الاخبار العربية والعالمية

فقدت وحيدها وأسرتها.. ولاء مسعود قصة تختزل آلام أمهات غزة | سياسة سام نيوز اخبار

غزة– لن تفي ولاء مسعود بوعدها لطفلها الوحيد كريم، بالاحتفال بيوم مولده، عندما تتوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد خطفته غارات جوية عنيفة دمرت مربعا سكنيا بأكمله بمخيم جباليا للاجئين فى شمال القطاع.

وقعت هذه الغارات فى 31 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، بعد يـوم واحد مـن عيد ميلاد كريم الخامس، وتقول والدته للجزيرة نت “كان سعيدا ولم تكن الأجواء مناسبة لتحقيق طلبه بالاحتفال بمولده، ووعدته ان أقيم له حفلا كبيرا بعد الحرب”.

كريم هو الابن الوحيد لهذه الأم الثلاثينية، التى تشكو وزوجها عبد العزيز ورد، مـن مشكلة تعوق إنجابهما طفلاً آخر، كان يتمناه كريم، ويلح عليهما بالسؤال “ليش ما عندي أخ؟”.

كريم يتوسط والديه عبد العزيز ورد وولاء مسعود وقد أصبحا وحيدين يعانيان مشكلة بالانجاب-رائد موسى-الجزيرة نت (مصدر الصورة عبد العزيز ورد)
كريم يتوسط والديه فى صورة يحتفظ بها عبد العزيز فى هاتفه (الجزيرة)

كريم شهيدا

أنجب هذان الزوجان ابنهما كريم بعد نحو عَامٌ مـن زواجهما، وعانيا بعده مـن مشكلة بالإنجاب، وكانا على موعد مقرر سلفا مع السفر، لإجراء فحوصات طبية فى مصر على أمل إنجاب طفل آخر. وبحسب ولاء: “كنا بانتظار صدور جواز سفر لكريم، لمرافقتنا بالسفر الذى كان مقررا خامس أيام الحرب”.

كان كريم يحلم ان يصبح طبيبا، ويصفه والداه بأنه “ذكي، يواظب على الصلاة وقراءة القرآن، ويحب المشاركة فى النقاشات وبمواضيع تفوق عمره”، ويقول والده عبد العزيز للجزيرة نت “كريم يعشق البيتزا، غير أنه قضى أيامه الاخيره على القليل مـن الماء والمعلبات (الأغذية المعلبة)”.

وتعزل إسرائيل مدينة غزة وشمال القطاع عَنْ جنوبه، منذ الاعلان عمليتها البرية وتوغل قواتها فى عمق مناطق الكثافة السكانية، وتمنع كل الإمدادات والاحتياجات الإنسانية عمن تبقى فى تلك المناطق مـن سكان، بعدما أجبرت تحت وقع التهديد والقصف مئات الآلاف على النزوح جنوبا.

وبعينين دامعتين، وإلى جانبها زوجها عبد العزيز يستعرض صورا لكريم يحتفظ بها على هاتفه المحمول، تقول ولاء “الحياة صعب ترجع مـن غير كريم”.

مجزرة “بلوك 6”

كانـت هذه الأسرة الصغيرة الوادعة تقطن فى منطقه الصفطاوي شمال مدينة غزة، ونزحت على وقع حدة الغارات الجوية الإسرائيلية فى محيطها، لدى أقارب فى “بلوك 6” بمخيم جباليا، الأكثر اكتظاظا بالسكان مـن بين مخيمات اللاجئين الثمانية فى القطاع.

بعد أيام قليلة على نزوح ولاء وزوجها عبد العزيز بوحيدهما كريم، تحولت تلك المنطقة مسرحا لمجزرة تضاهي فى دمويتها ما ارتكبه جيش الاحتلال فى “مستشفى المعمداني”، عندما شنت مقاتلات حربية غارات مكثفة دمرت مربعا سكنيا بأكمله، وأوقعت وفق توثيق وزارة الصحة نحو ألف مـن سكانه شهداء وجرحى.

استشهدت أسرة ولاء بأكملها (13 فردا) بانهيار المنزل فوق رؤوسهم، بينما فى تلك اللحظة برفقة عبد العزيز وكريم على بُعد أمتار قليلة فى منزل آخر لأحد أعمامها، دمر ايضا كليا، وتقول عَنْ نحو ساعة قضتها مدفونة تحت الأنقاض “كنت أكرر الشهادتين وظننت أنني شهيدة”.

بجهده الذاتي وبإصراره على الحياة، استطاع عبد العزيز مـن إزالة الركام والخروج حيا مـن تحت الأنقاض، وساعد المنقذين مـن المتطوعين والدفاع المدني فى انتشال آخرين، مـن بينهم زوجته ولاء، ولم يكن يعلم شيئا عَنْ كريم، ويقول “بحثت عنه فى أقسام المستشفى الإندونيسي، بينما الصاعقة عندما وقعت عيني على كفن صغير بين أعداد كبيرة مـن جثامين الشهداء بالأكفان، وقد كتب عليه بلون أسود: الشهيد كريم عبد العزيز ورد”.

ولا يزال أفراد مـن أقارب ولاء وزوجها تحت أنقاض منازلهم المدمرة، ولم تتمكن فرق الدفـاع المدني مـن انتشالهم، بينما أجبرت مع زوجها ومن تبقى مـن أقاربهما أحياء الي النزوح جنوبا، بعد غارات مكثفة عنيفة على “المستشفى الإندونيسي” الذى كانـت ترقد به لتلقي العلاج.

يعاني الزوجان عبد العزيز وولاء من مشكلة بالانجاب وخطفت غارات جوية إسرائيلية وحيدهما كريم-رائد موسى-خان يونس-الجزيرة نت
الزوجان عبد العزيز وولاء يعانيان مـن مشكلة بالإنجاب (الجزيرة)

نجاة مـن الموت للمرة الثانية

وتقول ولاء “قضينا أياما مرعبة فى المستشفى الإندونيسي، حيـث استهدفته غارات جوية ومدفعية، وسقط سقف الغرفة على جسدي ولولا عناية الله لقتلتني شظية اخترقت النافذة، بينما استشهد عَدَّدَ مـن الجرحى فى غرفه مجاورة، تناثرت بداخلها شظايا الصواريخ والقذائف”.

وعلى سرير متهالك فى مدرسة جنين الثانوية القريبة مـن مستشفى غزة الأوروبي، شمال شرقي مدينة رفح، ترقد ولاء وقد لفت ساقها بالجص، لكسور أصابتها جراء سقوط عامود خرساني عليها، وتشكو مـن تردي الرعاية الطبية، وتخشى ألا تتمكن مـن السير على قدميها مرة أخرى.

وفي الطريق مـن المستشفى الإندونيسي فى شمال القطاع الي جنوبه، حيـث وجدت ولاء نفسها فى مدرسة لعدم توفر أماكن شاغرة فى المستشفيات، قضت نحو 6 ساعات واقفة على قدميها رغم آلامها وجروحها، بعدما أجبر جيش الاحتلال ادارة المستشفى على إخلاء مئات الجرحى والمرضى فى 4 حافلات فقط، سعة الحافلة الواحدة 50 راكبا، وتقول ولاء “كان الباص مثل علبة السردين”، تعبيرا عَنْ التكدس الشديد.

وتعيش ولاء أسيرة آلام جروحها وأحزانها على فقد وحيدها كريم وأسرتها كاملة، وتقول إنها عاجزة عَنْ التفكير بما هو قادم، وتتمنى لو أنها رافقت الشهداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى