الاخبار العربية والعالمية

ساركوزي وتصريحه الأخير! | آراء سام نيوز اخبار

هذا ما اختارته صحيفة “إلموندو” الإسبانيّة عنوانًا لحوارها مع الرئيس السابق اليميني ساركوزي، على هامش زيارته الي مدريد الاسبوع الماضي، لتقديم كتابه: “زمن المعارك”.

وقد حظي الحدث باهتمام إعلامي باهت، لكن مضمون الحوار المنشور فى الصحيفه المذكورة، كان الأكثر عمقًا، مقارنةً بباقي التغطيات. حيـث تناول الحوار رأي ساركوزي فى اهم القضايا الحالية، وعلى رأسها حرب إسرائيل على غزة، وتقييمه موقفَ الغرب منها.

ويبدو ان العنوان الذى اختارته الصحيفه، يمثل اهمّ اعتراف مـن ضيفها بالدور غير الصحيح للاتحاد الأوروبي فى هذه الحرب، وفي العديد مـن الامور الداخلية للبلدان الاخرى.

“زمن المعارك”

ويأتي الإصدار الأخير للرئيس الفرنسي السابق ساركوزي: “زمن المعارك”، كتكملة لجزأين سابقين مـن مذكراته الشخصية والسياسية، التى شملت مدة توليه الرئاسة فى فرنسا بين 2007 و2012.

وقد جاءت زيارته الي مدريد بداية الاسبوع الماضي، بمناسبة إصدار النسخه الإسبانية مـن الكتاب، بعد ان كان قد صدر فى نسخته الأصلية الفرنسية فى أغسطس/ آب الماضي.

وتوجَّه مـن مدريد الي المغرب، حيـث قدّم كتابه فى ثلاث مدن، أعرب فيها كلّها عَنْ علاقته الجيدة مع الملك محمد السادس، وبالمغرب. وانتقد فى المقابل، التقارب غير المُجدي للرئيس الحالي ماكرون مع الجزائر، على حساب المغرب، التى طالما مثلت حليفًا إستراتيجيًا بالنسبة للحكومات الفرنسية المتعاقبة.

وفي الوقت الذى سلّطت فيه التغطية الإعلامية الإسبانية الضوء على مضمون الكتاب، توجّهت صحيفة “إلموندو” الي أبعد مـن ذلك، وكشفت رأي الكاتب فى القضايا الحالية الساخنة، وأهمها سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والحرب الروسية- الأوكرانية وحرب إسرائيل على غزة.

ورغم ان الحوار تطرّق الي نقاط ذكية عديدة، مـن بينها دعـم ساركوزي آراء شخصيات فرنسية مؤثرة جدًا فى الساحة الثقافية، بينما يتعلق بحرب إسرائيل على غزة، على غرار الفيلسوف اليهودي الأصل “آلان فينكييلكروت”، فإننا سنكتفي بالنقاط التى تهمّنا كعرب بالدرجة الأولى.

شيطنة ممنهجة

ويجدر التنويه الي ان طريقة الحوار كان يعكس نيّة مبيتة مـن الصحفية إيميليا لأندلوسي، مـن اجل استدراج الضيف الي وضح اعترافات “مُرّة” مـن سياسي يميني متعصّب للخصوصية الفرنسية والأوروبية عمومًا، وقد أكّد اختيار العنوان ذلك.

فقد سألته الصحفية عَنْ مستقبل الاتحاد الأوروبي، فى اثناء صعود تيار اليمين المتطرف فى عَدَّدَ مـن دول الاتحاد، وعلى رأسها إيطاليا، فأعرب ساركوزي عَنْ عدم اتفاقه مع موجة الشيطنة الممنهجة لزعماء هذا التيار، ودعا جميع التيارات السِّيَاسِيَّةُ الي التفكير بجدية فى أولويات الاتحاد الأوروبي، الذى يريد الان الي الانتباه على الامور التى تهمّه، دَاخِلٌ حدوده فقط، وأهمها الشأن الاقتصادي.

وفي هذا السياق، اعلن حرفيًا: “على أوروبا ان تعي الواقع المختلف للتاريخ، وأن تتكيف مع ثقافات الشعوب، تاركة لها ان تتصرف كَمَا ترى الأشياء بنفسها، وفقًا لثقافتها وتاريخها”.

