الاخبار العربية والعالمية

بعد زيارته أستانا.. هل نجح بوتين بمنع تحول كازاخستان لـ”أوكرانيا ثانية”؟ | سياسة سام نيوز اخبار

موسكو- بعد وقت مستقطع وطويل نسبيا، خرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “جدار الصمت” المحيط بتجميد جولاته الخارجية وأجرى اثناء الخريف الحالي 3 زيارات فى وقت واحد، شملت: قرغيزستان والصين وأخيرا كازاخستان.

وحظيت زيارة بوتين قبل أيام قليلة الي الجارة الكازاخستانية بالاهتمام الأكبر، كونها جاءت فى ظروف وتحولات جيوسياسية حساسة ترافقت مع حديث عَنْ فتور ظلل جوانب عدة فى العلاقات مع أستانا، بدت فيها الاخيره وكأنها فقدت توازنها فى المحافظة على مسافة واحده بين روسيا والغرب.

ساحة تنافس

ونتيجة الاحداث التى وقعت اثناء العقدين الماضيين فى منطقتي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، اكتسبت التغييرات فى السياسة والاقتصاد والأمن فيها، اهميه جيوسياسية كبيرة.

ودخلت هذه المنطقة بامتياز فى مجال مصالح وطموحات العديد مـن القوى الدولية والإقليمية، وأصبحت ساحة تنافس شديد لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين وتركيا.

ويرى مراقبون روس ان ما يصفونه بالواقع “المخيب للآمال” الذى تواجهه الإدارة الأميركية حاليا مـن اجل ان تحقق أوكرانيا إنجازا عسكريا مهما فى الحرب مع روسيا، قد يدفع واشنطن لفتح جبهات جديدة فى الحرب امام موسكو، تتضمن أساسا آسيا الوسطى ومولدوفا وجنوب القوقاز، وهو ما تستعد روسيا لمواجهته، حسب هؤلاء.

وقبل زيارته الي كازاخستان، اعلن بوتين، إن “تصرفات بعض البلدان تهدف بشكل مباشر الي تقويض السلطة الشرعية فى بلدان رابطة الدول المستقلة”، ودعا مجموعه كومنولث الدول المستقلة (منظمة أُنشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي) الي التحرك لتعزيز الأمن الجماعي.

وصرح وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن الاتحاد الأوروبي لا يخفي نياته لاحتواء روسيا وإخراجها مـن آسيا الوسطى والقوقاز، لكنه لن ينجح، حسب تعبيره.

وتشكل كازاخستان، بالنسبة لروسيا، حلقة عملية فى مجموعه التغيرات الجيوسياسية التى بدأت تتسارع فى منطقه جنوب القوقاز بعد استعادة أذربيجان إقليم ناغورني قره باغ، والاصطفافات الجيوسياسية الجديدة التى يمكن ان تنجم على المديين القريب والمتوسط عبر الاعلان مشروعات اقتصادية كبيرة وطرق نقل ومواصلات يُتوقع ان تشكل أحد اهم شرايين التبادل التجاري إقليميا وقاريا.

بوتين (يسار) لدى وصوله قرغيزستان الشهر الماضي مع الرئيس القرغيزي جباروف (الفرنسية)

 

 سياسة الاحتواء المتبادل

وتملك كازاخستان اهميه استثنائية بالنظر الي محاولات الغرب إدراجها -الي جانب جمهوريات آسيا الوسطى- فى التدابير المناهضة لروسيا، وممارسة الضغوط على أستانا، بشكل حصري، للانضمام الى العقوبات الغربية، خاصة ان كازاخستان تتمتع بالحصة الأكبر فى التبادل التجاري مع روسيا بين دول الاتحاد السوفياتي السابق.

ورغم تطور الشراكة بين موسكو وأستانا بشكل ديناميكي لفترة طويلة، شملت مجالات تعاون عدة كالدفاع والأمن والتجارة، وغيرها مـن المصالح المشتركة فى اطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، فإن اللوم المتبادل وتراجع مستوى الثقة بين البلدين فى الآونة الاخيره شكل مادة دسمة لقراءات المراقبين الروس والكازاخيين على حد سواء.

ويفسر محلل الامور الإستراتيجية رولاند بيجاموف ذلك بوجود مراكز قوة مختلفة ومتباينة دَاخِلٌ الدولة والجيش والاقتصاد فى كازاخستان تجعل مـن صياغة العلاقة مع روسيا وموازنتها مع الغرب أمرا إشكاليا، خاصة فى المرحله الحالية التى تشهد دخول واشنطن والصين على خط الاهتمام بالمنطقة، وإن كانـت لأسباب مختلفة، لكنها قد تزاحم موسكو مستقبلا فى فضائها الجيوسياسي والاقتصادي.

ويقول بيجاموف -للجزيرة نت-، إن موسكو لا يمكن ان تتساهل مع انقلاب دَاخِلٌ أستانا على العلاقات التاريخية معها وتحولها الي “أوكرانيا ثانية”، لا سيما ان كثيرا مـن بلدان آسيا الوسطى تضبط علاقاتها مع روسيا وفق الإيقاع الكازاخستاني، ومن هنا تأتي زيارة بوتين التى كانـت واجهتها اقتصادية لكن مضمونها تثبيت مواقف وتفاهمات سياسية صرفه، على حد قوله.

ويوجز رؤيته لشكل العلاقات الحالية بين روسيا وكازاخستان بأن الاخيره ترغب فى تنويع سياستها وإقامة علاقات أكثر ثقة مع الشركاء الغربيين، إلا أنها ستواصل، بموازاة ذلك، التعاون مع موسكو وتجاوز الضغوطات المتعلقة بالمشاركة فى دعـم العقوبات.

بوتين (يسار) وجومارت (وسـط) بالقمة السادسة لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة فى آسيا بأستانا (رويترز)

الجار المتمرد

يرى المحلل السياسي الكازاخستاني غازيز أبيشيف، ان زيارة بوتين الي أستانا، وإن اطلقت العنان لمرحلة جديدة مـن التعاون بين البلدين، تمثلت بإطلاق مشروعات وتوقيع عقود جديدة بينهما، إلا أنه هناك عامل مهم هو الحرب الروسية الأوكرانية ونظام العقوبات امام موسكو، الذى مـن غير المتوقع ان تتغير مقاربة كازاخستان له.

ويتابع ان كازاخستان تتخذ موقف الحياد فى هذا الصراع وتدعو الي التوصل الي حل سلمي، مع مراعاة المخاوف الروسية مـن تحدث هذا الموقف لصالح أوكرانيا أو الغرب فى حال تبدل النظام فى أستانا، التى كانـت موسكو هى مـن دافعت عنه وصانت وجوده اثناء الاضطرابات التى تعرضت لها البلاد.

وعد أبيشيف ان كازاخستان، حتـى ضوء هذا الموقف، مفيدة لروسيا مـن زاوية لعب دور الوساطة وحلقة الوصل بين الغرب وروسيا التى تعاني مـن عزلة دولية.

وأشار المحلل السياسي الي تراجع اهتمام كازاخستان برابطة الدول المستقلة، معدا ان ذلك يشكل دليلا واضحا على أنها تعتزم ان تكون صديقة لروسيا وتعزز التعاون الاقتصادي معها، ولكن ليس بأي حال مـن الأحوال مع تلك الهياكل التى “بدأت تلتقط أنفاسها الاخيره”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى