الدبلوماسية الأرجنتينية: توتر مع إسبانيا وزلّة مع الصين | سياسة سام نيوز اخبار
فى أقلَّ مـن 48 ساعة، اثناء نهاية الاسبوع الماضي، فتحت الدبلوماسيّة الأرجنتينيّة، على نفسها جبهتَي توتّر، مع إسبانيا والصين، دون اقل تقدير لعواقبهما. حيـث اقترفَ الأولى الرئيس خافيير ميلي، عبر تهجّمه على رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ووصفه بالمسؤول عَنْ إفقار الطبقة المتوسطة لبلاده، وتعريضه نساء إسبانيا الي الخطر، عبر فتح الباب على مصراعَيه للمهاجرين غير النظاميّين، دون تقديم شرح لهذه التهمة. أمّا الزلّة الثانية، فقد اقترفتها وزيرة الخارجية الأرجنتينية اثناء حوار صحفي، اعلنت فيه بتهكّم: إن “الصينيين يشبه بعضهم بعضًا”، وقد وصفته الخارجية الصينية بالتصريح العنصري.
قد يُسند للرئيس الأرجنتيني ميلي لقب بطوله العالم فى خلق الأزمات الدبلوماسية المجانية مع الحكومات والشخصيات العالميه ذات الرمزية الخاصة، حيـث إن الرجل كسب عَدَّدًَا لا يستهان به مـن الأعداء فى غضون اشهر.
شخصية شعبوية
ورغم ان بعض المحللين ذهبوا الي ان فوزه بالرئاسة قد يجعله يتعقّل باعتبار هيبة المنصب، فإن ميلي الرئيس لم يستطع التخلص مـن شخصيته الشعبوية المعروفة بسلاطة اللسان، والتصريحات اللامسؤولة.
وتعود الأزمة التى انفجرت مؤخرًا مع الجانب الإسباني، الي تصريح لوزير النقل الإسباني أوسكار بوينتي، اثناء اجتماع نصح فيه الجمهور مـن الطــلاب، بالحذر مـن التأثر بشخصيات سيئة للغاية وصلت الي مناصب عليا جدًا، ضاربًا مثالًا بالرئيس الأميركي السابق ترامب، والأرجنتيني الحالي ميلي، وقال: إنه استمع لأحد خطابات الرئيس الأرجنتيني ميلي قبل فوزه بالرئاسة، وكان يقول كلامًا غير معقول بالمرّة، فجزم بأنه لن يفوز بالجولة الثانية، وذكر أنه لم يميّز إن كان مضمون كلامه اللامعقول، هو نتيجه حالة ما قبل تلقّيه جرعة مخدِّرات أم بعدها، فى إشارة الي ان ميلي يتعاطى المخدرات.
وبعد سُويعات مـن تصريح الوزير، نشر مكتب الرئيس ميلي بيـانًا شديد اللهجة ذكر فى الثلاثة أسطر الأولى منه تصريحـات الوزير الإسباني، وخصص باقيه لنقد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذى لم يكن قد وضح عَنْ موقفه مـن تصريحـات وزيره، حتـى ذلك الوقت.
واتهم البيان سانشيز بأنه يحاول الي إحداث انقسامات فى المجتمع الإسباني، مـن اثناء تحالفه مع “انفصاليي كتالونيا وإقليم الباسك” الإسبانيين. كَمَا اتهمه بمسؤوليته عَنْ انهيار الْأَوْضَاعُ الاقتصاديه فى إسبانيا؛ بسـبب أفكاره اليسارية، التى كانـت وراء انهيار المجتمع الأرجنتيني فى مدة حكـم التيار “البيروني”، بزعامة “كريستينا كيرشنر”. إضافة الي الاتهام الغريب بتعريض سلامة النساء للخطر.
مـن جانبها، ردّت الخارجية الإسبانية بالرفض القاطع لما صدر عَنْ مكتب رئيس الأرجنتين، وأعربت عَنْ “حرص الحكومة والشعب الإسباني على سلامة العلاقات مع الجمهور الأرجنتيني الصديق”.
رئيس يميني متطرف
ولا يخفى على أحد فى الساحة السِّيَاسِيَّةُ، ان العلاقات بين رئيس الحكومة الإسبانية والرئيس الأرجنتيني لم تشهد لحظة مجاملة واحده، باعتبار ان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف لا يفوّت اى فرصة كي يشيد بعلاقته مع حزب “فوكس” الإسباني اليميني المتطرف ايضا.
والغريب فى الامر ان الرئيس ميلي، كان قد صرح منذ أيام أنه سيزور إسبانيا، لأول مرة بعد توليه الرئاسة، للقاء زعيم حزب “فوكس” وأنصاره، فى مدريد يومي 18 و19 مـن هذا الشهر، مؤكدًا عدم لقائه بالملك فيليبي، ورئيس الوزراء سانشيز. ومع انفجار هذا التوتّر، فإن تأكيد زيارته الي مدريد، تبقى محلّ شك.
على صعيد آخر، وفيما يتعلّق بأخطاء الدبلوماسية الأرجنتينية فى نفس يـوم الجمعة الماضي، فإن الزّلة التى اقترفتها وزيرة الخارجية ديانا موندينو، فى حق الجانب الصيني، تأتي فى اطار حوار صحفي أجراه معها موقع “كلارين” الأرجنتيني اليميني، بعد عودتها مـن زيارة رسمية لبكين؛ بهدف تهدئة التوترات الاخيره وإعادة التقرب الي الحكومة الصينية.
وقد تزامنت الزيارة، لسوء حظ الوزيرة، مع تزعم الرئيس الأرجنتيني ميلي والسفير الأميركي فى الأرجنتين، حملةَ الشيطنة للقاعدة الفضائيه الصينية فى الأرجنتين التى تمّ إنشاؤها منذ 2012، ووصْفها بـ”الخبيثة”، مقابل تهليل لإنشاء قاعدة بحرية أميركية جنوب الأرجنتين، الشهر الماضي.
حيـث ردّت الوزيرة عَنْ سؤال ما إذا كانـت اللجنة المكلفة مـن السلطات الأرجنتينية بمهمة التحقيق فى سلامة القاعدة الفضائيه الصينية مـن تهم التجسس على المنطقة، قد لاحظت حضورًا عسكريًا فيها، فقالت بنبرة تهكّمية: “إنَّ الصينيين يشبه بعضهم بعضًا، لم نقدر على التمييز بينهم”! وتداركت بعد اتهامها بالعنصرية و”رهاب الأجانب”، بأن الجملة أُخرجت مـن سياقها، وأنها قصدت ان كل مـن يعمل فى القاعدة مدنيون، وهو ما لم يقنع أغلب المتابعين للموضوع.
تتابع الأخطاء
لكن الوزيرة استمرّت فى الدفـاع عَنْ عفوية إجابتها، فى سلوك فضح ورطة حكومتها فى تتابع الأخطاء مع الصين، فى توقيت حرج جدًا. حيـث تحاول حكومة الرئيس ميلي تأخير موعد تسديد قرض كانـت قد تلقّته مـن الصين، الي ما بعد يونيو/ حزيران، إضافة الي سعيها لجلب استثمارات العملاق الآسيوي، فى محاولة لإنعاش المناخ الاقتصادي الراكد، لاسيما بينما يتعلق بإحياء مشروع محطتَي توليد كهرباء بقيمة 500 مليون دولار، كانـت الصين قد وعدت بإنشائهما لاحقًا.
فى الوقت الذى سخّرت فيه الترسانة الإعلامية اليمينية فى الأرجنتين وفي إسبانيا، كل جهودها لتصوير ردّ الرئيس ميلي على الوزير الإسباني ورئيس الحكومة سانشيز، بأنه عمل ملحمي، غاية فى الوطنيه ودرس فى السيادة. يقول ناقدوهم: إن الرئيس ميلي إذا لم يكن يتعاطى المخدّرات، فهو “مجنون”، كَمَا قبِل الوصف على نفسه بكل فخر، منذ دخوله النشاط السياسي فى 2021، لأن خطاباته لا تخلو مـن أفكار وحركات غريبة، لطالما جعلت سلامته العقلية موضوع شك. ولعلّ آخرها ما اكتشفه الأرجنتينيون بشأن أحد كلاب رئيسهم، الذى اعلن: إنه يراه ويتكلم معه، والحال أنه ميت منذ 2018.
ويبدو ان الأزمة مع رئيس الحكومة الإسبانية لن تكون الاخيره، فقبلها وصف الرئيس الأرجنتيني ميلي، الرئيس الصيني بـ”الدكتاتور” ونظيره البرازيلي دا سيلفا بـ”المجرم والفاسد”، ونظيره الكولومبي بيترو بـ”الإرهابي”، والرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور بـ”الجاهل” والقائمة تطول.
غير ان سياسة الامر الواقع أجبرته على إرسال وزيرة خارجيته لتدارك أخطائه مع الجانب البرازيلي والكولومبي والصيني، وهاهو يعلن بنفسه عَنْ ذهابه للقاء بابا الفاتيكان اثناء اسبوعين، بعد ان وصفه بـ”الوغد” اثناء حملته الانتخابية الصيف الماضي.
الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.