كَمَا أشار الي ان تطور التَّارِيخُ يفرض تغيير مفاهيم ومنظمات دولية تهم كل بلدان العالم، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة. واستنكر محافظة هذه المنظمة- التى تمّ إنشاؤها فى منتصف القرن الماضي- على تركيبة أعضائها الدائمين فى مجلس الأمن، دون إضافة اى عضو مـن أفريقيا أو أميركا اللاتينية، ونحن الان فى العَقد الثالث مـن القرن الواحد والعشرين.

لكنه أغفل الإشارة الي غياب الدول العربية، وهذا ليس بغريب أبدًا عَنْ شخصية بملامح الرئيس السابق ساركوزي، الذى يصفه كثيرون، مـن بني جلدته، بالعنصري.

اصطفاف مع إسرائيل

اما بينما يتعلّق بالحرب الإسرائيلية على غزة، فقد سألته الصحفية عَنْ السبيل مـن اجل التوصل الي حل يُرضي جانبَي النزاع، فأجاب بأن فرنسا وألمانيا حققتا هذا الهدف بعد الحرب العالميه الثانية بفضل العمل السياسي والدبلوماسي، وبالتالي فإن الحرب بين إسرائيل وفلسطين، لايمكن ان تنتهي سوى بهذه الجهود، وباعتراف دول العالم بحق وجود إسرائيل.

وتعتبر هذه الإجابة متناغمة جدًا مع تصريحـات ساركوزي تُجاه القضية الفلسطينية، حيـث اعلن اثناء الفعالية فى مدريد: إن فرنسا “مُلزمة بالاصطفاف مع إسرائيل، لاعتبارات أخلاقية”، وعلّل ذلك بأن الأوروبيين هم مـن تسببوا فى التنكيل باليهود ودفعهم للهروب مـن القارة، وبالتالي فعليهم الوقوف صفًا واحدًا الان، مع الرفض القاطع لكل محاولات “حرمان” إسرائيل مـن الموقـع الجغرافي الذى تشغله فى الشرق.

مخالفات فادحة

هذا المنطق، على تناقضه، وربما إثارته للسخرية، قاله الرئيس السابق ساركوزي، وهو يتوسّط الرئيس الإسباني اليميني السابق خوسي ماريا أثنار، ورئيسة مقاطعة مدريد إيزابيل أيوسو، اللذين يُعرفان بدعمهما المطلق للمشروع الصهيوني.

والأغرب مـن هذا، ان لا أحد مـن الحضور اليميني، بالضرورة، سأله عَنْ وجاهة منطقه فى هذه النقطة، لاسيما انَّه اعلن أيضًا: “العرب لم يكونوا النازيين الذين قاموا بالمجازر فى حق اليهود اثناء القرن الماضي، بل كنا، نحن، الأوروبيين”!

على صعيد آخر، وعودة لنقطة عدم تدخل أوروبا فى شؤون البلدان والأمم الاخرى، أجاب الرئيس السابق ساركوزي- عَنْ سؤال بخصوص دور أوروبا فى حرب روسيا على أوكرانيا- بأن أوروبا ارتكبت خطأ فادحًا فى الدفـاع بكل قواها عَنْ حق انضمام أوكرانيا الي حلف “الناتو”، وأنه كان مـن الأفضل ان تكتفي أوكرانيا بدورها كوسيط بين روسيا وأوروبا، حسب رأيه.

وفي هذا المستوى مـن الحوار، فاجأته الصحفية قائلة: “مثل تركيا، كَمَا ذكرت فى الكتاب؟”، فأكّد ذلك بقوله: إن تركيا تلعب الدور نفسه، فى الربط بين آسيا وأوروبا، لكن ذلك “لا يخوّل لها” المطالبة بالانضمام الي الاتحاد الأوروبي.

فى الحقيقة لاتمثّل شخصية الرئيس السابق ساركوزي محلّ اهتمام سياسي أو إعلامي كثير فى الأوساط الأوروبية ولا حتـى الفرنسية، خاصة بعد تُهم الفساد المالي التى أثبتها القضاء الفرنسي وأصدر، بموجِبها، أحكامًا ضده، لكنه مثل الرئيس السابق الإسباني أثنار الذى رافقه فى الفعالية، ما زالا يعيشان على فتات اهتمام فئة قليلة مـن الجماهير اليمينية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى