الاخبار العربية والعالمية

هل ورّطت المقاومة غزة فى معركة غير متكافئة؟ | آراء سام نيوز اخبار

|

منذ اندلاعِ الاحداث والمجازرِ اليوميّة فى غزةَ، بينما صاحب عملية (طوفان الأقصى)، والنقاشاتُ لا تتوقّف، تارةً ما بين السياسيّ، وتارة أخرى يغلَّف النقاش بمسحة الدين، أو الفتوى، وبعض هذه النقاشات يبدو فى ثوب الشّفقة والخوف على أهل غزةَ، والمقاومة، لكن بطرحٍ مضمونه وهدفه التشكيكُ، وإلقاء اللوم والتبعة على المقاومة، بأنّها ورّطت أهل غزة فى معركة غير متكافئة، وآذت المدنيين، وبسبب تسرعها بينما قامت به، فقد كلفت الجمهور الفلسطيني ضريبة فادحة. فهل هذا الطرح صحيح؟

ربما يكون صحيحًا فى حالة لا يختلف عليها أحد، وهي حالة: ان الكيان الصهيوني، يكفي خيره شره، ويجلس ساكتًا هادئًا، وقد أعدّ عدته للخروج مـن الأراضي المحتلة، وتم عـقد هدنة بين الأطراف كلِّها، فقامت المقاومة بخرقها، وقد التزم بها العدوّ، وحافظ على التزامه وسطاءُ، ربما فى مثل هذه الحالة، كان يمكن القول بأن هناك تسرعًا فى اى خطوة تقوم بها المقاومة نحو العدوّ.

لكن العجيب فى هذا المنطق الذى ظاهره العقلُ وباطنه الاستخفاف بالعقل والمنطق معًا، أنه فى غالب كلامه يوجه اللوم للضحية ويترك الجلاد، ومضمون خطابه انّ على الضعيف ان يظل ضعيفًا طَوال عمره، والمحتل المتجبر يظل متجبرًا، وعلى الناس التسليم له، وكأن المحتل جاء بسلام، ودخل البلاد بالورود، وسيخرج بالطريقة نفسها، بعد ان ينهي رسالته!

ومثل هذا الكلام ينطوي على مغالطات تحتاج للوقوف معها، منها مغالطات شرعية، ومنها مغالطات سياسية وواقعية؛ لأنَّ مـن يطرح مثل هذه الشبهة، أو المغالطة فى ثوب النصيحة والشفقة، يغلّفها بالنصوص الشرعية التى نهت الإنسان عَنْ ان يلقيَ بنفسه الي التهلكة، وأن السياسة هى فنّ الممكن، ومن غير الممكن تحرير مثل هذه الأراضي مـن محتلّ يؤيده الشرق والغرب، والشمال والجنوب، مـن شتى أصقاع الأرض.

هل البادئ المقاومة أم العدو؟

وأوّل ما ينبغي طرحه هنا: مـن البادئ بالعدوان هل المقاومة والشعب الفلسطيني أم العدو الصهيوني؟ إنّ الحقيقة التى لا تخفى على متابع للشأن الفلسطيني، انَّ عدوان المحتل لم يتوقف يـومًا، مهما تبدَّل المسؤولون فيه، فإن جاء الليكود أو العمل أو اى حزب آخر لسُدة الحكـم، فهناك رؤية واستراتيجية لا يختلف عليه أحد، الاختلاف فى تفاصيل التنفيذ، أمّا الرؤية فلا خلاف عليها لديهم، وفي القلب منها: تهويد القدس، وبناء المستوطنات، وطرد أصحاب الأرض.

فهل توقف ذلك يـومًا؟ لم يتوقف، بل إن الإحصاءات تقول: مـن شهر مايو 2023م حتـى يوليو مـن العام نفسه، اى قبل الاحداث بقليل، عَدَّدَُ الشهداء فى فلسطين أكثرُ مـن (450) منهم: (67) طفلًا، وهي إحصائية استشهد بها تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي السابق؛ اى فى أقلّ مـن ثلاثة اشهر نجد هذا العدد، ولم يكن هناك (طوفان الأقصى)، ولا اى تصعيد مـن المقاومة.

