الحرب ودول جوار السودان (3-3) | سياسة سام نيوز اخبار
تناولت الحلْقتان السابقتان، مواقف دول الجوار السوداني: إثيوبيا، وإريتريا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وما هى علاقة هذه البلدان بالحرب الدائرة، وتداعياتها على الأمن الإقليمي، فضلًا عَنْ علاقة الحكومات والأنظمة فى هذه الدول بالجيش السوداني، ومليشيا الدعـم السريع المتمرّدة، والعوامل والظروف والملابسات التى قادت لهذه المواقف المعلنة والمستترة.
واليوم نواصل ما تبقى بعد تطوافنا على جوار السودان: الشرقي، والجنوبي، والغربي، للنظر فى تأثيرات هذه الحرب على كل مـن ليبيا، ومصر، فى جوار السودان: الشمال، والشمال الغربي.
ليبيا
قبيل اندلاع الحرب، لم تكن ليبيا بعيدة عَنْ التطورات الجارية فى السودان، سواء كانـت الحكومة الليبية فى العاصمة طرابلس، أو ليبيا الشرقية – الجنوبية التى يمثلها فى بنغازي اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم مـن دول عربية.
تعاملت حكومة طرابلس وَفق ظروفها وعدم سيطرتها على مناطق الحدود الليبية السودانية، لم تبدِ غير الموقف الرسمى المبني على موقف الجامعة العربية وقرارات قمه دول جوار السودان فى يونيو/ حزيران 2023م بالقاهرة، لكنها اثناء زيارة البرهان يـوم 26 فبراير/ شباط الماضي الي طرابلس والتي تلتها زيارة حميدتي بعد ثلاثة أيام، طرحت بشكل غير معلن وشامل ما يمكن تسميته مبادرة للحل السياسي فى السودان.
اما اللواء خليفة حفتر ومجموعته، فقد انخرطوا منذ البداية فى دعـم التمرد فى السودان، بل وكان على علم بساعة الصفر التى حددتها الدعـم السريع لانقلابها على السلطة، ففي الاسبوع الثانى مـن أبريل/نيسان 2023م – قبيل بداية الحرب أوفد حفتر ابنَه “صدّيق” ومدير مكتبه اللواء خيري التميمي الي الخرطوم للاجتماع مع حميدتي والتنسيق معه، وقد كان ان قضى نجل حفتر أيامًا بالخرطوم فى ضيافة قائد الدعـم السريع، وغادر السودان قبيل اندلاع الحرب بيوم أو يومين، تم اثناء الزيارة وضع الترتيبات والتدابير فى العلاقة بين الطرفين والاتفاق على ثمن هذا الموقف.
تعود العلاقة بين الدعـم السريع وحفتر الي الفتره التى سبقت سقوط الرئيس البشير، حيـث اجتمع الرجلان أو مندوبان عنهما أكثر مـن مرة فى اجتماعات تنسيقية فى دَوْلَةٌ عربية راعية، وفي 2019م – بعد الانقلاب على البشير – جاء الي التنسيق أَوْجه عندما ذاع ان حميدتي قام بإرسال 1500 جندي للقتال لصالح حفتر فى معركته لاحتلال العاصمة طرابلس، وحاولت قيادة الدعـم السريع نفي هذه الأخبار، بينما الطائرات التى ترسل بها القوات تبدأ مـن مطار مدينتي نيالا والفاشر تجاه ليبيا مباشرة أو عبر مطارات عربية.
العلاقة التى ربطت حفتر بالدعم السريع وبشركة فاغنر الروسية، تنشط فى الأساس على ثلاث قضايا رئيسية، هى:
- تسهيل مرور الإمدادات العسكرية مـن سيارات دفع رباعي وسلاح وذخائر التى تصل الي ميناءَي: بنغازي وطبرق الي دَاخِلٌ السودان عبر مدينة الكفرة.
- التعاون فى مجالات تجنيد المرتزقة الأجانب الذين يتواجدون دَاخِلٌ ليبيا، ولا سيما فى مناطق الجنوب والشرق وإدخالهم الي السودان.
- تمرير المواد الغذائية والبترولية عبر تنسيق مشترك، وعلاج جرحى العمليات مـن قوات الدعـم السريع.
فى هذه المحاور الثلاثة بُنيت علاقة حفتر بالدعم السريع، فقد فتحت بنغازي الموانئ لاستقبال الدعـم العسكري الذى تقدمه دول عربية، مـن سيارات الدفع الرباعي، بكامل تجهيزاتها وقطع الغيار، بجانب السلاح والذخائر ومدافع متوسطة.
يتسلم هذه المساعدات “صدّام خليفة حفتر” المشرف على جيش حفتر، ومن ثم تقوم الكتيبة (106) بنقل ما يصل الي مدينة الكفرة لتتسلّمها كتيبة (سبل السلام)، وهي عناصر جماعة المداخلة (تنسب للشيخ ربيع المدخلي)، وتوصلها الي الحدود الليبية السودانية، حيـث يتسلمها مندوب الدعـم السريع (الطيب حجازي يوسف)، كَمَا ينسق صدّام حفتر مع كتيبة “سبل السلام”؛ لاستضافة وتدريب عناصر الدعـم السريع الجدد فى معسكرات فى الكفرة الليبية، وأكبرها معسكر ومزارع عبد الرحيم سلطان القائد الثانى لجماعة “سبل السلام”.
كَمَا يساعد حفتر أنشطة الدعـم السريع لتجنيد المرتزقة الأفارقة والقبليين المحليين فى مناطق الجنوب الليبي، حيـث قام صدام حفتر بالتنسيق مع الزعيم المحلي (حسين الشريف) لتجميع المرتزقة فى مناطق (أم الأرانب)، وعلى الحدود الليبية التشادية، ومنطقة المثلث الليبي، السوداني، التشادي جنوب غرب (السارا)، ومناطق سبها، وجنوب الجفرة، وحتى عمق الصحاري، كَمَا يستقبلون المستجدّين مـن طبرق وأجدابيا التى ينشط فيها فريق الدعـم السريع بقيادة رمضان سالم أبوبكر. هذا بالإضافة الي التجنيد مـن مناطق التعدين الاهلي جنوب ليبيا، وشمال تشاد، والنيجر.
ظهرت مستجدات عملية أعاقت الجهود المصرية، منها الموقف التشادي المساند للتمرد، والشكوك بين السودان وإثيوبيا، وما يحيط بها مـن تعقيدات ملف سد النهضة
تمتد خطوط الإمداد مـن طبرق وبنغازي الي الكفرة ومنها للسودان فى كل المحاور الثلاثة، ولكن اللواء المتقاعد خليفة حفتر ينفي بشكل متكرر دعمه قوات الدعـم السريع، وقد حاول الاتصال برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان لشرح موقفه.
لكن البيانات المتوفرة للأجهزة السودانية ولأطراف إقليمية ودولية، تؤكد -دون شك- دور حفتر فى تمرير العتاد الحربي، وتوفير الوقود، والمواد الغذائية، وتعيينات الدعـم السريع، حيـث يقوم تجار متعاونون مع المليشيا المتمردة فى بنغازي بشحن الكمية المطلوبة كل شهر مـن الوقود والسكر والزيت والدقيق والأرز، وغيرها الي السودان عبر الحدود التشادية بعد ان تتجمع فى معسكرات قوات سبل السلام الليبية.
وفيما تعكف الحكومة الليبية فى طرابلس على متابعة الطريق السياسي والحل عبر مبادرة دول جوار السودان، أو مبادرتها الخاصة، أو المبادرة المشتركة مع تركيا، فإن المناطق الشرقية والجنوبية مـن ليبيا التى تقع خارج حدود سيطرتها، يقوم فيها اللواء خليفة حفتر ومن ورائه دول عربية راعية بتقديم دعـم لا محدود لمليشيا الدعـم السريع، رغم اعتراضات زعماء قبائل “الكفرة” ولا سيما قبيلتي: “الزوي” و”المجابرة” اللتين ترفضان هذا النوع مـن التورط فى الأزمة السودانية وهما قبيلتان ترتبطان بالسودان نسبًا ومصاهرة.
مصر
مـن بداية الحرب حدّدت مصرُ موقفها المساند للجيش السوداني فى مواجهه المليشيا المتمرّدة. وللرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي تصريحـاتٌ اثناء يرددها باستمرار ان بلاده تدعو لإبعاد اى مليشيات فى المنطقة، ولم تكن علاقة القاهره بالدعم السريع جيدة فى كل الأحوال.
ففي زيارة حميدتي الأولى للقاهرة فى يوليو/ تموز 2019 م بعد ما سُمي بالمحاولة الانقلابية لرئيس الأركان السابق النادي أول هاشم عبدالمطلب، أطلق حميدتي تلميحًا يتهم فيه مصر بالتورط فى الانقلاب، ولدى وصوله مطار القاهره يوليو/تموز 2019، اعلن لمستقبليه مـن المصريين؛ إنه بصدد مناقشة موضوع الانقلاب فى الخرطوم وعلاقته بمصر، فكاد ان ينسف علاقته بالقاهرة.
وظلت العلاقة فاترة بين الدعـم السريع والقاهرة، بينما القاصمة عندما أرسل قواته الي مطار مدينة مروي شمال السودان؛ لإخراج القوات المصرية التى كانـت تعمل فى مجال التدريب، فاختطفت أكثر مـن 20 ضابطًا وفردًا منها، متهمًا مصر مباشرة بالتورط فى السودان، وأطلق سراح هؤلاء بعد اتصالات سياسية ودبلوماسية مع أطراف داخلية وخارجية بعد اسبوعين مـن الحرب.
الواضح انّ مصر داعمة للاستقرار والسّلام فى السودان، وقد تحمّلت الآثار المباشرة للحرب، فمنذ 15 أبريل/نيسان 2023م لاذ بها ما يقرب مـن 450 ألف سوداني فارين مـن الحرب، الي جانب نحو 4 ملايين مـن المقيمين أصلًا فى مصر حسب اخبار منظمة الهجرة الدولية.
عقدت قمه جوار السودان 13 يوليو/تموز 2023م بدعوة مـن الرئيس المصرى، وشاركت فيها كل دول الجوار السوداني؛ للبحث عَنْ حل يوقف الحرب، فالسودان لمصر ليسَت مجرد عمق إستراتيجي بل هى حياة ومصير واحد، وتنظر القاهره للمهددات الأمنية والإستراتيجية الناتجة عَنْ الحرب على الأمن القومي المصرى وعلى المنطقة برمتها.
مـن اثناء استضافتها السودانيين اللاجئين، تسعي القاهره للتواصل مع كل الفرقاء السودانيين مـن القوى السِّيَاسِيَّةُ التى تقف مساندةً للجيش، وقوى إعلان الحرية والتغيير التى تناصر المتمردين مـن مليشيا الدعـم السريع، والغرض الرئيس مـن تحركات القاهره وجهودها هو الإمساك بالملف السوداني بجوانبه المتنوعة، والاستماع لكل وجهات النظر وبلورة رؤية متكاملة للحل.
دعمت مصر أيضًا منبر جدة التفاوضي والمبادرة الأميركية – السعوديه المشتركة، وتشاورت مع الوسيطَين حول ملف التفاوض ووقف الاعلان النار، وتمرير المساعدات الإنسانية، وحول مبادرة دول جوار السودان، وقمة القاهره، وتكوين اللجنة التنفيذية الوزارية لتنسيق العمل فى الإقليم.
ولكن ظهرت مستجدات عملية أعاقت الجهود المصرية، منها الموقف التشادي المساند للتمرد، والشكوك بين السودان وإثيوبيا، وما يحيط بها مـن تعقيدات ملف سد النهضة، بالإضافة الي مواقف أفريقيا الوسطى، وشرق ليبيا (حفتر)، ومن ورائه القوى العربية الداعمة للتمرد، وذلك فضلًا عَنْ التورط الإسرائيلي المباشر فى حرب السودان.
نتيجه لهذه العوامل تقوم مصر بمراقبة الْأَوْضَاعُ، وتتواصل مع كل الأطراف بغية الوصول الي حلول. وفي هذا الإطار فإنها تعمل فى اتجاهات مختلفة مع دول الإقليم والجوار، وتراعي ايضا مواقف الدول العربية الداعمة للتمرد.
اثناء الفتره الماضية، عُقدت فى مصر عدة فعاليات للفصيل السياسي المساند للتمرد، وهي قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، كَمَا شهدت فنادق القاهره ورش عمل لمنظمات وجمعيات وتيارات سياسية، بعضها يناصر ويعضد الدعـم السريع، بل كانـت هناك عناصر قيادية مـن الدعـم السريع نفسه توفرت لها فرصة الزيارة ولقاء جهات رسمية مصرية، لكن الموقف الرسمى المصرى لم يتغير.
قادت مصر أيضًا مبادرة دول الجوار، وعقدت اللجنة الوزارية المكلفة اجتماعًا فى نجامينا فى يوليو/تموز 2023م، ضـم وزراء خارجية الدول المعنية، وتمَّ رفـع تقرير لقمة الرؤساء، ولا تزال المبادرة فى مرحلة التنسيق مع المبادرات الاخرى، وربما يكون الهدف المصرى هو التوفيق بين المبادرات وبلورة رؤية مشتركة للحل فى السودان.
فى ذات الاتجاه زار القاهره مؤخرًا رئيسُ مجلس السيادة السوداني النادي أول عبد الفتاح البرهان، بعد زيارة قام بها الي ليبيا، ثم زارها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية؛ لحضور اجتماعات التنظيمات السِّيَاسِيَّةُ المتحالفة مع التمرّد، ولم يلتقِ حمدوك بأيّ مسؤولين رسميين فى القاهره.
وتحاول مصر مقاربة مواقفها مـن الصراع فى السودان دون ان تفصح فى العلن عَنْ دعمها الجيشَ؛ لتواصل العمل مع جميع الكتل السِّيَاسِيَّةُ، ولتحقيق التفاهم مع أطراف إقليمية وعربية لها علاقة بما يدور فى السودان.
بالإضافة الي الحذر الذى تتّسم به السياسة الخارجية المصرية فى الفتره الاخيره، تريد القاهره ان “تلعب على المضمون”، وتفضل ان يكون دورها الحاسم هو غير المعلن. بجانب قراءتها الدقيقه لما سيؤول إليه مستقبل الْأَوْضَاعُ بالسودان.
الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.