليها الحركة اثناء العام السابق مـن دفع الزكاة.
اما المكتب المالي فيقوم بتحصيل جميع الضرائب النقدية، بما فى ذلك الزكاة النقدية التى تم تحديدها بنسبة 2.5% مـن القيمة النقدية للأعمال حسب تقييم يجريه محاسبو الحركة، الذين يحتفظون بقائمة بأصحاب الأعمال وتقدير لقيمتهم، حيـث يطلب منهم نهاية العام دفع الزكاة السنوية الي مكتب المالية نقدا.
اما فى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحركة فيتم جمع الضرائب بطرق مختلفة، كاستدعاء أصحاب الأعمال جاء الى مَسْؤُولِي الامور المالية فى الحركة للحضور الي مناطقهم للدفع، أو إيقاف الشاحنات الناقلة لبضائعهم فى نقاط تفتيش تابعة للجماعة خارج المدن وإجبار التجار على الدفع.
بجانب ما سبق تعتمد الحركة على مجموعه واسعة مـن المخبرين لإمدادها بالمعلومات حول التجار الذين لا تمر بضائعهم عبر طرق تسيطر عليها الجماعة حيـث يتم إجبارهم على الدفع تحت التهديد بالاستهداف، فى حال الرفض، مـن المكتب الأمني التابع للجماعة، الذى يمارس بحقهم اجراءات تمتد مـن إغلاق الأعمال التجارية الي القتل.
ورغم صعوبة الوصول الي أرقام دقيقة لقيمة الضرائب التى تحصلها الجماعة، فإن الحسابات التى أجراها مركز “هيرال” المختص بالشؤون الأمنية تؤكد أنها لا تقل عَنْ 3.5 ملايين دولار مـن العاصمة مقديشو وحدها.
نقاط التفتيش
يأتي أحد مصادر الدخل الرئيسية لحركة الشباب مـن فرض الضرائب على المركبات والبضائع التى تمر عبر نقاط تفتيش منتشرة فى ارجاء مختلفة مـن الصومال بما فيها بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المتنوعة، حيـث يقدر فريق تابع للأمم المتحدة عَدَّدَ هذه النقاط التى تديرها الحركة بـ100.
وتتكون مجموعه نقاط التفتيش هذه مـن مراكز دائمة وشبه دائمة ومتنقلة، مما يمنح حركة الشباب القدرة على تكييف أساليب التجميع وفقا للوضع الميداني على الأرض.
ويصعب تجنب دفع الضرائب عبر هذه النقاط بسـبب الشَّبَكَةُ الواسعة مـن المخبرين الذين يجمعون البيانات لصالح الحركة ويبلغونها بالسائقين الذين يحاولون اتخاذ طريق بديل، حيـث تصدر بحقهم الغرامات غير القابلة للتفاوض.
وتتراوح قيمة الضريبة للشاحنة الواحدة بما بين 500-1000 دولار فى كل مرة تستخدم فيها هذا الطريق، ويقدر تقرير أممي ان ما تدره نقطه جسر كاسوما وحدها، وهي مـن أكثر النقاط ربحية، يتراوح بين 15 ألفا الي 30 ألف دولار يوميا.
التحصيل مـن الموانئ
تعد المنافذ البحرية مـن مجالات التحصيل المالي الخصبة للحركة التى تستخدم عملاءها دَاخِلٌ إدارات الموانئ للحصول على بيانات الشحن وتوفير معلومات عَنْ الشركات وما تستورده وتصدره، بما يمكنها مـن فرض ضرائب لا على الواردات والصادرات فقط بل يمتد ذلك الي البضائع العابرة عبر الطريق الحيوي مـن الموانئ والشركات وإليها.
وفي حالة أوردها تقرير أممي صادر عَامٌ 2022 فإن شركة استوردت 8 آلاف طن مـن المواد الغذائية عبر ميناء مقديشو أوائل عَامٌ 2021، وبعد 10 أيام مـن وصول الشحنة اتصلت الحركة بالشركة عبر الهاتف وطالبتها بدفع ضريبة تزيد على 30 ألف دولار.
وفي رقم دال على حجم هذه الضرائب فقد قدر نفس المقال ما حصلته الحركة فى شهر يوليو/تموز 2021 مـن ميناء كيسمايو جنوبي الصومال وحده بـ34 ألفا و200 دولار أميركي.
الجوال فى خدمة الحركة
يعتبر استخدام التحويلات الهاتفية أحد ابرز الوسائل التى تسخرها الجماعة لتحريك الأموال، ووفقا لتقرير صادر عَنْ البنك الدولى فإن أكثر مـن 70% مـن السكان يستخدمون خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، ويتم إجراء أكثر مـن ثلثي جميع المدفوعات فى الصومال عبر منصات الأموال بواسطة الهاتف المحمول، حيـث يتم إجراء 155 مليون معاملة شهريا عبر هذه الوسيلة بما قيمته 2.7 مليار دولار.
تستغل الحركة يسر عملية التحويل عبر المحمول وعجز البنك المركزى عَنْ فرض الرقابة الكاملة على هذا الكم الهائل مـن عمليات التحويل نتيجه ضعف موارده، فكل ما يتطلبه الامر هو الحصول على شريحة هاتفية للقيام بعمليات التحويل مباشرة.
وبجانب حسابات مصرفية تابعة لبعض أفراد الجماعة فإن التعامل النقدي هو الأكثر شيوعا، حيـث يتم جمع أموال الضرائب بأنواعها المتنوعة بشكل نقدي كَمَا يتم تداولها سحبا وإيداعا بنفس الطريقة.
اختراق المؤسسات
لجأت الحركة الي التسلل الي المؤسسات الحكومية بما فيها تلك المسؤولة عَنْ الضرائب وغرف التجارة والصناعة الصومالية، ما يتيح لها الفرصة للحصول على البيانات الكافية والتفصيلية لابتزاز التجار ورجال الأعمال والمجتمعات المحليه.
ووفقا لإفادة عضو لاحق فى الحركة لصوت أميركا فإن هذا الاختراق يتم عبر عدة وسائل؛ منها ضـم أحد أتباعها الي المؤسسة المعنية، أو تجنيد أحد العاملين دَاخِلٌ هذه الدوائر المستهدفة عبر منحه مقابلا شهريا.
وقد يصل الاختراق الي قلب الأجهزة المكلفة بحماية الأمن حيـث تمت إدانة مسؤولين فى مؤسسات حيوية كمطار مقديشو وجهاز الاستخبارات الوطني بتهمة التعاون مع الجماعة.
لا يوفر هذا الاختراق البيانات فقط بل يشكل جوا مـن الرعب الذى يدفع المواطنين للامتثال لطلبات الجماعة، حيـث يشعرون بعجز الحكومة عَنْ حمايتهم عند رفض الدفع، كَمَا أنهم يتخوفون مـن الإبلاغ عَنْ أفراد الحركة بسـبب مجموعه الجماعة مـن العملاء والمخبرين وارتفاع مستوى التسلل، وهذا ما يجعلها ناشطة فى ابتزاز الشركات والأفراد فى بعض المناطق دون الحاجة الي السيطرة عليها عسكريا.
تجفيف المنابع المالية
تشير العديد مـن التقارير المعنية الي انخراط الحركة فى نشاطات تجارية متنوعة كالذهب والعقارات وتهريب الفحم النباتي والسلاح وغيرها، ويكشف قرار صادر عَنْ وزارة الخزانة الأميركية فى مارس/آذار 2024 باستهداف كيانات وأشخاص داعمين للحركة عَنْ مجموعه واسعة مـن عمليات تبييض الأموال فى شرق أفريقيا وقبرص وغيرها.
يندرج هذا القرار ضوء جهود واشنطن لتجفيف منابع الحركة المالية، حيـث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عَنْ مكافأة تبلغ 10 ملايين دولار للتبليغ عَنْ معلومات تؤدي الي تعطيل هذه النشاطات.
هذا البعد الدولى فى مكافحة النشاط الاقتصادي للحركة يقابله بعد محلي موازٍ، إذ قامت الحكومة الفدرالية الصومالية باتخاذ العديد مـن الإجراءات فى هذا السبيل، كاستصدار قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب عَامٌ 2016، والذي يطالب المؤسسات المالية بالإبلاغ عَنْ المعاملات المالية التى تتجاوز 10 آلاف دولار.
وفي محاولة لمواجهة استخدام الحركة للتحويلات المالية عبر الجوال طورت الحكومة الصومالية لوائح قانونية خاصة بتحويل النقود مـن اثناء الهاتف المحمول، وبدءا مـن فبراير/شباط 2021 تم إصدار ترخيص لعدد مـن مزودي خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول سعيا وراء خلق نوع مـن التنظيم والرقابة عليها.
ومثلت الجبهة الاقتصاديه جزءا محوريا فى اطار حرب الحكومة الصومالية الشاملة على حركة الشباب المعلنة منذ 2022، حيـث حذرت وزارات المالية، والموانئ والنقل البري، والتجارة والصناعة، رجال الأعمال والمؤسسات والمواطنين مـن التعامل مع الحركة تحت طائلة سحـب التراخيص مـن الشركات التى يثبت تورطها فى هذا النشاط.
بجانب ما سبق تقوم الجهات الأمنية بتنفيذ هجمات وغارات على نقاط تحصيل الضرائب والمسؤولين الماليين التابعين للحركة.
عقبات فى وجه السلطات
غير ان العديد مـن العقبات تواجه السلطات الصومالية فى سعيها لتقويض النشاط الاقتصادي للحركة، حيـث يخشى الموظفون فى المؤسسات المالية المتنوعة انتقام الحركة حال التبليغ عَنْ نشاطاتها، كَمَا ان تفشي المحسوبية والعشائرية فى دوائر الدولة يهدد فاعلية الإجراءات الحكومية، حيـث يبدأ الفساد مـن النخب المحليه القابضة على زمام السلطة.
وفي مايو/أيار 2022 أصدر المركـز الصومالي لإعداد التقارير المالية قوية حكومية لتقييم المخاطر الوطنيه المرتبطة بتحديد وتقييم وفهم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى الصومال، ووضع إجراءات منسقة لضمان التخفيف مـن المخاطر بشكل فعال.
ويشير هذا التقييم الي ان الصومال لا يستطيع تسريع التحقيقات فى غسل الأموال وتمويل الإرهاب بسـبب الطبيعة المفككة للتفاعل بين الوكالات، والافتقار الي القدرة على التحقيق دَاخِلٌ مركز التقارير المالية والوكالات الاخرى، بجانب ان المحكمة العسكرية التى تحاكم ممولي الإرهاب تتهم أحيانا بعدم الوفاء بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.