ثم قبل (طوفان الأقصى) بشهور، الي قُبيله بأيام قلائل، والاعتداءات المتكررة على الأقصى ليلَ نهار، والاعتداء على النساء، والرجال الكبار، بشكل مستفزّ، يدمي قلوب الناس دَاخِلٌ فلسطين وخارجها، فما الحدث الذى دفع بالاحتلال ان يصعّد هذا التصعيد؟ لا يوجد، إنما كَمَا يفهم كل مـن يدرس عقلية هذا المحتل، أنه احتلال استيطاني، سواء قاوم أهل البلد، أم صمتوا، أم سلّموا، فلا يفرق معه سوى فى طريقة تكملته خُطته ورؤيته.

 

وإذا غامر هذا العدو مغامرات لا حدود لها، ليقيم كيانه المحتل، وليقيم كل هذه العلاقات مـن حوله، مـن مادي ومعنوي، بعد ان كان محارَبًا مـن الجميع، ومكروهًا مـن العالم بأسره، فصبر وتحمّل حتـى يصل لهدفه، فالأولى بأصحاب الحق والأرض ان يكونوا ايضا

لَيّ أعناق النصوص

أمّا الاستدلال بالنصوص الدينية، كقوله تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ ‌بِأَيۡدِيكُمۡ ‌إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) البقرة: 195، فإنَّ الآية لا تتحدث عمّن يضحّي بنفسه فى سبيل الله، بل عمّن يبخل بالمال عَنْ الجهاد فى سبيل الله، فضلًا عَنْ التضحية بالنفس، والتي دائمًا ما تقرن فى القرآن الكريم بالمال، وتقدم فى أغلبها التضحية بالنفس على المال، ولذا تجد مَن يستدلّ بالآية، يبترها مـن سياقها فيقول: (ولا تلقوا بأيديكم الي التهلكة)، ولو جاءَ بما قبلها مباشرة، لوجدَها تأمر بالإنفاق فى سبيل الله.

وما يفعله البعضُ فى هذه النصوص، فهو ليٌّ لأعناقها، وإلا فهل كانـت غزوات النبي- صلى الله عليه وسلم- امام أعدائه المعتدين مـن المشركين واليهود والروم تهوراً! بل إن النبي- صلى الله عليه وسلم- مـن أول يـوم جاء بدعوته، وأُخبر مـن ورقة بن نوفل بأن الباطل لن يتركه، حيـث اعلن له ورقة: ليتني أكون فيها جذعًا إذ يخرجك قومك، فقال: أو هم مخرجي؟ اعلن: ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا أُخرج وأُوذي.

فهل كانـت مواجهه الباطل هنا تهورًا؟ أو معركة غير متكافئة اندفع اليها؟ إن معارك الحق والباطل، والتحرر والاحتلال، دائمًا ما تكون عنيفة ومتجبّرة مـن الباطل، مهما كانـت أخلاقية المناضل عَنْ الحقّ، والقائم بها يعلم أنه لا ينتظره سوى أمرَين: إما النصر، وإما الشهادة، مصداقًا لقوله تعالى: (قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ‌ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) التوبة: 52.

ولذا ذكرَ القرآنُ الكريم لنا قصةَ أصحاب الأخدود، فى سورة البروج، وهم قوم كانوا سلميين تمامًا، لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم آمنوا بالله وحده، فأمسك بهم الحاكم الظالم، وقام بقتلهم جميعًا، ولم يُبقِ منهم أحدًا حيًا، فهل تهور القوم لأنّهم آمنوا؟! وهل بإبادتهم جميعًا هُزمت قضيتهم؟ لا، بل كان نصرهم معنويًا، وإن كانوا ماديًا استشهدوا جميعًا، ومثل هذه القضايا تُوزن بهذا المعيار أولًا.

ما الإعداد المطلوب للمقاوم؟

وما ذكرناه جاء الىُ لا يعني عدم الإعداد والتخطيط السديد للمعارك، ولكن هنا مسألة عملية أيضًا، وهي: ما الإعداد المطلوب مـن المقاومة وأهلها، حتـى نقول: إنّها جاهزة ومستعدة لكي تتحمل حربًا تدخلها؟ إنها مسألة لو وقفت المقاومة فى كل الشعوب عليها، لما تحرّكت بلدان لنَيل حريتها، فما مـن مقاومة لمحتل إلا وبدأت ضعيفة، ثم قويت شيئًا فشيئًا، ولا ننسى ما كان يقال عَنْ صواريخ القسّام جاء الى، مثلًا مـن أحد مشايخ السلفية فى مصر، وهو الشيخ محمد حسين يعقوب، اثناء اعلن: إنها صواريخ لا تخرم حائطًا، وكلام أبو مازن محمود عباس عنها أيضًا، وقد أسماها: البمب، نكاية فى السخرية مـن أثرها، والتشبيه بلعب الأطفال: بمب العيد!! ثم دارت الأيام، والآن أصبحت هذه الصواريخ متطورة، وتعمل بدور مقاوم لا يستهان به، بل يحسب العدو الصهيوني حسابها آلاف المرات.

وقد كفانا القرآن الكريم مؤونة النقاش فى هذه القضايا، اثناء اعلن تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ‌ٱسۡتَطَعۡتُم ‌مِّن ‌قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ) الأنفال: 60، والأوامر الشرعية مـن رحمة الله بالناس ولطفه بهم، مرهونة بالاستطاعة، فيقول تعالى عَنْ الحج: (وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ ‌حِجُّ ‌ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ) آل عمران: 97، فلم يأمر الله المجاهدين بالإعداد المكافئ تمامًا للعدو، بل طالبهم ببذل أقصى جهد يمكن، مـن حيـث الإعداد والتدريب، والتضحية، وإلا فإنّه لن يكون هناك مقاومة، وسُنن الله فى كونه، أنه لا شيء يبدأ كاملًا، سواء كان ماديًا أم معنويًا.

التعلم مـن العدو

ما يتغيب عَنْ هؤلاء الذين ينظرون للمقاومة ولجمهورها بهذا الخطاب السلبى، انّهم لا يتعلمون مـن العدو، فإن العدو الصهيوني بدأ مشواره الاحتلالي، وهو مبغوض مـن كل أطراف الدنيا، وبدا مشروُعه حُلمًا صعبَ التحقق، بل مستحيلًا، وهو ما كان يعبّر عنه اليهود أنفسهم لتيودور هرتزل، ولو عاد هؤلاء لأدبيات الغرب نفسه قبل قيام الكيان الصهيوني، ومن كان معه، ومن كان ضده، لعرَفوا ان طبيعة المعارك فى هذه الحياة حساباتها مختلفة مـن زمن لآخر.

وإذا غامر هذا العدو مغامرات لا حدود لها، ليقيم كيانه المحتل، وليقيم كل هذه العلاقات مـن حوله، مـن مادي ومعنوي، بعد ان كان محارَبًا مـن الجميع، ومكروهًا مـن العالم بأسره، فصبر وتحمّل حتـى يصل لهدفه، فالأولى بأصحاب الحق والأرض ان يكونوا ايضا، وهم ايضا بالفعل، ولا يفتّ فى عضدهم مثل هذه الدعاية السلبية، وأن يكونوا إما مقاومين، أو عونًا للمقاوم، كَمَا اعلن صلى الله عليه وسلم: “مـن جهّز غازيًا، فقد غزا، ومن ‌خلف ‌غازيًا فى أهله بخير، فقد غزا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى