ما مصدر البيانات التى استخدمتها آبل فى تـدريــب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها؟ سام تكنولوجيا_
أثار وضح شركة آبل عَنْ إستراتيجيتها للذكاء الاصطناعي اثناء شهر يونيو الحالي موجة مـن التساؤلات حول كيفية عمل تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة للشركة، وكيفية تعاملها مع بيانات المستخدمين الشخصية خاصة بعد إعلان شراكتها مع (OpenAI) لإدماج روبوت (ChatGPT) فى أنظمتها.
بينما اهم الأسئلة التى طُرحت بعد إعلانات آبل فى مؤتمرها للمطورين يـوم 10 مـن يونيو الحالي، هى: إذا كانـت آبل تمتلك نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بها، فلماذا تحتاج الي إدماج روبوت ChatGPT فى أنظمتها، وتحاول أيضًا إدماج نماذج الذكاء الاصطناعي الاخرى مـن شركات مثل: جوجل وميتا، وما مصدر البيانات التى استخدمتها آبل فى تـدريــب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها؟
أولًا؛ ما إستراتيجية آبل للذكاء الاصطناعي؟
تتكون إستراتيجية آبل للذكاء الاصطناعي مـن مسارين متوازيين، وهما:
1- مزايا (Apple Intelligence):
يتكون (Apple Intelligence) مـن عدة نماذج ذكاء اصطناعي توليدي عاليه القدرة ومتخصصة فى المهام اليومية لمستخدمي أجهزة آبل، ويمكنها التكيف بسرعة وسلاسة مع النشاط الحالي للمستخدم.
وقد ضبطت آبل النماذج المضمنة فى (Apple Intelligence) بدقة لتفهم السياق الشخصي للمستخدم، ثم تزوده بالمعلومات التى يريد اليها، مثل: كتابة النصوص وتدقيقها وتلخيصها، وفرز الإشعارات وتحديد أكثرها اهميه وإظهاره للمستخدم وكذلك تلخيص الإشعارات الطويلة، وإنشاء صور مرحة للمحادثات مع العائلة والأصدقاء، واتخاذ إجراءات دَاخِلٌ التطبيق لتبسيط التفاعلات عبر التطبيقات.
لذلك مزايا (Apple Intelligence) الجديدة تعتمد فى عملها على بياناتك الشخصية، إذ يمكنها قراءة جميع رسائلك، ومراقبة تقويمك، ومتابعة خرائطك وموقعك، وتسجيل مكالماتك الهاتفية، وعرض صورك وفهم اى بيانات شخصية أخرى، لتنفيذ المهام اليومية التى تحتاج اليها.
2- إدماج روبوت (ChatGPT) فى أنظمتها:
أعلنت آبل شراكتها مع شركة (OpenAI) لإدماج روبوت (ChatGPT) فى أنظمة التشغيل iOS 18، و iPadOS 18، و macOS Sequoia الجديدة.
وتتيح هذه الشراكة للمستخدمين توجيه أسئلة واستفسارات الي روبوت ChatGPT مـن اثناء المساعد الصوتي سيري أو استخدام ChatGPT لكتابة المستندات دَاخِلٌ تطبيقات آبل.
وعلاوة على ذلك، تدرس آبل حاليًا توسيع نطاق هذه الشراكة لتشمل إدماج المزيد مـن نماذج الذكاء الاصطناعي فى أنظمتها، مثل Gemini مـن جوجل فى المستقبل القريب.
كَمَا اعلنت اخبار حديثة بأنها تُجرِي حاليًا محادثات مع شركة ميتا لإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بها فى نظام التشغيل iOS 18.
وقد أثار هذا النهج المزدوج مخاوف ترتبط بالخصوصية، خاصة بالنسبة لشركة آبل، التى جعلت مـن الأمن والخصوصية سمة جيدة لعلامتها التجارية على مدار تاريخها، بينما لا تتمتع الشركات الاخرى بالقدر نفسه مـن الالتزام فى التعامل مع بيانات مستخدميها، فكيف ستتعامل مع بيانات مستخدمي أنظمة آبل؟ وهذا السؤال سنجيب عنه فى هذا المقال أيضًا.
ثانيًا؛ لماذا تحتاج آبل الي نماذج الذكاء الاصطناعي مـن شركات أخرى؟
يبدو مـن الغريب ان تتعاون آبل، التى تمتلك تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة خاصة بها، مع شركات أخرى مثل OpenAI، كَمَا تسعى الان الي التعاون مع شركات أخرى مثل: جوجل وميتا، التى خاضت معها حروبًا سابقة بسـبب الخصوصية.
ولكن أشار المحللون الي ان هذه الخطوة مـن آبل تُعدّ إستراتيجية ذكية تهدف الي تعزيز قدراتها فى سباق الذكاء الاصطناعي وتقديم تجارب مستخدم غنية، وتساعدها فى مواكبه التطورات المتسارعة فى سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي الذى تأخرت فيه لمدة عامين عَنْ الشركات المنافسة كلها.
بالإضافة الي ذلك، يوجد اختلاف بين الذكاء الاصطناعي الذى تقدمه آبل، ونماذج الذكاء الاصطناعي التى تقدمها الشركات الاخرى، فكل منهما مصمم للقيام بأشياء مختلفة، إذ يتمتع (Apple Intelligence) بوصول عميق الي البيانات الشخصية لفهم السياق الشخصي وتقديم استجابات قائمة عليه، ولكنه يفتقر الي البيانات العامة – التى تشمل البيانات التاريخية والعلمية والجغرافية والثقافية، وكذلك الاحداث الجارية – والتي يستطيع روبوت ChatGPT والنماذج الاخرى المنافسة معالجتها بسرعة للرد على استفساراتك حول اى شيء يخطر فى بالك.
على سبيل المثال، إذا سألت ChatGPT أو Gemini عَنْ (افضل مطعم فى باريس)، فسيستخدم النموذج معلوماته العامة ويعالجها للوصول الي معلومات، مثل: تقييمات المطاعم، وأنواع الأطباق التى تقدمها، وموقعها على الخريطة، ومراجعات المستخدمين، ليقدم لك إجابة شاملة ومفيدة.
بينما (Apple Intelligence) لا يمكنه الإجابة عَنْ هذا السؤال، لانه يركز فى معلوماتك الشخصية، مثل: علاقاتك واتصالاتك ورسائلك الإلكترونية وغيرها ليجيبك عَنْ أسئلة ترتبط بها فقط.
ثالثًا؛ ما مصير بياناتك التى ستقدمها للذكاء الاصطناعي فى أجهزة آبل فى الحالتين؟
نظرًا الي اختلاف اهداف استخدام (Apple Intelligence) وروبوت (ChatGPT) فى أنظمة آبل، سيؤثر ذلك بالطبع فى نوعية البيانات وكميتها التى سترسلها لكل منهما.
كَمَا ذكرنا لاحقًا سيصل (Apple Intelligence) الي نطاق واسع مـن بياناتك الشخصية، تشمل: رسائلك النصية، والصور، ومقاطع الفيـديو، وسجل التقويم، وغيرها، ولا توجد طريقة واضحة حتـى الان لمنعه مـن الوصول الي هذه البيانات سوى تجنب استخدام مزاياه، ولم ترد شركة آبل على أسئلة حول هذا الموضوع حتـى الان.
بينما (ChatGPT) لن يصل الي اى بيانات شخصية عنك، إذ صرحت آبل أنه يمكن استخدامه فى أجهزتها دون إنشاء حسابات فى خوادم OpenAI. كَمَا أكدت ان OpenAI لن تجمع أو تحلل الأوامر النصية أو الملفات التى يشاركها المستخدمون مع ChatGPT، باستثناء مستخدمي إصدار (ChatGPT Plus) المدفوع، الذين سيكونون ملزمين بشروط OpenAI.
لانه كجزء مـن اتفاقيتها مع آبل وافقت OpenAI على عدم تخزين اى استفسار مـن مستخدمي آبل أو جمع عناوين IP الخاصة بهم.
بعد مناقشة كيفية تعامل OpenAI مع بياناتك، ننتقل الي كيفية تعامل آبل معها:
1- معالجة البيانات فى جهازك مباشرة:
اعلنت آبل إنها وضعت الخصوصية نصب عينيها فى تصميم (Apple Intelligence)، مما يعني مشاركة أقل قدر ممكن مـن البيانات مع اى جهة، حتـى شركة آبل نفسها، إذ تعمل معظم مزايا (Apple Intelligence) فى جهازك مباشرةً.
لذلك يعمل (Apple Intelligence) فى أجهزة آبل الحديثة فقط، التى تعمل بمعالجات قوية، فعلى سبيل المثال سيعمل فى هاتفي iPhone 15 Pro، و iPhone 15 Pro Max فقط، مـن بين 24 طرازًا متوافقًا مع نظام التشغيل iOS 18 الجديـد.
2- معالجة البيانات عبر منصه الحوسبة السحابية:
فى حال احتياج عملية الذكاء الاصطناعي الي المزيد مـن قوة المعالجة، سيرسل (Apple Intelligence) استفسارك وبياناتك الي منصه حوسبة سحابية تابعة لآبل تطلق عليها اسم (Private Cloud Compute)، تتيح له الاستفادة مـن قوة معالجة كبرى قائمة على خوادم الشركة، ولكن مع تطبيق معايير الحماية والخصوصية فى التعامل مع بيانات المستخدمين، إذ لا تُخزن أبدًا فى خوادم آبل.
وتزعم آبل أنها حققت ترصدًا كثيرًا فى الخصوصية مـن اثناء توفير منصه (الحوسبة السحابية الخاصة) لمعالجة استفسارات الذكاء الاصطناعي، إذ تتيح هذه المنصة لآبل معالجة البيانات الحساسة للمستخدمين دون ان تتمكن اى جهة حتـى آبل نفسها، مـن معرفة البيانات التى تُعالج.
وتؤكد آبل ان منصه (الحوسبة السحابية الخاصة) المبتكرة لا يمكن تحقيقها إلا مـن اثناء تحكمها المطلق فى منظومتها التكنولوجية الشاملة، بدءًا مـن شرائح المعالجة المتخصصة التى تمتلك حقوق ملكيتها الفكرية الكاملة، وصولًا الي أنظمة تشغيلها المغلقة التى تضمن الترابط السلس بين جميع مكوناتها.
رابعًا؛ ما مصدر البيانات التى استخدمتها آبل فى تـدريــب الذكاء الاصطناعي الخاص بها؟
لم تظهر نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة آبل مـن العدم، وكان لا بد مـن تدريبها على بيانات كبيرة أيضًا، تمامًا مثل النماذج التى تقدمها الشركات الاخرى. وهذا يثير تساؤلات حول الجهة التى استخدمت آبل بياناتها فى التدريب، وكيف؟
للإجابة عَنْ هذه التساؤلات طرحت آبل قوية تقنية، اعلنت فيها إن نماذجها مدربة على بيانات مرخصة، تشمل بيانات مختارة بدقة لتصحيح مزايا محددة.
وأكدت آبل أنها لا تستخدم البيانات الشخصية الخاصة لمستخدميها أو تفاعلاتهم عند تـدريــب نماذجها الأولية، وأنها تُطبق فلاتر لإزالة البيانات الشخصية مثل: أرقام الضمان الاجتماعي وبطاقات الائتمان مـن البيانات المتاحة للجمهور على الإنترنت.
مع ذلك، فقد اعترفت آبل بأنها تجمع بيانات مـن الويب العام لتدريب نماذجها الخاصة، مما يجعلها مشابهة لشركات الذكاء الاصطناعي الاخرى التى واجهت دعاوى قضائية بشأن حقوق الملكية، وأثارت جدلًا حول أخلاقيات استخدام هذه البيانات.
ولم تفصح آبل عَنْ نوعية البيانات التى تجمعها مـن الويب، لكنها وضحت الي ان الناشرين ومطوري المواقع يمكنهم إضافة تعليمات برمجية الي مواقعهم تمنعها مـن جمع بياناتهم. وهذا الامر يضع العبء بشكل مباشر على عاتق الناشرين لحماية ملكيتهم الفكرية، وليس على آبل المستفيدة مما تفعله.
الخلاصة:
تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي لشركة آبل على مزيج مـن البيانات المرخصة والبيانات المُجمّعة مـن الإنترنت، وتثير هذه الممارسات تساؤلات حول مصادر البيانات وأخلاقيات استخدامها، خاصةً بينما يتعلق بالملكية الفكرية، ولم تجيب عنها آبل حتـى الان.